إيران تراجع مواقفها.. كيف تقود الأزمات الداخلية سياسة إيران الخارجية؟

استعرضت صحيفة “هم ميهن” الإيرانية الإصلاحية في تقريرٍ نشرته يوم الجمعة 9 مايو/أيار 2025، ملامح التحول الجاري في السياسة الخارجية لإيران.

قالت الصحيفة الإيرانية “هم ميهن”، إن إيران تعطي الأولوية للمصالح الاقتصادية للتعاون، ومن خلال ذلك تُضفي توجها جديدا على نهجها في التعاطي الدبلوماسي مع جيرانها ومع الغرب.

وأضافت أن الخطوات التي اتخذتها إيران نحو تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، والمملكة العربية السعودية، وروسيا، والصين، تستحق المتابعة، غير أنه من المرجح أن تكون هذه الخطوات مؤشرات على تحركات براغماتية تهدف إلى تحقيق منافع قصيرة الأمد، أكثر من كونها تعكس تغييرات أيديولوجية عميقة في المواقف. 

وتابعت بالقول إن الضغوط السياسية والاقتصادية الداخلية دفعت إيران إلى إعادة تقييم نهجها التصادمي مع الجيران ومع القوى العالمية.

 وأشارت إلى أن التوقف المحتمل عن دعم الحوثيين يُعدّ آخر نتيجة ممكنة ومهمة للموقف المتغير لإيران.  وأوضحت أن ما يلي هو خمسة عوامل ينبغي مراقبتها، في الوقت الذي تعيد فيه طهران، تحت الضغط، ضبط سياساتها:


هل تتجه إيران إلى تغيير نهجها نحو الولايات المتحدة؟

ذكرت الصحيفة أن السياسة الخارجية الحالية لإيران، تحت قيادة المسؤولين الجدد، تتركز على التفاعل الاقتصادي البراغماتي، خصوصا مع الولايات المتحدة، كوسيلة لتخفيف التوترات الإقليمية. 

وأضافت أن عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، كتب في 8 نيسان/أبريل 2025، مقالا في صحيفة “واشنطن بوست”.

 وقالت إن هذا المقال شكّل مؤشرا بارزا على أن نهج طهران قد تغيّر، متجها نحو استمالة الغرائز التجارية المباشرة للرئيس دونالد ترامب، من خلال تصوير إيران على أنها “سوق مفتوحة” للاستثمار الأمريكي في حال رفع العقوبات.

وتابعت الصحيفة أن هذا الأمر يشير إلى تحول تكتيكي نحو الدبلوماسية الاقتصادية، مع إعطاء الأولوية للمصالح الآنية على حساب المواقف الأيديولوجية.

 وقالت إن طهران خفّفت من حدة الخصومات السابقة، وركّزت على التعاون المستقبلي، مرسلةً رسالة، مفادها الاستعداد لـ”توقف استراتيجي” بدلا من المواجهة.

وأضافت أن الترحيب بستيف ويتكوف، التاجر الأمريكي، كمفاوض للولايات المتحدة، يبرز نية إيران في إعادة صياغة العلاقات من خلال التجارة بدلا من الصراع.

 وأوضحت أن هذا النهج يُعرض داخليا على أنه “فصل جديد”، وتُدعى جميع الفئات إلى دعم الجهود لجذب الأعمال الأمريكية؛ لكنها لفتت إلى أن بعض التذمرات لا تزال قائمة بين المتشددين، رغم أنهم أقلية صغيرة لا تملك القدرة على حرف المسار الدبلوماسي الجاري عن اتجاهه الأساسي.

وختمت بالقول إن المسؤولين الإيرانيين يُقدّمون صورة لإيران على أنها منفتحة على الساحة الدولية، لكن القيود الداخلية لا تزال قائمة، ما يثير الشكوك حول التزام إيران بالإصلاح الحقيقي؛ ومع ذلك، تبدو أولويات السياسة الخارجية واضحة: ضمان انفراج اقتصادي عبر التفاعل، خصوصا مع الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه احتواء الاضطرابات الداخلية.

العلاقات بين إيران والسعودية

وقالت الصحيفة الإيرانية “هم ميهن”، إن تحسّن العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية في عام 2023 تحقق بوساطة صينية.  وأضافت أن هذه الخطوة تُعدّ مؤشرا على تحرك تكتيكي نحو خفض التوتر، لكن الاستقرار طويل الأمد في الخليج لا يزال موضع شك.

