المفاوضات الإيرانية-الأمريكية.. الدبلوماسية على المحك وسط تهديدات إسرائيلية بالحرب

في خضم التوترات الإقليمية والتحولات السياسية المتقلبة، تبرز المفاوضات الجارية بين إيران والولايات المتحدة بين مسقط وروما كمحاولة جريئة لإعادة إحياء اتفاق نووي جديد، يُطلق عليه اسم “خطة العمل الشاملة المشتركة 2″، في هذه المحادثات، التي بدأت في 14 أبريل/نيسان 2025، تأتي في ظل ظروف معقدة، حيث تسعى كل من واشنطن وطهران إلى تحقيق توازن بين التنازلات المتبادلة والضغوط الداخلية والخارجية. 

في حين يلوح شبح التصعيد العسكري الإسرائيلي ضد إيران، تتحول دول الخليج نحو سياسة التهدئة، مما يعزز فرص الاستقرار الإقليمي. 

صمت الجمهوريين.. هل يعكس ولاء لترامب أم ضعفا سياسيا؟

في المشهد السياسي الأمريكي، يُعتبر الحزب الجمهوري تقليديا من أشد المنتقدين لأي حوار دبلوماسي مع إيران، لكن في مفارقة لافتة، يظهر صمت نسبي من القادة الجمهوريين إزاء جهود الرئيس دونالد ترامب لإعادة فتح قنوات التفاوض مع طهران، هذا الصمت يثير تساؤلات حول ما إذا كان نابعا من الولاء السياسي لترامب أم من خوف من مواجهته، خاصة بعد نجاحه في تعزيز نفوذه داخل الحزب.

في عام 2018، قاد ترامب الانسحاب الأحادي من الاتفاق النووي، وكانت طهران، التي تنفي امتلاك أسلحة نووية، قد التزمت في البداية بالاتفاق، لكنها تراجعت بعد ذلك عن التزاماتها، مما أثار استياء دوليا واسعا، لكن اليوم، يبدو أن ترامب يتبنى نهجا أكثر براغماتية، ربما بتأثير من حلفاء إقليميين ومصالح اقتصادية، على سبيل المثال، يُشير تقرير صادر عن معهد بروكينجز في مارس/آذار 2025 إلى أن ترامب يواجه ضغوطا من بعض المستشارين الجمهوريين الذين يرون أن الدبلوماسية قد تكون السبيل الوحيد لتجنب حرب مكلفة في الشرق الأوسط. 

وبحسب تقرير لوكالة أنباء “خبر أونلاين” نقلا عن موقع “المونيتور” الإعلامي الأمريكي، فإنه على الرغم من انسحاب الحكومة الأمريكية من الاتفاق النووي بشكل أحادي الجانب في عام 2018 خلال الولاية الأولى لرئاسة ترامب، أعرب المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل جروسي عن أمله في أن يكون ترامب مستعدا لإبرام اتفاق نووي جديد مع إيران.

ومع ذلك، فإن هذا الصمت لا يعني إجماعا، حيث يظل تيار المحافظين الجدد، بقيادة شخصيات مثل السيناتور توم كوتون، متمسكا برفض أي تنازلات لإيران، مما يضع ترامب في موقف حساس داخليا.

تحول الخليج.. من العداء إلى الدبلوماسية مع إيران

شهدت دول مجلس التعاون الخليجي، خاصة الثلاثي العربي “السعودية والإمارات وقطر”، تحولا جذريا في سياستها الخارجية تجاه إيران خلال السنوات الأخيرة، بينما خلال إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، عارضت هذه الدول الاتفاق النووي مع طهران، معتبرة أنه يتجاهل مخاوفها الأمنية، لكن بحلول عام 2025، باتت هذه الدول، بقيادة السعودية، تتبنى نهجا يركز على خفض التصعيد، ووفقا لتحليل نشره مركز الإمارات للسياسات في أبريل/نيسان 2025، فإن هذا التحول مدفوع بحسابات استراتيجية، ولقد استثمرت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بشكل كبير في الدبلوماسية خلف الكواليس مع طهران على مدى العامين الماضيين، حيث أنشأتا آليات لخفض التصعيد وقنوات اتصال غير رسمية. 

