- شروق حسن
- 27 Views
ترجمة: شروق حسن
كتبت وكالة تسنيم الإيرانية، في تقرير لها، الأربعاء 21 مايو/أيار 2025، أن سياسة “الضغط الأقصى” التي انتهجتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ضد إيران، خاصة من خلال العقوبات النفطية، واجهت تحديات غير متوقعة في ظل التحولات الجيوسياسية والاقتصادية الدولية. وأبرزت الوكالة في تقريرها، أن الصين، باعتبارها لاعبا رئيسيا في الاقتصاد العالمي، لعبت دورا محوريا في إحباط هذه الاستراتيجية.

وقالت الوكالة في تقرير لها، إنه في ظل الضغوط المتزايدة التي تمارسها الولايات المتحدة على إيران، لا سيما من خلال العقوبات النفطية في عهد ترامب، برزت تطورات جديدة في المعادلات الدولية، من بينها الدور البارز للصين في استيراد النفط من إيران وتجاهلها العملي للعقوبات وإحباطها.

وبحسب التقرير، فإنه مع وصول دونالد ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة، دخلت سياسة الضغط الأقصى ضد إيران مرحلة جديدة، وقد تم تصميم هذه السياسة، بهدف زعزعة استقرار الاقتصاد الكلي الإيراني، حول ثلاثة محاور رئيسية:
1 ـ محادثات استعراضية لنزع السلاح الاستراتيجي
2 ـ عقوبات شديدة مع التركيز على صادرات النفط
3 ـ التهديد العسكري
إلى جانب هذه الاستراتيجيات الرئيسية، تم اتباع مجموعة من الإجراءات الفرعية مثل الإذلال الوطني وإثارة التخويف من إيران، لكن على الرغم من هذه الضغوط غير المسبوقة، أدت الصين، باعتبارها لاعبا رئيسيا في المعادلات الاقتصادية العالمية، دورا مغايرا ومحبِطا للعقوبات.
الاستراتيجيات الثلاث الرئيسية لترامب
- التفاوض لنزع السلاح الاستراتيجي
تابعت الوكالة بالقول: بدأ ترامب وفريقه المفاوضات بهدف التوصل إلى اتفاق شامل يتجاوز البرنامج النووي، وكان هدفهم ليس فقط وقف الأنشطة النووية، بل التدمير الكامل للقدرات الدفاعية والصاروخية، وحتى النفوذ الإقليمي الإيراني.
وقد صُمّم هذا النوع من المفاوضات بطريقة تجعل من إيران دولة عديمة التأثير في المعادلات الجيوسياسية لمنطقة الشرق الأوسط.
- العقوبات النفطية بهدف الإخلال بالتوازن النقدي
أضافت الوكالة أن ثاني وأهم استراتيجية لترامب كانت العقوبات النفطية، وقد أعلن صراحة أن هدفه هو إيصال صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر.
فقد فُرضت في المئة يوم الأولى من رئاسته، أكثر من 180 عقوبة جديدة على إيران؛ أي بمتوسط يقارب عقوبتين في اليوم.
وكان التركيز الأساسي لهذه العقوبات على صناعة النفط، وتأمين ناقلات النفط، والتبادلات المصرفية، والشركات الوسيطة.
وقد صُمّمت هذه العقوبات لأن إيران تعتمد بشدة على العائدات النفطية لتأمين احتياجاتها من العملات الأجنبية. من مجموع الطلب السنوي على النقد الأجنبي في البلاد، والذي يبلغ نحو 120 مليار دولار (بما في ذلك الواردات، والخدمات، وخروج رؤوس الأموال، والتهريب)، لا يُغطّى سوى نحو 50 إلى 60 مليار دولار من خلال الصادرات غير النفطية.
هذا الفارق الكبير جعل إيران تعتمد على صادرات النفط، ومن هذه النقطة الضعيفة مارس ترامب ضغطه.
3. التهديد العسكري كأداة للحرب النفسية
وتابعت الوكالة بالقول إن ترامب هدّد مرارا بشنّ هجوم عسكري على إيران، وقد صُمّمت هذه التهديدات بالتوازي مع استراتيجية الضغط النفسي على المجتمع الإيراني وزيادة التوقعات التضخمية.
