باحث في الشؤون الدولية: حزب الله يواجه واقعا لبنانيا معقّدا، ومخاوف من انفجار محتمل

ترجمة: دنيا ياسر نور الدين 

أجرت صحيفة “هم ميهن” الإيرانية الإصلاحية، الأربعاء 21 مايو/أيار 2025، حوارا مع حميد رضا عزيزي، الباحث البارز بمركز أبحاث مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية، حول مستقبل حزب الله في لبنان في ظل الحكومة الحالية برئاسة نواف سلام، وتحولاته المحتملة من حركة مقاومة إلى فاعل سياسي، في سياق الضغوط الداخلية والإقليمية والتحديات التي تواجهه بعد مشاركته في الحرب على غزة. كما ناقش الحوار الانقسامات الداخلية في صفوف الحزب وموقفه من الدولة اللبنانية، والعلاقة مع إيران.

أوضح حميد رضا عزيزي بشأن المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة، أن “بعض العوامل قد تؤدي مستقبلا، على المدى المتوسط إلى الطويل، إلى تغيير في التفكير الاستراتيجي الإيراني تجاه الولايات المتحدة. أعتقد أن القرار الحالي بشأن التفاوض قرار تكتيكي نابع من إدارة الوضع، لكن هذا لا يعني عدم وجود إرادة سياسية للتوصل إلى اتفاق”.

وأعتقد أن “دخول إيران في المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة جاء نتيجة ضرورات أمنية وسياسية إقليمية، إلا أنه لا يمكن القول ببساطة إن هذا القرار يقتصر على كونه قرارا تكتيكيا”. 

فهو يرى أنه “إذا تم التوصل إلى اتفاق أولي في الملف النووي بين إيران والولايات المتحدة، فقد يُمهّد ذلك الطريق لتغيير استراتيجي في التفكير الإقليمي الإيراني”.

وفي ما يلي نص الحوار 

هل تعتقد أن قرار إيران الدخول في مفاوضات مع الولايات المتحدة حول المسألة النووية قرار تكتيكي أم استراتيجي؟

لا أعتقد أن هناك تغيرا استراتيجيا أو جذريا في المنظومة الفكرية للنظام السياسي في إيران. إذا قبلنا بفرضية أن تدهور الوضع وضرورة الحل عبر الدبلوماسية كانا عاملين دفعا النظام نحو التفاوض، فعلينا أن نقول إن هذا النهج لا يشير إلى تغيير استراتيجي، بل يشير إلى أن النظام يريد أن يُجري التفاوض ليُحقق الاستقرار، ومن ثم يُدير الوضع على أساس الظروف الجديدة.

لكن هناك بعض العوامل المهمة. عندما نُمعن النظر في ديناميكيات القوى في المنطقة، سواء كانت قوى عظمى أو إقليمية، نصل إلى نتيجة مفادها أن بعض هذه العوامل قد تؤدي مستقبلا إلى تغيير التفكير الاستراتيجي الإيراني تجاه الولايات المتحدة. أعتقد أن القرار الحالي بشأن التفاوض هو قرار تكتيكي قائم على إدارة الوضع، لكنه لا يعني غياب الإرادة السياسية للتوصل إلى اتفاق.

في ظل التحولات الإقليمية المتسارعة خلال العامين الأخيرين، هل تكفي القرارات التكتيكية لتلبية احتياجات إيران في مرحلة تتطلب هندسة جديدة للمنطقة؟

برأيي، النهج التكتيكي تجاه الولايات المتحدة لا يعني بالضرورة أن الاتفاق نفسه سيكون تكتيكيا. لأنه إذا حدث اتفاق نووي وكان فعالا على المدى الطويل، فإنه سيوفر استقرارا على الأقل في أحد أهم ميادين المواجهة بين إيران والولايات المتحدة، مما يُمهّد الطريق للتقدم في مجالات أخرى.

 لا أعتقد أن السياسة الخارجية الإيرانية الحالية كلها ذات طابع تكتيكي من الألف إلى الياء. أعتقد أن النهج التكتيكي المبني على الضرورة تجاه الولايات المتحدة قد اقترن بنهج استراتيجي قائم على المصلحة في المنطقة، وقد يُفضي هذا التزاوج إلى نتائج إيجابية إذا طُبق بالشكل الصحيح.

