خبير إيراني: التخصيب حق قانوني لإيران لكن لا مانع من تقليله لفترة زمنية محددة

أجرت صحيفة اعتماد الإصلاحية، الأحد 8 يونيو/حزيران 2025، حوارا مع الناشط السياسي والثقافي محمد جواد حق‌ شناس حول آخر التطورات في مفاوضات الملف النووي بين إيران والولايات المتحدة، حيث ناقش التحديات الراهنة والسبل المحتملة لتجاوزها، إضافة إلى موقف البرلمان الإيراني الجديد وتأثيره على مسار المفاوضات.

وفي ما يلي نص الحوار:

كيف يمكن التوصل إلى اتفاق بين إيران والولايات المتحدة رغم الخلافات حول تخصيب اليورانيوم؟

الواقع الآن أن مفاوضات إيران النووية مع الولايات المتحدة وصلت إلى أشد مراحلها حساسية، لذا من الصعب تحليل كيفية التعامل مع هذه القضايا المعقدة. والحقيقة المهمة التي تواجهها الحكومة والشعب اليوم، والتي يشعر بها المجتمع في مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، هي قضية العقوبات الاقتصادية وضرورة إنهائها. وجزء كبير من المشكلات الاجتماعية مثل الفقر المتزايد وقضايا السكان وغيرها ناجم عن هذه العقوبات. 

يبدو أن العقوبات وضعت إيران على حافة وضع يستدعي الدخول في المفاوضات. فدخول إيران في مفاوضات ثنائية مع الولايات المتحدة هو اعتراف بأن إيران بحاجة إلى نهج أكثر دقة وواقعية واختلافا وحكمة في نظام صنع القرار والسياسة. سواء اعتُبرت المفاوضات مع الولايات المتحدة اضطرارية أو اختيارية، فهي خطوة إلى الأمام. 

ورغم المعارضة الشديدة من بعض الجماعات المتشددة داخليا، استطاعت حكومة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إقناع نظام الحكم بإجراء هذه المفاوضات، حتى وإن كانت بشكل غير مباشر. ولا ننسى أنه في فترات سابقة، كان مجرد الحديث عن مفاوضات ثنائية بين إيران والولايات المتحدة يعتبر جريمة لا تغتفر، وكان المتحدثون عنها يُعاقبون بالسجن. لكن اليوم تتحرك إيران نحو التفاوض وتطرح مطالبها، وهذا إنجاز مهم للحكومة ونظام صنع القرار في إيران.

هل كان لتأخير المفاوضات والامتناع عن الحديث عنها بسبب عرقلة الأطراف المتشددة تبعات وآثار مدمرة على إيران؟ وهل تسبب هذا التأخير في فقدان إيران وقتا طويلا للتطور والنمو؟

صحيح أن إيران بلا شك فقدت فرصا ثمينة وقيمة على مر الزمن، وربما كان بالإمكان في بعض الفترات تحقيق اتفاقات بتكاليف أقل والمضي قدما نحو النمو والتطور بشكل أسرع. مع ذلك، فإن التمحيص المتعمق في أخطاء الماضي في هذه المرحلة لا يخدم مصلحة إيران ولا يساهم في تقدمها.

إن تقييم الماضي ضروري، لكنه لا يجب أن يكون نقطة توقف، بل يجب أن يتحول إلى درس يسترشد به في النظر نحو آفاق المستقبل. فجوهر مهارة السياسيين يكمن في إيجاد ممر آمن وموثوق داخل التحديات الصعبة والعبور منه. كما أن حكومة بزشكيان تتبنى هذه الاستراتيجية، ولا تُضيّع وقتها في الانشغال بالأداء السابق، بل تركز على وضع رؤية مستقبلية واضحة.

ما هي الدول المشاركة فعليا في مواجهة ملف إيران النووي؟ وهل يمكن القول إن إيران والولايات المتحدة تشكلان ثنائية فقط، أم أن ملف إيران النووي يشمل نطاقا أوسع من الدول؟

إيران تواجه أساسا الدول الغربية. ورغم أن الولايات المتحدة تتصدر المواجهة والمفاوضات مع إيران، إلا أن فرنسا وألمانيا وبريطانيا أيضا لها مطالب خاصة بها وتستخدم أدوات خاصة. وأهم هذه الأدوات هو آلية الزر النووي (آلية الانطلاق)، التي تحاول أوروبا من خلالها تحقيق مطالبها. وعلى الصعيد الإقليمي، تلعب إسرائيل دورا مؤثرا.

 وبعد وصول ترامب والحزب الجمهوري إلى البيت الأبيض والكونغرس، شعرت إسرائيل بأنها أصبحت أكثر تأثيرا مقارنة بفترة الرئيس الأمريكي الأسبق جو بايدن والديمقراطيين. ورغم أن التحركات الدبلوماسية لحكومة بزشكيان أدت إلى عزلة أكبر لإسرائيل، إلا أنه لا يمكن إنكار أهمية أمن إسرائيل بالنسبة لالولايات المتحدة. وتشعر إسرائيل أنها بعد الأحداث الأخيرة في المنطقة وضربها لبعض مجموعات المقاومة، يمكنها زيادة الضغط على إيران. 

