- شروق حسن
- 14 Views
في خضمّ الحديث المتزايد عن تفاهمات سياسية بديلة للمفاوضات الفنية حول الملف النووي الإيراني، أجرت وكالة “خبر أونلاين” الإيرانية المعتدلة، الجمعة 30 مايو/أيار 2025، حوارا مع فريدون مجلسي، الخبير في العلاقات الدولية، للوقوف على طبيعة الخطاب الدبلوماسي القائم، وآفاق المفاوضات، وإمكانية الوصول إلى حلول سلمية وسط تعقيدات إقليمية ودولية متشابكة.
وفي ما يلي نص الحوار:
مؤخرا، تُسمَع همسات عن تفاهمات سياسية في المفاوضات بدلا من الجوانب الفنية، ما تقييمكم لنوع الخطاب القائم؟
نحن غير مطّلعين على تفاصيل المفاوضات الداخلية، ولكن استنادا إلى دراساتي السابقة والمعرفة التي اكتسبتها على مرّ السنوات في هذا المجال، يمكنني أن أقدّم تحليلا قد يكون قريبا من الواقع إلى حدٍّ ما، هذه الرؤية تشمل جانبين: فني وسياسي.

في البعد الفني، يدور النقاش حول الحيلولة دون تمكّن إيران من امتلاك القدرة على صنع سلاح نووي، وفي هذا الصدد، لا شك في أن ايران أعلنت مرارا أنها لم تكن تنوي يوما صنع سلاح نووي، ولا تسعى إلى ذلك.
إيران عضو في معاهدة عدم الانتشار النووي (NPT)، وقد أعلنت مرارا وبصراحة أن برنامجها النووي يُتابَع لأغراض سلمية بحتة.
ورغم أن هناك حالات في الماضي لم تُبلّغ فيها بعض الأنشطة بشكل صحيح إلى الوكالة، ما أدّى إلى صدور ستة قرارات ضد ايران، فإن إيران كانت دائما تؤكد أنها لا تسعى إلى امتلاك سلاح نووي. وحتى حيث أعلم، فقد طرحت ايران مقترحا شفافا ومبتكرا للغاية، وقالت إن المنشآت النووية الإيرانية يمكن أن تُدار كشركة مساهمة إيرانية، تشارك فيها دول المنطقة، بما في ذلك السعودية، وهدف هذا التعاون هو الاستخدام السلمي للطاقة النووية في إنتاج الكهرباء والوقود لمحطات الطاقة.
من ناحية أخرى، فإن الطرف المقابل، لا سيما الغرب، كان يطالب بإغلاق كامل لهذه المنشآت؛ غير أن إيران، لأسباب اقتصادية وفنية بل وحتى اعتبارية، تعتبر هذا المطلب غير منطقي.
يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن استثمارات ضخمة جدا صُرفت على هذه المشاريع، ولا يمكن التخلي عنها بهذه البساطة.
الهدف النهائي هو الوصول إلى وضع من التعايش السلمي، لا أستخدم مصطلح “السلام” لأن بعض الأطراف قد لا تميل إلى قبول السلام رسميا، لكن يمكن على الأقل إنهاء حالة العداء النشط.
الظروف اليوم تختلف كثيرا عما كانت عليه قبل 10 أو 20 عاما، الدول العربية، ومنها السعودية، الإمارات، قطر، عُمان، ومؤخرا العراق، تُعد من أغنى دول العالم، على سبيل المثال، ينتج العراق يوميا خمسة ملايين برميل من النفط ويبيعه بحرية من دون قيود العقوبات.
وفي المقابل، تواجه أوروبا أزمة في الموارد ونموا سكانيا، ولم تعد هذه القارة قادرة على تلبية احتياجاتها من دون التعاون مع الشرق الأوسط.
ولكن السوق التقليدية للشرق الأوسط، التي كانت يوما ما تحت هيمنة أوروبا، قد اتجهت الآن نحو الصين والهند بل وحتى إندونيسيا، لذلك، لم يعد بالإمكان القول إن الغرب هو السيد المطلق للعالم، بل هم أيضا بحاجة إلى التفاهم والتعاون مع المنطقة للحفاظ على مصالحهم.
أما في المجال السياسي، فعلى إيران أن تخرج من تحت عباءة الدبلوماسية المفضلة للتيارات المتشددة في الداخل، وأن تعيد النظر في الدبلوماسية الهجومية التي تتعارض مع المصالح الوطنية، والتي تستهدف كيان وأمن الدول والفاعلين الخارجيين، وأن تستبدلها بأساليب غير تصادمية.

