- ربيع السعدني
- 4 Views
في ظل تصاعد التوترات الدولية وتسارع وتيرة المفاوضات النووية بين إيران والقوى الغربية، أثارت تصريحات وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو جدلا حادا بزعمه أن إيران تشكل تهديدا صاروخيا مباشرا لفرنسا ومصالحها الأمنية، هذه التصريحات، التي جاءت على وقع احتمالات استئناف المحادثات بين طهران وواشنطن خلال الأسبوع الجاي، تكشف عن تعقيدات الموقف الأوروبي.
وتثير تساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء هذا التصعيد الفرنسي: هل تسعى فرنسا لتعزيز ضغوطها على إيران لانتزاع تنازلات في المفاوضات؟ أم أنها تعكس مخاوف أعمق من تحولات جيوسياسية قد تعيد تشكيل التوازنات في المنطقة؟ ومع تزايد احتمالات انعقاد الجولة الرابعة من المحادثات النووية بين إيران والولايات المتحدة يوم الأحد 11 مايو/ أيار 2025 زادت التكهنات حول مستقبل المحادثات مرة أخرى، لكن في هذا الوضع، ادعى وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو أن إيران تشكل تهديدا صاروخيا لفرنسا.
وبطبيعة الحال، كان هذا الادعاء مصحوبا أيضا برد فعل من وزارة الخارجية الإيرانية وبحسب موقع “فرارو” زعم وزير الخارجية الفرنسي يوم الجمعة 9 مايو/ أيار 2025 خلال جلسة حوارية في مركز أبحاث المجلس الأطلسي أن: “إيران تشكل تهديدا صاروخيا كبيرا لمصالحنا الأمنية لأننا، “فرنسا ومدينة مرسيليا”، نقع في نطاق هذه (الصواريخ الإيرانية) وشركائنا المقربين في المنطقة أيضا في النطاق لذلك نحن نأخذ هذا الأمر على محمل الجد”.
لا أساس له من الصحة
وكتب إسماعيل بقائي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، على موقع التواصل الاجتماعي “إكس”: “إن ادعاء وزير الخارجية الفرنسي أن إيران على (عتبة تطوير) الأسلحة النووية سخيف تماما ولا أساس له من الصحة”.

إن هذه التصريحات الكاذبة، إلى جانب التهديد بإعادة فرض العقوبات على إيران، تعزز الشكوك في أن موقف فرنسا النقدي معرض لخطر التحول إلى دور تخريبي، ومن المؤكد أن مثل هذا النهج لن يضيف شيئا إلى هيبة فرنسا ومكانتها في أوروبا والعالم.
في حين أشار وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي خلال اتصال هاتفي الأسبوع الماضي (5 مايو/ أيار 2025) مع كايا كلاس الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي إلى النهج المسؤول لـ طهران في اختيار طريق الدبلوماسية لحل المخاوف المصطنعة بشأن البرنامج النووي السلمي الإيراني.
واعتبر عراقجي أن المضي قدما في هذا الطريق يتطلب إرادة جادة وواقعية من الجانب الآخر، وأكد أنه إذا ادعى البعض أن القلق الوحيد يتعلق بإمكانية حصول إيران على الأسلحة النووية، فإن هذا القلق يمكن حله والتوصل إلى اتفاق في هذا الصدد في متناول اليد تماما، لكن ذلك يتطلب تجنب المواقف غير الواقعية وغير المنطقية.
وجاءت المحادثة بين عراقجي وكلاس عشية الجولة الرابعة من المحادثات غير المباشرة بين طهران وواشنطن بشأن البرنامج النووي الإيراني.
وعقد الطرفان حتى الآن ثلاث جولات من المحادثات غير المباشرة بوساطة عمانية، وقيما العملية بشكل عام بأنها “جيدة”، وأكد وزير عراقجي أن عدة جولات من المحادثات جرت مع الدول الأوروبية الثلاث (ألمانيا، فرنسا، والمملكة المتحدة) خلال العام الماضي، مشددا على استعداد بلادنا لمواصلة التعاون مع الأطراف الأوروبية، سواء عبر الاتحاد الأوروبي أو هذه الدول بشكل فردي. وأعرب عن أمله في استئناف المحادثات بنهج بنّاء، بعيدا عن التوترات السياسية.