ما نراه اليوم في السياسة الإقليمية الإيرانية- وإن كنتُ منصفا- بدأ فعليا في عهد رئيسي، هو نوعية العلاقة مع السعودية. حتى وقت قريب لم أكن متأكدا من عمق هذه الدبلوماسية، حتى زيارة  وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان إلى طهران ولقائه مع القيادة. أهمية هذه الزيارة كبيرة للغاية؛ فشخصية من العائلة المالكة السعودية ووزير دفاعها يزور طهران ويجتمع مع أعلى سلطة في البلاد. وهذا هو ما يكشف الجانب الاستراتيجي من المسألة.

هل تعتقد أن هذا التكتيك قد يكون مقدمة لاستراتيجية؟

نعم، من الممكن ذلك. الدبلوماسية الإقليمية الإيرانية بدأت في الأساس من باب الضرورة. المحادثات الأمنية بين إيران والسعودية بدأت باستضافة العراق، وكان إيرواني – الذي كان نائب السيد شمخاني آنذاك – هو ممثل إيران. 

ثم تطورت إلى الاتفاق الذي توسطت فيه الصين في مارس 2023، وكان هذا الاتفاق نتيجة مباشرة للضرورات الأمنية الإيرانية في المنطقة، لأن إيران رأت أن السعودية، بما تمتلكه من نفوذ إعلامي، تستطيع التأثير على الرأي العام الإيراني.

كما يمكنها دعم الجماعات المسلحة التي تعمل ضد إيران بشكل فعلي أو محتمل، والأهم من ذلك هو تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، الذي أقلق إيران من الناحية الأمنية والأيديولوجية. لقد استخدمت مصطلحا يصف الطرفين في ذلك الوقت: “الردع عبر التفاهم” أو “التطبيع كوسيلة للردع”، سواء بالنسبة لإيران أو السعودية.

لكن الهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل في أكتوبر/تشرين الأول 2023، ورد الفعل الإسرائيلي في غزة، خلق تطورات متوازية إيجابية وسلبية في المنطقة. في النهاية، ما بدأ كتحرك تكتيكي اضطراري، تحول إلى مسار استراتيجي. 

ومن جهة، أصبحت إيران مطمئنة نسبيا إلى أن تطبيع السعودية مع إسرائيل لن يحدث بهذه السهولة، وإن حدث فلن يكون كما كانت تتصوره أمريكا. ومن جهة أخرى، فإن الزخم الشعبي في المنطقة والعالم الإسلامي حول القضية الفلسطينية أعاد ربط الخطاب الأيديولوجي الإيراني مع حلفائه.

رغم أن هذه الشبكة تلقت ضربات استراتيجية كبيرة، فإن هذا الارتباط الأيديولوجي قد أُعيد. كل ذلك أدى إلى أن إيران والسعودية الآن تجريان لقاءات على أعلى المستويات، ويتم التوصل إلى اتفاقات، وحتى في مسألة المفاوضات النووية التي كانت إيران تصر على أنها محصورة بينها وبين الغرب، ونجد أن  وزير الخارجية الإيراني عراقجي يقوم بجولات في العواصم العربية لضمان دعم العرب، وهو تطور كبير جدا.

في ضوء تحوّل التفكير الاستراتيجي الإيراني تجاه دول الخليج، كيف سينعكس هذا المسار التوافقي على طبيعة العلاقة بين طهران وواشنطن؟

لا يزال هناك قدر كبير من انعدام الثقة وسجل طويل من العداء بين الطرفين، والدور الذي لعبته الولايات المتحدة في المنطقة، لا سيما في المجال الأمني المباشر لإيران، جعل نظرة طهران إلى واشنطن لا تزال مليئة بالريبة. فإذا أراد صانع القرار الإيراني أن يفكر في إطار أطول أمدا وأكثر شمولا، فهناك عوامل كثيرة تدعو إلى الحذر.