وتابعت بالقول إن المبادرة الأخيرة من جانب السعودية، التي شملت زيارة وزير الدفاع خالد بن سلمان لطهران في نيسان/أبريل 2025، تعكس رغبة الرياض في حماية نفسها من التداعيات المحتملة لأي صراع بين إيران والولايات المتحدة. 

ولفتت إلى أن السعوديين أجروا تواصلا مباشرا مع المسؤولين العسكريين الإيرانيين، وتحديدا مع الحرس الثوري، في مسعى لضمانات وأيضا للتأثير على الموقف الإقليمي لطهران، وهو موقف ترى الرياض أن العسكريين يشكّلونه أكثر من الدبلوماسيين.

وأضافت الصحيفة أن هذا التوجّه يعكس استراتيجية براغماتية لدى السعوديين، تهدف أكثر إلى تجنّب التورط في حروب المنطقة، بدلا من إعادة تشكيل دائمة للعلاقات.

 وقالت إن بعض الأوساط في طهران يعتقدون أن هناك تنسيقا أمريكيا خلف الكواليس؛ في محاولة لإحياء استراتيجية “الركيزتين”: أي إدارة مشتركة للمنطقة من قبل إيران والسعودية.  واعتبرت أن هذا التصور يفترض انسجاما مفرطا في الأهداف الاستراتيجية لواشنطن في الوقت الراهن.

تحسن العلاقات بين ايران والسعودية

تابعت الصحيفة موضحةً أن المملكة العربية السعودية تستفيد واقعيا من علاقاتها المحسّنة مع إيران كأداة توازن في مواجهة الضغوط الأمريكية والإسرائيلية، خصوصا في ما يتعلق بتطبيع العلاقات مع إسرائيل. 

وأشارت إلى أن العلاقات بين إيران والسعودية حاليا في أفضل حالاتها خلال العقدين الماضيين، لكن هذا الانفراج يُستخدم أكثر كوسيلة لإدارة المخاطر المتبادلة مع إيران، وليس كقاعدة لاستقرار دائم.

 وأكدت أن التنافسات البنيوية والضغوط الخارجية لا تزال قائمة، ما يجعل السلام المستدام هشّا، ويعتمد على التطورات الإقليمية الأوسع.

التحوّل الاستراتيجي نحو الشرق

وتابعت الصحيفة الإيرانية “هم ميهن”، إن تطوّر العلاقات بين إيران وروسيا والصين آخذ في إعادة تشكيل سياستها الخارجية، وذلك بشكل رئيسي كاستراتيجية لمواجهة العقوبات الأمريكية؛ لكنها أوضحت أن هناك قيودا جدية لا تزال قائمة. 

وأضافت أن إيران تسعى إلى تحويل شراكاتها إلى أدوات لمقاومة الضغط الأمريكي، من خلال أطر مثل مجموعة “بريكس” المكوّنة من عشرة أعضاء، والتي كانت روسيا قد أطلقتها، ومنظمة شنغهاي للتعاون الخاضعة لنفوذ الصين.

 ولفتت إلى أن اتفاقية التجارة الحرة مع روسيا من المنتظر أن تعزّز التبادل التجاري الثنائي؛ إلا أن القسم الأكبر من النمو الأخير في التجارة بين موسكو وطهران لم ينتج عن تقارب استراتيجي عميق، بل عن عوامل خارجية، مثل الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا عام 2022 والعقوبات الغربية التي تلته.

وأضافت الصحيفة أن إيران وروسيا لا تتفقان كليا في القضايا الإقليمية، خصوصا بشأن إسرائيل ومستقبل الدور السياسي الروسي بعد الأسد. وأشارت إلى أن طهران تبدي شكوكا تجاه التزام موسكو بالأهداف المشتركة، وأنه في مناطق النزاع مثل جنوب القوقاز، لا يوجد تنسيق يُذكر.

 وقالت إن المرشد الأعلى لإيران، علي خامنئي، ما زال يستثمر في علاقة طويلة الأمد مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، غير أن اعتماد إيران على روسيا في جوهره تكتيكي أكثر منه استراتيجي.

وتابعت الصحيفة موضحةً أن إيران تستخدم هذه الشراكات للحفاظ على أوراقها التفاوضية، في الوقت الذي تجري فيه حوارا حذرا مع الولايات المتحدة؛ إلا أن حالة عدم الثقة تجاه روسيا لا تزال قائمة، سواء داخل دوائر السلطة في إيران أو لدى الغرب.

