- يسرا شمندي
- 13 Views
ترجمة: يسرا شمندي
نشرت صحيفة فرهيختكان، بتاريخ 5 مايو/أيار 2025، تقريرا أفادت فيه بأن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، أكد خلال لقائه قبل يوم مع القائمين على شؤون الحج وزوار بيت الله الحرام، أهمية فريضة الحج باعتبارها نموذجا لإدارة البشرية، مشددا على ضرورة وحدة الأمة الإسلامية.
وأشار إلى الطابعين السياسي والروحي لهذه الفريضة، واعتبر أن الوحدة والتكامل هما أعظم مكاسب العالم الإسلامي في الظروف الراهنة، قائلا: “إنه لو كانت هذه الوحدة موجودة، لما وقعت مآسٍ مثل غزة واليمن، وتأتي هذه التصريحات في الوقت الذي شهدنا فيه خلال الأيام الماضية تجليات واضحة لذلك في المنطقة، حيث أصدر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بيانا مهينا ضد قطر، لترد عليه وزارة الخارجية القطرية بلهجة شديدة”.

من جهة أخرى، وبعد الدور الذي لعبته تركيا في إسقاط الحكومة السورية، دخلت مؤخرا القوات الجوية للنظام الإسرائيلي وتركيا في اشتباك مباشر، وكانت أنقرة قد منحت في السابق تصريح عبور لطائرة نتنياهو المتجهة إلى أذربيجان، إلا أنها الآن– على ما يبدو– منعت عبور الطائرة من مجالها الجوي، مما أدى إلى إلغاء زيارته لأذربيجان، إن هذه التناقضات والاشتباكات تبرز الحاجة الماسة إلى الوحدة الإسلامية في مواجهة تهديد مشترك يتمثل في كيان يحتفل بمرور 77 عاما على جرائمه، ويسمي نفسه “حضارة”، بينما يحاول إبقاء الحكومات إلى جانبه عبر التهديد والضغط.
الحج.. منصة للوحدة والتكامل
استنادا إلى آيات القرآن الكريم، أشار المرشد الأعلى في كلمته، إلى أن هدف اجتماع الحج هو تحقيق المصالح الإنسانية، مؤكدا أن لا مصلحة اليوم تفوق مصلحة الوحدة بالنسبة للأمة الإسلامية.
وفي سياق متصل، أوضح أن هذه الوحدة، من خلال التكامل بين الدول الإسلامية، يمكن أن تجلب الأمن والتقدم والتعاون المتبادل. وفي المقابل، فإن الفرقة والانقسام يهيئان الأرضية لنفوذ الاستعمار، والولايات المتحدة، والنظام الإسرائيلي، الذين يفرضون مصالحهم ويضعون الشعوب الإسلامية تحت الضغوط.
يأتي هذا الطرح في ظل مواجهات متعددة يشهدها العالم الإسلامي، من بينها أزمة غزة، وحرب اليمن، والتوترات الإقليمية. وتُذكّر كلمات المرشد بهذه الحقيقة: لو أن الدول الإسلامية اعتمدت نهج التعاون والتكامل بدلا من التنافس الهدّام، لتمكنت من الصمود في وجه التهديدات الخارجية.
ويتضح من خلال الأمثلة الأخيرة على التوتر بين النظام الإسرائيلي، وكل من قطر، وتركيا، أنه حتى الدول التي كانت في بعض الأحيان قريبة من هذا النظام، ليست في مأمن من تهديداته، وأن الوحدة الإسلامية هي السبيل الوحيد لمواجهتها. فقد شكّلت دولٌ عديدة استنادا إلى الموقع الجغرافي أو القواسم الدينية المشتركة، تحالفات راسخة كحلف الناتو، أو الاتحاد الأوروبي، وهي تحالفات تضمن التعاون والتقدم عبر أهداف مشتركة.
ومع ذلك، يعاني العالم الإسلامي من غياب اتحاد قوي، حيث إن آليات مثل منظمة المؤتمر الإسلامي، لم تتمكن من تحقيق تضامن فعال، بسبب ضعف هيكلها البنيوي، وتدخلات القوى الغربية، فضلا عن نقص الوعي بأهمية القضية والسذاجة التاريخية في الفهم السياسي، وبالتالي، أصبحت المجتمعات الإسلامية أكثر عرضة للتهديدات والانقسامات.
قطر.. وسيط تعرّض للتهديد
من أبرز أمثلة التوترات الأخيرة، السجال الكلامي بين قطر والنظام الإسرائيلي، فقد أدت قطر خلال السنوات الماضية، دور الوسيط في المفاوضات بين حركة حماس والنظام الإسرائيلي، لكنها تعرضت مؤخرا لانتقادات لاذعة من مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، حيث دعا نتنياهو، في بيان رسمي، قطر إلى التوقف عن “اللعب على الحبلين”، وهددها بضرورة الاختيار بين “الحضارة(!)” وحماس، وتأتي هذه التصريحات رغم الجهود الكبيرة التي بذلتها قطر، بالتعاون مع مصر والولايات المتحدة، من أجل التوصل إلى وقف إطلاق نار في غزة وإجراء تبادل للأسرى.
