إيران بين التفاوض والتصعيد.. جنيف ساحة دبلوماسية وسط تصعيد عسكري إسرائيلي

عباس عراقجي- منصات التواصل

ترجمة: شروق حسن

نشرت صحيفة اعتماد الإيرانية، في عددها الصادر السبت 21 يونيو/حزيران 2025، تقريرا أفادت فيه بأنه في الوقت الذي بلغ فيه العدوان الإسرائيلي على إيران أسبوعه الثاني، تحاول طهران والدول الأوروبية فتح نافذة دبلوماسية عبر مفاوضات معقّدة تُجرى في جنيف بقيادة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، وبينما يدعو مسؤولون دوليون إلى حلّ تفاوضي طويل الأمد، يرى محللون أن هذه المباحثات قد تُستخدم غطاء لإضفاء شرعية على خطوات عسكرية مستقبلية من قبل إسرائيل وأمريكا.

وأضافت الصحيفة أنه في الأيام التي بلغ فيها العدوان الإسرائيلي على إيران يومه الثامن، ظهرت أولى المؤشرات العيانية على بدء التفاوض من أجل إحياء الدبلوماسية، وذلك من خلال مفاوضات وزير الخارجية الإيراني عراقجي مع الترويكا الأوروبية.

وأشارت إلى أنه قد أجرى عراقجي في جنيف، أمس، محادثات خماسية مع نظرائه من ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، وكذلك مع الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، تناولت الملف النووي والتطورات الأخيرة في المنطقة عقب العدوان العسكري الإسرائيلي على إيران.

وخلال خضم محادثات عراقجي مع الترويكا الأوروبية يوم الجمعة 20 يونيو/حزيران 2025، أُعلن أن “محادثات جنيف أوقِفَت من جانب عراقجي، والمسؤولون الإيرانيون بصدد دراسة نقاط محددة”.

وقد اعتبر الصحفيون هذا التوقف مؤشرا على وجود نقاش جدي ومفصلي داخل المفاوضات. وأكّدت البعثة الإيرانية أن إيران لم تغادر طاولة المفاوضات، وأن هذه المفاوضات لا تمثل نهاية الحوار.

وكانت الجولات الخمس السابقة من المفاوضات بين إيران ودول الترويكا الأوروبية (E3) دليلا على إرادة إيران في الحفاظ على قناة الحوار، ومن المقرّر أن تتواصل الجولة الثانية من المفاوضات بعد انتهاء فترة الاستراحة المعلنة.

لكن، وبمعزل عن مفاوضات عراقجي مع الترويكا الأوروبية، صرّح رافائيل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالقولِ “إذا توفرت الإرادة السياسية، فإن حلا دبلوماسيا سيكون في متناول اليد”.

وأكّد غروسي أنه يمكن أن يُشكّل الاطمئنان إلى أن إيران لن تحصل على سلاح نووي أساسا لعقد اتفاق، ودعا إيران والولايات المتحدة إلى استئناف المفاوضات السابقة للتوصل إلى اتفاق نووي.

كما نشر تغريدة قال فيها: “لقد ألقيت الآن خطابا في مجلس الأمن حول الوضع في إيران، إن الهجمات على المواقع النووية الإيرانية أدت إلى انخفاض حاد في السلامة والأمن النووي، وعلى الرغم من عدم حدوث أي تسرب إشعاعي أثّر على السكان حتى الآن، فإن الخطر لا يزال قائما”.

وتابعت الصحيفة أن تصريحات غروسي تأتي حول عدم وجود أي مؤشرات على انحراف البرنامج النووي الإيراني، في وقت نظّمت فيه إسرائيل والولايات المتحدة، استنادا إلى التقرير الأخير للوكالة، هجمات ضد إيران، وخطّطتا لعدوان واسع النطاق على البنى التحتية الإيرانية.

