إيران والطاقة المتجددة.. حزمة التحديات أمام تحقيق طموحات الطاقة النظيفة

في ظل التحديات المتزايدة التي تواجه إيران في إدارة موارد الطاقة بها، أصبح التحول نحو مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة من الأولويات الحيوية لتحقيق التنمية المستدامة وضمان استمرارية الإمدادات الكهربائية، حيث تسعى الحكومة في طهران إلى إعادة صياغة سياساتها واستراتيجياتها لتشجيع الاستثمار في هذا القطاع المتطور، مع مواجهة مجموعة من العقبات التنظيمية والبيروقراطية التي قد تعيق تحقيق الأهداف المنشودة.

نهج الرئيس بزشكيان.. من التشجيع إلى التهديد

تبنى الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، تغيير السياسة الاستهلاكية للمواطنين في إيران، وكانت أولى تلك الخطوات إطلاقه لمبادرة درجتين أقل، والتي دعا فيها المواطنين إلى تخفيض درجة المكيات إلى درجتين للترشيد من استهلاك الكهرباء، في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من أزمة طاقة كبرى.

وعلى مستوى انتاج الطاقة، فقد صرح بزشكيان خلال أحد الاجتماعات الحكومية في أبريل/نيسان من العام 2025، بأن الحكومة ستقوم بتصميم وتقديم حزم تحفيزية جذابة للاستثمار في مجال الطاقات المتجددة، وستقدم دعما خاصا لهذه الاستثمارات.

 وخلال هذا الاجتماع أيضا، ثمن بزشكيان بالإجراءات المتخذة بالنظر إلى حداثة أبعاد المشروع، وأكد أن ما يهم الحكومة هو تنفيذ المشروع ضمن الإطار الزمني المحدد، وخصوصا قبل بدء ذروة استهلاك الكهرباء في فصل الصيف.

بعدها، وخلال زيارته لمحافظة قم، في مايو/أيار من العام نفسه، صرح بزشكيان بأن الحكومة لن تزود إداراتها بالكهرباء، حيث قال: “لن تحصل أي مؤسسة حكومية على الكهرباء في الصيف ما لم تعتمد على الألواح الشمسية. من المقرر أن يقدم الوزراء تقريرا عن تقدم العمل في هذا الموضوع خلال أسبوع من الآن”.

هذا وقد أثارت تلك التصريحات جدلا في الداخل الإيراني، ففي تعليق عليها قال عبد الله بابا خاني، خبير في مجال الطاقة المتجددة خلال حوار مع صحيفة هم ميهن في 6 مايو/أيار 2025، إن “هذا التصريح بعيد تماما عن أي أسس علمية، تماما كما لو أنني كخبير غير متخصص قررت إجراء عملية جراحية في القلب أو العين بناء على اجتهادي الشخصي”.

كم يبلغ اعتماد إيران على الطاقة المتجددة؟

حسب أحدث الإحصائيات الصادرة عن منظمة الطاقة المتجددة وكفاءة الكهرباء في إيران، فقد ارتفعت قدرة الطاقة المتجددة في إيران حتى نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام 2024 إلى 1317.12 ميغاواط، وتشمل تلك النسبة الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والطاقة الكهرومائية الصغيرة، وتوربينات الانبساط، والطاقة الحيوية.

وفي هذا الإطار، تشكل الطاقة الشمسية بحجم 608.03 ميغاواط ما نسبته 60% من مزيج الطاقة المتجددة، تليها طاقة الرياح بحجم 376.3 ميغاواط، بنسبة 29%، أما محطات الطاقة الكهرومائية الصغيرة فتبلغ قدرتها 103.73 ميغاواط، ما يعادل 8% من إجمالي الطاقة المتجددة، فيما تصل قدرة محطات الطاقة الحيوية إلى 22.13 ميغاواط، بنصيب 2% من مزيج الطاقة المتجددة.

وبهذا الشأن، فقد صرح محسن طرز طلب، نائب وزير الطاقة الإيراني، في نوفمبر/تشرين الثاني العام 2024، بأن 3500 ميغاواط من محطات الطاقة المتجددة ستدخل شبكة الكهرباء الوطنية حتى ذروة الطلب للعام المقبل.

كما تفيد التقارير بأن نحو 90% من الكهرباء في إيران يتم إنتاجها في محطات حرارية تستخدم الغاز الطبيعي كوقود، فوفقا لتقرير شركة الغاز الوطنية الإيرانية، يُستهلك ما يقرب من ثلث الغاز في البلاد في محطات توليد الكهرباء، بينما البقية تُنتج عبر محطات كهرومائية، ومن جهة أخرى، تفيد تقارير وزارة الطاقة أن حصة الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء لا تتجاوز 1%.

الطاقة المتجددة تصطدم بحائط البيروقراطية

وفي ظل تفاقم أزمة الكهرباء وخطوات الحكومة السريعة في هذا المجال، فقد أشار تقرير نشرته صحيفة شرق الإصلاحية بتاريخ 24 مايو/أيار 2025، بأن تجارب المستثمرين في هذا القطاع قد أشارت إلى أن تنفيذ المشاريع الشمسية يواجه عقبات قانونية وبيروقراطية مرهقة، إضافة إلى ضعف التنسيق بين المؤسسات الحكومية، ما يعرقل الاستثمار ويضيّع على إيران فرصا هائلة في هذا المجال.

وحسب تقريرها، فيؤكد خبراء ونشطاء في مجال الطاقة المتجددة أن هناك عقبات عديدة تواجه تطوير المحطات الشمسية، مثل مشكلات تخصيص الأراضي، والتعقيدات في إجراءات الاستعلام، وارتفاع رسوم استيراد المعدات، وتقلب السياسات الحكومية في شراء الكهرباء.