كان الهدف خلق بيئة غير مستقرة اقتصاديا واجتماعيا، تُفضي إلى تصاعد الاستياء الشعبي وزيادة الضغط على الحكومة.
الاستراتيجيات الفرعية: الإذلال وإثارة التخويف من إيران
أ) الإذلال الوطني:
وأضفت الوكالة أن ترامب كرّر مرارا اعتماد اسم الخليج العربي، وقارن إيران بأبراج السعودية، وسعى إلى التقليل من شأن إنجازات إيران بهدف تحقير صورتها في الرأي العام الإقليمي، وكانت هذه الإجراءات جزءا من الحرب الناعمة الرامية إلى إضعاف الكبرياء الوطني وخلق الانقسام الإقليمي.
ب) إثارة التخويف من إيران لبيع الأسلحة:
وأضافت الوكالة أن ترامب تحدث في جولاته الإقليمية، عن إيران باعتبارها تهديدا لوجود الدول العربية، وادّعى أنه في غياب الولايات المتحدة، ستقوم إيران باجتياح هذه الدول.
وكان الهدف من هذه الأجواء التمهيد لتوقيع صفقات ضخمة لبيع الأسلحة مع الدول العربية، وتعزيز الاقتصاد العسكري الأمريكي.
الوضع الاقتصادي لإيران في ظل العقوبات:
وأضافت أن إيران تتمتع ببنية نقد أجنبي هشة، وهي تعتمد بشكل رئيسي على العملات الأجنبية الناتجة عن مبيعات النفط، وعلى الرغم من المساعي لتوسيع الصادرات غير النفطية، لا تزال العوائد النفطية تشكل العامل الحاسم في ميزان المدفوعات.
في حال توقفت صادرات النفط تماما، فإن الخيارات البديلة مثل: استخدام الاحتياطيات من العملات الأجنبية (وهي محدودة)، الحوالات المالية من العمالة الوافدة (كما في حالة باكستان، وهو أمر غير متوافر في إيران)، أو الاقتراض الدولي (وهو مستحيل في ظل العقوبات)، لا تُعدّ خيارات قابلة للتنفيذ، والنتيجة المباشرة لهذا الوضع هي الارتفاع الحاد في سعر الصرف، قفزات تضخمية، ركود اقتصادي، ضغط مضاعف على الأسر، واستياء اجتماعي.
دور الصين في إحباط العقوبات
وأضافت الوكالة بالقول إنه على الرغم من سياسة الضغط الأقصى الأمريكية، انتهجت الصين مسارا مختلفا، وبحسب بيانات مؤسسة “S&P Global Commodities” الدولية، فإن الصين استوردت في شهر مايو/أيار 2025، ما معدله اليومي 1.91 مليون برميل نفط من إيران، وهو رقم مرتفع للغاية، وقد وصل أحيانا إلى نحو مليوني برميل يوميا.
وقد خفّضت الصين وارداتها مؤقتا في يناير/كانون الثاني 2025، لكنها عادت بسرعة إلى زيادتها، ويُظهر هذا السلوك مدى اعتماد جزء من الاقتصاد الصيني على النفط الإيراني، ومن خلال شراء النفط الإيراني بأسعار مخفّضة، لا تُسهم الصين فقط في تقليص نفقاتها على الطاقة، بل تقلل أيضا من اعتمادها على نفط منطقة الخليج عبر المسارات الخاضعة لسيطرة الولايات المتحدة.
منافع الصين من التعاون مع إيران
وتابعت الوكالة بالقول غنه على خلاف التصور العام الذي يرى في التعاون الصيني مع إيران نوعا من الدعم السياسي، فإن الواقع هو أن بكين تجني من هذه العلاقة فوائد اقتصادية واستراتيجية كبيرة.
فالصين، باعتبارها ثاني أكبر اقتصاد في العالم، بحاجة إلى مصادر طاقة ضخمة ومستقرة لضمان استمرار نموها الصناعي وتأمين أمنها الطاقي، وفي ظل هذه الظروف، يُعدّ النفط الإيراني، الذي يُعرض بتخفيضات كبيرة وفي ظروف خاصة بسبب العقوبات، مصدرا ثمينا وذو جدوى عالية بالنسبة لبكين.
