- يارا حلمي
- 22 Views
أجرت صحيفة ” آرمان ملي” الإيرانية الإصلاحية، الجمعة 2 مايو/ أيار 2025، حوارا مع صباح زنغنه، الدبلوماسي الإيراني السابق والمحلل السياسي، ناقشت فيه معه تأثير التغييرات في السياسة الخارجية الأمريكية على مفاوضات إيران، خاصة بعد إقالة مستشار الأمن القومي، ودور رافائيل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، في تعطيل المحادثات وسعيه لإقحام الوكالة الذرية في المفاوضات.
ذكرت الصحيفة أن الولايات المتحدة تشهد تحولات عميقة في مجال السياسة الخارجية، وبالنظر إلى المفاوضات النووية الجارية مع الولايات المتحدة، فإن الإيرانيين أكثر من أي شعب آخر يولون اهتمامهم لهذه التحولات ويقومون بتحليلها.
وتابعت أنه في وقت سابق، كان هناك تياران داخل البيت الأبيض يتبنيان مواقف متباينة حيال إيران، ویتكوف، ممثل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في المفاوضات مع طهران، وجي دي فنس، النائب الأول لترامب، إلى جانب عدد من مستشاري الرئيس الأمريكي، كانوا يسعون إلى التوصل إلى تسوية مع الجمهورية الإسلامية، كما كان وزير الدفاع الأمريكي قد عبّر بوضوح عن معارضته لأي مواجهة عسكرية مع طهران.
وأضافت أنه في المقابل، كان مايك والتز، مستشار الأمن القومي الأمريكي، ووزير الخارجية يتخذان مواقف متشددة تجاه إيران، غير أن تطورات كبيرة حدثت مؤخرا داخل الطاقم العسكري-الأمني للإدارة الأمريكية، حيث أُقيل والتز من منصبه كمستشار للأمن القومي، وتسلّم وزير الخارجية الأمريكي مهامه.
وأوضحت أن خروج والتز من فريق ترامب يحمل أهمية بالنسبة لطهران، نظرا لمواقفه العدائية تجاهها، وفي الوقت الراهن، يعدّ وزير الخارجية الأمريكي أقوى شخصية في الولايات المتحدة تعارض التوصل إلى اتفاق مع إيران، وتدعو إلى تفكيك منشآتها النووية.
وأشارت إلى أن الوزير ذاته كان قد أدلى مؤخرا بتصريحات شديدة اللهجة تجاه طهران، مشيرا إلى أنّ إيران هي الدولة الوحيدة، إلى جانب الدول المالكة للأسلحة النووية، التي قامت بتخصيب اليورانيوم بهذه الكميات، كما ألمح إلى أن إيران وإن كان بوسعها امتلاك مفاعل نووي، إلا أن تخصيب اليورانيوم فيها يجب أن يتوقف.
وبينت أنه في المقابل، ألقى ترامب خطابا حادا تناول فيه الملف الإيراني، مؤكدا أنه لا ينبغي لأي دولة أن تشتري من إيران أي منتجات نفطية أو بتروكيميائية، وهذا الإعلان من جانب ترامب يعني أن الولايات المتحدة، بقيادته، قد تكون بصدد فرض عقوبات ثانوية جديدة على طهران من شأنها تقييد وصولها إلى الدولار.
وأكدت أنه من ناحية أخرى، كتب نجل ترامب عن السياسة الخارجية لحكومة والده، موضحا أن هناك جهات داخل الولايات المتحدة تسعى للضغط على ترامب الأب من أجل اتخاذ مواقف أكثر صرامة.
ولفتت إلى أنه على الضفة الأوروبية، ألغت بعض الدول محادثاتها مع إيران، فيما يعمل الفرنسيون على دفع الأوروبيين نحو اتخاذ مواقف تصعيدية ضد طهران، ويبدو أن رافائيل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، أسهم بمواقفه غير البناءة في تأجيج هذا الوضع الأوروبي المتوتر تجاه إيران.
نص الحوار:
ما دوافع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وراء إقالة مستشار الأمن القومي وهل يمكن أن تتغير استراتيجياته في السياسة الخارجية؟

يمكن من خلال هذه التطورات التي تشهدها الولايات المتحدة استنتاج عدة مؤشرات، وكما سألت، فإن هذه التغييرات تثير الكثير من التساؤلات حول السياسة الخارجية الأمريكية، من بينها: هل هناك استراتيجية محددة يعتمدها ترامب؟
وهل ينوي استخدام شخصيات معينة لتنفيذ هذه الاستراتيجية؟ وهل يتوافق المحيطون به مع أهدافه وتوجهاته؟ أما في ما يتعلق بإيران، فينبغي تقييم ما إذا كان ترامب، ضمن هذه الاستراتيجية، لا يزال يؤمن بإمكانية حل القضايا العالقة بين طهران وواشنطن.