وبحسب ما أعلنه ماكرون، فإن أوروبا تتابع أربعة محاور رئيسية في مفاوضاتها مع عراقجي: أولا، القضية النووية؛ ثانيا، قدرات إيران في مجال الصواريخ الباليستية؛ ثالثا، موضوع دعم إيران لفصائل المقاومة في المنطقة، والذي دائما ما تنفيه طهران؛ وأخيرا، إطلاق سراح السجناء الأوروبيين في إيران.

وأضافت الصحيفة أن وبهذا البرنامج التفاوضي، انطلقت في جنيف جلسة وزراء خارجية إيران والترويكا الأوروبية، إلى جانب مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، وقد بدأت هذه الجلسة يوم الجمعة 20 يونيو/حزيران 2025، بطلب من الطرف الأوروبي.

عراقجي: هجوم إسرائيل جريمة حرب 

صرّح عبّاس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، قبل بدء المفاوضات، خلال كلمته في جلسة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بأن الهجوم الإسرائيلي جريمة حرب واضحة ضد إيران.

وأضاف عراقجي في كلمته أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، أن الشعب الإيراني، الوريث لإحدى أقدم الحضارات البشرية وبلد محبّ للسلام، هو اليوم هدف لعدوان واضح من قبل نظام ارتكب خلال العامين الماضيين جريمة إبادة جماعية في فلسطين، ولا يزال يحتل أراضي الدول المجاورة.

وتابع أن الإحتلال بدأ عدوانا غير مبرر ضد إيران؛ وهو إجراء يمثّل انتهاكا صريحا لميثاق الأمم المتحدة ويقوّض المبادئ والقيم التي تأسّس عليها هذا المجلس.

وأكد أنّ هذا العدوان أسفر عن مقتل أو إصابة مئات الإيرانيين، من بينهم عناصر عسكرية كانوا في حالة راحة، وأساتذة جامعات، ومواطنون عاديون، بل إن إسرائيل استهدفت حتى المنشآت النووية السلمية الإيرانية، التي تخضع بالكامل لرقابة الوكالة الدولية.

ولفت إلى أنّ هذه الهجمات الإسرائيلية تُعدّ جرائم حرب واضحة، وتثير خطر وقوع كارثة بيئية وصحية خطيرة.

وأوضح وزير الخارجية أن إيران تدافع عن نفسها، ولديها، استنادا إلى ميثاق الأمم المتحدة، الحق في الدفاع المشروع عن سيادتها وسلامة أراضيها.

وأشار إلى المسار الدبلوماسي الذي سبق الهجوم، بالقولِ: “كنا في خضمّ جهود دبلوماسية، وكان من المقرّر أن نلتقي مع الولايات المتحدة من أجل تسوية سلمية للقضايا المرتبطة ببرنامجنا النووي، لكن هذا الهجوم مثّل خيانة للدبلوماسية وضربة للقانون الدولي”.

وفي ختام كلمته، أكّد أن الوقت قد حان لتحرك، إنّ اللامبالاة والتقاعس في مواجهة هذا العدوان ستكون لهما تداعيات تتجاوز المنطقة، وتهدّد النظام القانوني الدولي بأسره.

سعيد شريعتي

قال سعيد شريعتي، الناشط السياسي الإصلاحي، في حوار مع صحيفة «اعتماد» حول انطلاق مفاوضات الترويكا الأوروبية مع وزير الخارجية الإيراني في جنيف، إن “الإجراء الذي قامت به إسرائيل بضوء أخضر من أمريكا وبالتنسيق مع الدول الغربية، هو تعبير عن إرادة استخدام القوة العارية والعنف المنفلت، من أجل إيقاف ما تعتبره إيران حقها المشروع وفق القوانين والضمانات الدولية».

وأضاف أن جميع التعابير التي تُستخدم هذه الأيام لوصف اعتداءات إسرائيل، مثل الجريمة، وانتهاك ميثاق الأمم المتحدة، والعمل ضد المصالح الوطنية الإيرانية، جميعها في محلها، لكن الواقع الذي تجلّى هو أن إسرائيل وأمريكا قررتا اللجوء إلى القوة والعمل العسكري لتحقيق ما تعتبرانه إرادتهما السياسية.

