تعليق قانون الحجاب بين قرارات الحكومة وتجاوزات المتشددين.. رسائل مجهولة تُربك الشارع الإيراني

تناولت صحيفة “هم ميهن” الإيرانية الإصلاحية، في تقرير لها الجمعة 9 مايو/أيار 2025، تكرار محاولات فرض قانون الحجاب في إيران رغم تعليقه بقرار من مجلس الأمن القومي، وسلطت الضوء على الرسائل التحذيرية المجهولة التي تُرسل إلى النساء وما يثير القلق حول تجاوز بعض الجهات للسلطات الرسمية، كما ناقشت الموقف الحذر للرئيس مسعود بزشكیان في مواجهة هذه التوترات حفاظا على وحدة المجتمع.

قانون الحجاب

ذكرت الصحيفة أنه لم تمضِ فترة طويلة على تسلّم مسعود بزشكيان مهام الرئاسة، حتى أعلن عن تصديق مجلس صيانة الدستور لقانون دعم الأسرة من خلال نشر ثقافة العفاف والحجاب. ومنذ ذلك الحين، بدأت التساؤلات تُطرح حول آلية تنفيذ هذا القانون من قبل الحكومة، خاصة في ظل كمّ الانتقادات والتحذيرات التي وجّهها النخب السياسيون والاجتماعيون، فضلا عن المواطنين، حيال هذا التشريع.

وأضافت أنه مع اقتراب موعد إعلان القانون رسميا، صرّح رئيس مجلس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف، في رده على سؤال قائلا: «سنُبلِغ قانون العفاف والحجاب في 4 ديسمبر/كانون الأول 2024، لأنه قانون».

وتابعت أن هذا التصريح قوبل بجملة من ردود الفعل، ما دفع الرئيس بزشكيان إلى التصريح في ثاني حوار تلفزيوني مباشر له بالقول: “هناك كثير من النقاش حول هذا الموضوع. كانوا يريدون تطبيقه منذ بداية تسلّمي المنصب، لكن من الناحية التنفيذية هناك كثير من الغموض. ولاحقا، أعلن عن قيام المجلس الأعلى للأمن القومي بتعليق تنفيذ هذا القانون”.

وفي هذا السياق، ذكرت الصحيفة أن علي رضا سليمي، عضو هيئة رئاسة البرلمان، تعليق قانون الحجاب والعفاف، موضحا أن أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي طلبت من البرلمان إيقاف إجراءات إبلاغ القانون حتى ترسل الحكومة مشروع قانون تعديلي إلى المجلس. إلا أنه شدّد، في تصريح لوكالة إيرنا، أن البرلمان ما يزال متمسكا بمصادقته. 

وتابعت أنه في الليلة ذاتها، كتب علي ربيعي، مساعد رئيس إيران، عبر منصة X (تويتر سابقا): “شكرا للرئيس على إحالته تنفيذ القانون، بالنظر إلى تبعاته الاجتماعية، إلى جدول أعمال المجلس الأعلى للأمن القومي”.

وفي سياق مواز، أشارت الصحيفة إلى أن هذا التعليق أثار موجة من الاحتجاجات من قبل التيارات المتشددة، تمثّلت في تظاهرات وبيانات وغيرها، حيث دعم بعض النواب المتوافقين مع هذا التيار تلك التحركات، رغم عدم قانونية هذه التجمعات ومنع صدور تصاريح لتجمع التيار المؤيد لقرار التعليق. هذا الأمر أثار حفيظة المنظمات السياسية والاجتماعية التي سعت قانونيا للحصول على تراخيص لتجمعاتها.

وتابعت أن جعفر قائم‌بناه، معاون الشؤون التنفيذية لرئيس إيران، شارك عبر حسابه الرسمي في شبكة X البند التاسع من السياسات العامة للنظام، وكتب 5 مارس/آذار 2025: “الرئيس بزشكيان أكد اليوم أنه لا يمكنه تنفيذ قانون العفاف والحجاب لأنه يتسبب بمشاكل للناس، ولن أقف بوجه الشعب. وبلغت التجمعات التي دعت لتطبيق القانون في ذروتها 500 شخص فقط من عموم البلاد، قبل أن تنتهي تماما في تاريخ 29 مارس/آذار 2025”.