في هذا السياق، تلعب القوى الداخلية الأمريكية، المعروفة باسم “الدولة العميقة”، دورا بالغ الأهمية، ويُطرح التساؤل بشأن ما إذا كانت التعديلات في فريق ترامب تهدف إلى تعطيل دور هذه القوى أو تفعيله.
كذلك، من المحتمل أن تسعى هذه المجموعة إلى ممارسة ضغوط على إيران لحملها على التراجع عن مسار التفاوض، كما لا يمكن تجاهل الدور الإسرائيلي في هذا الإطار، إذ يجب التساؤل حول ما إذا كانت تل أبيب لا تزال تعمل على تقويض فرص التفاوض بين طهران وواشنطن، وهل تنوي إدخال عناصر جديدة في هذه المباحثات.
ويبدو أن ترامب، من خلال هذه التغييرات، يسعى إلى إزاحة الشخصيات المرتبطة بهياكل الحكومات السابقة، والاستعانة بقوى أكثر استقلالية تتمتع بوضع رسمي داخل الجهاز الحكومي، ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح ما إذا كان سينجح في استخدام هذا الأسلوب للتهرب من الضغوط البيروقراطية والسياسية، فضلا عن الضغط الإسرائيلي.
جميع هذه العوامل تمثل قيودا على ترامب، ويبدو أن نفسيته في اتخاذ القرار النهائي تتعارض مع كثير من هذه الضغوط.
هل هناك من لا يريد أن يركّز ترامب على شعاره الرئيسي المتمثل في إنهاء الحروب؟
تؤثر كثير من هذه الضغوط، بما في ذلك ضغط ما يُعرف بالدولة العميقة في الولايات المتحدة، وضغط إسرائيل، في القرارات النهائية لترامب على صعيد السياسة الخارجية، لا سيما فيما يتعلق بإيران.
وكذلك، تلعب الصناعات العسكرية، والشركات والمنشآت المرتبطة بإنتاج المعدات الحربية، دورا في توجيه قراراته، فشركات الصناعات العسكرية في الولايات المتحدة تهيمن أيضا على البنتاغون وتشكل جزءا من المنظومة العسكرية الأمريكية.
وهذه الشركات، التي تنتج المعدات الحربية، تملك مصلحة في إشعال الحروب من أجل تسويق الأسلحة، ما يؤثر بطبيعة الحال على عملية صنع القرار في البلاد، ويُطرح السؤال عما إذا كان ترامب ينوي الحد من نفوذ هذه القوى أم أنه سيفسح لها المجال، وبالنظر إلى شعاره المعلن، بأنه لا يسعى إلى الحرب بل إلى احتوائها، ينبغي متابعة ما إذا كان سيلتزم بهذا الشعار أم أنه سيرضخ لتلك الضغوط.
لا شك أن ضغط المؤسسات والشركات المرتبطة بالصناعات التسليحية له تأثير معين، غير أنه في مواجهة دولة غارقة في الديون تصل إلى 32 تريليون دولار، تُطرح تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الشركات قادرة على تبرير سياسات تُفاقم الديون، إذ إن هذا النوع من الخيارات يثقل كاهل الاقتصاد الأمريكي برمّته، وجميع هذه العوامل تُمثل عناصر مؤثرة في مسار السياسة الأمريكية.
لماذا تقرر فجأة في الولايات المتحدة تأجيل الجلسة الخاصة بالمفاوضات مع إيران؟
إن تأجيل الجلسة يعكس التغييرات الجارية حاليا في الداخل الأمريكي، وجاء هذا القرار لتمكين ترامب من التخلص من الضغوط المفروضة عليه، فلو لم يكن الأمر كذلك، لكان ترامب، الذي بدأ المسار بإصرار وكرر دعوته لإيران إلى التفاوض، قد تابع هذا النهج حتى النهاية، خاصة وأنه أظهر أن حل المشكلة لا يكون إلا عبر القناة الدبلوماسية.