لكن ما قد يُحول العلاقة من حالة تكتيكية إلى استراتيجية هو استمرار التغيرات الجارية في سلوك الولايات المتحدة. على سبيل المثال، نلاحظ أن تيار “الولايات المتحدة أولا” أصبح له اليد العليا مقابل تيار المحافظين الجدد. وأبرز دليل على ذلك هو القرارات الأخيرة التي اتخذتها أمريكا بشأن سوريا، وصفقات إطلاق سراح رهائن مع حماس، واتفاق مع الحوثيين لوقف الهجمات، كل ذلك تم دون مراعاة المصالح الإسرائيلية.

وبعد هذا الاتفاق الحوثيون يقصفون إسرائيل؟

نعم، تماما. إذا استمر هذا المسار، ما الشيفرة التي سيغيّرها في منظومة صنع القرار في إيران  إنها حقيقة أن الولايات المتحدة لم تعد تسعى في المنطقة لإقامة نظام يستهدف إقصاء إيران. لم تعد تسعى لتغيير النظام، ولا تسعى لإقصائها. 

ليس فقط إيران، بل حتى شركاؤها. هذه نقطة تحوّل مهمة؛ أن تتفاوض الولايات المتحدة مع الحوثيين وحماس. لطالما سعت إيران لسنوات طويلة إلى الاعتراف بهذه الجماعات كجهات فاعلة مستقلة. فما الذي كان يمكن أن تحصل عليه إيران أفضل من هذا في مثل هذه الظروف؟

ومن اللافت أن الحوثيين لا يزالون على قائمة الإرهاب الأمريكية وهذا يعكس نظرة براغماتية قائمة على المعاملات، تقول إنه حيثما توجد مصلحة لنا، ينبغي أن نتحرك في هذا الاتجاه. ما الذي يدل عليه هذا؟ أنه إذا قدّم صانع القرار الإيراني منفعة ملموسة وكبيرة للولايات المتحدة يمكنه أن يحدث تغييرات جوهرية.

لماذا ذكرت السعودية كمثال على القوة الوكيلة الولايات المتحدة؟

 لأن هذه فكرة كانت راسخة في ذهن صانع القرار الإيراني. في السابق، كان السياسي الإيراني يرى أنه لا داعي للتفاوض مع السعودية؛ إذا توصلنا لاتفاق مع الولايات المتحده، فإن السعودية، شاءت أم أبت، ستكون مضطرة للتجاوب.

لكن الوضع الآن تغيّر. كان هناك تصور سابق في ذهن صانع القرار الإيراني بأن تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة مشروط بالاعتراف بإسرائيل. ونحن لا نفعل ذلك، إذن من غير الممكن تحسين العلاقات مع أمريكا أساسا. لكن الآن هذا التصور في طور التغيير. 

هنا تكمن المسألة المحورية. برأيي، هذه النقطة يمكن أن تُقنع البنية الحاكمة بأن هناك مجالا للتعاون مع الولايات المتحدة. ولهذا نسمع تصريحات مثل تلك التي أطلقها بزشکیان،وزير الخارجيه الإيراني  عباسي عراقجي، حول عدم وجود مانع أمام الاستثمار الأمريكي في إيران.

ما مدى ارتباط المسار الدبلوماسي الحالي بين إيران والولايات المتحدة بالتحولات الإقليمية، خصوصا في ضوء إعادة طرح فكرة “الكونسورتيوم النووي”؟

بالطبع، هذه الفكرة ليست جديدة. لكنها تكتسب أهمية في السياق الراهن المتعلق بالسعودية والإمارات، وعلى الأقل نظريا تملك الآن فرصة أكبر للنجاح مقارنة بالماضي. لأن أحد العوائق الدائمة أمام هذه الفكرة كان الطابع المتوتر للعلاقات بين إيران والدول العربية. لكن اليوم، في ظل تحسّن العلاقات، وفي إطار بناء الثقة الذي تعمل عليه إيران مع هذه الدول في ما يتعلق بالمفاوضات النووية والعلاقات الثنائية، أصبحت احتمالية قبولها من الجانب العربي أعلى. 

وهنا يبقى التحدي الرئيسي طبعا هو مسألة التخصيب، إذ ما زال المسؤولون الأمريكيون يصرّحون أن إيران لا ينبغي أن تقوم بالتخصيب، وهذا يمثل خطا أحمر. مدى قدرة هذا الكونسورتيوم على لعب دور كحل وسط هو ما يجب أن ننتظر لنرى.