تسعى دول الخليج إلى حماية خططها التنموية، مثل رؤية السعودية 2030 ومشاريع الإمارات في الطاقة المتجددة، التي تتطلب استقرارا إقليميا على سبيل المثال، أدت المصالحة السعودية-الإيرانية، التي رعتها الصين في 2023، إلى تقليص التوترات، مع عقد لقاءات دورية بين مسؤولين سعوديين وإيرانيين في بغداد ومسقط، كما أن قطر، بفضل دورها كوسيط في المنطقة، عززت من نفوذها في دفع ترامب نحو نهج دبلوماسي، مستفيدة من علاقاتها الاقتصادية الوثيقة مع الولايات المتحدة.

ومن المهم أنه من المتوقع أن يحث زعماء الخليج ترامب على تضمين أي اتفاق نووي آليات تحقق صارمة وأحكام للحد من برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني ودوره في التشدد الإقليمي. 

غموض الموقف الأمريكي.. عقبة أم فرصة للتقدم؟

يُعد الغموض في السياسة الأمريكية أحد أكبر التحديات أمام المفاوضات، بينما يؤكد ترامب أن هدفه منع إيران من امتلاك سلاح نووي، فإن تصريحات مبعوثه ستيف ويتكوف حول “التخصيب الصفري” تثير قلق طهران. 

هذا التناقض يعكس انقساما داخل إدارة ترامب بين تيار براغماتي يدعم التفاوض وتيار متشدد يتمسك بشروط صارمة، في تصريحات لشبكة سي إن إن في مايو/أيار 2025، أشار وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، إلى أن طهران مستعدة لتقديم تنازلات، مثل تقليص التخصيب إلى مستويات منخفضة تحت إشراف دولي، لكنها ترفض أي شروط “غير واقعية”، إن إلقاء نظرة على الكلمات المفتاحية التي استخدمها المسؤولون الإيرانيون والأمريكيون والعمانيون بعد الجولة الخامسة من المشاورات يظهر مدى صعوبة الطريق الذي ينتظر طهران وواشنطن.

وفي حين رأى المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيراني إسماعيل بقائي أن المحادثات جرت في أجواء هادئة ومهنية، اختار وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي كلمات ذات دلالة أكثر حدة وقال: “انتهت الجولة الخامسة من المحادثات الإيرانية الأمريكية في روما ببعض التقدم، ولكن دون التوصل إلى نتيجة نهائية”.

من جهته، يرى الدكتور عسل راد، الباحث في تشاتام هاوس، أن الإصرار على “التخصيب الصفري” لن يؤدي إلا إلى انهيار المحادثات، وفي تقرير حديث له، اقترح راد نموذجا يقوم على تقييد البرنامج النووي الإيراني مع السماح بتخصيب محدود تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مما يحقق توازنا بين المصالح الأمريكية والإيرانية.

إسرائيل وتهديداتها.. تصعيد حقيقي أم لعبة دبلوماسية؟

تُعد إسرائيل اللاعبَ الإقليمي الوحيد الذي يعارض بشدة المفاوضات النووية وتحت قيادة بنيامين نتنياهو، تصاعدت التهديدات الإسرائيلية بشن هجمات على المنشآت النووية الإيرانية، خاصة بعد تقارير استخباراتية في أبريل/نيسان 2025 أشارت إلى استعدادات إسرائيلية محتملة، لكن الدكتور مهران كامراف، أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورجتاون في قطر، يرى أن هذه التهديدات قد تكون جزءا من استراتيجية للضغط النفسي على طهران أو لصرف الانتباه عن الاتهامات بارتكاب إبادة جماعية في غزة.

وهذه ليست المرة الأولى التي يهدد فيها المسؤولون الإسرائيليون بشن مثل هذه الهجمات، وليست المرة الأولى التي تتحدث فيها وسائل الإعلام الغربية عن سماع “صوت خطوات الحرب الإسرائيلية” ضد إيران، وعارضت إسرائيل مرارا الاتفاق بين الولايات المتحدة وإيران وهدد نتنياهو باللجوء إلى أي إجراء تصعيدي، بما في ذلك مهاجمة المواقع النووية الإيرانية، لمنع طهران من الحصول على الأسلحة النووية، ففي أبريل/نيسان 2025، اقترح بنيامين نتنياهو “النموذج الليبي”، لحل القضية النووية الإيرانية، قائلا: “سنقوم بتدمير المفاعلات النووية ومنشآت التخصيب الإيرانية”.

