- يسرا شمندي
- 10 Views
ترجمة: يسرا شمندي
نشرت صحيفة هم ميهن تقريرا بتاريخ 6 مايو/أيار 2025 صرحت فيه أن إحدى المشاكل والتحديات الرئيسية في الاتفاق النووي المحتمل بين إيران والولايات المتحدة (في حال التوصل إلى اتفاق) هي مسألة دور الكونغرس الأمريكي (مجلس الشيوخ ومجلس النواب) في التصديق على الاتفاق أو رفضه.
وقد أدى هذا الموضوع إلى تصاعد التوترات السياسية الداخلية في الحكومة الأمريكية خلال السنوات الماضية، وبناء عليه، تم توقيع الاتفاق النووي السابق بين إيران و6 قوى عالمية، بما في ذلك الولايات المتحدة، في عام 2015، والمعروف باسم الاتفاق النووي الإيراني أو الاتفاق النووي الشامل.
وبسبب التحديات في التصديق على الاتفاق النووي الإيراني في الكونغرس الأمريكي، تم اعتباره اتفاقا تنفيذيا بدلا من معاهدة رسمية، وبالتالي، وقع الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما على الاتفاق وأصدره دون الحاجة إلى موافقة مجلسي النواب والشيوخ.
والجدير بالذكر أن الديمقراطيين في مجلس الشيوخ استخدموا تقنية “فيلبستر” لمنع التصويت على الاتفاق النووي الإيراني، مما حال دون رفضه من قبل الجمهوريين. ورغم المعارضة الواسعة لم يتمكن الكونغرس من إلغاء الاتفاق بسبب عدم وجود تصويت سلبي.
وإذا قررت الولايات المتحدة العودة للاتفاق أو توقيع اتفاق جديد، قد يعتمد الرئيس الأمريكي على الأسلوب التنفيذي دون الحاجة لتصديق الكونغرس، لكن الكونغرس قد يتدخل عبر تفعيل قانون “إنارا” الذي يمنحه حق التصويت ضد الاتفاق ومنع تنفيذه، مما قد يُبقي العقوبات قائمة.
وفي هذه المقالة، سيتم شرح الأبعاد والتحديات والاحتمالات المختلفة المتعلقة بتصديق الاتفاق النووي المحتمل في النظام والهيكل الحاكم في الولايات المتحدة
أ- أنواع الاتفاقيات من حيث التصديق في مجالس الولايات المتحدة:
بشكل عام، في النظام القانوني الأمريكي، هناك نوعان رئيسيان من الاتفاقيات: المعاهدات الرسمية والاتفاقيات التنفيذية. وتنقسم الاتفاقيات التنفيذية إلى نوعين: الاتفاقيات التنفيذية البسيطة والاتفاقيات التنفيذية التي تتطلب تصديق الكونغرس.
المعاهدة الرسمية
وأضافت أن المعاهدة الرسمية هي الشكل الوحيد للتوافق الدولي المنصوص عليه في دستور الولايات المتحدة، وعند التصديق عليها من مجلس الشيوخ تصبح قانونا فيدراليا ذا أولوية. وتُستخدم المعاهدات في قضايا أساسية وطويلة الأمد مثل الأمن والسلام والحروب والتحالفات العسكرية والحدود. تُوعرض بعض الاتفاقيات على الكونغرس كمعاهدات بسبب أهميتها، وتحتاج إلى شرعية قانونية قوية وموافقة عامة، وقد تستدعي تعديل القوانين الداخلية. يوقع الرئيس المعاهدات بالتشاور مع مجلس الشيوخ، شرط أن يصوت ثلثا الأعضاء الحاضرين لصالحها، وتشمل عملية التصديق ثلاث خصائص رئيسية:
1-مجلس النواب الأمريكي ليس له دور رسمي في تصديق المعاهدات.
2-مجلس الشيوخ الأمريكي هو الهيئة الوحيدة التي يجب أن تصوت للموافقة على المعاهدة الرسمية.
3-نسبة التصويت اللازمة هي ثلثا أعضاء مجلس الشيوخ الحاضرين في الجلسة (وليس ثلثا إجمالي الأعضاء في المجلس). لذا، إذا كان هناك مثلاً 90 عضوا حاضرين في الجلسة، يجب أن يصوت 60 منهم على الأقل لصالح المعاهدة لكي يتم التصديق عليها.
