نشرت صحيفة “اطلاعات أونلاين” الإيرانية الإصلاحية، السبت 26 أبريل/نيسان 2025، تقريرا تناولت فيه موقع إيران المميز من حيث امتلاكها مخزونات ضخمة من عناصر الأرض النادرة وخطواتها الحديثة نحو تطوير صناعاتها المرتبطة بهذه العناصر عبر استثمارات داخلية وخارجية.
العناصر الترابية النادرة
ذكرت الصحيفة أنّ إيران تمتلك 32 مليون طن من احتياطيات العناصر النادرة الترابية، وهو رقم يضع البلاد ضمن الدول العشر الأولى عالميا من حيث حجم هذه المخزونات.
وتابعت أنّه مع التحول في دور المواد المعدنية الاستراتيجية في الاقتصادات المستقبلية، أصبحت العناصر النادرة الترابية من أهم وأبرز الموارد الحيوية على مستوى العالم، وهذه العناصر تشكل الأساس لتقنيات متقدمة مثل الطاقة المتجددة، الصناعات الإلكترونية، السيارات الكهربائية، والصناعات الدفاعية.

وأوضحت أنه لهذا السبب، تحظى الدول التي تملك احتياطيات غنية من العناصر النادرة بمكانة خاصة في معادلات الجغرافيا السياسية (الجيوبوليتيك) وسلاسل الإمداد العالمية.
وأشارت إلى أنّ أهمية هذه العناصر النادرة بلغت حدا جعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يطالب بالحصول على عناصر نادرة ترابية ومعدنية من كييف مقابل استمرار المساعدات العسكرية والدعم الأمريكي لأوكرانيا، لافتة إلى توقيع مذكرة تفاهم أولية بين البلدين بهذا الخصوص.
وأضافت أنّ جميع العناصر السبعة عشر النادرة الترابية تدخل في الاستخدامات الصناعية، وتُستعمل في طيف واسع من التقنيات اليومية والمتطورة، بدءا من مصابيح الإضاءة إلى الصواريخ الموجهة، وعلى سبيل المثال، يعد عنصر “اليوروبيوم” ضروريا لصناعة شاشات التلفاز، بينما يستخدم عنصر “السيريوم” في تلميع الزجاج وتكرير النفط، كما يشكل عنصر “اللانثانوم” جزءا أساسيا في المحولات الحفازة للسيارات.
وبينت أنه تجدر الإشارة إلى أنّ العناصر النادرة الترابية هي مجموعة من سبعة عشر عنصرا كيميائيا تشترك بخصائص متشابهة وتوجد عادة معا في الرواسب المعدنية، ويستخدم عنصري “النيوديميوم” و”الدسبروزيوم” يُستخدمان في تصنيع مغناطيسات قوية ودائمة تحتاج إلى صيانة قليلة، مما يجعل استخدامها في توربينات الرياح البحرية المثبتة بعيدا عن السواحل أمرا اقتصاديا ومجديا.

سيطرة الصين على سوق العناصر النادرة الترابية
ذكرت الصحيفة أنّ الصين على مدى عقود، عبر استثمارات ضخمة في مجال تكرير العناصر النادرة، استفادت إلى الحد الأقصى من احتياطياتها، كما قامت بتسجيل عدد كبير من براءات الاختراع في إنتاج هذه العناصر، مما جعل دخول الشركات الأجنبية إلى هذا القطاع أمرا صعبا.
وتابعت أنّ الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يعتمدان حاليا بشكل كبير على الصين لتأمين احتياجاتهما من العناصر النادرة، لكنهما يسعيان إلى زيادة الإنتاج المحلي وتحسين عمليات إعادة التدوير بهدف تقليل الاعتماد على بكين وسحب هذه الورقة القوية من يدها، وهو ما يفسر الضغوط التي يمارسها ترامب على أوكرانيا للحصول على العناصر النادرة الترابية.
وأضافت أنّ هذا السعي الغربي ينبع خصوصا من تجربة سابقة حيث هددت وسائل الإعلام الحكومية الصينية عام 2019، خلال ذروة الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، بإيقاف تصدير العناصر النادرة إلى الولايات المتحدة، وقد سبقت هذه الحادثة تجربة اليابان في عام 2010، عندما علقت بكين تصدير هذه المعادن إلى طوكيو إثر نزاع إقليمي بين البلدين.
