إيران في مرمى الاتهام.. تقرير نمساوي يكشف الطموحات لصنع القنبلة النووية.. وطهران تنفي: “ادعاءات كاذبة”

عباس عراقجي- منصات التواصل

كشف تقرير استخباراتي نمساوي مزعوم صادرٌ يوم الأربعاء 28 مايو/أيار 2025، نقلته شبكة “فوكس نيوز” الإخبارية الأمريكية، عن استمرار إيران في تطوير برنامجها النووي العسكري، بهدف تعزيز هيمنتها الإقليمية. 

هذه النتائج، التي تتعارض مع تقييمات الاستخبارات الأمريكية، تثير قلقا دوليا وتعقد المفاوضات النووية، في ظل اتهامات لطهران بدعم الإرهاب والالتفاف على العقوبات ردت إيران بنفي الاتهامات، مؤكدة الطابع السلمي لبرنامجها ومطالبة بتوضيح رسمي.

أصدر مكتب حماية الدستور الفيدرالي النمساوي، في 26 مايو/أيار 2025، تقريرا استخباراتيا يؤكد أن إيران تسعى لتطوير أسلحة نووية لتعزيز نفوذها الإقليمي وحماية نظامها من الهجمات العسكرية، وفقا للتقرير، الذي يمتد على 211 صفحة، تمتلك طهران ترسانة متنامية من الصواريخ الباليستية بعيدة المدى القادرة على حمل رؤوس نووية. 

كما أشار إلى تقدم برنامجها النووي العسكري، وهو ما يتناقض مع تقييمات الاستخبارات الأمريكية التي تنفي وجود مثل هذا البرنامج منذ تعليقه في عام 2003.

نظام راعٍ للإرهاب

كشف التقرير أن إيران طورت شبكات متقدمة لتجاوز العقوبات الدولية، مستفيدة من خبراتها في شراء المعدات العسكرية والتكنولوجيا الحساسة المستخدمة في إنتاج أسلحة الدمار الشامل، وأوضح أن موسكو استفادت أيضا من هذه الشبكات، مما يعزز التعاون بين البلدين في مواجهة القيود الدولية.

كما أشار إلى أن إيران تمثل تهديدا للديمقراطية في النمسا، حيث ورد ذكرها 99 مرة كـ”نظام راعٍ للإرهاب” يمتلك برنامجا نوويا غير قانوني، وأبرز دور السفارة الإيرانية في فيينا، التي تضم بزعمهم عناصر استخباراتية تعمل تحت غطاء دبلوماسي، كما ذكّر بحادثة الدبلوماسي الإيراني التقييمات في فيينا أسد الله أسدي، الذي حُكم عليه في 4 فبراير/ شباط  2021 بتهمة التخطيط لتفجير قنبلة في اجتماع للمعارضة (المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية) في باريس عام 2018، وحُكم عليه بالسجن لمدة 20 عاما، وهو ما يمثل وصمة عار على طهران في سعيها لتعزيز العلاقات الدولية في أوروبا وواشنطن وفقا لما وصفه تقرير فوكس نيوز.

وبحسب هذا التقرير، سعت إيران إلى التحايل على العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لتأمين التكنولوجيات اللازمة لبناء قنبلة نووية.

تناقضات مع التقييمات الأمريكية

أثارت نتائج التقرير النمساوي جدلا واسعا بسبب تعارضها مع تقييمات سابقة لمديرة مكتب الاستخبارات الوطنية الأمريكية (ODNI) تولسي غابارد التي أكدت في 25 مارس/ آذار 2025 أن إيران لا تصنع أسلحة نووية حاليا، وأن المرشد الأعلى الإيراني لم يأذن ببرنامج الأسلحة النووية الذي علقه في عام 2003، وجاء في التقرير: “إن الولايات المتحدة ستواصل مراقبة أنشطة إيران عن كثب إذا قررت طهران استئناف برنامجها للأسلحة النووية”.

