سفير إيران السابق لدى بريطانيا: الشائعات النووية جزء من حملة لإفشال مفاوضات إيران مع أمريكا

في حوار أجرته الصحيفة الإصلاحية “آرمان ملي“، السبت 10 مايو/أيار 2025، مع السفير الإيراني السابق لدى بريطانيا، سيد جلال ساداتيان، تناول الأخير تطورات الملف النووي الإيراني في ظل اقتراب الجولة الرابعة من المفاوضات مع الولايات المتحدة.

في ما يلي نص هذا الحوار:

برأيكم، بعدما نشرت وسائل الإعلام صورا لمراكز نووية إيرانية سرية، ما هي أهداف هذه الأخبار الملفقة مع اقتراب الجولة الرابعة من المفاوضات؟

لطالما سعت منظمة مجاهدي خلق  إلى تسليط الضوء إعلاميا على قضايا حساسة تتعلق بإيران، وذلك أولا من أجل إبراز اسمها، وثانيا لتتمكن من الاستمرار في مسارها كمعارضة للحكومة الإيرانية والحصول على ميزانيات ودعم معنوي وسياسي.

 في السابق، عندما أُثيرت قضية الملف النووي الإيراني، كان هؤلاء  هم من أطلقوا في البداية شائعات بشأن سعي طهران لامتلاك سلاح نووي.

 ومن جهة أخرى، فإنهم أعداء للشعب الإيراني، وتكفي خيانتهم للوطن في أنهم تعاونوا مع صدام خلال الهجوم على إيران، ومن هذه الزاوية أيضا، فإن هذا التنظيم الإرهابي لا مكانة له في الأوساط الدولية.

أما الآن، ومع ظهور بعض بوادر الأمل في نتائج المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، فإن شائعات يجري تداولها في الوقت ذاته من قِبل نتنياهو، ولوبي الكيان الصهيوني، وكذلك مجاهدي خلق، بهدف التأثير على مجريات المفاوضات ومنع استمرارها، كما أن بعض الدول الأخرى، التي لا ترى مصالحها في حل القضايا بين إيران وأمريكا، تسعى إلى إفشال هذه المفاوضات.

 كما هو الحال مع فرنسا التي تريد نصيبها من الاتفاق مع إيران، وكذلك بريطانيا التي نشرت شائعات حول بعض عمليات التخريب المنسوبة للإيرانيين داخل أراضيها من أجل ضمان دور لها في المفاوضات ونتائجها الاقتصادية. 

وعليه، يبدو أنه كلما اقتربنا من نتائج المفاوضات، سنشهد مزيدا من هذه الشائعات، إلا أن انطلاق المفاوضات بحد ذاته يبعث على الأمل في التوصل إلى نتائج إيجابية عبر هذا المسار.

لماذا يتخذ الأوروبيون مواقف معرقِلة الآن، رغم أنهم كانوا سابقا وسطاء بين إيران وأمريكا؟

الجواب يكمن في صلب السؤال ذاته فقد كانوا في السابق وسطاء بين إيران وأمريكا، وجنوا ثمار الاتفاق النووي (برجام)، حيث شهدنا دخول الشركات الأوروبية إلى السوق الإيرانية بعد توقيع الاتفاق.

 لكن هؤلاء الأوروبيين، وبعد انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي، وعلى الرغم من أنهم أنشأوا آلية “إنستكس”، لم يلتزموا بتعهداتهم تجاه إيران. 

ومن هذا المنطلق، فإن إيران هذه المرة أجرت المفاوضات مع الولايات المتحدة عبر وساطة الدول العربية، وهذا ما أثار استياء الأوروبيين.