وأوضحت أنّ مجمل هذه التطورات يبرز الأهمية الاستراتيجية للعناصر النادرة الترابية في العالم المعاصر وفي معادلات القوة العالمية، وإيران تمتلك موقعا فريدا من نوعه في سوق العناصر النادرة الترابية، والتقارير المنشورة في دوريات علمية وتحليلية مرموقة، تفيد بأنّ إيران تحتفظ بنحو 32 مليون طن من أكسيد العناصر النادرة الترابية، وهو رقم يضع البلاد ضمن قائمة الدول العشر الأولى عالميا من حيث حجم المخزونات.
وأشارت إلى أنّ هذه الكمية تقارن باحتياطيات دول كبرى مثل الصين، فيتنام، روسيا والبرازيل، مما يضاعف أهمية البنية الجيولوجية لإيران في سوق العناصر الاستراتيجية العالمية.
وأكدت أنّ مركز دراسات الشرق الأوسط (مؤسسة بحثية أمريكية مستقلة) قد شدد على أنّ إيران، بفضل احتياطياتها الغنية وموقعها الجغرافي المتميز، تستطيع أن تلعب دورا رئيسيا في تأمين المواد الخام اللازمة للتقنيات النظيفة، الصناعات الإلكترونية، وصناعة السيارات الكهربائية على المستويين الإقليمي والعالمي.
استخراج ومعالجة العناصر الترابية
ذكرت الصحيفة أنّه وللمرة الأولى في إيران، تمكن باحثون من جامعة “صنايع أمیرکبیر” الصناعية من استخراج العناصر النادرة الترابية وفصل العناصر المعدنية عن نفايات المصانع المعدنية، ثم معالجتها لإنتاج الحديد.
وتابعت أنّه تم إجراء دراسات واسعة ونصف واسعة باستخدام الأساليب الجيوكيميائية والجيوكيمياء الجيولوجية على مناطق مثل احتياطيات “مغنتيت أپاتيت” في شغارت، شادرملو، وأسفوردي.
وأضافت كذلك على مكامن الحديد الفسفوري في وسط إيران، إضافة إلى عمليات التحول الجيولوجي، واللاتيريت (تربة غنية بالحديد والألومنيوم، والرواسب الغرينية (بلاسر) “تجمع طبيعي للمعادن الثقيلة”، والرماد الناتج عن الفحم الحجري، ومخزونات البوكسيت.
وأشارت إلى أنّ هذه الإنجازات تمثل بداية جدية لإنشاء سلسلة القيمة “للعناصر الأرضية النادرة” في إيران، وتؤكد انتقال البلاد من مجرد امتلاك مخزونات خام إلى الانخراط في أنشطة صناعية قائمة على المعرفة والابتكار الصناعي، وتسعي إيران بعد أن أدركت أهمية هذا القطاع، إلى تطوير هذه الصناعة عبر استقطاب الاستثمارات الداخلية والخارجية، وتوسيع نطاق التعاونات، واستخدام التقنيات الحديثة.
وأوضحت أن تحليل الموقع الإلكتروني لمركز دراسات الشرق الأوسط، مشيرة إلى أنّ تنمية هذا المجال يمكن أن يسهم في تعزيز أمن سلسلة توريد عناصر الأرض النادرة عالميا، كما يساعد على تنويع الاقتصاد الإيراني وتحويله إلى لاعب إقليمي يعتمد عليه.
ولفتت إلى أنّ إيران تستطيع، من خلال الاعتماد على مخزونها الضخم من عناصر الأرض النادرة باعتبارها مادة خام استراتيجية، أن تدخل مسارا جديدا لتعزيز اقتصادها الوطني وتطوير تقنياتها، ورغم أنّها حاليا ليست منافسة بلا منازع على مستوى الإنتاج الصناعي، إلا أنّ مكانتها من حيث الموارد المعدنية تبشر بدور أكثر فاعلية في سلسلة القيمة العالمية لهذه العناصر الحيوية في المستقبل القريب.
إنتاج معدن المونازيت في إيران
ذكرت الصحيفة أنّ خبرا سارا نُشر في الأسبوع الثاني من شهر أبريل/نيسان 2025، يشير إلى دخول جاد لإيران لزيادة حصتها من سوق العناصر الاستراتيجية أو عناصر الأرض النادرة، وفي 18 أبريل/نيسان 2025، أعلنت وزارة الصناعة والتعدين والتجارة عن افتتاح أول مشروع لإنتاج معدن المونازيت في إيران وغرب آسيا، بحضور وزير الصناعة والتعدين والتجارة.