وأضافت غابارد: “إن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب أكبر مما ينبغي أن تمتلكه دولة غير نووية”، وفي وقت سابق، اعترفت وكالة الاستخبارات الأمريكية، اليوم الثلاثاء، بأن طهران لا تسعى إلى تصنيع أسلحة نووية، وقال الفيزيائي النووي ديفيد أولبرايت إن التقييم الأمريكي “عالق في الماضي”، مشيرا إلى أن تقارير ألمانية وبريطانية منذ 2007 أكدت استمرار البرنامج النووي العسكري الإيراني، مما يدعم النتائج النمساوية.

ردود الفعل والتداعيات

أكد مسؤول في البيت الأبيض التزام الرئيس دونالد ترامب بمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية ومع ذلك، رفض مكتب الاستخبارات الوطنية الأمريكية ووزارة الخارجية التعليق على التقرير، ويُتوقع أن تؤثر هذه المعلومات الجديدة على سير المفاوضات الجارية بشأن البرنامج النووي الإيراني، خاصة مع تأكيد التقرير على عزم طهران مواصلة تطوير قدراتها النووية.

دعم الإرهاب

أشار التقرير إلى استمرار إيران في تزويد وكلائها في المنطقة عبر جماعات مثل حماس وحزب الله والمليشيات السورية بالأسلحة، مما يعزز تصنيفها كداعم للإرهاب كما كشفت وثائق سابقة نشرتها “فوكس نيوز” في عام 2023 عن محاولات إيران للحصول على تكنولوجيا نووية وبيولوجية وكيميائية، حتى بعد الاتفاق النووي  مع القوى الغربية الكبرى في عام 2015.

نفي الادعاءات النووية

أثار التقرير الاستخباراتي ردود فعل قوية من طهران، التي ردت بشدة على هذه الادعاءات، معتبرة إياها “كاذبة”، وتطالب النمسا بتوضيح رسمي، مؤكدة على الطابع السلمي لبرنامجها النووي.

وأصدرت وزارة الخارجية الإيرانية بيانا رسميا وصفت فيه التقرير النمساوي بأنه “ادعاء كاذب لا أساس له من الصحة”، المتحدث باسم الوزارة، إسماعيل بقائي طالب الحكومة النمساوية بتقديم توضيح رسمي بشأن ما وصفه بـ”التقرير الكاذب” الصادر عن وكالة الاستخبارات النمساوية وأكد أن البرنامج النووي الإيراني يظل “سلميا” ويتماشى مع التزاماتها الدولية بموجب معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية (NPT).

ونشر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، على موقع التواصل الاجتماعي “إكس”، الذي أرفق معه صورة لتقرير المؤسسة النمساوية، وكتب: “إيران تسعى بصدق إلى حل دبلوماسي يضمن مصالح جميع الأطراف، ولكن هذا يتطلب اتفاقا يرفع كل العقوبات ويلبي حقوق إيران النووية، بما في ذلك التخصيب”.

وأضاف عراقجي أن الطريق إلى التوصل إلى اتفاق يكمن عبر طاولة المفاوضات وليس عبر وسائل الإعلام.

الحق في التكنولوجيا النووية

وفي سياق متصل، أكد البرلمان الإيراني في بيان صدر في الـ21 من مايو/أيار 2025، أن طهران “لن تتخلى أبدا عن حقها في التكنولوجيا النووية” للأغراض السلمية وأشار البيان إلى أن البرنامج النووي يهدف إلى تلبية الاحتياجات المدنية، مثل إنتاج الطاقة والاستخدامات الطبية، رافضا أي اتهامات بتطوير أسلحة نووية.

وجاء في البيان البرلماني: “أيها الشعب الإيراني، نشهد هذه الأيام أن المسؤولين الأمريكيين وبعض أعضاء الكونجرس أدلوا بتصريحات تتعارض مع مصالح الأمة الإيرانية، لقد زعم نظام الولايات المتحدة، المعروف منذ سنوات بأنه محور الشر في العالم، بأوهام وخيالات لا أساس لها من الصحة”، موضحا أن الأمة الإيرانية العظيمة والبطولية لا ينبغي أن تستفيد من الصناعة النووية.

