- دنيا ياسر
- 41 Views
طرحت صحيفة “هفت صبح” الإيرانية الإصلاحية، في تقرير نُشر يوم الأربعاء 28 مايو/أيار 2025، سيناريو تحليليا افتراضيا حول الكيفية التي كان من الممكن أن تتأثر بها مفاوضات إيران النووية في روما، لو أن كبير المفاوضين الإيرانيين عباس عراقجي، تلقى توجيهات مباشرة من اثنين من أبرز منظّري السياسة الواقعية في العلاقات الدولية، وهما المفكر الأكاديمي الأمريكي كينيث والتز والدبلوماسي والسياسي المخضرم هنري كيسنجر.
تصوّرت الصحيفة في تقريرها، سيناريو تخيليا داخل إحدى قاعات التفاوض في العاصمة الإيطالية روما، حيث اجتمع الوفد الإيراني لبحث الملف النووي، بينما يجلس إلى جانب كبير المفاوضين عباس عراقجي، مستشار خاص وسري يهمس في أذنه. ووفق التقرير، فإن هذا المستشار ليس سوى هنري كيسنجر، الدبلوماسي الأمريكي وأحد أبرز منظّري السياسة الواقعية في القرن العشرين، والذي طالما شبّه العلاقات الدولية برقعة شطرنج تُلعب فيها كل خطوة بحذر وبعد نظر.

لو كان كيسنجر على طاولة التفاوض
أردفت الصحيفة بسؤال افتراضي: ماذا لو كان كيسنجر حاضرا فعليا في تلك الجلسات؟ وماذا كان سينصح به عراقجي؟ للإجابة، دعت الصحيفة إلى النظر في رؤية كيسنجر للعالم، والتي تعتبر السياسة الدولية ساحة صراع دائم على القوة، والانتصار فيها يتطلب فهم نوايا الخصم وتحويل التوازن لصالح الذات.
وفي محاولة لفهم أعمق لهذا المشهد، أشارت الصحيفة إلى نظريات كينيث والتز، الأكاديمي الأمريكي البارز وأستاذ العلاقات الدولية. يؤمن والتز بأن غياب سلطة مركزية حاكمة في النظام الدولي يدفع الدول إلى التنافس من أجل البقاء، ليس فقط عبر القوة العسكرية، بل من خلال أدوات أكثر مرونة كالدبلوماسية، والضغط، وأحيانا عبر التسوية السياسية.
توازن القوى في عالم فوضوي
أضافت الصحيفة أن نظرية والتز، المعروفة باسم “تحقيق التوازن”، ترى أن كل دولة، سواء كانت إيران أو الولايات المتحدة، تسعى لحفظ مكانتها في هذا العالم المليء بالفوضى. والمفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة، التي جرت جولتها الخامسة بروما في 22 مايو/أيار 2025، تُعد مثالا حيا على هذه اللعبة.
وتابعت أنه من خلال عدسة كيسنجر وإطار والتز النظري، روت الصحيفة حكاية خيالية عمّا قد يقوله كلا المفكرَين لعراقجي خلف الأبواب المغلقة، لتمكين إيران من تحويل التهديدات الأمريكية إلى فرص، والخروج من المفاوضات بيد مليئة.
النظام الفوضوي العالمي
ذكرت الصحيفة أنه في عالم تسوده الفوضى كما يصوّره والتز، تسعى الدول من أجل البقاء إلى تحقيق التوازن في القوى. وصف عراقجي هذه الجولة من المفاوضات بأنها “من أكثر الجولات احترافا”، وأشار إلى تقديم اقتراحات جديدة. في المقابل، وصف مسؤول أمريكي رفيع المفاوضات بأنها “بناءة” وتحدث عن “تقدم إضافي”. هذه التطورات التي تجري بوساطة سلطنة عمان، تُعد مثالا واضحا على جهود إيران والولايات المتحدة لإدارة التوترات وتحقيق توازن في نظام عالمي بلا مركز.