ومن جهة أخرى، لدى إيران تاريخ وأداء مميز في المجالات العسكرية والتكنولوجية، مما يمنحها موقعا استراتيجيا خاصا، ولا تستطيع القوى الكبرى تجاهل هذا النفوذ الاستراتيجي لإيران.

كيف يمكن إيجاد طريق نحو اتفاق بين إيران والولايات المتحدة وسط تعارض المصالح بشأن تخصيب اليورانيوم؟

كما ذُكر، لدى إيران قدرات وإمكانيات لا يمكن للغرب إنكارها. فإيران قوة إقليمية ولها دور مهم في المجالات العسكرية والاستراتيجية. والقوى العالمية الكبرى تستعد للتفاوض مع إيران بناء على هذه القدرات ولم ترضخ لمطالب دعاة الحرب.

ولقد أنفقت إيران الكثير من الموارد وتحملت قيودا وصعوبات كثيرة لتصل إلى المعرفة النووية. والصفقة التي تكمن في جوهر المفاوضات هي أن تقبل إيران بتقييد تخصيب اليورانيوم عند مستويات محددة، بينما يرفع الطرف الآخر العقوبات الاقتصادية عنها. هذا هو وضع المفاوضات الحالية.

 وبناء على ذلك، يجب أن تتوصل إيران بناء على قدراتها والولايات المتحدة باستخدام أدوات العقوبات التي تمتلكها إلى اتفاق. وهنا يبرز دور السياسيين والدبلوماسيين. وعلى الطرفين أن يفهما لغة ومطالب بعضهما البعض ويخلقا لغة مشتركة. وأعتقد أنه من الممكن التوصل إلى صيغة جديدة للتخصيب.

أين هي الصيغة الجديدة التي تتحدث عنها وما هي مميزاتها؟

تقوم هذه الصيغة الجديدة على أن تقبل إيران بأن تكون مستويات التخصيب ليست 90 أو 60 بالمئة، بل على مستويات أقل، وفي المقابل يتعهد الغرب برفع العقوبات النووية المفروضة على إيران. والمسألة الجوهرية أن إيران وفقا لاتفاقية NPT لها الحق في إجراء التخصيب على أراضيها. وتؤكد إيران أن هذا المستوى يجب أن يكون 20 % بينما تقول الولايات المتحدة إنه 0%! 

ويمكن إيجاد حل وسط وتحديد مستوى التخصيب عند مثلا 3.7 %. ولقد أظهرت إيران في السابق أنها عندما تكون لديها إرادة التعاون مع الوكالة والجهات المعنية، تلتزم بالتعهدات ولا تتجاوز مستوى التخصيب المتفق عليه. والتخصيب حق قانوني لإيران، لكنها مستعدة مع الحفاظ على هذا الحق أن تخفض مستويات التخصيب إلى مستويات أدنى. ويمكن تمديد هذا التخفيض لفترة زمنية محددة.

هل يمكن تنفيذ فكرة إنشاء تكتل إقليمي نووي بمشاركة دول مثل السعودية وعُمان والإمارات، يشبه نموذج أوبك النووي، حيث تتشارك دول المنطقة بياناتها النووية؟

أعتقد أن موضوع مشاركة دول أخرى ليس مشكلة، لكن هذه المشاركة من المفترض أن تكون بحضور الدول التي تمتلك القدرات والمعرفة النووية. فدول مثل الإمارات وعمان والسعودية تفتقر إلى المعرفة والقدرات النووية وليست منافسة لإيران. ويمكن تحقيق هذه المشاركة بحضور الأطراف الغربية وروسيا والصين. 

فإيران والولايات المتحدة وفرنسا والصين وروسيا وبريطانيا وألمانيا التي تمتلك هذه القدرات النووية يمكنها تشكيل هذا التكتل. بل يمكن أن تشمل المشاركة دولا تمتلك حق النقض (الفيتو). ولا ينبغي أن ننسى أن إيران استثمرت مليارات الدولارات، وساعات لا تحصى من الوقت، وتحملت العديد من القيود لتصل إلى هذه المعرفة والكفاءة.

ولا يمكن توقع مشاركة هذه الإنجازات القيمة بسهولة مع دول المنطقة. كما أن تأكيد إيران على حقها في التخصيب داخل أراضيها أمر طبيعي تماما، ومع ذلك فإن إيران مستعدة. فيمكن لإيران أن تبني ثقة بطريقة لا تضر بالأمن العالمي والإقليمي. وفي الوقت نفسه، يمكن أن تُهيئ أجواء أفضل. يمكنها أيضا أن تخلق فضاء يشرف فيه تكتل دولي على تخصيب اليورانيوم لديها. 

إن هذا الإجراء يحقق مطلب إيران في إجراء التخصيب على أراضيها، وفي نفس الوقت يزيل مخاوف الطرف الآخر بشأن كمية ومستوى التخصيب الإيراني. ومن خلال مثل هذا النظام، تقوم الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتوسيع رقابة أنشطتها النووية، وتُعزز الثقة المطلوبة. وأعتقد أن إيران يمكنها، من خلال اقتراح معين، تجاوز كل العقبات والمآزق في المفاوضات، وتمهيد الطريق للتوصل إلى اتفاق.