الاتفاق النووي في مهب الغموض.. إيران تدرس الرد وسط غياب الضمانات

نشرت صحيفة فرهيختكان الأصولية، الأحد 8 يونيو/حزيران 2025، تقريرا أفادت فيه بأنه بعد أسبوع من تقديم الاقتراح الأمريكي خلال زيارة قصيرة لوزير خارجية عمان بدر بن حمد البوسعيدي، وفي الوقت الذي عبّر فيه رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب، عن أمله وسعادته بالتوصل إلى اتفاق مع إيران، صرّح منذ عدة أيام، بأنه لن يسمح لإيران بعمليات التخصيب، رغم أن المواقف المتذبذبة والمتناقضة لترامب ليست جديدة.

وأضافت الصحيفة أن الوضوح في تأكيد ضرورة إيقاف التخصيب يثير غموضا حول ما إذا كان الاقتراح الأمريكي يتضمن مبادرة تؤدي إلى تعليق أو إيقاف تخصيب اليورانيوم في إيران. وتشير التكهنات الإعلامية الأمريكية والإسرائيلية، نقلا عن مصادر مطلعة خلال الأيام الماضية، إلى أن تشكيل تحالف نووي مشترك هو أحد مقترحات واشنطن للتوصل إلى اتفاق محتمل مع إيران. 

وكتب مراسل “أكسيوس”، باراك راويد، أن تشكيل تحالف نووي هو من مقترحات واشنطن في الوثيقة المقدمة، وأضاف أيضا أنه إذا علقّت إيران التخصيب، فإن أمريكا ستعترف بحق إيران في التخصيب. وإذا كانت هذه المعلومات التي تناقلتها وسائل الإعلام صحيحة، فإن هذا يعزز الاحتمال بأن إيران لن تقبل تعليق التخصيب. 

كما أعلن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، أنه يجري دراسة الاقتراح والرد عليه، ولا تزال الردود الحاسمة لإيران على هذا الاقتراح غير واضحة. ولكن حتى إذا وافقت إيران على فكرة تشكيل التحالف، فإن تفاصيل هذا الاقتراح ما زالت تحيط بها غموض كبير ولم تُكشف أبعادها بعد.

هل سيقودنا التحالف إلى التوصل إلى اتفاق نووي؟

أوضحت الصحيفة أن تشكيل التحالف النووي المشترك، الذي قدمه الأمريكيون في آخر عرض لهم، يتضمن إقامة برنامج نووي مشترك مع دول منطقة الخليج العربي وكذلك مع أمريكا. ونقلت الصحيفة عن مجلة آگاهی‌نو سابقا أن الأمريكيين عرضوا هذا الاقتراح كإطار لاستمرار تخصيب اليورانيوم، بحيث يُسمح باستمرار تخصيب إيران فقط ضمن هذا التحالف، بينما تُعلق جميع أنشطة التخصيب الأخرى في إيران خارج هذا الإطار.

 إلا أن هذه الفكرة، لأسباب متعددة، غير قابلة للقبول أو التنفيذ.

1- إذا صحت التكهّنات بأن هدف تشكيل هذا التحالف يتم خارج الأراضي الإيرانية، وبالافتراض أن التخصيب سيُحصر فقط ضمن هذا الإطار، فمن الطبيعي أن إيران سترفض ذلك. ورغم أن طهران قد تُبدي استعدادا للتعاون في إنشاء تحالف نووي مع دول مثل السعودية، بل وقد ترحب به، إلا أن مثل هذا التعاون لا يمكن أن يكون بديلا عن برنامجها النووي الوطني القائم داخل إيران.

2- إذا كان الأساس أن تخصيب إيران سيستمر فقط ضمن هذا الإطار، أي تشكيل التحالف النووي المشترك، فهذا يعني الإغلاق التام لبرنامج التخصيب المحلي الإيراني، وهذا من الخطوط الحمراء لإيران ولن يُقبل به.

3- إضافة إلى ذلك، يبقى الغموض وتجارب السنوات السابقة قائمة، حيث أن حتى لو قيدت إيران برنامج تخصيبها ضمن هذا الإطار، فمن المحتمل أن تفرض الولايات المتحدة مزيدا من القيود عبر ضغوط ومناورات. وبالنظر إلى هذه النقاط، يبدو أن فكرة تشكيل التحالف النووي ليست مبادرة قابلة للتنفيذ أو مقبولة من إيران بكل أبعادها، وبالطبع لا يمكن أن تكون مخرجاتها محل اتفاق للطرفين.

غموض التحالف المشترك

ذكرت الصحيفة أنه، مع ذلك، إذا ما نظرنا إلى الاقتراح الأمريكي من زاوية افتراضية تفترض استعداد إيران لقبول تشكيل التحالف المشترك، فإن هذا المقترح يثير، في مختلف أبعاده، الكثير من الغموض والتساؤلات التي لم تتضح تفاصيلها و إطارها الدقيق بعد.

4- لا يزال مكان إنشاء التحالف المشترك غير محدد بدقة، خصوصا أن إيران ترفض إنشاء هذا التحالف خارج أراضيها. وتبقى الخيارات المطروحة بين تأسيسه في أحد المواقع الحالية مثل فردو، ونطنز، أو أصفهان، أو اختيار موقع جديد تماما داخل إيران.

