علاقات دول الخليج العربي الدولية ودورها في التطور الاقتصادي

ترجمة: يسرا شمندي 

أجرت صحيفة أرمان ملي الإصلاحية، الاثنين 19 مايو/أيار 2025، حوارا مطولا مع مستشرف المستقبل ورئيس مركز الأبحاث “سيمرغ” مهدي مطهّرنيا، تناول فيه قضايا التطور الاقتصادي والسياسي في دول الخليج العربي، واستعرض مطهّرنيا خلال اللقاء، كيفية تحقيق هذه الدول خطوات كبيرة نحو التنمية، رغم عدم تحقيقها معايير الديمقراطية بشكل كامل.

كما ناقش أثر هذه الإنجازات على مستوى رضا المجتمعات المحلية وارتباط الحكومات بمسؤولياتها تجاه المواطنين.

و في ما يلي نص المقابلة: 

ما المسار الذي اتبعته دول الخليج العربي الجنوبية التي كانت بسيطة وبدوية في العقود الأخيرة، لتسريع وتيرة تقدمها؟

خلال الأعوام الخمسين الماضية، تمكنت دول الخليج العربي الجنوبية من الوصول إلى برنامج منظم وفعّال للتنمية الوطنية على المستويات التاريخية، الهيكلية والجيوسياسية، ومن بين أسباب ومسارات تطوير دول مثل السعودية، والكويت، والبحرين، وعمان، والإمارات، وقطر، يمكن الإشارة إلى عدة عوامل رئيسية. أهمها هو الثروات الطبيعية التي جلبها النفط.

فقد أدى اكتشاف النفط في أوائل القرن العشرين، والذي بدأ في إيران عام 1908 ووصل إلى ذروته في السعودية عام 1938، إلى توفير موارد مالية ضخمة لهذه الدول.

ما هو تأثير هذه الإيرادات على اقتصاد هذه الدول؟

منذ السبعينيات، خاصة بعد أزمة النفط عام 1973، شهدت إيرادات النفط ارتفاعا ملحوظا في منطقة الخليج العربي، حيث حولت دول الخليج العربي الجنوبية هذه الثروات إلى استثمارات كبيرة في البنية التحتية للتعليم والصحة، فضلا عن استقدام التكنولوجيا من الغرب.

خلال عهد آخر ملوك إيران، الذي بدأ في السبعينيات، ساهمت أزمات النفط الثلاث في تسريع الوصول إلى المزيد من الثروة، مما أدى إلى نمو البنية التحتية للمجتمع وتحديد أهداف واضحة للتنمية في إيران. 

ورغم أن الثورة الإيرانية أدت إلى تغيير في بعض السياسات التنموية، فإن هناك جهودا استمرت في بعض الفترات، خاصة في عهد السياسي ورجل الدين البارز والرئيس الأسبق الراحل هاشمي رفسنجاني الذي وصف تلك المرحلة بـ عصر البناء. 

في المقابل، واصلت دول الخليج العربي مسيرتها التنموية بشكل مستمر، مستفيدة من حكم مركزي موحد واستراتيجيات واضحة، مما مكّنها من متابعة قضاياها وتحقيق نتائج إيجابية ملموسة.

ما هي المراحل التي مرت بها هذه الدول؟

يمكننا تتبع مسيرة تطوير هذه الدول بدءا من مرحلة ما قبل النفط، حيث كان اقتصادها قائما على التجارة الإقليمية، وتجارة اللؤلؤ، وكانت تتميز بهيكل قَبَلِي. لكن تطور دول الخليج العربي الجنوبية بدأ بشكل جدي مع اكتشاف النفط في ثلاثينيات القرن الماضي، ولاحظنا تحولات اقتصادية كبيرة منذ سبعينيات القرن العشرين مع دخول شركات النفط إلى المنطقة، مما مثل بداية تحديث تدريجي. 

بعد ذلك، تخلّى قادة دول الخليج العربي عن الأفكار الإخوانية والمواقف المناهضة للغرب، وشرعوا في الاستفادة من الخبرات الغربية لتحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية. أما المرحلة الثالثة فتمثلت في فترة تراكم الثروات والانطلاقة التنموية الكبرى التي استمرت من السبعينيات حتى عام 2000، وهي الفترة التي شهدت الثورة الإيرانية التي انطلقت فيها أيديولوجيات ثورية ومعادية للغرب، مع إهمال نسبي لقضايا التنمية. 