بالطبع، قبل الجولة الأخيرة من مفاوضات إيران وأمريكا، بدأ تخت روانجي، نائب وزير الخارجية، وغريب آبادي،  مساعد وزير الخارجية للشؤون القانونية والدولية أربع جولات من المحادثات مع الأوروبيين بهدف معالجة المشكلات التي ظهرت، لكن نظرًا لانضمام هذين المفاوضين الإيرانيين إلى الفريق المفاوض مع الولايات المتحدة، شاركا في المفاوضات مع أمريكا، ما أدى فعليا إلى توقف المفاوضات بين إيران وأوروبا.

وعليه، فإن بعض الدول الأوروبية، إضافة إلى المعارضين العرب والكيان الصهيوني، يسعون الآن إلى تخريب أجواء التفاوض بين إيران وأمريكا.

لماذا سارت المفاوضات السياسية بين إيران وأمريكا بشكل جيد في الجولتين الأولى والثانية، بينما لم تتقدم المفاوضات الفنية بالسرعة نفسها؟

في البداية، كانت الولايات المتحدة تسعى إلى إدراج كل من القضية الإقليمية، والملف الصاروخي، إضافة إلى الملف النووي، على طاولة المفاوضات.

 لكن في نهاية الجولة الأولى من المفاوضات، قبل المبعوث الأمريكي “ويتكوف” بأن تقتصر المفاوضات على الملف النووي فقط، ولهذا تم تحديد جدول الأعمال في روما- أي في الجولة التالية من المفاوضات- للتركيز على آلية تبادل المعلومات، وذلك بهدف التقدم خطوة بخطوة إلى الأمام، بمعنى أنه مقابل رفع العقوبات من قبل أمريكا، تعود إيران إلى تنفيذ التزاماتها ضمن الاتفاق النووي.

فبعد انسحاب أمريكا من الاتفاق، استمرت إيران في الالتزام بتعهداتها لمدة عام، وهو أمر يقر به الأوروبيون أيضا، رغم أنهم أنفسهم لم يلتزموا بأحد عشر بندا من التزاماتهم. 

وقد أعلنت إيران خلال المفاوضات مع أمريكا أنها، بسبب العقوبات الأمريكية، اتخذت خطوات أخرى من قبيل تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% ثم 60%، كما منعت المفتشين من دخول بعض المواقع النووية.

 أما الآن، فتؤكد إيران أن هذه الإجراءات جاءت نتيجة العقوبات الأمريكية، وبالتالي فإنه على أمريكا أن ترفع العقوبات كي تعود إيران بدورها إلى التزاماتها، وبعبارة أخرى، فإن إيران تقبل بالمراقبة مقابل رفع العقوبات.

برأيكم، هل ستبقى كميات التخصيب الإيراني خارج إطار الاتفاق النووي داخل البلاد، أم أن آلية جديدة ستُعتمد بشأنها؟

يبدو أن المسؤولين الأمريكيين يرغبون في البداية بإخراج اليورانيوم عالي التخصيب من إيران، في حين تقترح إيران أن تبقى هذه الكميات من اليورانيوم داخل البلاد، ولكن في بيئة خاضعة لإشراف مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

 ومن المفترض أن تُعقد بشأن هذه المسائل نقاشات فنية، ويتوجب على الطرفين، الإيراني والأمريكي، التوصل إلى اتفاق في هذا الخصوص، وطول أمد المفاوضات يعود في الأساس إلى هذه القضايا الفنية.

وبحسب الاتفاق النووي (برجام)، يمكن لإيران أن تصنع أجهزة طرد مركزي من طراز IR-1 وIR-2، لكنها اليوم قد وصلت إلى تكنولوجيا أجهزة طرد مركزي متطورة ذات قدرة تخصيب عالية. 

وفي نهاية المطاف، يجب التوصل إلى اتفاق ينص على أن تلتزم إيران بنسبة التخصيب البالغة 3.67%.

هل يمكن الحصول على ضمان قانوني من أمريكا يضمن عدم انسحاب أي إدارة قادمة من الاتفاق النووي؟

أحد التحديات الأساسية يعود بالضبط إلى هذه النقطة، فاستغراق المفاوضات الفنية وقتا طويلا يعود أيضا إلى هذا السبب.