وأضافت أن شراء النفط من إيران، بالإضافة إلى تحقيق وفورات اقتصادية، يتيح للصين تنويع سلة وارداتها من الطاقة، وتقليل اعتمادها على المسارات الخاضعة لسيطرة الولايات المتحدة وحلفائها في الخليج العربي والمحيط الهندي.
وتابعت أن هذا التنويع في مصادر تأمين الطاقة لا يقتصر على الجانب الاقتصادي فحسب، بل يحمل بُعدا مرتبطا بالأمن القومي أيضا؛ إذ إن بكين لن تواجه نقصا في موارد الطاقة في حال وقوع أزمات جيوسياسية.
وفوق ذلك، تقوم الصين بنقل جزء من النفط المستورد من إيران إلى احتياطاتها الاستراتيجية؛ وهي احتياطات يمكن أن تعزز من قدرة الصين على المناورة الاقتصادية والسياسية في أوقات الأزمات العالمية.
وتُفيد هذه المشتريات كذلك المصافي والصناعات المحلية الصينية، التي تتوافق مع خصائص النفط الإيراني الثقيل والمميز، ما يسمح لها بالعمل بطاقتها الكاملة.
وأضافت أنه على الصعيد السياسي، فإن استمرار الصين في شراء النفط من إيران يمنحها ورقة تفاوضية إضافية في المحافل الدولية مع الغرب، وتستطيع بكين من خلال هذه الورقة، في اللحظات الحاسمة، انتزاع مكاسب تتعلق بمصالحها الاقتصادية أو الأمنية، أو الحد من الضغوط الغربية عليها.
لذا، فإن شراء النفط من إيران لا يُعد خيارا اقتصاديا فحسب بالنسبة للصين، بل هو جزء من استراتيجية الطاقة الكبرى والأمن والسياسة الخارجية لهذا البلد. ومن بين المنافع التي تجنيها الصين:
1 ـ الحصول على النفط بأسعار أقل من السوق الحرة.
2 ـ تنويع مصادر الطاقة وتقليل مخاطر الاعتماد على المسارات الغربية.
3 ـ استخدام النفط الإيراني في الاحتياطيات الاستراتيجية والصناعات المحلية.
4 ـ خلق ورقة ضغط سياسية في المفاوضات مع الغرب.
في الواقع، وبالاستناد إلى مصالحها الاقتصادية والجيوإستراتيجية، لا تزال الصين الزبون الرئيسي لنفط إيران.
العقوبات النفطية لم تَعُد فعّالة كما في السابق
تابعت الوكالة أن استراتيجيات العقوبات التي تعتمدها الولايات المتحدة، لا سيّما تركيزها على صادرات النفط الإيرانية، وإن كانت تُلحِق أضرارا بالاقتصاد الإيراني، إلا أنها لم تَعُد تحمل الفاعلية الحاسمة التي كانت تمتلكها في السابق. وأهمّ سبب لذلك هو تغيّر تموضع اللاعبين العالميين وتجاهل الصين العملي لضغوط واشنطن، فالصين، بسبب مصالحها الاقتصادية المباشرة، لا تزال من المشترين الرئيسيين للنفط الإيراني، وهو ما حال دون وصول صادرات النفط الإيراني إلى الصفر.
بناءً على ذلك، فإن هيكل الاقتصاد الدولي اليوم لم يعُد يسمح بفرض السياسات الأمريكية على إيران بشكلٍ أحادي، ويمكن لإيران، من خلال استغلالها الذكي لهذه الفجوات في النظام الدولي، أن تتجاوز جزءا من الضغوط الناجمة عن العقوبات، وتحافظ على توازنها الاقتصادي.
واختتمت الوكالة مقترحةً أنه في ظل التوجهات العالمية الراهنة، فإن توسيع العلاقات الاقتصادية مع الدول المستقلة عن المنظومة الغربية، مثل الصين، والهند، وروسيا، وحتى بعض الدول الأفريقية، يمكن أن يكون استراتيجية فعالة لتعزيز القدرة على الصمود الاقتصادي في مواجهة العقوبات.