كما اعتبرت طهران أن التقرير النمساوي يندرج ضمن حملة “التخويف من إيران” التي تقودها الولايات المتحدة وبعض الحلفاء الغربيين، وأشار الباحث السياسي الإيراني رضا صدر الحسيني في تصريحات سابقة إلى أن مثل هذه الاتهامات تُستخدم كجزء من استراتيجية غربية للضغط على طهران، خاصة في ظل المفاوضات النووية الجارية. 

وأكد أن إيران لا تسعى لامتلاك أسلحة نووية، مشددا على أن قرار المرشد علي خامنئي بعدم تطوير أسلحة نووية يظل “اختيارا أخلاقيا وسياسيا”.

التهديد بردٍّ متناسب

في سياق التوترات المتعلقة بالبرنامج النووي، سبق أن حذر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، من أن بلاده سترد “بشكل متناسب” على أي قرارات دولية ضد برنامجها النووي، مثل تلك التي قد تصدر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأشار إلى أن إيران تمتلك القدرة التقنية لتطوير أسلحة نووية، لكنها تختار عدم القيام بذلك بناء على توجيهات المرشد، هذا التصريح يعكس موقفا دفاعيا يهدف إلى ردع أي تصعيد ضد طهران.

استدعاء القائم بالأعمال النمساوي 

ردا على تقرير وكالة الاستخبارات النمساوية حول استمرار جهود طهران للحصول على الأسلحة النووية، استدعت وزارة الخارجية الإيرانية القائم بالأعمال النمساوي، وذكرت وكالة “ميزان أونلاين” للأنباء، التابعة للسلطة القضائية أنه تم استدعاء القائم بالأعمال النمساوي يوم الجمعة 30 مايو/أيار 2025 وخلال الاجتماع، أعلن رئيس الدائرة الأولى لأوروبا الغربية في وزارة الخارجية احتجاج طهران الشديد على الادعاءات الواردة في تقرير وكالة الاستخبارات النمساوية ووصفه بأنه “غير مسؤول” و”استفزازي” ضد البرنامج النووي السلمي الإيراني.

وأفادت وكالة “ميزان” للأنباء بأن القائمة بأعمال سفارة جمهورية النمسا في طهران، ميكايلا باخير، كانت حاضرة في الاجتماع في غياب سفير البلاد، وأوضحت القائم أنها ستنقل احتجاج إيران وطلبها توضيحا رسميا إلى حكومتها في فيينا.

عرقلة المفاوضات 

يأتي رد إيران في ظل مفاوضات نووية حساسة مع الولايات المتحدة، حيث أشارت تقارير إلى تقدم في هذه المحادثات التي انطلقت في أبريل/نيسان 2025 ووصلت لجولتها الخامسة ومع ذلك، فإن التقرير النمساوي قد يعقد هذه العملية، حيث أعربت إيران عن استيائها من الاتهامات التي تراها محاولة لتقويض الثقة في نواياها السلمية، وأبدت طهران بعض المرونة في المفاوضات، مثل اقتراح إنشاء مشروع نووي مشترك مع دول عربية أو حتى مع الولايات المتحدة لضمان الشفافية، لكنها تشترط ضمانات قوية لعدم فرض عقوبات إضافية.

يثير التقرير الاستخباراتي النمساوي تساؤلات جدية حول نوايا إيران النووية وتأثيرها على الأمن الإقليمي والدولي، والتناقض بين التقييمات الاستخباراتية الأمريكية والنمساوية يعكس الحاجة إلى مراجعة دقيقة للسياسات الدولية تجاه إيران، ومع استمرار طهران في تطوير قدراتها العسكرية والنووية، يبقى السؤال: هل ستتمكن المفاوضات الدولية من كبح طموحاتها النووية، أم أن المنطقة تتجه نحو تصعيد جديد قد يهدد الأمن العالمي؟