ومن الأمثلة على المعاهدات التي تم التصديق عليها من قبل مجلس الشيوخ معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية في 1969، ومعاهدة قناة بنما في 1978 التي نقلت ملكية قناة بنما إلى بنما بحلول 1999، ومعاهدة الناتو التي تم التصديق عليها في 1949. كما كانت هناك معاهدات رفضها مجلس الشيوخ، مثل معاهدة فرساي وعضوية عصبة الأمم التي اقترحها الرئيس وودرو ويلسون في 1919 ولكن تم رفضها.
الاتفاقيات التنفيذية
وتابعت أن الاتفاقيات التنفيذية هي اتفاقيات يوقعها الرئيس الأمريكي فقط، دون الحاجة لتصديق الكونغرس. وتستخدم في المواضيع الفنية والدبلوماسية أو الأمنية، وقد أكدت قرارات المحكمة العليا الأمريكية صلاحية الرئيس في إصدارها بناء على التفاسير الدستورية، ومن بين هذه القرارات القضائية الهامة:
1-الولايات المتحدة ضد بولمنت (1937): في هذه القضية، حكمت المحكمة العليا الأمريكية بأن الرئيس يمكنه توقيع اتفاقيات مع دول أخرى تكون ملزمة قانونًا حتى بدون الحاجة إلى تصديق مجلس الشيوخ.
2-الولايات المتحدة ضد بينك (1942): في هذه القضية، أكدت المحكمة العليا الأمريكية صلاحية الرئيس في تنفيذ الاتفاقيات التنفيذية، خاصة في مجال السياسة الخارجية.
وتابعت إن التوافقات التنفيذية تنقسم إلى نوعين: التوافقات التنفيذية البسيطة التي تُنفَّذ بتوقيع الرئيس فقط، والتوافقات التنفيذية مع الكونغرس التي تتطلب تصويت أغلبية بسيطة في كلا المجلسين، إن المعاهدات يتم تصديقها فقط من قبل مجلس الشيوخ، ويتطلب ذلك موافقة ثلثي الأعضاء الحاضرين بينما الاتفاقيات الكونغرسية تحتاج إلى أغلبية بسيطة في مجلس الشيوخ والنواب. كما أن الاتفاقيات الكونغرسية يمكن إلغاؤها بقانون لاحق، في حين يصعب إلغاء المعاهدات. ومن أمثلة الاتفاقيات التي تمت الموافقة عليها من الكونغرس هي (NAFTA) نافتا و(USMCA) أوسمكا.
ب- الإطار القانوني للاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة
وأضافت أنه لقد تم تمرير الاتفاق النووي الإيراني (خطة العمل المشتركة الشاملة) في فترة رئاسة أوباما كاتفاقية تنفيذية بدلاً من معاهدة، ونظرا لاستحالة الحصول على تصويت ثلثي الأعضاء في مجلس الشيوخ بسبب سيطرة الجمهوريين على الأغلبية. وكانت الاتفاقية تفتقر إلى خصائص المعاهدة التقليدية مثل الالتزام الدائم، وركزت على السياسة التنفيذية والعقوبات، مما جعلها تُعتبر اتفاقية تنفيذية.
وبموجب قانون “إنارا”، تم تقديم الاتفاق لمراجعة الكونغرس، الذي كان له الحق في معارضته ولكن ليس في الموافقة عليه. وحاول الجمهوريون في مجلس النواب رفض الاتفاق، حيث تم التصويت ضده من قبل 269 نائبا، لكن هذا التصويت لم يكن ملزما قانونيا لأنه لم يحصل على موافقة في مجلس الشيوخ.