ويأتي تقرير شبكة CNN في أعقاب تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز خلال شهر أبريل/نيسان 2025 يفيد بأن ترامب منع هجوما إسرائيليا مخططا على المنشآت النووية الإيرانية كان سيتطلب دعما عسكريا أمريكيا، وكتب موقع أكسيوس أيضا، نقلا عن مصدرين إسرائيليين مطلعين على المفاوضات: “تستعد إسرائيل لشن هجوم سريع على المنشآت النووية الإيرانية إذا انهارت المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران”. 

وفي أول مؤتمر صحفي له منذ ستة أشهر وفي 21 مايو/أيار 2025، أعلن أن إيران لا تزال تشكل تهديدا خطيرا للغاية، مؤكدا أن حكومته وبلاده تنسقان بشكل كامل مع الولايات المتحدة بشأن إيران وتواصلان المشاورات مع واشنطن على أساس مستمر، وأعرب عن أمله في التوصل إلى اتفاق مع الحكومة الإيرانية يمنع طهران من الحصول على الأسلحة النووية وتخصيب اليورانيوم.

وفقا لتقرير نشرته صحيفة هآرتس في مايو/أيار 2025، فإن إسرائيل تدرك جيدا مخاطر التصعيد، إيران تمتلك قدرات ردع قوية، بما في ذلك صواريخ باليستية دقيقة وقوات وكيلة مثل الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان على سبيل المثال، أظهرت هجمات الحوثيين على أهداف إسرائيلية، مثل الضربة على مطار بن جوريون في مارس/آذار 2025، قدرة هذه الجماعات على إلحاق أضرار اقتصادية كبيرة، هذا التوازن الهش للردع المتبادل يجعل الحرب المباشرة غير مرجحة في الوقت الحالي.

يأتي هذا على الرغم من تصريح ترامب في فبراير/شباط 2025 بأنه يريد “اتفاق سلام نووي موثوق” مع إيران، وهو ما من شأنه أن يعرض للخطر العمل العسكري المشترك مع إسرائيل. وفي السابع من أبريل/نيسان، وهو اليوم نفسه الذي أعلن فيه عن المحادثات مع إيران، أخبر نتنياهو أن الولايات المتحدة تعارض شن هجوم عسكري على إيران.

خلف الأبواب المغلقة.. مرونة أمريكية أم شروط مستحيلة؟

رغم التصريحات العلنية الحادة، تشير مصادر دبلوماسية إلى أن المفاوضات خلف الأبواب المغلقة تتسم بمرونة نسبية، خمس جولات من المحادثات، وصفتها طهران وواشنطن بأنها “بناءة”، تُظهر وجود مساحة للتفاوض، ووفقا لتقرير سري نشرته وكالة رويترز في مايو/أيار 2025، اقترحت الولايات المتحدة خطة تدريجية تتضمن رفع بعض العقوبات مقابل تجميد أنشطة التخصيب الإيرانية عند مستويات منخفضة، لكن هذه المرونة مهددة بضغوط داخلية من المحافظين الجدد، الذين يطالبون بشمول قضايا مثل برنامج الصواريخ الإيرانية في الاتفاق.

الدكتور سينا أزدي، الأستاذ الزائر بجامعة جورج واشنطن، يؤكد أن “البرنامج النووي الإيراني حقيقة لا يمكن تجاهلها، والدبلوماسية هي السبيل الوحيد لاحتوائه”، ويحذّر من أن أي إصرار على شروط غير واقعية قد يقوض التقدم المحرز خلال المفاوضات.

رهانات الدبلوماسية 

تظل المفاوضات الإيرانية-الأمريكية عملية معقدة وهشة، تحمل في طياتها آمالا بتحقيق استقرار إقليمي طويل الأمد، بينما تسعى إيران والولايات المتحدة إلى تفادي الصراع، فإن التحديات المتمثلة في الغموض الأمريكي، والضغوط الإسرائيلية، والانقسامات الداخلية في كلا البلدين تشكل عقبات كبيرة. 

ومع ذلك، فإن دعم دول الخليج للتهدئة، وتأثيرها المتزايد على قرارات ترامب، إلى جانب مرونة المفاوضات السرية، يعزز فرص التوصل إلى اتفاق نووي جديد، ونجاح ذلك الأمر يعتمد على قدرة الطرفين على تجاوز الشعارات العلنية والتركيز على الحلول الواقعية، التي قد تحدد مصير المنطقة لعقود قادمة.