هل ستوافق إيران على تنفيذ نشاط التخصيب داخل الأراضي السعودية، في ظل مطالبات بإشراك أمريكا في هذا المجال؟
كلا، مع أن الطرف الآخر يترك بدوره مجالات للمساومة، قد يقترحون أن يُعيَّن المدير العام لهذا الكيان من قبل منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، وأن يكون للمفتش دور رقابي شامل في جميع مراحل الإنتاج والتخزين.
استثمرت إيران استثمارا ضخما في هذا المجال، ولم تعد بحاجة لتكرار هذا الاستثمار في بلد آخر.
ما رأيكم في مقترح تأجيل بحث ملف التخصيب والتركيز مؤقتا على الخلافات بين إيران والوكالة الدولية ضمن مسار المفاوضات؟
هذا غير ممكن، مشكلاتنا مع الوكالة جزئية، في السابق، كانت إيران أحيانا تطيل أمد المفاوضات بغية كسب الوقت لتسيير برامجها، لكن هذا النهج الآن يضر إيران.
اليوم، فإن إطالة أمد المفاوضات لا تعود بالنفع، بل تصبّ في مصلحة الطرف المقابل، فهم يقولون: «لقد بلغنا هدفنا، إيران تعاني من التآكل، وإذا لم تتفاوض، فستُمنى بأضرار أكبر».
لذلك، ينبغي على إيران اليوم أن تتصرّف بذكاء ومبادرة، بحيث تحافظ على استثماراتها السابقة، وتؤمّن استمرار النشاط النووي السلمي، وتُسهم في مشاريع إقليمية مثل تزويد محطات الطاقة النووية في السعودية والإمارات بالوقود، لتقليل الضغوط الدولية عليها.
كيف ترون آفاق المستقبل للمفاوضات؟
لا أعلم على وجه الدقة، ولكن لو كان من المفترض أن تُعدّ الجولة الخامسة، التي انتهت بنوع من التوتر، خاتمة للجلسات، لكان علينا أن نتوقّع نتائج تنفيذية سلبية لذلك.
غير أن مجرّد استمرارها إلى الجولة السادسة يدلّ على وجود قدر أكبر من التوافق من الجانبين لحلّ المشكلة، من وجهة نظري، فإن احتمال اندلاع الحرب مستبعد.
رغم أن إسرائيل تحثّ بعض الدول على الحرب، لكنها نفسها لن تكون بمنأى عن تبعاتها.
الجيش الإسرائيلي جيش خاص؛ أغلب أفراده يعملون في قطاعات صناعية مختلفة، واقتصاد إسرائيل حاليا في حالة شبه مشلولة، وهي مستعجلة لإنهاء هذا الوضع المعلّق بأسرع وقت ممكن، سواء عبر الحرب أو الاتفاق.
أما أمريكا، فهي تدرك تماما أن تكلفة حرب جديدة ستكون باهظة، على عكس ما حدث في العراق أو أفغانستان، فإن أمريكا لن تدخل أبدا إلى الأراضي الإيرانية، فالحرب مع إيران ستكون معقدة، طويلة الأمد، ومكلفة.
لذا، فهي تفضّل إيجاد حلّ سلمي لإدارة الأزمة، في النهاية، ستكون الحرب ضارّة لإيران، كما هي ضارّة لإسرائيل وأمريكا.
برأيي، الحلّ النهائي لا يمكن أن يتحقق إلا عبر التفاهم و”التكيّف”، وهذه هي الكلمة التي يخلطها البعض من أعداء المصالحة، جهلا، بـ”الخنوع”، أنا دائما ما كنت مؤيدا في الشؤون السياسية لنهج معتدل، عقلاني، وقائم على السلوك السلمي.
في المحادثة الأخيرة بين ترامب ونتنياهو، وقع توتر، هل تعتقد أن السبب الرئيسي لهذا التوتر قد يكون مرتبطا بموضوع الحرب والتدخل العسكري؟
تصاعد التوتر يعود على الأرجح إلى ضغط نتنياهو وبعض التيارات الداخلية في إسرائيل للإسراع في حسم هذا الملف، فالجيش الإسرائيلي، الذي يتكوّن من أفراد يعملون في مجالات صناعية مختلفة، لا يستطيع البقاء في حالة تأهّب لفترة طويلة هم يريدون إما الحرب أو الاتفاق، ولكنهم لا يرغبون في استمرار الوضع القائم.

أما ترامب، فلا يبدو في عجلة من أمره، لأنه يرى أن استمرار الضغط سيكون في غير مصلحة إيران، ولهذا، ربما سيبقى متفرّجا في الوقت الراهن، لكن إيران هي التي تقف في قلب هذه الأزمة، وعليها أن تتصرّف بذكاء لحماية مصالحها الوطنية.
وقد قال الرئيس الإيراني بزشكيان، إن المفاوضة تعني “أخذ وعطاء”، لا شيء مجانيا؛ حتى السلام له ثمن، يجب أن تقدّم شيئا لتحصل على شيء.