وبناءً عليه ردّ المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد بن محمد الأنصاري، على هذه الاتهامات واصفا بيانات النظام الإسرائيلي بأنها “استفزازية” و”تفتقر إلى المسؤولية السياسية والأخلاقية”، وأدان الهجمات الإسرائيلية على غزة، مشيرا إلى الفظائع الإنسانية في المنطقة، وضمن ذلك الحصار، والمجاعة المنظمة، وحرمان الناس من الأدوية والمأوى. كما شدد الأنصاري على أن السياسة الخارجية لقطر تقوم على المبادئ الإنسانية والتمسك بالقوانين الدولية، مؤكدا أن الدوحة ستستمر في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني.
في ضوء ذلك، يُظهر هذا التوتر تحولا في العلاقات بين قطر وإسرائيل. فقد كانت قطر في الماضي تُتهم بالقرب من إسرائيل بسبب دورها في الوساطة والعلاقات الاقتصادية مع الغرب، ولكنها الآن أصبحت هدفا للهجمات اللفظية والسياسية من هذا النظام.
وتؤكد هذه التحولات صحة تصريحات المرشد التي تشير إلى أن التفرقة في العالم الإسلامي تفتح المجال أمام نفوذ النظام الإسرائيلي، وتمكينه من فرض مصالحه على الدول الإسلامية. ومن هنا، فإن الوحدة الإسلامية يمكن أن تشكّل درعا يحمي قطر وغيرها من دول المنطقة من الضغوط السياسية والدبلوماسية التي تمارسها إسرائيل، وتمنحها فرصة الحفاظ على كرامتها الوطنية وتجنب الإهانات المتكررة من قبل نتنياهو.
ظل النظام الإسرائيلي يخيّم على تركيا
تعدّ التوترات الأخيرة بين تركيا والنظام الإسرائيلي في الأراضي السورية مثالا آخر على الحاجة الماسة إلى الوحدة الإسلامية. وتشير تقارير إلى وقوع اشتباك مباشر غير مسبوق بين مقاتلات تركية وإسرائيلية فوق الأجواء السورية، وذلك خلال الهجمات الواسعة التي شنّها النظام الإسرائيلي على أهداف داخل سوريا، وضمن ذلك قواعد تابعة لميليشيات مدعومة من تركيا.
ووفقا للمصادر، دخلت مقاتلات F-16 التركية الأجواء السورية وقامت بتحذير الطيارين الإسرائيليين. وقد وُصفت هذه الهجمات بأنها من أكبر العمليات العسكرية الإسرائيلية في سوريا منذ سقوط حكومة بشار الأسد، حيث استهدفت قواعد استراتيجية مثل قاعدة ‘T4’، التي كانت تركيا تسعى إلى استخدامها لتعزيز نفوذها في المنطقة.
والجدير بالذكر أن رئيس تركيا رجب طيب أردوغان، انتقد مرارا الهجمات التي شنها النظام الاسرائيلي على الأراضي السورية، معتبرا إياها سببا لعدم الاستقرار في البلاد. ومن جهة أخرى، يبرر النظام الإسرائيلي هذه الهجمات بادعاء منع التوسع العسكري التركي والجماعات التابعة لها في سوريا.
حتى إن نتنياهو، خلال لقائه مع ترامب، عبّر عن قلقه من تحركات تركيا في سوريا، وطالب واشنطن باتخاذ موقف ضد أنقرة. وتكشف هذه التوترات أيضا أن النظام الإسرائيلي لا يستثني أي دولة في المنطقة من تهديداته، ويواصل سعيه لتحقيق مشاريعه الاستعمارية، حيث لا يتردد في مهاجمة تركيا التي كانت في الماضي تربطها علاقات اقتصادية ودبلوماسية مع إسرائيل.
فخٌّ منصوبٌ للمُثيرين للفتن
إن هذه الأمثلة البارزة تُظهر أن النظام الإسرائيلي لا يضع أي حدود لتجاوزاته. حتى الدول مثل قطر وتركيا، التي كانت تُتهم بوجود علاقات مع إسرائيل أو حلفائها، أصبحت الآن هدفا للهجمات اللفظية والسياسية والعسكرية من هذا النظام.
وهذه الحقيقة تؤكد أنه إذا عملت الدول الإسلامية بشكل منفرد، فإنها ستقع واحدة تلو أخرى في فخ تهديدات إسرائيل.
كما قال المرشد الأعلى، فإن تفرقة الأمة الإسلامية تخدم مصالح الاستعماريين والنظام الإسرائيلي، بينما يمكن للوحدة أن تجلب الأمن والتقدم والاستقلال للعالم الإسلامي.