ولكن إن وُجد ظرف يتم فيه القبول الجماعي للتخصيب داخل إيران، وأن يكون جزءا أساسيا من هذا الكونسورتيوم، في حين تُوزع المكونات الأخرى للكونسورتيوم بين الدول الإقليمية، فقد تكون لذلك تأثيرات كبيرة على النظام الإقليمي وتوزيع القوى فيه. لأن حدوث ذلك سيعني ليس فقط قبولا أمريكيا، بل مشاركة منها.

 وبالتالي، فإن الرسالة هي أن الولايات المتحدة تعترف بإيران كفاعل مشروع وذي مصالح مقبولة في المنطقة، بل وأبعد من ذلك، تدعم قيام نظام شامل تتعاون فيه إيران مع دول المنطقة.

إذا ما وضعنا ذلك إلى جانب التطورات الأخيرة في العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، فيمكن القول إن هذا النظام الإقليمي الجديد قد يبعث برسالة إلى إسرائيل مفادها: إذا استمرت في تبني نهج أحادي، فقد تجد نفسها خارج الترتيبات الجديدة في المنطقة. وهذا قد يمثل لأمريكا مكسبا مزدوجا، ويحقق مصالح إيران ودول المنطقة كذلك. 

لكن في هذا السياق، التفاصيل هي الأهم، ويبدو أن قضية التخصيب تبقى التحدي الأكبر على المدى القصير والطويل.

بالنظر إلى التحديات الأمنية التي واجهتها إيران خلال العامين الماضيين، هل يمكن القول إن طهران بدأت تفقد بعض أدوات تأثيرها الإقليمي؟ 

لا أعتبر الحوثيين وكلاء لإيران، لأن لديهم خصوصية،  عبدالملك بدرالدین يعتبر نفسه فوق تلقي الأوامر من إيران. إنه من سلالة قيادية تمتد لأجيال، ويعتبر نفسه صاحب مكانة خاصة. في سوريا نرى أن تركيا لها اليد العليا حاليا، وهناك تنافس بينها وبين السعودية على سوريا. ويبدو أن الأمريكيين لا يرغبون كثيرا في أن تكون تركيا صاحبة الكلمة العليا في سوريا. اللقاء بين أحمد الشرع وترامب في الرياض كان مهما جدا. يبدو أن الخلافات

هل يمكن أن يتحول حزب الله في المستقبل إلى حركة سياسية فقط، خاصة أن له قاعدة شعبية طائفية معترفا بها في الدستور؟

إن مسألة تعامل حكومة نواف سلام مع حزب الله لا تتعلق فقط بالرغبة، بل أيضا بالقدرة. أي أن هناك نوعا من الواقعية الناجمة عن ظروف الداخل اللبناني والظروف الإقليمية. وهذا يعود إلى القاعدة الاجتماعية لحزب الله. 

والواقع أن حزب الله تلقى خلال حرب غزة ضربة كبيرة على صعيد قاعدته الاجتماعية، ليس فقط على مستوى المجتمع اللبناني ككل، بل حتى داخل الطائفة الشيعية اللبنانية. ففي عام 2000 و2006، كان جميع اللبنانيين ينظرون إلى حزب الله بوصفه حركة مقاومة. 

لكن كثيرا من هؤلاء رأوا أن دخول حزب الله في حرب غزة هذه المرة كان غير ضروري. لا ينبغي أن ننسى أن هناك موجة قومية عربية سادت في عموم المنطقة، ليست على غرار القومية العربية الناصرية، بل من نوع آخر. فقد شهدنا احتجاجات حركة تشرين في العراق عام 2019.

وفي لبنان، تكررت الاحتجاجات التي كانت غالبا ما تستهدف حزب الله، وفي ظل هذا الجو الهش، فإن دخول حزب الله في الحرب أسهم تلقائيا في زيادة السلبية في هذا المناخ. سلام أو عون يدركان جيدا أن ممارسة ضغط مفرط على حزب الله قد يؤدي إلى إعادة إحياء وتجديد قاعدته الاجتماعية. 