ويتابع شريعتي أن هذا المستوى من المفاوضات الجارية حاليا يُعتبر، من وجهة نظر الغرب، نوعا من الإنذار الأخير لإيران، فهم في الحقيقة لا يسعون إلى التفاوض والتوصّل إلى اتفاق مع إيران، بل يحاولون إيجاد شرعية للخطوات المقبلة التي ستقوم بها إسرائيل وربما أمريكا.

وأضاف أن العمليات الواسعة التي تنفّذها إسرائيل تستهدف المعرفة والقدرات النووية الإيرانية، وأن موقعي نطنز وفردو هما في صدارة هذه الهجمات، ويزعم الإسرائيليون أن موقع نطنز قد توقف عن العمل، لكن فيما يتعلق بفردو، فلا يمكنهم بأي حال من الأحوال تحقيق نجاح فيه بمفردهم.

وأشار إلى أن “الأحداث التي تدور حول الجهود الجديدة تمثّل مسعى للقضاء على موقع فوردو النووي، وتابع أن نقطة التحول في نجاح إسرائيل العسكري، ومن بعدها أمريكا، هي الهجوم على فردو وإخراجه عن الخدمة، المرحلة الهامة في التحركات العسكرية الإسرائيلية بدعم أمريكي، هي ضرب موقع فردو وشلّ عمله.

 ولذلك فإن الأمريكيين يعملون الآن على التمهيد من أجل فرض ضغوطهم التالية بشكل أكثر حدة، هذه المقترحات والتصريحات والوساطات الأوروبية، تهدف إلى أن تنفّذ أمريكا عمليتها العسكرية بدعم أقوى”.

ويتابع المحلل بالقول إنه “إذا وُجدت إرادة سياسية لوقف اعتداءات إسرائيل، وتحقّق ذلك قبل توجيه الضربة إلى فردو، فعندها يجب على إيران أن تُعلن النصر”.

وأضاف أنه “ورغم جميع المحاولات والضربات العسكرية الإسرائيلية بدعم من أمريكا، فإن إيران استطاعت الحفاظ على فردو. 

وإذا تم الحفاظ على فوردو، فسيكون هناك حلّ لمسألة الصواريخ الإيرانية أيضا، وستتمكن إيران من الحفاظ على إنجازاتها في هذا المجال، لكنني شخصيا لست متفائلا كثيرا، وأعتقد أن هذا المسار سيستمر حتى يتم قصف فردو من قبل الإسرائيليين، ومن ثم من قبل الأمريكيين”.

وتابع أنه في نهاية المطاف، فإن مآل الأمور سيتوقف على ما إذا كان التوازن العسكري بين الطرفين سيفضي إلى وقف لإطلاق النار أم لا، وقد يستمر النزاع، ومن غير المرجّح أن تؤدي هذه المفاوضات إلى وقف الاعتداءات الظالمة التي تشنها إسرائيل.

ويشير شريعتي إلى تصريحات المسؤولين الأوروبيين، بالقولِ أن تصريحات ماكرون، بصفته المتحدث باسم الدول الأوروبية الثلاث، والذي يتّخذ مواقف أكثر عقلانية، تُظهر أن مفاوضات جنيف الجارية بين الترويكا الأوروبية وإيران تتابع أربع قضايا رئيسية: أولا، التخصيب بنسبة صفر في المئة (وقد ردّ المرشد الأعلى على هذا الطلب)، ثانيا، إلغاء برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني (وهو ما وصفه عراقجي بأنه خط أحمر غير قابل للتفاوض)، ثالثا، القضاء على قدرة إيران على تمويل الجماعات الوكيلة في المنطقة، وأخيرا، إطلاق سراح الرهائن الأوروبيين، الذي أُدرج ضمن هذه المفاوضات.

ويختم بالقول إن إيران دائما ما أنكرت هذه المطالب، وأعلنت أنها لن تتراجع عن خطوطها الحمراء. 