ورغم أن الجمهوريين كانوا يشكلون الأغلبية في مجلس الشيوخ، استخدم الديمقراطيون تقنية “فيلبستر” لمنع التصويت على الاتفاق النووي الإيراني، حيث تمكنوا من تأجيل التصويت باستخدام 42 صوتا مؤيدا. إن تقنية “فيلبستر” تسمح بإبطاء أو تأجيل التصويت، ويتطلب إنهاء المناقشات الرسمية إجراء “كلوتشر”، حيث يجب أن يوافق 60 عضوًا في مجلس الشيوخ، مما يعني أن 51 صوتا مؤيدا فقط لا يكفي لإيقاف النقاش، ورغم محاولات الديمقراطيين، لم يتمكنوا من الحصول على الأصوات اللازمة، مما مهد الطريق لانسحاب ترامب من الاتفاق.
وبناء على ذلك، أي اتفاق جديد بين إيران والولايات المتحدة لن يُعتبر معاهدة قانونيا في النظام الأمريكي، بل سيكون اتفاقا دوليا، وإذا دعت الحاجة، يمكن تقديمه كاتفاق تنفيذي للحصول على موافقة الكونغرس.
ج- فرضيات مختلفة لتصديق أو عدم تصديق الاتفاقية الجديدة في النظام القانوني الأمريكي.
وواصلت الصحيفة بالقولِ حالياً، إذا تم التوصل إلى اتفاق بين حكومة إيران والولايات المتحدة الأمريكية، هل يمكننا أن نتوقع أن يتم التصديق على هذا الاتفاق في الكونغرس الأمريكي (أي في مجلس النواب ومجلس الشيوخ)؟ في هذا السياق، هناك نقاط مهمة يجب مراعاتها:
1-وجود قوانين تحريمية تتعارض مع الاتفاقية
إن تقديم اتفاق جديد بين إيران وأمريكا إلى الكونغرس قد يواجه عقبة القوانين التحريمية القائمة، التي تُعد ملزمة ولا يمكن تعديلها أو تجاوزها دون موافقة صريحة من مجلسي النواب والشيوخ، ما قد يعيق التصديق على الاتفاق، وأهم هذه القوانين هي كما يلي:
- قانون آيسا (قانون عقوبات إيران) 1996: تم وضع هذا القانون بهدف منع استثمارات الشركات الأجنبية في قطاع الطاقة الإيراني، ويمكن تعليق تنفيذ القانون مؤقتا من قبل الرئيس، لكن إلغاؤه رسميا يتطلب موافقة الكونغرس.
- قانون سيسادا (قانون عقوبات إيران الشامل) 2010: وضع هذا القانون عقوبات شاملة على البنك المركزي الإيراني وقطاعات الطاقة والمالية، يمكن تعليق تنفيذ القانون مؤقتا بسلطة الرئيس، ولكن إلغاؤه يتطلب موافقة الكونغرس.
- قانون كاتسا (قانون مواجهة خصوم أمريكا من خلال العقوبات) 2017: صدر قانون يفرض عقوبات إلزامية على إيران بسبب برنامجها الصاروخي ودعمها لجماعات إقليمية وانتهاكات حقوق الإنسان، وتم تمريره بأغلبية ساحقة ضد روسيا وكوريا الشمالية وإيران، ويمنع الرئيس من إلغاء العقوبات دون موافقة صريحة من الكونغرس، ما يعيق تنفيذ أي اتفاق يخفف هذه العقوبات.
- قانون التحكم في تصدير الأسلحة 1976: يمنح القانون لوزارة الخارجية الأمريكية صلاحية تصنيف أي دولة كداعم للإرهاب، مما يؤدي تلقائيا إلى فرض عقوبات عليها، حتى وإن لم يُصمم القانون أساسا لاستهداف إيران.
- قانون إينارا (قانون مراجعة الاتفاق النووي الإيراني) 2015: يُعد هذا القانون الأهم بشأن أي اتفاق نووي مع إيران، إذ يُلزم الحكومة الأمريكية بتقديم نص الاتفاق إلى الكونغرس، ما يمنح الكونغرس حق مراجعته ورفضه، رغم كونه قانونا رقابيا وليس تحريميا.
وبموجب قانون إينارا، يمنح الكونغرس الأمريكي 30 يوم عمل لمراجعة الاتفاق النووي مع إيران، ويمكنه رفضه أو السماح له بالنفاذ تلقائيا. وفي اتفاق 2015، لم يرفض الكونغرس الاتفاق رسميا لكنه لم يوافق عليه أيضا. وبالتالي، يحد قانون إينارا من قدرة الرئيس على تنفيذ الاتفاقات التنفيذية مع إيران ويجعل مرور أي اتفاق مع إيران عبر الكونغرس أمرا ضروريا.