 لدى إيران هاجس أن يتراجع الطرف الأمريكي بعد سنوات عن الاتفاق، وتجد طهران نفسها مجددا في الوضع الراهن ذاته. 

ولذلك يبدو أن إيران قد طالبت بضمانات من الولايات المتحدة بهذا الخصوص، من قبيل أن يُقِر الكونغرس الأمريكي رفع العقوبات المفروضة على إيران، بحيث يُسنّ قانون ينص على رفع العقوبات الأمريكية، ما من شأنه أن يمنع الرئيس الأمريكي المقبل من الانسحاب بسهولة من الاتفاق النووي أو أي اتفاق نووي جديد.

فليس من المنطقي أن تعود إيران إلى الاتفاق النووي في حين لا يوجد أي ضمان لرفع العقوبات، لا سيما أن الولايات المتحدة، وفي الوقت الذي تتفاوض فيه مع إيران، لا تزال تفرض عقوبات جديدة عبر مجلس الاحتياطي الفيدرالي. 

وبالطبع، فإن بعض العقوبات تتطلب مصادقة الكونغرس، بينما يمكن رفع بعضها الآخر بأمر من رئيس الولايات المتحدة، وهذه النقاط هي ما يجري بحثه في المفاوضات الفنية.

هل ترون أن ترامب يسعى فعليا لحل المشكلة مع إيران؟

ترامب أطلق شعارات، مفادها إنهاء الحروب وتقليص نفقات الولايات المتحدة، ولذلك فإن الطريق الوحيد أمامه لحل الملف النووي الإيراني هو عبر الدبلوماسية، لأن أي توتر ضد إيران سيقوّض شعاراته هذه.

لكن إسرائيل ولوبي “إيباك” وبعض الدول الأخرى تسعى إلى منع ترامب من التوصل إلى حل لقضية إيران، لأن إيران غير نووية هي الوضع المفضل بالنسبة لهم.

هل سيُظهر الأمريكيون رغبة في الاستثمار في إيران، خاصة بعد توصيات عراقجي؟ وإذا حدث ذلك، ألا يُعدّ ذلك حلا لمشكلة أمريكا مع الاتفاق النووي في عهد ترامب؟

بعد صدور القرار 2231 ودخول الاتفاق النووي حيّز التنفيذ، زارت وفود أوروبية رفيعة المستوى إيران وطرحت اتفاقات متنوعة شملت بيع الطائرات والاستثمار في مشاريع مختلفة. 

إلا أنه في ذلك الحين، تم التنبيه على الشركات الأمريكية بعدم الدخول في مفاوضات مع طهران من أجل إبرام عقود. 

ولهذا، صرّح ترامب بعد أن أصبح رئيسا بأن جواد ظريف خدع الأمريكيين، بمعنى أن أمريكا مهّدت لرفع العقوبات لكن الأوروبيين هم من استفادوا منها. أما الآن، فتُبذل محاولات لإيصال رسالة إلى الأمريكيين، مفادها أنه إذا رُفعت العقوبات، فإن المجال سيكون مفتوحا أمامهم للاستثمار في قطاعات متعددة داخل إيران، فإيران تحتاج بشدة إلى الاستثمارات، ويمكن للأمريكيين دخول السوق الإيرانية في هذا المجال.

كيف تُقيّمون مسألة التخصيب المشترك داخل إيران؟ إلى أي مدى يُعتبر هذا المقترح جذابا للأمريكيين؟

إيران قدمت مقترحا في هذا الشأن، وتريد أن تُعطي ضمانات بأنه يمكن حتى إجراء عمليات تخصيب مشتركة داخل إيران، إذ إن إيران تمتلك التجهيزات اللازمة في هذا المجال، كما قامت باستثمارات فيه، وإذا تم قبول هذا المقترح، فقد يكون بدايةً لاستثمار مشترك بين دول العالم في المجال النووي داخل إيران.