- ربيع السعدني
- 15 Views
كتب: ربيع السعدني
في قلب إيران حيث تتشابك خيوط السياسة والدين والقانون، يقف رجلٌ صلبٌ كالصخر، يحمل على عاتقه مسؤولية قيادة السلطة القضائية: غلام حسين محسني إيجئي، الشهير بـ”محسني إيجئي” ليس مجرد مسؤول، بل قائدٌ يجمع بين الحزم والفكر العميق.. إنه الشيخ الذي صعد من أروقة الثورة إلى قمة النظام القضائي، تاركا بصماته في تاريخ إيران الحديث.
من أصفهان إلى قلب الثورة
وُلد غلام حسين محسني إيجئي في 27 أكتوبر/تشرين الأول عام 1956 في قرية إيجة الواقعة في قضاء “جلجة” في أصفهان (مهد الثقافة والتاريخ الإيراني)؛ وأصبحت هذه القرية مدينة في السنوات التي أعقبت انتصار الثورة ونشأ في أسرة متدينة، حيث غُرس فيه حب العلم والدين منذ نعومة أظفاره، في سن السادسة عشرة، بتوصية خاصة من حسن بهشتي نجاد، إمام الجمعة المؤقت في أصفهان اتجه إلى دراسة العلوم الدينية وبدأ الدراسة في حوزة أصفهان.

وفي وقت لاحق تم اغتيال بهشتي نجاد في منزله على يد إرهابيين من منظمة خلق في 31 يوليو/تموز 1980 مع ابنه البالغ من العمر عشر سنوات، وبعد فترة من الزمن التحق بالحوزة العلمية في قم، المدينة التي تُعدّ قلب الدراسات الدينية الشيعية هناك، درس الفقه والأصول على يد كبار العلماء، مكتسبا معرفة عميقة جعلته لاحقا واحدا من رجال الدين المؤثرين.
إضافة إلى دراسته الحوزوية، حصل إيجئي على درجة الدكتوراه في القانون الدولي الخاص، وله خبرة في التدريس في كلية باقر العلوم للعلوم، والتدريس في قسم التعليم بالمحاكم الثورية، وكلية العلوم القضائية.
في عام 1976 وفي العشرين من عمره، وبينما كان لا يزال في فترة التلمذة، قبل عامين من انتصار الثورة تزوج من فتاة نشأت في أسرة دينية، ورزق منها بأربعة أبناء، ابنة وثلاثة أبناء، ومع اندلاع الثورة عام 1979، كان إيجئي شابا في العشرينات، يحمل في قلبه شغفا بالتغيير، انخرط في الأنشطة الثورية، وأصبح من المقربين للإمام الخميني، هذه الفترة شكلت شخصيته، حيث تعلم كيف يجمع بين الإيمان العميق والعمل السياسي الحازم.
كما حصل محسني إيجئي على درجة الماجستير في القانون الدولي، مما يجعله شخصية مميزة في العلوم اللاهوتية والأكاديمية، وأصبح إيجئي عضو كامل العضوية في مجمع تشخيص مصلحة النظام منذ عام 2006.
الخلاف مع نجاد حول الطاعة

بعد انتصار الثورة جاء إيجئي إلى طهران في أواخر عام 1979، بناء على توصية ودعوة من الشهيد قدوسي، وبدأ العمل في المحكمة الثورية، وقد أدت الإجراءات القضائية الفعالة والدقيقة التي قام بها إيجئي خلال هذه السنوات إلى حصوله على تصويت الثقة من البرلمان لتولي منصب وزير الاستخبارات في 23 أغسطس/آب 2009 وهو منصب يعتبر مهما وحساسا.
شغل محسني إيجئي منصب وزير الاستخبارات في الحكومة التاسعة (أحمدي نجاد)، لكنه في نهاية المطاف تم فصله من هذا المنصب بعد خلاف مع الرئيس آنذاك (أحمدي نجاد) حول قضية طاعة الحاكم، وكذلك مع أحد المقربين من الرئيس.
محقق المتهم الذي عثر على جثته في السجن
وكان محسني إيجئي هو المحقق في قضية تقي محمدي، أحد المشتبه بهم في تفجير مكتب رئيس الوزراء، تم العثور على جثته بالسجن في 9 أبريل/نيسان 1986، وأعلنت السلطات القضائية أنه انتحر.
بعد هذه الحادثة وقضايا أخرى، مثل اعتقال خسرو طهراني، رئيس مكتب استخبارات رئيس الوزراء، أمر الخميني بإغلاق القضية، وكان حاضرا أيضا في القضايا المرفوعة ضد منتظري وأقاربه منذ عام 1986، وعمل في الوقت نفسه مع وزارة الاستخبارات في المحكمة الخاصة برجال الدين وكان أحد ممثلي الادعاء العام في قضية مهدي هاشمي، صهر منتظري، وكانت هذه القضية جزءا من الأحداث التي أدت إلى إقالة منتظري من منصب نائب المرشد.