 وأكدت أن توجه إيران شرقا انعكاس للضرورات، وليس نتيجة لتحول عميق، مشيرةً إلى أن الموقف الاستراتيجي الإيراني لا يزال مرنا، ويتشكل بفعل ديناميكيات عالمية وإقليمية متغيرة.

الضغوط الداخلية

وأضافت الصحيفة الإيرانية “هم ميهن” أن الاضطرابات في السياسة الداخلية الإيرانية والمشاكل الاقتصادية التي تواجهها البلاد تركت تأثيرا بالغا على السياسة الخارجية، ودَفعت بطهران نحو اتخاذ موقف أكثر براغماتية وأقل تصلبا أيديولوجيا.

وأوضحت أن المسؤولين الإيرانيين، في مواجهة السخط الشعبي المتزايد إزاء سوء الإدارة الاقتصادية والعزلة الدولية، يعيدون تقييم سياساتهم التصادمية.

 ولفتت إلى أن التوتر العميق مع حكومات الخليج كان من أبرز دوافع هذا التغير، لا سيما مع المملكة العربية السعودية، التي تحوّلت من سياسات قائمة على الدين إلى استراتيجيات تركز على التجارة والاندماج في النظام العالمي.

وأشارت إلى أن هذه الدول الخليجية باتت منسجمة مع القوى العالمية، وأعطت الأولوية للدبلوماسية الاقتصادية، متقدمة بذلك على إيران في ميدان النفوذ الإقليمي.

عزل إيران

أضافت الصحيفة أن خبراء إيرانيين يتحدثون بشكل متزايد عن أن التمسك الإيراني بالمواقف الأيديولوجية أدى إلى عزل البلاد، في حين أن خصومها العرب يزدهرون كمراكز اقتصادية.

وقالت إن ضغط الاحتجاجات الداخلية والمعاناة الاقتصادية يُنتج إجماعا متناميا داخل البلاد، يدعو إيران إلى التخلي عن ثنائيات مبسطة من نوع “شرق-غرب”، واعتماد دبلوماسية أكثر مرونة تقوم على التجارة.

وتابعت الصحيفة موضحةً أن التحوّل السعودي ترك أثرا خاصا في تشكيل هذا النقاش داخل إيران، حيث بيّن لها أن البقاء في عالم معولم يتطلب القدرة على التكيّف، لا التصلب.

 وأضافت أن انخراط إيران مع إدارة ترامب يعكس هذا التغير الداخلي: السعي وراء انفراجة اقتصادية وإعادة الاندماج في النظام العالمي من أجل تثبيت الأوضاع الداخلية.  وتابعت أن الأمل القائم هو أن تكون البراغماتية، لا الشعارات، هي ما يعيد لإيران مكانتها الإقليمية والدولية.

الحرب بالوكالة 

أضافت الصحيفة الإيرانية “هم ميهن” أن الاستراتيجية الإقليمية لإيران، القائمة على دعم جماعات بالوكالة مثل حزب الله، وحماس، والحوثيين، تواجه تحديات متزايدة من حيث الاستمرارية، بسبب تحولات الديناميكيات الإقليمية والضغوط الأمريكية المتصاعدة.

وأوضحت أن تقارير حديثة تشير إلى أن طهران تعيد النظر في دعمها للحوثيين، وأن هناك مزاعم بانسحاب القوات الإيرانية من اليمن لتفادي مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة. 

وقالت إن هذا التعديل في الموقف يدل على أن إيران باتت ترى ضرورة ملحّة في إعطاء الأولوية لأمنها القومي وسط تصاعد الضربات الأمريكية وتزايد الوجود العسكري الأمريكي في البحر الأحمر والمحيط الهندي.

وتابعت الصحيفة موضحةً أن الرسائل التي وجّهتها إيران إلى الحوثيين والفصائل المسلحة العراقية، والتي دعتهم فيها إلى ضبط النفس، تشير إلى تحوّل استراتيجي. وقالت إن طهران تبدو كأنها تركّز الآن على احتواء التوتر بدلا من تصعيده عبر وكلائها، لتجنّب إعطاء مبرر لواشنطن– وتحديدا للرئيس ترامب– للقيام بهجوم مباشر. 