5-لم يتناول الاقتراح الأمريكي بشكل واضح إطار الرقابة والتفتيش على النشاط النووي المشترك، كما لم تُحدد آليات التفتيش بدقة. وتتراوح الاحتمالات بين استمرار دور الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أو تفتيش أمريكي حصري، أو مشاركة دول التحالف في عمليات التفتيش، أو اعتماد نظام رقابي مشترك.

6-تبقى كيفية وحجم حصص الدول الأعضاء في التحالف من المسائل الغامضة. وتتعلق هذه المسألة بمقدار مساهمة كل دولة في تكاليف بناء البنية التحتية النووية، وكذلك الدول التي ستوفر تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم وتصنيع الوقود، إلى جانب نسبة مساهمة كل دولة في هذه المجالات.

7-لا يوجد حتى الآن إطار واضح لتوزيع إنتاج الوقود وتخصيب اليورانيوم بين الدول الأعضاء، كما أن تنظيم بيع اليورانيوم المخصب وآليات حساب الأرباح بناء على التكاليف والبنية التحتية والتكنولوجيا ما زالت غير محددة.

8-يفتقر الاقتراح أيضا إلى تصور واضح بشأن كيفية تأمين الموارد البشرية والخبراء اللازمين لتشغيل منشآت الإنتاج والتكنولوجيا النووية. وفي حال تأسيس التحالف داخل إيران، تطرح مسألة ما إذا كانت إيران وحدها من سيتكفل بتوفير هذه الموارد، أو سيكون لكل دولة دور محدد في ذلك.

وقالت الصحيفة إن كل هذه الغموض والأسئلة توضح أن الاقتراح المقدم لا يزال غير ناضج بما يكفي، ويبدو أن الأمريكيين لا يمتلكون فكرة واضحة حول طريقة ومراحل تنفيذ مشروع التحالف المشترك النووي.

إذا افترضنا أننا قبلنا التحالف، فما الخطوة التالية؟

نوَّهت الصحيفة إلى أن إيران في الوقت الحالي أعلنت رسميا أنها بصدد إعداد الرد على رسالة الأمريكيين. وأشار عراقجي في مقابلة مع قناة المنار، إلى هذا الموضوع، وقال إن اقتراح أمريكا قيد الدراسة وسيتم الرد عليه في الوقت المناسب. 

وأوردت أنه بغض النظر عن الرد الذي ستقدمه إيران على المقترحات الأمريكية المطروحة، وبغض النظر عن عدم ملاءمة الاقتراح المقدم لإيران في إطار التحالف، لا تزال هناك تساؤلات وغموض حول المكافآت أو الامتيازات التي ستحصل عليها إيران مقابل تنفيذ هذه الالتزامات والالتزام بهذه الشروط، وهذه التساؤلات لم تُجب بعد.

9- في حال وافقت إيران على استمرار برنامج التخصيب النووي ضمن إطار التحالف فقط، تبرز الحاجة إلى وجود ضمانات موثوقة تضمن رفع العقوبات عنها. ويُفترض أن يشمل رفع العقوبات مجالات محددة، لكن لم يتم توضيح نوع هذه العقوبات أو القطاعات التي ستُرفع عنها القيود، كما لم يُبيّن ما إذا كان هذا الرفع دائما أم مؤقتا.

10- شكّل تفعيل آلية الزناد محورا آخر في المفاوضات، إذ سعت الدول الأوروبية خلال محادثاتها مع إيران والولايات المتحدة إلى استخدام هذا الخيار كوسيلة ضغط. وفي المقابل، كان منع تفعيل هذه الآلية وعودة عقوبات مجلس الأمن أحد الأهداف الرئيسة لإيران في هذه المفاوضات. 

ومع ذلك، لم تُطرح حتى الآن ضمانات موثوقة من الأطراف المفاوضة تضمن عدم تفعيل هذه الآلية ضد إيران، كما لم يتضح ما إذا كان تجميدها سيُدرج ضمن الامتيازات المحتملة التي قد تُمنح لإيران.

11- تحرير الأموال والأصول الإيرانية المجمدة شكّل أحد أبرز الهواجس التي طرحتها إيران خلال مفاوضاتها مع الدول الغربية. وفي المحادثات الجارية مع الجانب الأمريكي، ما زال موضوع تحرير هذه الأموال مطروحا بوصفه عنصرا جوهريا في أي تفاهم محتمل. ولم تُحدد بعد ما إذا كان هذا التحرير سيشمل جميع الأصول المجمدة أم سيقتصر على جزء منها فقط.

وبيّنت الصحيفة أنه حتى الآن، كانت المقترحات والخطط تركز على ما يجب أن تقدمه إيران لضمان مراقبة وضبط برنامجها النووي، لكن لم يُذكر شيء حول المكافآت التي ستحصل عليها إيران مقابل تقديم هذه التنازلات وتقليل حجم التخصيب. 

وأفادت بأنه في الاقتراح الأمريكي المقدم لم تُشر الوثيقة إلى ما ستكسبه إيران في حال قبولها جميع هذه البنود، ولا تزال مسألة ما إذا كانت إيران ستُمنح أي امتيازات مقابل قبولها بالاقتراح غير محسومة.

وفي الختام، أكدت الصحيفة أن هذه الجوانب الغامضة تُضعف الاقتراح الأمريكي بشكل كبير، وتتناقض مع الخطوط الحمراء لإيران، فضلا عن أن المقترح لا يبدو أنه ينطوي على مكاسب ذات قيمة لطهران، سواء في مجال رفع العقوبات أو في القضايا الأخرى ذات الصلة.