والسؤال هنا هو: لماذا نشأت النزعة العسكرية الشيعية في لبنان أساسا؟ إن القومية في لبنان والقومية العابرة للحدود التي تستند إلى المقاومة هي قضايا لاحقة. القضايا المحلية وحركة أمل سبقت هذه المرحلة، ثم جاء تأسيس حزب الله. فالمسألة الجوهرية كانت تتعلق بحماية القاعدة الشيعية ومنع عزل الشيعة في لبنان. وعلى المستوى الوطني، تم الطعن في دور حزب الله، لكنه لا يزال يمتلك طاقة كامنة على المستوى المحلي.

وإذا ما تم تفعيل هذه الطاقة بشكل سلبي، فقد يُعرّض استقرار لبنان ككل للخطر. والأمريكيون يدركون ذلك أيضا. فلم تكن العملية التي شهدناها قائمة على المواجهة أو مصادرة مواقع حزب الله بالقوة من قبل الجيش. 

بل إن حزب الله نفسه قام في كثير من الحالات بتسليم هذه المواقع. وفي حالات أخرى، زوّدت إسرائيل الجيش اللبناني بمعلومات حول مواقع حزب الله، فتواصل الأخير وتعاون مع الجيش. وأمل حزب الله هو كسب الوقت حتى يتمكن من التعافي من الصدمات التي تعرض لها. ومن ناحية أخرى، يريد تحميل الحكومة اللبنانية مسؤولية الدفاع عن لبنان والحفاظ على سيادته.

وفي كل خطاب يلقيه نعيم قاسم عقب كل هجوم إسرائيلي، يحمل الحكومة اللبنانية المسؤولية. وهذا يعني أن حزب الله يتريث ليستعيد عافيته، وكلما فشلت الحكومة اللبنانية في منع الاعتداءات الإسرائيلية، فإن ذلك سيؤدي على المدى الطويل إلى تآكل مصداقيتها، وهو ما يصب في نهاية المطاف في مصلحة حزب الله. هذه هي الرؤية العامة لحزب الله.

ولا أعتقد أن الحكومة اللبنانية، حتى مع وجود ضغوط أمريكية، ستلجأ إلى ممارسة ضغط كبير على حزب الله أو تجريده من سلاحه بالقوة. لكن النقطة المهمة هي أن حزب الله لم يعد يتمتع اليوم بذلك التماسك والوحدة الداخلية التي كانت قائمة في عهد السيد حسن نصر الله. هناك تيارات مختلفة داخل الحزب، ولكل منها رؤيته. 

وتشير تقارير المصادر اللبنانية إلى أن هناك تيارا داخل الحزب يفضل التركيز في المدى القصير على الدور السياسي لحزب الله، وتهدئة الأجواء، والتعاون مع الحكومة، بينما يرى تيار آخر ضرورة اتخاذ خطوات أكثر حدة. وبالتالي، من المحتمل أن تحدث تصرفات فردية، بل وربما انشقاقات داخل حزب الله.

وأعتقد أن هناك خلافات داخل الحزب حول عدة قضايا. أولا: مستوى التعاون مع الحكومة اللبنانية. ثانيا: مسألة دمج حزب الله في الجيش اللبناني أو عدم دمجه. فهناك من يرى أن انضمام مئة ألف شيعي إلى الجيش اللبناني سيؤدي إلى تغييره جذريا. ثالثا: نوع المواجهة مع إسرائيل. فبعضهم يرى أنه يجب ترك الأمر للحكومة، فيما يرى آخرون أن على حزب الله أن يتحرك بشكل مستقل.

وهناك أيضا مسألة العلاقة مع إيران. بعض عناصر حزب الله يشعرون بالاستياء من إيران، ويعتقدون أنها كان ينبغي أن تقدم للحزب دعما أكبر. ولذلك، إذا لم تتمكن هاتان الرؤيتان من التوصل إلى اتفاق عقلاني ومقبول، وإذا ما تزايد الاستياء على المستوى المحلي، فهناك احتمال أن تخرج الأمور عن السيطرة، سواء من خلال عودة حزب الله إلى العمل العسكري، أو من خلال حدوث انشقاقات داخل الحزب.