“تحدي العقوبات بالابتكار”.. تحت قيادة حسين سالارية إيران تصنع تاريخها في الفضاء 

كتب: ربيع السعدني 

في عالمٍ يتصارع فيه العالم على الريادة العلمية والتقنية، يبرز الدكتور حسين سالارية كشخصيةٍ استثنائية، قاد منظمة الفضاء الإيرانية نحو آفاقٍ جديدة بطموحٍ لا يعرف الحدود.. إنه ليس مجرد رئيسٍ لمؤسسة، بل مهندس صاحب رؤيةٍ وطنية، حيث امتزجت في قيادته الجرأة العلمية بالالتزام الوطني، ليصبح رمزا للتقدم الإيراني في عصر الفضاء. 

في عالم اليوم، تعتبر تكنولوجيا الفضاء أحد المجالات الاستراتيجية للتنمية العلمية والاقتصادية للدول، واستطاعت إيران أيضا أن تتخذ خطوات فعالة في تطوير تكنولوجيا الفضاء، بالاعتماد على علماء ومديرين بارزين مثل حسن سالارية وباعتباره رئيس منظمة الفضاء الإيرانية وشخصية علمية بارزة، لعب سالارية دورا مهما في توجيه برامج الفضاء في البلاد ودعم مشاريع البحث والتنفيذ.

جذور الطموح والعزيمة

نشأ في بيئةٍ إيرانية غنية بالقيم التقليدية والطموح العلمي، منذ صغره، أظهر شغفا بالمعرفة واهتماما خاصا بالعلوم والتكنولوجيا، دفعه للالتحاق بجامعة إيران للعلوم والتقنية لدراسة الهندسة، حيث شكلت هذه المرحلة أساسا متينا لمسيرته المهنية، لم تكن بداياته مجرد خطواتٍ عادية، بل كانت بمثابة بذورٍ زُرعت لتؤتي ثمارا كبيرة في مجال الفضاء والتكنولوجيا مما قاده إلى التفوق الأكاديمي ليحصل سالارية على درجة الدكتوراه في الهندسة الميكانيكية من جامعة شريف للتكنولوجيا وهو أستاذ وعضو هيئة تدريس في هذه الجامعة. 

نشر أكثر من 170 مقالا في المجلات الدولية و70 مقالا في المجلات المحلية والمؤتمرات الوطنية والدولية، وإدارة العديد من مشاريع البحث الصناعي في مجالات الفضاء والميكانيكا جزءا من الخلفية البحثية العلمية له، وتوضح هذه المقالات عمق واتساع أبحاثه في مجالات الهندسة الميكانيكية والملاحة.

لاحقا عُين نائبا للتخطيط والإشراف في مؤسسة النخبة الوطنية وعميد كلية الهندسة الميكانيكية في جامعة شريف للتكنولوجيا وإدارة وإطلاق العديد من الشركات القائمة على المعرفة في مجالات الطيران والميكانيكا وهذا هو جزء من الخلفية التنفيذية لسالارية.

وحصد  سالارية المركز الأول في برامج البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في كلية الهندسة الميكانيكية بجامعة شريف للتكنولوجيا عام 2002، وخلال دراسته، تم الاعتراف به كواحد من الطلاب المتفوقين والنخبة وحصل على العديد من الأوسمة الأكاديمية واختياره من قبل أكاديمية العلوم والتكنولوجيا في مجال الهندسة الميكانيكية كعالم شاب في الهندسة الميكانيكية في عام 2015، هو جزء من تكريمات البحث العلمي لمجهوداته الأكاديمية البارزة.

من الجامعة إلى قيادة الفضاء

“الفضاء هو الحدود الجديدة للإنسانية”، بهذه الرؤية، بنى الدكتور حسين سالارية مسيرته المهنية، بعد تخرجه، عمل في مجالات هندسية متقدمة، حيث ساهم في تطوير تقنياتٍ دعمت الصناعات الإيرانية، لكن طموحه لم يتوقف عند الحدود الأرضية، فقد اختير لقيادة منظمة الفضاء الإيرانية، وهي الوكالة الحكومية المسؤولة عن برامج الفضاء الوطنية. 

تحت قيادته، شهدت المنظمة طفرة غير مسبوقة في إطلاق الأقمار الصناعية وتطوير التكنولوجيا الفضائية.

مناصب بارزة: 

قائدٌ في قلب التقدم العلمي

  1. رئيس منظمة الفضاء الإيرانية (2023-الآن): تولى سالارية رئاسة للمنظمة في فترةٍ حرجة، من العام 2023 حيث واجهت إيران تحدياتٍ دولية وتقنية، قاد المنظمة نحو تحقيق إنجازاتٍ كبرى، منها إطلاق أكثر من 11 قمرا صناعيا خلال عامين، محققا رقما قياسيا في ارتفاع الإطلاق.
  1. نائب وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات (2021-2023): كجزءٍ من دوره، عمل كمفوضٍ في الوزارة، حيث ساهم في وضع سياساتٍ عززت التكامل بين تكنولوجيا الفضاء والاتصالات.
  1. مدير مشاريع الأقمار الصناعية: أشرف على تصميم وإطلاق أقمارٍ مثل “سامان 1″، “ثريا”، و”كوثر”، التي عززت قدرات إيران في الاستشعار عن بُعد والاتصالات.
  1. مستشار تقني في الصناعات الدفاعية (2018-2021): قبل توليه منصب رئيس المنظمة، قدم خبراته في تطوير تقنياتٍ متقدمة، مما ساهم في تعزيز الاكتفاء الذاتي الإيراني.
  1. أستاذ جامعي ومدرب تقني: درّس في جامعاتٍ إيرانية مرموقة، وأشرف على تدريب جيلٍ جديد من مهندسي الفضاء، مزرعا بذور الابتكار في عقول الشباب