2-وقت التصديق على الاتفاقيات الدولية
إن تصديق المعاهدات في مجلس الشيوخ الأمريكي يستغرق وقتا أطول، وقد يمتد من ستة أشهر إلى عدة سنوات، ويعتمد ذلك على عوامل مثل الانتماء الحزبي، حيث قد يتم التصديق بسرعة إذا كان الرئيس من نفس الحزب المسيطر على الكونغرس، لكن قد يستغرق وقتا أطول في حالة وجود خلاف حزبي. أما الاتفاقات التجارية عادة ما تتم مراجعتها بسرعة، كما في حالة نافتا “NAFTA” وأوسمكا”USMCA” التي استغرقت كل منهما حوالي 5-6 أشهر.
3-إجراءات الحكومة الأمريكية حتى التصديق
بموجب المادة 18 من اتفاقية فيينا لعام 1969، يجب على الدول الموقعة على معاهدة الامتناع عن اتخاذ أي إجراء يقوض هدف المعاهدة، حتى لو لم تعلن نيتها بعدم التصديق.
وفي حالة الاتفاقات التنفيذية، لا يمكن تنفيذها بالكامل حتى يتم تصديقها من كلا المجلسين، ولكن يجب الامتناع عن اتخاذ إجراءات تقوض الهدف، أما في حالة الاتفاق التنفيذي البسيط، الذي يتطلب توقيع الرئيس فقط، يمكن تنفيذه فورا ما لم يمرر الكونغرس قانونا يحد من ذلك، وإذا وقعت الولايات المتحدة اتفاقا مع إيران بشأن تخفيف العقوبات دون موافقة الكونغرس، يجب على الحكومة الامتناع عن فرض عقوبات جديدة تقوض الهدف، إلا إذا أعلنت صراحة أنها لا تنوي التصديق عليه.
ومن المتوقع أن تواجه الحكومة الأمريكية صعوبة في تصديق أي اتفاق مع إيران بسبب تراكم القوانين التحريمية المتعارضة مع الاتفاق. في الوقت الحالي، ويتكون مجلس النواب من 435 عضوا مع توازن حزبي يشمل 220 عضوا من الحزب الديمقراطي و213 من الحزب الجمهوري، مع شغور مقعدين بسبب وفاة ممثلين من تكساس وأريزونا، ومن المقرر إجراء انتخابات خاصة لملء هذين المقعدين في سبتمبر/أيلول ونوفمبر/تشرين الثاني 2025.
وفي الواقع أنه بسبب التركيبة الحالية للكونغرس، من الصعب التصديق على أي اتفاق مع إيران، ففي مجلس النواب يحتاج الجمهوريون إلى دعم كامل من حزبهم لإقرار القوانين، خاصة في القضايا الحساسة.
وفي مجلس الشيوخ، يظل التصديق صعبا بسبب الحاجة إلى تصويت ثلثي الأعضاء، وبموجب قانون إينارا، يجب تقديم الاتفاق للكونغرس، الذي قد لا يرفضه كما حدث في 2015، لكن رفضه لا يعني الموافقة عليه، بل يمنح الكونغرس فرصة لتعزيز سياساته وبرامجه.
4-إجراءات إيران حتى التصديق
إن تصديق المعاهدات والاتفاقيات الدولية يتطلب من الطرفين تجنب أي خطوات تتعارض مع بنود الاتفاقية بعد توقيعها والعمل على التصديق عليها في برلمانهما. وفي النظام التشريعي الأمريكي، يصعب التصديق على أي اتفاقية حاليا، وإذا تم التوصل إلى اتفاق، قد يحتاج إلى توقيع الرئيس ترامب قبل تقديمه إلى الكونغرس، وفي أفضل الحالات قد لا يُرفض ويبقى في انتظار الظروف الملائمة للتصديق عليه، وقد تصبح الاتفاقيات عادة قانونية عندما يكون للمستثمرين الأمريكيين دور فيها، وهو أمر غير محتمل في الوقت الراهن.