- يسرا شمندي
- 54 Views
ترجمة: يسرا شمندي
أجرت صحيفة اعتماد الإصلاحية، الخميس 22 مايو/أيار 2025، حوارا مفصلا مع الدبلوماسي الإيراني المتقاعد والخبير في شؤون الشرق الأوسط نصرت الله تاجيك، حول مستقبل المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، في ظل التصعيد المتزايد والتباين الواضح في المواقف الأمريكية، لا سيما إثر ما رُصِد من تحوّل في مواقف واشنطن وتوجهاتها، واعتمادها أساليب استفزازية ولعبا مزدوجا يهدف إلى ممارسة أقصى درجات الضغط على طهران.
وقد ناقش الحوار السيناريوهات المحتملة للمسار التفاوضي، خاصة مع دخول المحادثات في مرحلة حرجة اتسمت بتشابك المصالح الإقليمية والدولية، وتعدد أطراف التأثير، سواء من داخل الإدارة الأمريكية أو من قبل اللوبيات الفاعلة في المنطقة.
وفي ما يلي النص الكامل لهذا الحوار:
كيف تقيّم مستقبل المشاورات في ضوء رد الفعل الأخير للمسؤولين الإيرانيين تجاه المواقف المزعومة للمبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف وسائر المسؤولين الأمريكيين بشأن التخصيب المزعوم بنسبة صفر في المئة؟
كان متوقعا منذ البداية أنه مع دخول الطرفين في تفاصيل المفاوضات ستظهر الخلافات بشكل واضح، وهذا ما حدث بالفعل. وفي الوقت الحالي، يتركز النقاش بشكل رئيسي على مسألة تخصيب اليورانيوم، حيث تبدو الخلافات بين الطرفين جلية وواضحة.
وكما أشرت سابقا، فإن الدبلوماسية تسير في طريق وعرة ومعقدة. ومع ذلك، يبدو أن هذه العملية لا تزال مستمرة، ولا ينبغي الاعتقاد بأن الطرفين قد تفاجآ بشدة حجم واختلاف الخلافات بينهما. فكلا الطرفين لديه أهداف ومصالح واضحة، ويبدو أن الدبلوماسية ما تزال قادرة على تلبية هذه الاحتياجات.
في الوقت ذاته، مواقف الولايات المتحدة غير واضحة، ويظهر تناقض في أقوال وسلوك ممثليها. ويرجع ذلك إلى حد ما إلى الضغوط الداخلية من التيارات المتشددة في واشنطن، وكذلك الضغوط الخارجية من إسرائيل وبعض الدول العربية وأطراف إقليمية أخرى.
لذلك، ما يُعلن عنه المسؤولون الأمريكيون في وسائل الإعلام لا يتطابق بالضرورة مع المواقف التي تُطرح في جلسات التفاوض. وقد أكد الفريق الإيراني المفاوض، الذي يشارك في اللقاءات ويراقب أيضا التطورات الإعلامية، مرارا أن هناك فروقا بين محتوى الجلسات والروايات الإعلامية.
إن هذا التناقض في السلوك والقول من الجانب الأمريكي قد خلق نوعا من الأجواء المربكة والمبهمة في مسار المشاورات.
والنتيجة هي غموض مستقبل الجولة الخامسة من المفاوضات، التي لم تُحدد بعد إيران موعدها أو مكانها؛ وهو أمر قد يكون ناتجا عن التصريحات المختلفة والاستفزازية، مثل تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخيرة في الرياض، أو حديث ويتكوف عن تخصيب بنسبة صفر في المئة، وهو موقف بطبيعة الحال غير مقبول لإيران.
ومع ذلك، من غير المرجح أن يستمر هذا الجمود لفترة طويلة، وقد يتمكن الطرفان من تجاوز هذه الأجواء المتوترة والتوصل إلى صيغة مشتركة لاستكمال الطريق.
لماذا تغير أسلوب وأداء المسؤولين الأمريكيين بشأن البرنامج النووي الإيراني في الوقت الحالي وقبل الجولة الخامسة من المفاوضات، ولماذا تحوّل شخص مثل ويتكوف، الذي كان سابقا يؤيد حق إيران في التخصيب بمستوى منخفض، إلى المطالبة الآن بالتخصيب بنسبة صفر في المئة؟
في ظل اقتراب الجولة الخامسة من المفاوضات، هناك تحليلات مختلفة تفسر سبب ظهور مواقف وتصريحات متناقضة من المسؤولين الأمريكيين، لكن السؤال الأساسي هو: لماذا تُطرح هذه التصريحات في هذا التوقيت تحديدا، وما الأسباب الكامنة وراءها؟
برأيي، أحد الأسباب المحتملة هو حالة الارتباك التي تعيشها واشنطن تجاه سياساتها تجاه إيران.