الإدارة الاستراتيجية واستغلال المرونة
أردفت الصحيفة أن إيران أثبتت في العقود الأخيرة أنها قادرة في اللحظات الحرجة على التحول من سياسات تبدو جامدة إلى قرارات عملية، مثل قبول القرار 598 لإنهاء الحرب مع العراق، أو مفاوضات الاتفاق النووي (برجام)، أو استئناف العلاقات مع السعودية. ومن خلال تأكيدها حقها في التخصيب النووي ورفع العقوبات، تسعى إيران للحفاظ على استقلالها كقوة إقليمية. وهذا، بحسب كينيث والتز، انعكاس لمحاولة طهران خلق توازن مقابل الهيمنة الأمريكية في نظام عالمي فوضوي.
وأشارت الصحيفة إلى أن وصف مسؤول أمريكي رفيع لجولة المفاوضات بأنها “بناءة” مع تأكيده وجود “تقدم”، بالمقارنة مع التصريحات السابقة المتناقضة مثل لهجة المتحدث باسم الخارجية الأمريكية أو مواقف ستيف ويتكوف الحادة، يعكس مرونة تكتيكية من جانب واشنطن. هذا النمط من السلوك، بحسب كيسنجر، مزيج من استعراض القوة واللين، وهو ضروري لحفظ الاستقرار الدبلوماسي.
كيسنجر: هذا هو جوهر الواقعية
أضافت الصحيفة أن كيسنجر ربما كان ليقول لعراقجي: هذا السلوك يجمع بين الصرامة والمرونة، وهو ضروري للحفاظ على المصداقية، ومنع التصعيد العسكري. حقيقة استمرار مفاوضاتكم المباشرة وغير المباشرة مع الأمريكيين لساعات طويلة تدل على جدية واشنطن في التوصل إلى اتفاق، حتى لو كان محدودا .
الضغط الغامض كأداة دبلوماسية
أوضحت الصحيفة أن التصريحات المتناقضة للمسؤولين الأمريكيين، من تأكيد ويتكوف “تفكيك كامل للبرنامج النووي الإيراني” إلى تصريحات حادة أخرى تقلل من أهمية المفاوضات، مرورا بمواقف شخصيات مثل السياسي الأمريكي ماركو روبيو، كلها تصب في إطار استراتيجية أمريكية تسعى لتحقيق أقصى قدر من المكاسب التفاوضية دون الوصول إلى نقطة الانفجار.
وتابعت الصحيفة أنه من وجهة نظر والتز، تحاول الولايات المتحدة من خلال الغموض والضغط والتصريحات المتضاربة، الحفاظ على تفوقها في توزيع القوى عالميا، ومنع إيران من الصعود كقوة منافسة. ويقول والتز، لو كان في غرفة التفاوض: في نظام عالمي بلا مركز، تستخدم الدول أدوات مثل الغموض والضغط لخلق حالة من اللايقين، ما يدفع الطرف المقابل إلى تقديم تنازلات.
تصريحات ترامب.. تكتيك محسوب
أضافت الصحيفة أن التحليل النظري لكيسنجر والتز لم يكن قد انتهى بعد، حتى ورد خبر عاجل، مفاده أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب صرّح للصحفيين: أجرينا مفاوضات جيدة مع إيران، هناك أخبار إيجابية قادمة، لن أعدكم إن كانت جيدة أم سيئة، لكن لدي إحساس بأنها ستكون جيدة.
وتابعت أن كيسنجر، عند سماعه لهذا التصريح، قد يبتسم قائلا: ألم أقل لك يا سيد الوزير! الجمع بين الحزم والمرونة هو لبّ الدبلوماسية الواقعية. هذا ما فعلته خلال المفاوضات التاريخية بين الولايات المتحدة والصين.
وأوضحت أن كيسنجر استخدم في سبعينيات القرن الماضي ما يُعرف بتكتيك “المثلث”، حيث قاد مفاوضات بين الصين والولايات المتحدة في مواجهة الاتحاد السوفيتي، مستعينا بطرف ثالث. وفي الحالة الإيرانية، تقوم سلطنة عمان بدور هذا الوسيط المحايد، ما يُسهّل لإيران تحقيق أهدافها دون مواجهة مباشرة.

