ادعاءات نووية في محافظة سمنان.. “فوكس نيوز” تسلط الضوء على موقع “رينبو”، وطهران ترد: “فبركة”

في الثامن من مايو/أيار 2025، نشرت شبكة فوكس نيوز تقريرًا مثيرًا استنادًا إلى صور أقمار اصطناعية قدمتها منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، زاعمةً اكتشاف منشأة نووية سرية في محافظة سمنان بإيران، واستشهدت الشبكة الإخبارية الأمريكية بصور التقطتها الأقمار الصناعية من الجماعة الإرهابية، وادعت وجود منشأة نووية سرية يطلق عليها اسم “موقع قوس قزح”. 

يقع هذا الموقع الذي تم تحديده حديثًا في محافظة سمنان الإيرانية، وهو على مسافة كبيرة من المنشآت النووية الإيرانية الأخرى المعروفة، وبحسب موقع “شرق“، استنادا إلى معلومات قدمتها جماعة مجاهدي خلق الإرهابية لشبكة “فوكس نيوز”، فإن هذه الصور تشير إلى مجمع ضخم تبلغ مساحته نحو 2500 هكتار (نحو 10 كيلومترات مربعة)، مما يظهر الأبعاد الشاسعة لهذا المشروع. 

هذا الادعاء أثار جدلاً واسعًا وسط مفاوضات حساسة بين إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وطهران بشأن البرنامج النووي الإيراني، مما يضع ضغوطًا إضافية على سير المحادثات المقررة اليوم الأحد 11 مايو/أيار 2025.

اكتشاف المنشأة السرية: “موقع قوس قزح”

وفقًا لتقرير “فوكس نيوز”، تم الكشف عن منشأة نووية مزعومة في منطقة إيوانكي بمحافظة سمنان، تُعرف باسم “موقع قوس قزح” (Rainbow Site) هذه المنشأة، التي تديرها شركة “ديبا إنرجي صبا” المزعوم أنها واجهة لأنشطة نووية، تعمل منذ عقد من الزمان وتمتد على مساحة واسعة تزيد على 2500 فدان.

المصادر، التي استندت إلى معلومات من منظمة مجاهدي خلق، أشارت إلى أن الموقع يُستخدم لتطوير أسلحة نووية، وضمن ذلك معالجة التريتيوم، وهو نظير مشع للهيدروجين يستخدم في الصناعات العلمية ومفاعلات الاندماج وفي تصنيع الأسلحة النووية ويُستخدم لتعزيز القوة التدميرية للأسلحة النووية.

دور منظمة مجاهدي خلق: مصدر مثير للجدل 

منظمة مجاهدي خلق، التي تأسست عام 1965 للإطاحة بالنظام الملكي الدستوري في إيران، اختارت هذه المنظمة طريق النضال المسلح وطبقت أسلوب “حرب العصابات في المدن”، وهي جماعة معارضة تصنفها طهران بالإرهابية قدمت صور الأقمار الصناعية ومعلومات استخباراتية تدعي أنها تكشف عن المنشأة.

المنظمة، التي يقودها ما يعرف بالمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية (NCRI)، زعمت أن المنشأة تابعة لمعهد الابتكار والبحوث الدفاعية الإيراني (SPND)، وأنها مخصصة لتطوير رؤوس نووية بعيدة المدى، ومع ذلك، يُنظر إلى المنظمة بحذر من قبل بعض المحللين بسبب تاريخها السياسي وسجلها في تقديم ادعاءات قد تفتقر إلى التحقق المستقل.

الرد الإيراني: نفي قاطع وتقرير “مفبرك”

ردت إيران بسرعة على هذه الادعاءات، حيث نفى وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، وجود أي منشأة نووية سرية في سمنان، ونشر على شبكة التواصل الاجتماعي “إكس”: “مع استئناف المحادثات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، يتم نشر مزيد من صور الأقمار الصناعية المخيفة، وهي دقيقة للغاية ومحسوبة”، معتبرا التقرير جزءًا من حملة إعلامية مضللة، وأكدت طهران أن المنشأة المذكورة هي مصنع كيميائي وليست مرتبطة بالأنشطة النووية. 

كما وصفت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة تقرير قناة فوكس نيوز عن موقع نووي مزعوم بأنه “فبركة” و”أسلوب عمل الجماعة الإرهابية المنافقين” التي تقدم تقارير ملفقة في شكل ما يسمى بنتائج الاستخبارات إلى الأجهزة الغربية، وضمن ذلك الولايات المتحدة، من أجل اكتساب المصداقية، واستدركت: “ولكن عندما تدرك هذه المنظمات فقدان مصداقيتها، فإنها تختار عميلها التالي في وسائل الإعلام الغربية للاستفادة من قدرتها على التصفح”.

ويأتي هذا التقرير المفبرك في الوقت الذي أعلن فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مرة أخرى، يوم الخميس (8 مايو/أيار 2025)، أنه يريد التوصل إلى اتفاق مع إيران، قائلا: “نحن نحاول التعامل والتعاون مع إيران”.

هذا النفي يتماشى مع موقف إيران التقليدي في رفض الاتهامات الغربية حول برنامجها النووي، مع الإصرار على أن أنشطتها النووية سلمية وتتماشى مع معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية.