في السبعينات أصبح إيجئي، قاضيا في العديد من القضايا المثيرة للجدل، وضمن ذلك قضية اختلاس الأموال من بنك صادرات، وأصدر حكما بالسجن على مرتضى رفيق دوست، شقيق محسن رفيق دوست، وحكما بالإعدام على فاضل خداداد، لكن محسن رفيق دوست، أول وزير للحرس الثوري، قال في عام 2012 إن فاضل خداداد لم يُعدم بسبب هذه القضية، مما يعني أنه أعدم بسبب الفساد الأخلاقي.
وتعتبر قضية كرباشي، عمدة طهران السابق، أيضا واحدة من القضايا الخطيرة للغاية الموكلة إلى إيجئي، وبعد المحاكمة أصبح أيضا رئيس المجمع القضائي الخاص للتحقيق في جرائم موظفي الحكومة، حيث تم الاستماع إلى بعض القضايا المهمة، بما في ذلك تلك المتعلقة بالصحافة.
الصعود وأبرز محطاته:
مسيرة محسني إيجئي المهنية تعكس تنوعا وتأثيرا كبيرين، بدأ حياته المهنية في القضاء الثوري، حيث شغل مناصب حساسة في الثمانينات، وهي فترة شهدت تحديات داخلية وخارجية كبيرة لإيران.

- النائب العام للمحاكم الثورية (2009): في الثمانينيات، كان إيجئي رجل القضاء الذي يواجه التحديات الأمنية، وضمن ذلك التعامل مع جماعات المعارضة مثل “منظمة مجاهدي خلق” هنا، اكتسب سمعة الحزم في مواجهة ما يُعتبر تهديدا للنظام.
- وزير الاستخبارات (2005-2009): تحت رئاسة محمود أحمدي نجاد، تولى إيجئي منصب وزير الاستخبارات، حيث أشرف على تعزيز الأمن الداخلي ومواجهة التحديات الخارجية، بما في ذلك العقوبات الدولية خلال هذه الفترة، برز كشخصية لا تعرف المساومة في قضايا الأمن القومي.
- النائب الأول لرئيس السلطة القضائية (2009-2021): لأكثر من عقد، عمل إيجئي إلى جانب آية الله صادق لاريجاني، حيث ساهم في تطوير النظام القضائي وتعزيز استقلاليته. كان له دور بارز في الإصلاحات القضائية، بما في ذلك مكافحة الفساد.
- رئيس السلطة القضائية (2021- حتى الآن): في يوليو/تموز 2021، عيّنه المرشد الأعلى علي خامنئي رئيسا للسلطة القضائية، في منصب يُعدّ من أقوى المناصب في إيران، منذ ذلك الحين، أصبح إيجئي وجها رئيسيا في مواجهة التحديات الداخلية، مثل الاحتجاجات، والخارجية، مثل العقوبات الغربية.
من أبرز مواقفه:

على الرغم من دوره القضائي الصلب، يُظهر إيجئي جانبا إنسانيا في خطاباته، حيث يدعو إلى العدالة الاجتماعية ويؤكد أهمية حماية حقوق المواطنين، هذا التوازن جعله شخصية مثيرة للجدل: فهو بطلٌ في عيون مؤيدي النظام، وخصمٌ قوي في نظر معارضيه.
ولكي نتعرف أكثر على أفكار وخواطر رئيس السلطة القضائية أوردت وكالة أنباء “إرنا” بعض مواقفه وتصريحاته في السنوات الأخيرة بشأن مختلف القضايا القضائية المهمة، بما في ذلك مكافحة الفساد، وحماية حقوق المتهمين والمدانين، وتقليص أعداد المجرمين، وإجراء المحاكمات العلنية:
- من يريد محاربة الفساد يجب أن يكون نظيفا.
- إن مكافحة الفساد يجب أن تكون بلا اعتبارات أو تمييز، وإلا فإن العمل سيُهمَل ولن يتقدم.
- إن إجراء المحاكمات علنا ونشر وقائعها له فوائد عديدة، ومنها أنها تخلق حالة من الردع في المجتمع وتزيد من معرفة الناس ووعيهم.
- إذا ارتكب المسؤولون في الحكومة أي مخالفة، فيجب معاقبتهم إلى أقصى حد.
- إن التعذيب محرم شرعا وقانونا وأخلاقا، وإذا ادعى أحد مثل هذا الأمر أو ادعى ذلك في المستقبل فسوف يتم التحقيق معه فورا والتعامل معه بأشد العقوبات.
- الأولوية الرئيسية للقضاء هي توسيع مظلة دعم الإنتاج.
- لا يجوز ظلم السجين داخل السجن، ولا يجوز لأحد أن ينتهك حقوقه في السجن.
- إذا لم يحترم النظام القضائي كرامة مهنة المحاماة والمحامين والخبراء والمتخصصين فإن النظام القضائي نفسه سوف يتضرر.
الدعم الكامل لهؤلاء..

- دعم محور المقاومة: في فبراير/شباط 2025، أعلن إيجئي دعمه الثابت لمحور المقاومة، مشيرا إلى أن “حركة المقاومة في إيران والعراق ولبنان وفلسطين حية وفعالة، وتنتظرها مستقبل مشرق”، هذا الموقف يعكس التزامه بالسياسة الإيرانية الداعمة لحركات المقاومة في المنطقة، مثل حزب الله وحماس.
- مواجهة منظمة مجاهدي خلق الإرهابية: يُعتبر إيجئي من أشد المعارضين لمنظمة مجاهدي خلق، التي تُصنف كجماعة إرهابية في إيران خلال مناصبه المختلفة، أشرف على عمليات قضائية ضد أعضائها، معتبرا أنها تهدد الأمن القومي.
- معالجة الاحتجاجات الداخلية: خلال احتجاجات 2022 التي أعقبت وفاة الناشطة مهسا أميني، اتخذ إيجئي موقفا صلبا، مؤكدا أن القضاء سيواجه “الفتنة” بحزم في الوقت نفسه، دعا إلى التحقيق في القضايا المتعلقة بحقوق المواطنين، محاولا تحقيق توازن بين الأمن والعدالة.
- مكافحة الفساد: كرئيس للسلطة القضائية، أطلق إيجئي حملات واسعة لمحاكمة المسؤولين الفاسدين، ومن ضمنهم شخصيات نافذة، وهذه الخطوة عززت صورته كمدافع عن العدالة، رغم انتقادات البعض لأسلوب التنفيذ.
- علاقته بقاسم سليماني: يُشار إلى أن صورة قاسم سليماني تتصدر مكتبه، وهو ما يعكس إعجابه بقائد فيلق القدس السابق ودعمه لنهجه في تعزيز النفوذ الإيراني.
ميزان العدالة
يُوصف إيجئي بأنه رجلٌ قليل الكلام، عميق التفكير، يجمع بين صورة الشيخ المتدين والسياسي المحنك، في لقاءاته، يظهر بهدوء يخفي وراءه إرادة حديدية، يُقال إنه يحترم العلماء ويستمع إلى آراء الشباب، لكنه لا يتردد في اتخاذ قرارات صعبة عندما يتعلق الأمر بالمصالح الوطنية.

غلام حسين محسني إيجئي ليس مجرد اسم في سجل المسؤولين الإيرانيين، بل هو رمزٌ لعصرٍ مضطرب، حيث يقف على خط المواجهة بين الحفاظ على الثورة ومواجهة التحديات من شوارع إصفهان إلى قاعات السلطة القضائية، حفر إيجئي اسمه بحروف من الحزم والإيمان.
قد يراه البعض قاضيا لا يرحم، ويراه آخرون حاميا للوطن، لكنه سيبقى بلا شك، رجلاً يحمل ميزان العدالة في يدٍ، وسيف الثورة في الأخرى، في زمنٍ تتقاطع فيه المصائر، يبقى إيجئي شاهدا على قوة إيران، وصانعا لمستقبلها.