فرنسا ودور الشرطي السيئ
إن تجربة عدة سنوات من المفاوضات بين إيران والأطراف الأوروبية بحسب وكالة الأنباء الإيرانية “إرنا” قد أعطت المسؤولين الإيرانيين تقييما عاما ومهما لنشاطهم في المفاوضات النووية مع إيران، ويبدو أن الترويكا الأوروبية تكرر خلال هذه الفترة نفس النوع من الحضور والنشاط على سبيل المثال، لعبت الحكومة الفرنسية عادة دورا رادعا وسلبيا في المفاوضات التي جرت عام 2015 والتي أدت إلى اتفاق خطة العمل الشاملة المشتركة.

إن التصريحات الأخيرة للمسؤولين في هذا البلد بشأن إيران وبرنامجها النووي وقدراتها الصاروخية والدفاعية تذكرنا مرة أخرى بهذه التجربة وتظهر أنه من الضروري للحكومة الفرنسية أن تتعلم منها عقب ادعاءات وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو ضد إيران في مختلف الاجتماعات والمنتديات خلال الشهر الماضي.
المزاعم الفرنسية تتراوح من ادعاءات إنتاج الأسلحة النووية إلى مخاطر قدرات طهران الصاروخية على أوروبا، وفي الأيام الأخيرة هدد حتى باستخدام آلية الزناد، وكان بارو قد زعم في مؤتمر مشترك مع رافائيل جروسي الأمين العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران تسعى للحصول على أسلحة نووية وتجاوزت كل التزاماتها فيما يتعلق بتخصيب اليورانيوم.
وتحدث وزير الخارجية الفرنسي أيضا في مناسبات مختلفة عن تفعيل “آلية الزناد” إذا لم يتم تلبية المصالح الأمنية الأوروبية في المفاوضات الإيرانية الأمريكية، وتزعم فرنسا أن مدى الصواريخ الإيرانية يهدد مدنا في البلاد وأجزاء أخرى من أوروبا، وأن إشارة وزير الخارجية إلى المصالح الأمنية الأوروبية تنبع من هذا الرأي.
ومع تزايد هذه المزاعم، وصف إسماعيل بقائي، المتحدث باسم وزارة الخارجية، القضايا التي أثارتها فرنسا بشأن المفاوضات النووية بأنها غريبة ولكنها غير مسبوقة، قائلا: “ربما يكون الهدف من الإدلاء بهذه التصريحات هو أنهم يسعون إلى نوع من المساومة خارج غرفة المفاوضات، وهو أمر غير مقبول بالنسبة لنا”.
رسالة إيران إلى مجلس الأمن
وأكد أمير سعيد إيرواني، سفير إيران ومندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة، في رسالة إلى الرئيس الدوري لمجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في إشارة إلى سمعة فرنسا الملطخة في مجال منع الانتشار: “تؤكد طهران التزامها بالدبلوماسية والمشاركة البناءة، ولكن الدبلوماسية الحقيقية لا يمكن أن تستمر في جو من التهديدات والضغوط، إذا كانت فرنسا وشركاؤها يسعون حقا إلى حل دبلوماسي، فيجب عليهم التوقف عن إطلاق التهديدات واحترام الحقوق السيادية للدول بموجب القانون الدولي”.
ومع ذلك، ورغم كل هذه الاتهامات، لا تزال فرنسا تتحدث عن الدبلوماسية مع إيران باعتبارها الخيار الوحيد الممكن وهو النهج الذي تكرر في أول اتصال بين رئيس السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كلاس ووزير الخارجية الإيراني عراقجي وأكد استعداد إيران لمواصلة التفاعل مع الأطراف الأوروبية، سواء في شكل الاتحاد الأوروبي أو دول الترويكا الأوروبية الثلاث، وأعرب عن أمله في استئناف هذه المحادثات ومواصلتها بنهج بناء وخال من التحيز السياسي.