طبقات من البيروقراطية

صرح علي رضا داد، الخبير في الطاقة المتجددة، خلال حديثه مع الصحيفة، بأن “الطريق القانوني لإنشاء محطة شمسية يتطلب ثلاث استعلامات رئيسية أولها استعلام الأرض من الجهات المالكة كالموارد الطبيعية أو الجهاد الزراعي، وموافقة شركة الكهرباء على الربط بالشبكة، كذلك موافقة منظمة البيئة”.

كما أوضح أن كل استعلام ينطوي على مراحل فرعية عديدة، وأن الخطوة الأولى تعتمد على سعة المحطة، فإذا كانت أقل من 7 ميغاواط، يجب تقديم الطلب إلى شركة توزيع الكهرباء، أما السعات الأعلى فيقدم الطلب إلى شركة الكهرباء الإقليمية، كما يعد حل مشكلة الأرض من أول التحديات، إذ يحتاج كل ميغاواط إلى نحو 1.5 هكتار من الأرض، ومعظم المستثمرين لا يملكون أرضا خاصة.

وبعد تحديد الأرض، يجب تقديم إحداثياتها لشركة الكهرباء لبدء الدراسات الفنية بشأن إمكانية ربطها بالشبكة. وفي حال موافقة الشركة، يبدأ التسجيل في المنصة الوطنية للترخيص، حيث تحمل المستندات القانونية للشركة، وبيانات الأرض، وخطاب شركة الكهرباء ليتم فحصها من قبل منظمة الطاقة المتجددة، وبعد الموافقة، تُصدر رخصة الإنشاء والتي قد تستغرق شهرين بسبب التراكم الكبير في الطلبات، لكن هذه الرخصة ليست كافية وحدها، إذ يتعين على المستثمر بعدها التقدم بطلبات جديدة للحصول على استعلامات من الموارد الطبيعية، شركة الكهرباء، ومنظمة البيئة.

وبحسب داد، فإن منظمة البيئة غالبا ما تتعاون وترد سريعا، وكذلك شركة الكهرباء خلال نحو 10 أيام. أما الجهة الأصعب، فهو مؤسسة الموارد الطبيعية، التي قد تستغرق شهرين للرد. وبالتوازي، يجب على المتقدم تجهيز مستندات التصميم الفني وأنواع المعدات المطلوبة، ثم توقيع العقد الرسمي مع وزارة الطاقة، وهو ما يمثل نقطة الانطلاق لتنفيذ المشروع فعليا، بما في ذلك استيراد الألواح الشمسية والعاكسات.

لكن تظل أحد أكبر العراقيل هو عدم التنسيق بين وزارة الطاقة ووزارة الصناعة، حيث لا تملك وزارة الطاقة ميزانية مباشرة للاستيراد، ما يفرض على المستثمرين المرور عبر وزارة الصناعة التي لا تتعاون بشكل فعّال، ما يؤدي إلى تعطيل الطلبات، وعدم تخصيص العملة الأجنبية، وتجاوز سقوف الائتمان.

التراخيص بعد رخصة الإنشاء.. الطريق لا ينتهي

من جانبه، قال حميد رضا صالحي، رئيس منظمة الطاقة المتجددة، إن التحدي الحقيقي يبدأ بعد إصدار رخصة الإنشاء، مشيرا إلى أن الاستعلامات الثلاثة المطلوبة قد تستغرق 40 يوما أخرى. وأضاف أن من الأفضل إجراء هذه الاستعلامات بالتوازي مع دراسة الجدوى لتقليص الزمن. كما أشار إلى أن الحصول على المعلومات الفنية من شركة الكهرباء، لتصميم نظام الربط بالشبكة، يتطلب وقتا طويلا.

كذلك، فقد شدد صالحي على ضرورة تقليص البيروقراطية، مع الحفاظ على الأولويات الفنية، وأشار إلى أن محافظة خراسان تم اختيارها كمنطقة تجريبية لتفويض بعض الصلاحيات، ما قد يُسرّع من تنفيذ مشاريع الطاقة الشمسية.

العقبة الأكبر.. الأرض والبنية التحتية

بدوره، قال إحسان حبيبي، أحد نشطاء الطاقة المتجددة، إن هناك الآن 3 تراخيص رئيسية بديلة عن التعقيدات القديمة، وهي البيئة، الموارد الطبيعية، وشركة الكهرباء، لكنه أوضح أن العقبة الأهم تكمن في مسألة الأرض، إذ يجب إثبات أن الأرض ليست صالحة للزراعة، وإلا سيتحمل المالك تكاليف تغيير الاستخدام.

وأضاف أن الأراضي التي تقترحها الموارد الطبيعية غالبا ما تواجه معارضات محلية أو تكون بعيدة عن محطات الكهرباء، ما يرفع التكاليف ويجعل المشروع غير مجد اقتصاديا، كما اقترح أن تقوم الدولة ببناء محطات كهرباء فرعية من موارد صندوق التنمية الوطني، أو بالشراكة مع القطاع الخاص، بدلا من منح قروض صغيرة غير فعالة.

تُظهر شهادات النشطاء والخبراء أن إصلاح السياسة العامة وحده لا يكفي، بل يجب مراجعة آليات التنفيذ وتبسيط الإجراءات، فبدون إصلاحات هيكلية وتقليل التداخل المؤسسي وخفض المخاطر، لا يمكن لإيران الاستفادة من إمكاناتها الهائلة في الطاقة الشمسية. فالبلد، الذي يتمتع بأحد أعلى معدلات الإشعاع الشمسي في المنطقة، لن يتحول إلى مركز إقليمي للطاقة المتجددة إلا عندما تتحول الوعود إلى بنية تحتية حقيقية وسياسات محفزة.