غير أنه، ما لم تُنظم هذه الضغوط وتُضبط، فلن يتمكن من مواصلة المفاوضات مع إيران بإرادة حقيقية تؤدي إلى نتيجة، ويبدو أن ترامب لا يزال جادا في رغبته هذه.
كيف تقيّمون إعلان الموقف في السياسة الخارجية الأمريكية من قبل نجل ترامب؟
انطلاقا من التصريحات التي أدلى بها نجل دونالد ترامب، أي جونيور ترامب، يمكن الاستنتاج أن قضية إيران تجاوزت نطاق الحكومة والنظام الرسمي والإداري في الولايات المتحدة، وامتدت إلى داخل بيت عائلة ترامب نفسها، إذ بات ابن الرئيس الأمريكي منخرطا في هذا الملف، ويقوم بفضح القوى التخريبية التي تعرقل حل القضايا داخل الولايات المتحدة.
فقد أشار إلى جماعات سيئة السمعة مثل “المدافعين عن الديمقراطية” ومجموعات أخرى مرتبطة بما يُعرف بالدولة العميقة، وحتى إلى جهات تابعة لتلك الدولة العميقة، أي إسرائيل، وإن لم يُذكر اسمها صراحة، إلا أن طبيعة الضغوط التي تُمارس على والده واضحة.
وتندرج هذه التصريحات، في جوهرها، ضمن محاولات لتخفيف الضغوط عن رئيس الولايات المتحدة.
لماذا يعلن ترامب فرض عقوبات ثانوية على إيران في الوقت الذي يسعى فيه لحل القضية النووية معها؟
إن إعلان فرض هذه العقوبات على إيران يدل، وللأسف الشديد، على أن أحد التروس في آلة رئيس الولايات المتحدة لا يزال يدور ويعمل بفعالية، وهذه الخطوة تمثل استمرارا لسياسة الضغوط القصوى، ويبدو أن هناك داخل الولايات المتحدة من لا يزال يدفع بهذا الاتجاه المعادي لإيران.
غير أن ما ينبغي التنبه إليه هو أن هذه العقوبات موجهة إلى المشترين الأساسيين للمنتجات الإيرانية، وفي مقدمتهم الصين، إلى جانب عدد من الدول الأخرى، أي أن هذه الإجراءات ليست موجهة إلى إيران فحسب، بل تحمل أبعادا أخرى تستدعي التوقف عندها.
أولا، تهدف هذه العقوبات إلى تقييد الصين بدرجة أكبر، وهي جزء من حملة متعددة الأوجه ضد بكين بدأتها الولايات المتحدة منذ فترة، ثانيا، يسعى ترامب من خلالها إلى الحفاظ على حصة بلاده في السوق، بحيث يتمكّن المنتجون الأمريكيون، عبر إزاحة المنتج الإيراني، من توسيع أسواقهم، وإبقاء الصين في موقع التبعية للولايات المتحدة.
إن على ترامب أن يولِي وزارة الخزانة الأمريكية اهتماما خاصا، حتى يتسنى له التعامل مع هذه التروس المعرقلة، التي سيكون لها أثر كبير في سياق المفاوضات مع إيران.
هل يسعى غروسي لتحقيق مكاسب للوكالة الدولية للطاقة الذرية من خلال تبني مواقف متناقضة حيال إيران؟
يبدو أن رافائيل غروسي، من خلال تصريحاته، يمارس تأثيرا سلبيا على مستوى التعاون بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإيران، إذ استغل فرصة هذه المفاوضات في محاولة لإقحام الوكالة ضمن مسار التفاوض، ويبدو أنه يرى أنه في حال استمرار هذه المحادثات، فلا بد أن يُؤخذ دور الوكالة في الاعتبار.
ومن هنا يسعى، على حد التعبير الشعبي، إلى “إدخال فأر في القدر”، أي افتعال أمر يفرض به حضور الوكالة على طاولة التفاوض، غير أن هذا السلوك لا يرقى إلى المعايير المهنية والقانونية.
أما الأوروبيون، وبالنظر إلى مجريات التفاوض بين إيران والولايات المتحدة، والمواقف التي يتخذها ترامب تجاه الاتحاد الأوروبي، فقد باتوا يشعرون بأنهم قد أُقصُوا من دائرة صنع القرار فيما يخص الملف الإيراني والمفاوضات النووية، ولذلك بدأوا إرسال إشارات سلبية، في محاولة لتصوير الوضع على أنه مقلق، وذلك في مسعى منهم لممارسة الضغط على ترامب.