وقد ناقش جلال ساداتيان، الدبلوماسي الإيراني السابق في المملكة المتحدة وخبير السياسة الخارجية البارز، هذا الأمر في مقابلة مع فرارو وأكد أن الأوروبيون قلقون بشكل عام من أن إيران سوف تتجاهلهم وتتجاهلهم، لأن الجولات الأربع من المفاوضات الأوروبية مع نائبي وزير الخارجية الإيراني للشؤون القانونية والدولية كاظم غريب آبادي ومجيد تخت روانجي تم التخلي عنها بعد أن بدأت المفاوضات مع المبعوث الأمريكي الخاص لشؤون الشرق الأوسط ستيف ويتكوف بشكل غير مباشر في عُمان، وكانوا أيضا في حيرة من أمرهم من أن إيران تتجاهلهم تماما”.

والنقطة الأخرى هي أن الأوروبيين ظنوا أن المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة قد تطول وأنهم قد يخسرون الفرصة التي كانت لديهم، “وفقا للاتفاق النووي، تم تحديد آلية، وهي في حد ذاتها عملية تستغرق ثلاثة أشهر، لذا فهي تستغرق وقتا، وإذا تجاوزنا شهر يونيو ثم فترة أوائل أكتوبر، فإن إعادة فرض العقوبات لم تعد ذات قيمة ولا يمكن تنفيذها”.
وأضاف: “في ظل هذه الظروف، سيفقد الأوروبيون القدرة على ممارسة الضغوط”، بحسب ساداتيان والآن تستخدم فرنسا ودول الترويكا الأوروبية الأخرى أدوات الضغط لإجبار إيران على تقديم التنازلات، كما صرح الجانب الأمريكي في بعض الأحيان، بهدف ممارسة الضغط، بأن إيران يجب أن تنهي برنامجها النووي بالكامل كما أن إيران ليست مستعدة للتخلي عن برنامجها النووي بالكامل.
هناك أيضا نزاع بشأن تخصيب اليورانيوم بنسبة 3.67%، وما إذا كان ينبغي الاستعانة بمصادر خارجية أم ينبغي لإيران أن تقوم بذلك بنفسها، يزعم الأوروبيون أنهم قلقون بشأن حصول إيران على السلاح النووي، ويرتكز هذا القلق على تخصيب اليورانيوم بنسبة 60% أو 20%.
شروط التفاوض مع أوروبا
تشهد الترويكا الأوروبية نوعا من السلبية الذاتية في علاقاتها مع إيران، وهو ما يزيد من خوف هذه الدول وترددها من الرفض في المفاوضات، وفي ظل هذا الخوف والتردد تحاول أوروبا الحصول على تنازلات من إيران والولايات المتحدة.
ووفقا لتقرير “فرارو” يمكن لإيران العودة إلى الاتفاقات الشاملة المشتركة، ولكن بشرط أن يقوم الأوروبيون والأمريكيون بتخفيف العقوبات غير المبررة التي فرضوها أو رفعها بالكامل، وهذا هو على وجه التحديد ما يسبب التعقيد المتزايد في المناقشات بين الخبراء، إن الجانب الإيراني لديه مخاوف جدية بشأن طبيعة الالتزامات الأمريكية.
وهو على حق في ذلك ولا تريد إيران أن تتورط مرة أخرى في هذا السيناريو الأحادي الجانب الذي تفي فيه بكل التزاماتها لكنها لا تحصل في المقابل على أي تنازلات أو التزامات من الطرف الآخر وتابع الدبلوماسي الإيراني: “بعض العقوبات الأمريكية على طهران مرتبطة بالرئاسة وبعضها بالكونجرس، ولكل منهما طريقته ومنهجه في الحل” ونتيجة لذلك، فإن الأمر يستغرق وقتا ويتطلب خبراء من بنك الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأمريكي لمناقشة المفاوضات بطريقة احترافية.
ورغم أن التركيز الرئيسي للأمريكيين وفقا لـ “ساداتيان” ينصب الآن على القضايا النووية، فإن قضايا الصواريخ تعتبر أيضا مهمة ومن ناحية أخرى، فإن قضايا الصواريخ تصنف أيضا ضمن المخاوف أو المخاوف المزعومة للأوروبيين الذين لا يريدون أن يغطي مدى الصواريخ الإيرانية أوروبا، “يريد الأوروبيون أن يعرفوا في أقرب وقت ممكن إلى أين ستقود نتائج المفاوضات حتى يتمكنوا من اتخاذ القرار”.