ويبدو أن الولايات المتحدة تعرف ما الذي لا تريده، لكنها لا تعرف تماما ما الذي تريده. وهذا التردد واضح في المواقف الرسمية، إذ من جهة يؤكد المسؤولون الأمريكيون مرارا أنهم لا يعارضون البرنامج النووي السلمي الإيراني، كما شدد وزير الخارجية الأمريكي مارك روبيو مؤخرا، ومن جهة أخرى يصرون على أن إيران لا يجب أن يكون لها حق التخصيب.
هذا التناقض يطرح سؤالا جوهريا: إذا لم يكن لإيران حق التخصيب، فكيف يمكن الحديث عن برنامج نووي سلمي؟
ويبدو أن هذا الغموض ناتج عن جملة من العوامل المتداخلة، من أبرزها حالة الارتباك التي تشهدها مستويات صنع القرار العليا في واشنطن، إلى جانب استخدام الخطاب المتناقض كجزء من لعبة نفسية تهدف إلى التأثير على الرأي العام الإيراني أو الضغط على النظام من الداخل. كما لا يمكن تجاهل تأثير اللوبيات القوية، لا سيما بعد زيارة ترامب الأخيرة إلى الشرق الأوسط، والتي قد تكون قد أسهمت في تعزيز هذه المواقف المتشددة تجاه إيران
ولا يمكن إغفال أن تصريحات المسؤولين الأمريكيين جاءت مباشرة بعد زيارة ترامب إلى الرياض وزيارة ويتكوف إلى إسرائيل، ما يشير إلى أن جزءا من هذه المواقف قد يكون مرتبطا بتنسيقات إقليمية جديدة بين أمريكا وحلفائها.
ويجب أن نذكر أن ترامب منذ بداية ولايته لجأ إلى التهديد والضغط كأدوات أساسية في ملف إيران النووي.
إن كثيرا من المحللين الواقعيين أكدوا آنذاك أن رئيس الولايات المتحدة لا يسعى إلى الحرب لأنه لا يريد تحمل تكاليفها، وإنما يتبع استراتيجية الضغط الأقصى؛ وهي مقاربة تعتقد واشنطن أنها قد تُفضي إلى نتائج أشد قسوة على إيران مقارنة بمواجهة مباشرة.
والآن، من الممكن أن تستمر هذه الاستراتيجية؛ فاللجوء إلى وسائل ضغط متنوعة، مثل التهديد بتفعيل آلية الزناد من قبل أوروبا أو إطلاق تصريحات استفزازية، قد يكون جزءا من استراتيجية أوسع تهدف إلى انتزاع مزيد من التنازلات من إيران وتحقيق أهداف واشنطن.
كيف ترى في الظروف الحالية أن واشنطن ترى مصالحها مرتبطة بتحقيق مطالب أي من اللوبيين: العربي أو اليهودي، خصوصا في ظل الاتفاقيات الواسعة التي عقدها ترامب مع دول الخليج؟
حاليا، يُلاحظ وجود نهجين رئيسيين في سياسة الضغط على إيران يستفيد منهما دونالد ترامب في الوقت نفسه؛ الأول هو نهج إسرائيل الذي يركز على تصعيد التوتر مع إيران، والثاني هو نهج الضغط الأقصى، حيث يسعى ترامب في هذا الإطار إلى استخدام أدوات نفسية، واجتماعية، واقتصادية لممارسة ضغوط داخلية على المجتمع الإيراني.
والهدف من هذه الضغوط هو خلق استياء عام وفي النهاية ممارسة ضغط من القاعدة على السلطة؛ وهي استراتيجية يمكن وصفها بـالضغط من الأسفل، والمساومة من الأعلى.
في هذا السيناريو، تجلس واشنطن من جهة إلى طاولة المفاوضات مع المسؤولين الإيرانيين الرسميين، ومن جهة أخرى تستخدم ألعاب نفسية ولغة تبدو ودية ومتفائلة مثل: نأمل أن تتحول إيران إلى دولة طبيعية، في محاولة لدفع الرأي العام الإيراني نحو مواجهة السلطة. وتتركز هذه السياسة المزدوجة أساسا على خلق انقسام داخلي في إيران.
في المقابل، اتخذت الدول العربية في المنطقة، وبخاصة دول الخليج العربي، نهجا أكثر حذرا.
