- دنيا ياسر
- 10 Views
أجرت صحيفة “آرمان ملي” الإيرانية الإصلاحية السبت 10مايو /آيار 2025 حوارا مع الخبير البارز في الجغرافيا السياسية، الدكتور بيروز مجتهدزاده، حول محاولات تشويه اسم الخليج الفارسي، والخلفيات تاريخية وسياسية لهذه المحاولات، ودور بعض الدول العربية والولايات المتحدة في الترويج للتسمية المزيفة “الخليج العربي”.
ذكرت الصحيفة أن الدكتور بيروز مجتهد زاد يُعدّ من الرواد في مجال حماية وصون اسم “الخليج الفارسي” على الساحة الدولية، إذ شارك في محافل ووسائل إعلام دولية مرموقة دافع فيها عن حقوق إيران في منطقة الخليج الفارسي والجزر الثلاث.
وتابعت أنه شغل سابقا منصب المدير التنفيذي لمؤسسة “يورو سويك” البحثية في لندن، وكتب مؤلفات عديدة في هذا المجال، من أبرزها كتاب اسم الخليج الفارسي عبر التاريخ، الذي تُرجم إلى العربية في لبنان، وإلى الإنجليزية في لندن. كما أرسل خلال سنوات نشاطه العديد من الرسائل الاحتجاجية إلى وسائل الإعلام العالمية ورؤساء بعض الدول اعتراضا على محاولات تحريف اسم الخليج الفارسي، وقد جُمعت هذه الرسائل في كتاب بعنوان رسائل من إيران باللغتين الفارسية والإنجليزية.

وفيما يلي نص الحوار:
ما رأيكم في الضجة التي أثارها خبر تحريف اسم الخليج الفارسي، ولماذا طُرح هذا الموضوع في ظل أجواء إيجابية تسود المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة؟
أعتقد أن ترامب يعاني من وَهْم الألوهية، فهو يتصرف وكأن بوسعه أن يفعل ما يشاء. وليست هذه المرة الأولى التي يثير فيها موضوع تغيير اسم الخليج الفارسي، فقد طرح الأمر أيضا خلال ولايته الأولى.
أضافت أنه لا يمكن تجاهل دور العرب في هذا السياق، إذ إن هذه المسألة تنبع من نزعة تفوقية وتوجهات “البان-عربية” التي روج لها أمثال عبد الناصر في مصر وعبد الكريم قاسم في العراق، وهما من أوائل من روجوا للاسم المزيف “الخليج العربي”. فقد بدأت هذه المسألة في العراق، وسارع عبد الناصر إلى تبنيها كي لا يتخلف عن الركب.
لكن لا يمكن القول إن جميع العرب يؤيدون تغيير اسم الخليج. فبعد الثورة الإسلامية، سعت دول الخليج العربي لأسباب هوياتية إلى طرح هذه القضية، وكان صدام حسين من أكثر الشخصيات التي بذلت جهدا ومالا في محاولة تزوير الاسم، حتى أنه حرص على إدراجه في كتب المدارس الابتدائية والثانوية ليُظهر تفوق العرب على الفُرس.
وكانت قطر أيضا من الدول التي روّجت لهذا الاسم المزيف، إلى جانب الإمارات التي تستمر في عدائها لإيران من خلال ادعاء السيادة على الجزر الثلاث. واليوم، دخلت السعودية على الخط أيضا، مدفوعة بالتحريض الأميركي والإسرائيلي.
لماذا يسعى العرب إلى حل مشكلاتهم الهوياتية من خلال تغيير اسم الخليج الفارسي؟
رغم أن ظاهرة تغيير أسماء المدن والشوارع لأسباب سياسية باتت شائعة في بعض الأنظمة غير الديمقراطية منذ بزوغ الحداثة، إلا أن تغيير أسماء القارات والبحار لأسباب عنصرية لا سابقة له في التاريخ البشري.