لكن رغم ما سبق، أوضحت الصحيفة أن الأوضاع لم تهدأ. ففي أيام عطلة النوروز، أفاد بعض المسافرين إلى أصفهان، وبعض أهالي المحافظة، بأن نساء لا يلتزمن بالحجاب الإجباري تلقين رسائل نصية تتعلق بالحجاب، يبدو أنها صادرة عن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 

ومع تتالي التحقيقات تابعت الصحيفة، أن الحكومة  أعلنت جهلها التام بهذه الرسائل، لتظهر بعد ذلك تقارير مماثلة من طهران وشيراز عن تلقي نساء عابرات رسائل تحذيرية مماثلة.

وأردفت أن كل محاولة للوصول إلى جهة مسؤولة أو فهم آلية تنفيذ هذه الخطوة، لم تسفر سوى عن مزيد من الغموض والإنكار. حتى أن زهرا بهروزآذر، مساعدة الرئيس في شؤون المرأة، صرّحت قبل ثلاثة أيام قائلة: نسعى حاليا لمعرفة أي جهة تحديدا ترسل هذه الرسائل، ولا أملك إجابة حتى الآن. نريد أن نحدد الجهة المرسلة، والهدف من الإرسال، وتحت أي قانون يُبرَّر ذلك. ولأن المعلومات الدقيقة لم تُجمع بعد، لا يمكنني تقديم تقرير رسمي.

قلق لدى الرأي العام

علّقت الصحيفة بأن هذه التساؤلات تُقلق الرأي العام، الذي يأمل في تلقي إجابة واضحة من الحكومة، إذ إن استمرار هذا الوضع الغامض والصمت الرسمي من شأنه أن يعمّق الشعور بالإحباط لدى المواطنين. لا سيما أن الحكومة، رغم تمكنها من إيقاف القانون بدعم من المجلس الأعلى للأمن القومي، يبدو أنها عاجزة عن كبح جماح التيارات المتطرفة التي تسعى لتنفيذ القانون من طرف واحد دون أي مسوغ قانوني.

ونقلت الصحيفة أيضا تصريحات الرئيس بزشكيان خلال اجتماع الدورة السادسة لمجلس خبراء القيادة، حيث قال: “لا أريد أن أطلق موجة أعجز لاحقا عن احتوائها. لست بارعا في هذا الأمر، لكنني متمسك بمعتقداتي. لن أقوم أبدا بما قد يؤدي إلى اضطراب في البلاد. وإذا شعرت بأن خطوة ما قد تضر بالوحدة الوطنية، فلن أقدم عليها، لأن الوحدة لها الأولوية لدي. لا يمكن إصلاح المجتمع بالأوامر والقسر. لا يمكن بناء القناعات بالاعتقال أو الضرب أو التهديد».

وأشارت إلى أن مسألة الرسائل النصية، وتجاهل قرار المجلس الأعلى للأمن القومي، وتعارض ذلك مع موقف الرئيس والمسؤولين التنفيذيين، تطرح تساؤلات عميقة حول تراجع سلطة الدولة ومكانة القانون في البلاد. 

وأضافت أن إعلان فاطمة مهاجراني، المتحدثة باسم الحكومة، عن صياغة مشروع قانون جديد في هذا الشأن، كان يمكن اعتباره مؤشرًا إيجابيا لتجاوز القانون المعلّق، لولا المخاوف المستمرة من تغوّل التيارات المتشددة التي تسللت إلى مفاصل الدولة.

 وتابعت الصحيفة: “ما لم يتم كبح هذه التجاوزات، فإن الحال سيبقى كما هو، وسيظل الطعام هو نفسه، والإناء هو نفسه”.