فهذا الفريق من الدول، على عكس إسرائيل، ليس مهتما بتصعيد التوترات العسكرية، لأنهم يدركون أن أي مواجهة مع إيران ستترتب عليها تداعيات واسعة على كامل المنطقة.
ومع ذلك، تدعم هذه الدول أيضا سياسة الضغط الأقصى على إيران، وهي نهج يسير بدون حرب، لكنه في الواقع يسبب آثارا اقتصادية، واجتماعية ثقيلة على إيران، بحيث يمكن اعتباره معادلا لتداعيات نزاع عسكري.
لذا، رغم وجود اختلافات في الطرق بين إسرائيل، وبعض الدول العربية، إلا أن النتيجة العملية لكلا المسارين هي زيادة الضغط على الشعب الإيراني.
أما ترامب، فإنه يستخدم في الوقت نفسه هذين المسارين، أي الضغط النفسي، والتهديد العسكري من جانب إسرائيل، والضغط الاقتصادي، فيشكل بذلك ضلعَي مقص لدفع سياساته قدما. وقد استخدم كلا المسارين بطريقة تخدم مصالح الولايات المتحدة.
مع ذلك، يجب ملاحظة أن ترامب نفسه ليس ميالا إلى الدخول في صراع عسكري مباشر، وهذا الأمر أدى إلى وجود بعض التباعد بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وهناك دلائل تشير إلى أن ترامب قد عبّر في مناسبات عدة بشكل واضح عن رغبته في تجنب الحرب، وكان ينتقد بعض السياسات العدوانية لإسرائيل.
كيف ترى إمكانية عودة الطرفين إلى طاولة المفاوضات إذا افترضنا أن المواقف المزعومة للولايات المتحدة تعبر عن دبلوماسية رسمية لإيران وليست مجرد دبلوماسية عامة؟ فهل تعتقد أن العودة للمفاوضات ممكنة أم لا؟
أنا أعتقد في النهاية أن الطرفين سيعودان إلى طاولة المفاوضات ولا تزال هناك فرصة لاستمرار الحوار. فالدبلوماسية مستمرة، وكلا الطرفين، على الأقل على المستوى الاستراتيجي، لا يزالان مهتمين بالتفاوض وإيجاد حل سياسي. لذلك من الطبيعي أن يتمكنوا من التوصل إلى صيغة تُرضي مصالح الطرفين إلى حد ما.
وصحيحٌ أن الأمريكيين يُصرون على أن إيران لا تمتلك أي مستوى من التخصيب ويُشددون على التخصيب بنسبة صفر بالمئة، لكن هذا المطلب لا يتوافق مع الواقع الميداني ومكانة التخصيب في إيران.
على سبيل المثال، مارك روبيو في جلسته الأخيرة في مجلس الشيوخ الأمريكي أشار صراحة إلى دور ومكانة البرنامج النووي الإيراني؛ وهو برنامج لا يُنظر إليه لدى الكثير من الإيرانيين كمشروع تقني فقط، بل هو جزء من الكبرياء الوطني ورمز للقدرة العلمية، والتقنية المحلية، والاستثمار الكبير في الموارد البشرية والعلمية في إيران.
كما ذكرت سابقا، للأسف، البرنامج النووي الإيراني أصبح لدى الأطراف المعادية ذريعة لممارسة الضغط وتسوية الحسابات السياسية مع إيران. في حين أن هذا البرنامج هو البرنامج النووي الوحيد في العالم الذي يحظى بشرعية دولية بموجب قرار رسمي لمجلس الأمن للأمم المتحدة رقم 2231، الذي هو نتيجة الاتفاق النووي (برجام).
وتضفي هذه الشرعية، برأي كثير من المحللين، طابعا مبالغا على المطالبات الداعية إلى الإلغاء الكامل للتخصيب في إيران. ويبدو أن الجانب الأميركي في المرحلة الراهنة يتغافل عن هذه الخلفيات التاريخية والالتزامات السابقة، بما في ذلك ما نصّ عليه الاتفاق النووي وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
لا شك في أن هذه المسألة زادت من تعقيد مسار المفاوضات، إلا أنه وبرغم هذه التعقيدات، لا أرى أن المحادثات ستصل إلى طريق مسدود بالكامل. وفي تقديري، وبرغم احتمالات التقلب والتعثر وربما غياب التوصل إلى نتيجة نهائية، ستظل الدبلوماسية مسارا حيا ومفتوحا بين إيران والولايات المتحدة.
ومع ذلك، كل شيء يعتمد على مدى مرونة الطرفين في المرحلة النهائية. لهذا السبب، ما زلت متفائلا بأنه في النهاية سيتم إيجاد طريق للتقدم وتحقيق اتفاق، إن شاء الله!