ولهذا، فإن محاولات بعض المحافل العربية لتغيير اسم الخليج الفارسي تمثل خرقا غير مسبوق للأعراف والأخلاق، وتتناقض مع جميع المبادئ العلمية والإنسانية للحضارة الحديثة. تعود جذور هذا التوجه المشؤوم إلى ثلاثينيات القرن الماضي، عندما كان السير تشارلز بلكريف، المندوب السياسي البريطاني في الخليج، يشغل منصب مستشار أمير البحرين ويخدم مصالح الاستعمار البريطاني.
بلكريف استشاط غضبا من مطالبات إيران التاريخية بشأن البحرين، واعتبرها تهديدًا لاستمرار الهيمنة البريطانية على أراضي الخليج العربي. فبادر بإعداد ملف لتغيير اسم “الخليج الفارسي” إلى “الخليج العربي” ورفعه إلى حكومته.
لكن في ظل التحديات الجيوسياسية العديدة التي كانت تواجهها بريطانيا حينها، سواء من الاتحاد السوفييتي أو من حكومة رضا خان ذات التوجهات القومية، فضلت لندن تجاهل هذا الملف لتجنب المزيد من التوترات.
ظل الوضع على هذا النحو حتى عام 1958، حين نفّذ عبد الكريم قاسم ورفاقه العسكريون انقلابًا في العراق، وأعلنوا عن نيتهم جعل العراق مركزًا للقومية العربية، ما أدخل المنطقة في مرحلة جديدة من الاضطرابات والصراعات السياسية.
هل كان العراق وحده من يسعى لتغيير اسم الخليج الفارسي؟
لا، لم يكن العراق وحده. ففي عام 1962، وأثناء تصاعد الحمى القومية العنصرية في مصر، قرر جمال عبد الناصر أن يَسحب ورقة “تغيير اسم الخليج” من يد عبد الكريم قاسم ليمنعه من التفرد بقيادة العالم العربي.
وفي خطاب ناري مليء بالشعارات القومية، استخدم عبد الناصر مصطلح “الخليج العربي”، المبتدع من قبل بلگريف، للترويج لزعامة مصر.
أحد المقربين من عبد الناصر نشر في عام 1955 كتابًا يروج للفكر القومي العربي ويصور العرب على أنهم عرق متفوق.
اللافت أن اسم “الخليج الفارسي” كان متداولا في المصادر الجغرافية والتاريخية العربية منذ بداية القرن العشرين، أما مصطلح “بحر فارس” فكان يُستخدم بشكل أقل. مما أدى إلى الالتباس بأن “بحر فارس” هو الاسم القديم و”الخليج الفارسي” هو الاسم الجديد، بينما الحقيقة معكوسة.
رغم أن جهود ناصر جذبت بعض السياسيين العرب، إلا أن الأكاديميين والمفكرين الحقيقيين في العالم العربي ما زالوا يرفضون هذه المحاولات لانتهاك القواعد الدولية والتاريخية والجغرافية المعترف بها عالميًا.
كيف تعاملت إيران على مر العقود مع محاولات تحريف اسم الخليج الفارسي؟
لو أن الإيرانيين أطلقوا على الخليج اسم “الخليج الإيراني”، لكان من حق العرب أن يعترضوا. لكن الإيرانيين لم يدوسوا على الأخلاق التي تحكم المجتمعات المتحضرة.
هناك أيضا بحر يفصل بين إيران والدول العربية، وهو “بحر عمان”، ونهر آخر هو “شط العرب”، لكن إيران لم تسع يوما لتغيير اسميهما إلى “البحر الإيراني” أو “شط إيران”، رغم أنها تملك أدلة وخرائط تاريخية قديمة تبرر ذلك.
إيران لم ولن تسعى إلى مثل هذه الممارسات قصيرة النظر لأنها تُظهر عدم احترام للمبادئ الدولية وللتاريخ والجغرافيا.
اسم “الخليج الفارسي” لا يعني ملكية حصرية لإيران، تماما كما أن اسم “بحر عمان” لا يجعل البحر ملكا حصريا لعمان. لكن تضخيم هذه القضايا لا يخدم سوى أجندات شيطانية تهدد مصالحنا المشتركة مع جيراننا في هذه المنطقة.