نصيحة كيسنجر-والتز في الغرفة التخيلية
ذكرت الصحيفة أنه ربما يقول كيسنجر في هذا السياق: استخدموا الوساطة العمانية لاحتواء الضغوط الأمريكية، وفي الوقت نفسه، عززوا الدعم غير المباشر من قوى مثل الصين، وقطر، والسعودية، لتقوية أوراقكم الدبلوماسية. أما والتز فسيضيف: هذا جزء من التوازن في عالم فوضوي، يمكن لإيران من خلاله المناورة، والتقليل من تهديدات مثل العودة للعقوبات، وتهيئة المجال الاقتصادي.
وتابعت الصحيفة: لا تقتصر المعادلة على إيران والولايات المتحدة وعمان، بل هناك أطراف مؤثرة أخرى كإسرائيل التي تسعى عبر استراتيجيات استنزافية إلى عزل إيران، وروسيا التي قد ترى في إيران ورقة للمساومة في صراعها مع الغرب.
الملف النووي: أداة أم تهديد؟
أضافت الصحيفة أن الملف النووي الإيراني الذي كان أداة للتفاوض، أصبح تحديا مع تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي تشير إلى ارتفاع مستوى تخصيب اليورانيوم الإيراني، وتفعيل آلية “الزناد” في أكتوبر/تشرين الاول 2025. رغم ذلك، فإن تصريحات عراقجي حول “فهم أفضل للمواقف الإيرانية” وتقديم مقترحات جديدة، تعكس محاولة لتحويل هذا الملف إلى أداة لتحصيل مكاسب اقتصادية ورفع العقوبات.
وتابعت أن إيران تستطيع من خلال دبلوماسية مرنة وقائمة على القوة، كما في تكتيك كيسنجر مع الصين، أن تحول التهديدات إلى فرص. مثلا، وقف مؤقت للتخصيب العالي، أو تخزين اليورانيوم لدى طرف ثالث كعمان، أو تشكيل كونسورتيوم إقليمي للتخصيب، مقابل رفع العقوبات، كلها خطوات يمكن أن تعيد دمج إيران في الاقتصاد العالمي.
وأضافت أن هذا الطرح يتماشى مع منطق ترامب العملي الذي يبحث عن “صفقة”، دون أن يخلّ ذلك بالمبادئ العليا لإيران. وكيسنجر قد ينبّه عراقجي: ترامب تحت ضغط من كارتلات النفط التي تريد سعرا منخفضا للبرميل، وأي تصعيد سيضره.
أسرار خلف الكواليس
أشارت الصحيفة إلى أن التسريبات من جلسة مغلقة في تطبيق “سيغنال”، هو تطبيق مراسلات فورية مشفّر حيث حضر محرر أتلانتيك بالخطأ، كشفت عن مخاوف إدارة ترامب من أزمة النفط. والتز بدوره سيضيف: في نظام عالمي فوضوي، تعتمد الولايات المتحدة على أوبك لضبط أسعار النفط، وهذا الضعف فرصة لإيران. ويختم كيسنجر بقوله: ترامب لا يريد حربا، بل يسعى لنوبل للسلام، ليتفوق على أوباما. هذه فرصتكم.
الدبلوماسية الإيرانية.. إرث تاريخي
ختمت الصحيفة تقريرها، بأن عراقجي، وربما بعد أن استمع إلى نصائح كيسنجر ووالتز، نظر إليهما بثقة قائلا: أيها السادة، إيران أنجبت عبر التاريخ دبلوماسيين عظماء كخواجه نظامالملك، بزركمهر، عطاملک جويني، حسنك وزير، أمير كبير، وقائم مقام فراهاني، الذين دافعوا بشجاعة عن مصالح البلاد. وأحفادهم اليوم سيحوّلون التهديدات إلى فرص كما فعلوا دائما.
واختتمت الصحيفة بأن عراقجي، وهذه المرة ليس في غرفة خيالية بل أمام عدسات الكاميرا، قال: الآن هناك فهم أوضح وأعمق لمواقف البلاد لدى الجانب الأمريكي، وتم تبادل المقترحات والأفكار لإرسالها إلى العواصم من أجل مزيد من الدراسة. ومع الحلول التي اقترحتها عمان، هناك احتمال حقيقي لتحقيق تقدم.