ووفقا للتقارير، فإن الحوثيين- الذين أعادتهم واشنطن مؤخرا إلى قائمة التنظيمات الإرهابية– خفّفوا من نشاطاتهم، وهو ما يُعد مؤشرا على رغبة إيران في تقليل الضغط الدولي وربما تقديم نفسها كوسيط. 

ولفتت الصحيفة إلى أن إيران تدرك أيضا تنامي حضور قوى كبرى مثل روسيا والصين في مشهد الصراعات بالوكالة، مما يُعقّد من نفوذها، وقد وُجّهت اتهامات إلى روسيا بتقديم معلومات وتسليح للحوثيين.

وأضافت أن هذه الاتهامات تبرز أن هذه الجماعات لم تعد تتحرّك حصرا وفق توجيهات إيرانية، مما يُضعف من سيطرة طهران عليها. 

وأكدت أن هذا التحول لا يعني بالضرورة تخلّي إيران الكامل عن نهج الحرب بالوكالة، بل يعكس سعيا لإعادة ضبط التوازن بصورة براغماتية. وذكرت أن إيران تسعى لتفادي التصعيد المكلف، مع الإبقاء على نفوذها الإقليمي. 

وتابعت بالقول إن الاستراتيجية الإيرانية بالوكالة، التي كانت ذات يومٍ حجر الزاوية في سياستها الإقليمية، باتت تواجه تحديات من تهديدات الولايات المتحدة ومن التغيرات الإقليمية، وأصبحت تتنافس مع نهج أكثر حذرا يركّز على البقاء؛ وبالتالي، فإن دعم إيران لهم لم يعد التزاما شاملا، بل أصبح انتقائيا وتكتيكيا، ما يثير تساؤلات متزايدة حول مدى استدامة هذه الاستراتيجية.

السياسة الخارجية الإيرانية

قالت الصحيفة إن السياسة الخارجية الإيرانية ستواجه خلال السنوات الخمس المقبلة، تحديين مترابطين: الصمود في وجه الركود الاقتصادي، ودفع هيمنة الأيديولوجيات المتطرفة إلى التراجع.

وأضافت أن منتقدي الداخل الإيراني يرون أن المحللين المتشددين في مجال السياسة الخارجية، من دون خبرة عالمية وفهم للتعقيدات، قد دفعوا بالبلاد نحو عزلة استراتيجية.

 وأشارت إلى أن اعتماد هؤلاء على الخطابات والشعارات المعادية للغرب جعل إيران غريبة عن النظام الدولي، خصوصا في وقت أحرز فيه خصومها في الخليج، كالمملكة العربية السعودية، تقدما إلى الأمام من خلال دبلوماسية براغماتية قائمة على التجارة. وتابعت بالقول إن إيران، من الناحية الاقتصادية، تكافح من أضعف موقف لها منذ الحرب الإيرانية-العراقية. 

وذكرت أن الأنظمة المالية الفاشلة، والأزمات البيئية، وفقدان الثقة العامة الشامل، كلها قد اجتمعت دفعة واحدة فوق رؤوس البلاد.  وأكدت أن هذا الأمر يقيّد قدرة طهران بشكل حاد على استخدام أدوات السياسة الخارجية في سبيل الإنعاش الاقتصادي.

وشددت على أنه من دون إصلاح، لا يمتلك النظام رأس المال الاجتماعي والثقة العامة اللازمة لدفع المشاريع الاقتصادية الواسعة والكبيرة إلى الأمام، في حين أن جماعات المصالح المتجذّرة تقاوم التغييرات التي قد تعود بالنفع على شرائح أوسع من السكان.

وختمت الصحيفة تقريرها، بالتأكيد أن الفرص لا تزال قائمة: فالانخراط مع الولايات المتحدة من أجل اتفاق نووي محتمل قد يفضي إلى رفع العقوبات ويفتح مسارات للنمو الاقتصادي، بشرط أن يستعيد البراغماتيون نفوذهم مجددا. 

وأضافت أن المعتدلين أقرّوا بأن المعضلات الاقتصادية لإيران مرتبطة بسياستها الخارجية التصادمية، وهم يدفعون باتجاه تحوّل نحو الدبلوماسية والاندماج في العالم.

ورأت الصحيفة أن أكبر فرصة لإيران تكمن في التخلي عن الجمود الأيديولوجي واحتضان البراغماتية الاقتصادية، غير أن هذا مرهون بتجاوز الهيمنة المتجذّرة للمتشددين.