وأشارت إلى أنّ هذا الحدث يُعد بداية جيدة للاستغلال العملي لعناصر الأرض النادرة في البلاد، ومعدن المونازيت هو مادة فوسفاتية، غالبا ما تكون ذات لون بني مائل إلى الأحمر، تحتوي على عناصر أرضية نادرة، ويُصنف المونازيت كونه مجموعة من المعادن بسبب تنوع تركيبه الكيميائي.
وتابعت أنّ المونازيت يتمتع بتطبيقات واسعة النطاق تشمل الصناعات الزراعية، الطبية، صناعة الطيران والفضاء، إنتاج الفولاذ، تصنيع الشرائح الإلكترونية، وتوليد الكهرباء عبر المولدات الكهربائية، وبفضل خصائصه الفيزيائية الفريدة، يجد له استخداما أيضا في مجال الطاقة النووية، حيث يحتوي على نسبة عالية من عنصر الثوريوم، مما يجعله خيارا محتملا لاستبدال اليورانيوم في بعض المفاعلات النووية.
وأضافت أنّ هذه الخاصية دفعت الدول التي تملك احتياطيات كبيرة من المونازيت إلى تطوير تقنيات استخراج واستغلال هذه المادة الحيوية، واستغلال هذا المشروع الجديد سيمكّن إيران من اتخاذ خطوات جديدة في تصنيع المعدات فائقة التطور.
وأوضحت أنّ سيد محمد أتابك، وزير الصناعة والتعدين والتجارة الإيراني، قد صرح بأنّ عددا محدودا من الدول فقط نجح في إنتاج عناصر الأرض النادرة، مما يمنح هذا الإنجاز في إيران أهمية كبيرة، عبّر عن أمله في أن يؤدي تفعيل هذه المصانع إلى تسريع وتيرة تحقيق إيران للإنجازات في الصناعات عالية التكنولوجيا “هاي-تك”، مؤكدا أنّ معالجة عناصر الأرض النادرة تشكل أساسا لتوسيع نطاق الصناعات فائقة التطور.
وبينت نقلا عن أتابك قوله إنّهم يأملون عبر جهود الخبراء المحليين أن يتم توسيع نطاق الإنتاج وتنشيط البرامج القائمة على المشاريع، تحقيقا لأهداف الوثائق الاستراتيجية العليا للدولة.
وأفادت بأنّه رغم افتتاح هذا المصنع الجديد، فإنه ينبغي الانتباه إلى أن إنتاج عناصر الأرض النادرة في إيران لا يزال محدودا على الصعيد العالمي، حيث لم تُدرج البلاد بعد ضمن قائمة أكبر المنتجين عالميا، ومعظم المخزونات الإيرانية لم تُعالَج بعد لدخول الأسواق العالمية، مما يجعل تطوير تقنيات الاستخراج وإقامة الصناعات التحويلية أمورا ضرورية للنهوض بهذا القطاع.
مستقبل التكنولوجيا الإيرانية
ذكرت الصحيفة أنّ عناصر الأرض النادرة تمثل مستقبل التكنولوجيا الإيرانية، نظرا لدورها المحوري في إنتاج منتجات استراتيجية مثل بطاريات السيارات الكهربائية، وتوربينات الرياح، والأنظمة الإلكترونية، ومعدات الطاقة المتجددة.
وتابعت أنّه مع الاستثمارات المناسبة، تستطيع إيران تلبية جزء كبير من احتياجاتها الداخلية، بل والمساهمة في تلبية الطلب الإقليمي على هذه المواد، مما يمكّنها من ترسيخ مكانتها في مشهد الصناعة والتكنولوجيا العالمي المستقبلي.
وأوضحت أنّه رغم تميز إيران من حيث امتلاك مخزونات ضخمة من عناصر الأرض النادرة، فإن تحويل هذا المورد الوطني إلى ثروة فعلية رهنٌ بتعزيز البنى التحتية التكنولوجية، استقطاب الاستثمارات، وإنشاء صناعات تحويلية قائمة على المعرفة.
وأضافت أنّ افتتاح مصنع معالجة عناصر الأرض النادرة يمثل خطوة مهمة في هذا الاتجاه، ويفتح آفاقا واعدة لتحويل إيران إلى لاعب رئيسي في هذا السوق الاستراتيجي.