المفاوضات التي تُعقد يوم الجمعة 20 يونيو/حزيران 2025 ستجري وفق هذا البرنامج، لكن لا يمكن توقع مخرج واضح للأزمات الحالية، إذ إنه في حال خرجت نتيجة لصالح إيران من هذه المفاوضات، فإنها بالتأكيد لن تكون مقبولة من قبل إسرائيل والولايات المتحدة. 

وفي مثل هذا الوضع، تحاول إيران، اعتمادا على قدراتها التنظيمية الداخلية وعلى تماسكها، أن تُقيم توازنا جديدا من خلال المقاومة.

موسويان

قال سيد حسين موسويان، الدبلوماسي والمفاوض النووي الإيراني السابق، في حوار مع قناة «سي إن إن» حول اجتماع الترويكا الأوروبية مع إيران برئاسة وزير الخارجية سيد عباس عراقجي، إن “الحل هو التوصّل إلى اتفاق يشمل برنامجا قصير الأمد وآخر طويل الأمد».

وفي ردّه على سؤال مقدّم البرنامج عمّا إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على القضاء على المعرفة النووية الإيرانية، أجاب موسويان بأنه “قطعا لا. أولا، لا يمكن تدمير التكنولوجيا والمعرفة التقنية عبر القصف، حتى الأمريكيون والإسرائيليون لا يدّعون أكثر من قدرتهم على تأخير البرنامج النووي الإيراني لمدة سنة أو سنتين على الأكثر من خلال الهجمات العسكرية، وليس أكثر من ذلك.

 ثانيا، إيران لا تمتلك قنبلة نووية، بينما تملك إسرائيل ما بين 100 و400 قنبلة نووية، إيران منحت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أعلى مستوى من الوصول في تاريخ حظر الانتشار النووي، بحيث أن أكثر من 50% من ميزانية وقدرات وعمليات تفتيش الوكالة خلال السنوات العشرين الماضية خُصّصت لإيران، في حين أن إسرائيل لم تسمح بأي وصول للوكالة”.

وتابع موسويان أنه من ناحية أخرى، إيران عضو في معاهدة عدم الانتشار (NPT)، بينما إسرائيل لم تقبل بهذه المعاهدة. 

ومنذ عام 2007، أكدت تقارير أجهزة الاستخبارات الأمريكية، وكذلك تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية منذ عام 2003، بشكل مستمر أنه لا توجد أي مؤشرات على انحراف البرنامج النووي الإيراني نحو إنتاج سلاح نووي.

 لذلك فإن الهجوم العسكري على إيران بذريعة التهديد النووي لم يكن مشروعا ولا قانونيا.

وأشار المحلل إلى أنّ ما يدّعيه اليوم الرئيس ترامب ونتنياهو بأن إيران على بُعد أسبوع أو أسبوعين فقط من تصنيع القنبلة النووية، هو نتيجة مباشرة للسياسات الخاطئة للولايات المتحدة نفسها.

 فقد تم التوصّل إلى اتفاق نووي (برجام)، وبموجبه قبلت إيران أعلى مستوى من الرقابة في تاريخ حظر الانتشار النووي، وكان ما يُعرف بمدة “الفرار النووي” الإيرانية آنذاك سنة كاملة، وليس أسبوعا واحدا.

لكن ترامب انسحب من الاتفاق النووي وفرض أقسى العقوبات على إيران، مما دفع طهران، كردّ فعل، إلى رفع قدراتها ومستوى برنامجها النووي، حتى وصلت إلى نقطة فرار نووي لا تتجاوز أسبوعا أو أسبوعين، لذلك فإن الولايات المتحدة هي المسؤولة عن خرق الاتفاق، لا إيران.

واختتم بالقول إنه “رغم كل ذلك، فإن الخيار الأفضل لا يزال هو الدبلوماسية، وليس الحرب، هذه السياسة الأمريكية تدفع الإيرانيين إلى الاعتقاد بأنه لا خيار أمامهم سوى الوصول إلى القنبلة النووية كوسيلة ردع”.