أهم المشاريع الفضائية خلال فترة إدارة سالارية:

  1. إطلاق قمر “تولوه 3” (قمر صناعي مسحي يُطلق إلى الفضاء بواسطة منصة إطلاق أجنبية).
  1. إطلاق قمر “ظفر 2” (قمر صناعي مسحي للتصوير المتقدم).
  1. إطلاق قمر “بارس 2” (تصوير بدقة أقل من أربعة أمتار، ومن المقرر إطلاقه في عقد الفجر- ذكرى انتصار الثورة التي تنطلق في الفترة من 1- 11 فبراير/شباط كل عام).
  1. إطلاق قمر “فخر 1” (أول قمر صناعي بحثي يُبنى من قبل القطاع الخاص).
  1. تعد قاعدة تشابهار الفضائية أيضا أحد مشاريع البنية التحتية المهمة خلال فترة رئاسته، والتي تهدف إلى تطوير قواعد إطلاق الأقمار الصناعية في إيران. 
  1. إطلاق أقمارٍ صناعية متقدمة: أشرف على إطلاق “سامان 1″، وهو أكبر وأثقل قمرٍ إيراني، إلى جانب “شمران 1” و”ثريا”، مما عزز قدرات إيران في الاتصالات والاستشعار عن بُعد.
  1. تطوير حاملات الأقمار: قاد جهود تصنيع حاملاتٍ ثقيلة مثل “سرير” و”قائم”، مما يعزز القدرة على إطلاق أقمارٍ أكبر وأكثر تعقيدا.
  1. التعاون مع القطاع الخاص: أعلن عن تصنيع 20 قمرا صناعيا بالتعاون مع شركاتٍ خاصة، مما يعكس رؤيته الاقتصادية لصناعة الفضاء.
  1. إطلاق كبسولة بيولوجية: وضع خططا لإطلاق أول كبسولة حيوية إيرانية، ممهدا الطريق لأبحاث الفضاء الحيوي.
  1. الدفاع عن السيادة الفضائية: أكد سالارية أن التواجد في الفضاء ليس رفاهية، بل ضرورة لحماية السيادة الوطنية، مشددا على أهمية الاكتفاء الذاتي في التكنولوجيا ونجح في ربط برامج الفضاء بتحسين مستوى المعيشة، وإدارة الأزمات، والأمن الغذائي، مؤكدا أن “التواجد في الفضاء يحمي سيادة الدول”.
  1. تعزيز الاقتصاد الفضائي السلمي: دعا سالارية إلى جعل صناعة الفضاء رافدا اقتصاديا، من خلال إطلاق 5 إلى 7 أقمارٍ سنويا وتطوير تقنياتٍ تخدم الزراعة وإدارة الموارد ولطالما ركز في تصريحاته على الاستخدامات السلمية للبرنامج النووي الإيراني، حيث أكد أن برامج الفضاء تهدف إلى تحسين جودة الحياة، مثل مراقبة الأزمات البيئية ودعم الأمن الغذائي، بعيدا عن الصراعات العسكرية.

تحدي العقوبات

في وجه العقوبات الدولية قاد سالارية المنظمة لتحقيق الاكتفاء الذاتي، معلنا: “كل عقوبة هي فرصة لابتكارٍ جديد”، ونجح في إطلاق أقمارٍ بتكنولوجيا محلية 100%، مُثبتا أن إرادة الأمة أقوى من الحصار وفي ظل الضغوط الدولية، قاد المنظمة لتحقيق إنجازاتٍ بمواردٍ محلية، مُثبتا أن العقوبات لا يمكن أن تعيق الطموح الإيراني ورد على اتهامات الغرب بشأن البرنامج الفضائي الإيراني، مؤكدا أن “أقمارنا سلمية، وهدفها رفعة الإنسانية”، مع التركيز على تطبيقات مثل إدارة الأزمات والكوارث.

ورغم كل هذه التحديات والعقوبات التي تواجه طهران، يعتقد سالاريه أن إيران قادرة على أن تصبح واحدة من الدول الرائدة في تكنولوجيا الفضاء خلال العقود المقبلة. وتشمل بعض خططه المستقبلية ما يلي:

  • زيادة عدد عمليات الإطلاق الفضائية الإيرانية وتطوير تقنيات الإطلاق الجديدة.
  •  تعزيز التعاون الدولي في مجال مشاريع الفضاء. 
  • تطوير أقمار الاستشعار عن بعد لتحسين إدارة الموارد الطبيعية والزراعة. 
  • زيادة مشاركة القطاع الخاص في تطوير تقنيات الفضاء وجذب الاستثمارات المحلية والدولية.

إرثٌ خالد

لم يقتصر دور الدكتور حسين سالارية على قيادة منظمة الفضاء الإيرانية، بل امتد ليصبح رمزا للإرادة الوطنية والطموح العلمي، إنجازاته في إطلاق الأقمار الصناعية وتطوير التكنولوجيا الفضائية.

تحت قيادته تحولت إيران إلى واحدة من الدول القليلة القادرة على إطلاق الأقمار بتكنولوجيا محلية ورؤيته في دمج الفضاء بالاقتصاد الوطني وتحسين حياة المواطنين تركت بصمة لا تُمحى وحوَّل منظمة الفضاء الإيرانية من مؤسسةٍ طموحة إلى قوةٍ عالمية تتحدى الحدود وتصنع المستحيل.