سياق دبلوماسي متأزم: مفاوضات ترامب وطهران 

يأتي هذا الكشف في وقت حرج، حيث تجري الولايات المتحدة وإيران مفاوضات في عُمان للتوصل إلى اتفاق جديد بشأن البرنامج النووي الإيراني، إدارة ترامب، التي انسحبت من الاتفاق النووي لعام 2015 (JCPOA) في 2018، تطالب بتفكيك كامل للبرنامج النووي الإيراني، وضمن ذلك وقف تخصيب اليورانيوم. 

نائب الرئيس جيه دي فانس، أكد أن إيران لن يُسمح لها بامتلاك أسلحة نووية، بينما هدد ترامب باللجوء إلى العمل العسكري إذا فشلت المفاوضات. 

التقرير حول المنشأة السرية يُعقد هذه المحادثات، حيث يُنظر إليه كدليل محتمل على عدم التزام إيران بالشفافية.

تحصينات وتكنولوجيا متقدمة 

تشير التقارير إلى أن “موقع قوس قزح” يضم ثلاث وحدات مصنعية، ومركز قيادة، ونقاط تفتيش عالية الأمان، مع حماية من وحدات النخبة في الجيش الإيراني، كما يُزعم أن الحرس الثوري نشر رادارًا بعيد المدى ووحدة دفاع صاروخي بالقرب من الموقع. 

وعلى النقيض من تخصيب اليورانيوم، الذي يمكن أن تكون له استخدامات مزدوجة، فإن “التريتيوم” ليس له تقريبا أي استخدامات سلمية أو تجارية معروفة، التقارير أشارت أيضًا إلى أن المنشأة قد تُستخدم لتطوير أسلحة نووية حرارية (هيدروجينية)، مما يثير مخاوف من تصعيد قدرات إيران العسكرية.

ردود الفعل الدولية: قلق وتساؤلات

أثار التقرير قلقًا دوليا، خاصة في ظل عدم وجود تأكيد فوري من الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA). 

رئيس الوكالة، رافائيل غروسي، دعا إلى نهج “الثقة مع التحقق” في التعامل مع إيران، مشددًا على ضرورة تفتيش المواقع المشتبه بها خلال اجتماع مجلس محافظي الوكالة في فيينا الاثنين (5 مايو/أيار 2025)، في إشارة إلى تقريره الأخير بشأن التحقق من البرنامج النووي الإيراني بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231: إن احتياطيات إيران من اليورانيوم المخصب تتزايد إلى 60%.

وزعم أن الوكالة فقدت استمرارية المعرفة فيما يتعلق بإنتاج ومخزون أجهزة الطرد المركزي والدوارات والماء الثقيل وتركيز خام اليورانيوم، أما إسرائيل، التي تعتبر إيران تهديدًا وجوديًا، لم تصدر تعليقًا رسميًا فوريًا، لكن مصادر إعلامية إسرائيلية أشارت إلى أن هذا الاكتشاف قد يدفع تل أبيب للضغط من أجل إجراءات أكثر صرامة ضد طهران.

بين الادعاءات والحقائق

على الرغم من الادعاءات القوية، لم تُظهر صور الأقمار الصناعية دليلاً مباشرًا على الأنشطة النووية، مثل معدات معالجة التريتيوم أو تصنيع الرؤوس الحربية هذا الأمر أثار تساؤلات حول مدى مصداقية المعلومات.

المحللون يحذّرون من أن الاعتماد على مصادر مثل مجاهدي خلق المصنفة كجماعة إرهابية، دون تحقق مستقل، قد يؤدي إلى تضخيم التوترات دون أساس قوي، إضافة إلى تعقيدات جديدة في المفاوضات بشأن مستقبل البرنامج النووي الإيراني وإمكانية التوصل إلى اتفاق جديد.

تصعيد أم دبلوماسية؟

إذا ثبتت صحة الادعاءات، فقد تؤدي إلى تصعيد التوترات بين إيران والغرب، وربما تدفع الولايات المتحدة وإسرائيل إلى اتخاذ إجراءات عسكرية ومع ذلك، فإن استمرار الجولة الرابعة من المفاوضات اليوم الأحد 11 مايو/أيار 2025 يُظهر رغبة من الطرفين في تجنب الصراع المباشر، لكن التحدي الرئيسي يتمثل في التوازن بين الضغط على إيران للالتزام بالشفافية، وضمان عدم انهيار الجهود الدبلوماسية.

الأمريكيون ينفون

وبحسب صحيفة “شرق” رد ديفيد ألبرايت، الخبير البارز في مجال انتشار الأسلحة النووية ورئيس معهد العلوم والأمن الدولي في واشنطن، على تقرير “فوكس نيوز” الأخير حول الأنشطة النووية الإيرانية بقوله على صفحته الشخصية: “اليوم، تم فحص الادعاء بوجود مواقع مرتبطة بإنتاج التريتيوم”. 

وأضاف: “تمت مراجعة صور الأقمار الصناعية لهذه المواقع ولم يتم ملاحظة أي دلائل على أنشطة إنتاج التريتيوم هناك”.
ادعاءات “فوكس نيوز” حول المنشأة النووية السرية في سمنان تضيف طبقة جديدة من التعقيد إلى المشهد السياسي المضطرب بين إيران والقوى الغربية، بين نفي طهران ومخاوف الغرب، يبقى السؤال المحوري: هل هذه المنشأة دليل على طموحات نووية عسكرية، أم مجرد جزء من حملة إعلامية لتعطيل المفاوضات؟