أما المرحلة الرابعة، التي نعيشها اليوم، فتشهد إعادة تعريف لمكانة دول الخليج العربي على الساحة العالمية، مع تنويع الاستثمارات وتركيزها على مشاريع طموحة بدأت بعد عام 2000 مثل مشاريع نيوم في السعودية، وإكسبو دبي، والاستثمار في مجالات الذكاء الاصطناعي والفضاء. وبذلك، تمكنت هذه الدول من تجاوز الاعتماد على الطاقة والدخول إلى مجالات اقتصادية أوسع.

ما هي العوامل الأخرى التي ساعدت هذه الدول في تحقيق هذا التطور؟

عامل آخر يتعلق بعدد سكان هذه الدول الذي يعد قليلا جدا، مما أدى إلى ارتفاع كبير في نصيب الفرد من الدخل، وهذا ساهم في تسريع وتيرة التنمية. فعلى سبيل المثال، عدد السكان الأصليين في هذه الدول أقل بكثير مقارنة ببعض المجتمعات المجاورة، وهذا بدوره يسهل تقديم الخدمات العامة بشكل أفضل وأكثر فعالية. 

كما تجدر الإشارة إلى أن دول الخليج العربي أنفقت الثروات المكتسبة بشفافية ودقة في تحسين الخدمات العامة، مما ساعدها رغم عدم تحقيق ديمقراطية متينة على الوصول إلى درجة عالية من رضا المواطنين.

ما هو المسار الذي تتبعه هذه الدول في تحقيق التنويع الاستثماري الذي تدّعيه الآن؟

إن العامل التالي الذي يمكن تسميته الاستثمار والتنويع الاقتصادي يحظى باهتمام كبير من هذه الدول، حيث تسعى جاهدة لتقليل اعتمادها على النفط. بناء على خططها الوطنية للتنمية ورؤاها المستقبلية، فقد بدأت هذه الدول خطوات عملية لفصل اقتصادها تدريجيا عن الموارد النفطية. 

فعندما وضعت إيران رؤية 2025، أقرّت السعودية والإمارات رؤية 2030 الرقمية التي بدأت تُطبق فعليا، مما وضعهما على مسار واضح نحو التنمية. في المقابل، يمكن لإيران في إطار رؤية 2025 تقييم مدى تنفيذ ما تم التخطيط له. إلى جانب إنشاء مناطق حرة واستثمارات في قطاع السياحة.

في الواقع، إن  هذه الدول تولي  اهتماما متزايدا للاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، كجزء من استراتيجياتها لإعادة تعريف التنويع الاقتصادي وضمان استدامته.

ما مدى أهمية وتأثير قدرة هذه الدول على بناء علاقات دولية قوية؟

هذا صحيح، إذ يعود عامل آخر إلى دور الدول الأجنبية، ولا يمكن تجاهل دعم الولايات المتحدة وأوروبا بسبب الأهمية الأمنية الاستراتيجية لمنطقة الخليج العربي. فالمنطقة تُعد من أكثر المناطق حساسية جيوسياسيا واستراتيجيا، ولم يعد مفهوم الجغرافيا وحده يحدد الجيوسياسة، بل أصبحت تشمل أيضا رموزا اقتصادية وسياسية وغيرها. 

إن هذا الواقع سرّع من انتقال المعرفة التكنولوجية والعسكرية من الغرب إلى الإمارات، والسعودية، وقطر. كما يجدر بنا الإشارة إلى الملف الخاص بالعلاقات بين العرب وإسرائيل، وخصوصا تطورات العلاقات مع الإمارات التي تمت بموافقة أمريكية واضحة.

ما رأيك في أن كثيرا من النقاد يرون أن غياب الاهتمام بالتنمية السياسية قد يعرقل التنمية الاقتصادية في هذه الدول، كما أن هناك مخاوف بشأن قضايا حقوق الإنسان، فماذا تقول في هذا الموضوع؟

لا يوجد في هذه الدول شخصيات سياسية بارزة ومعروفة تنشط في إطار فكري يسعى إلى التنمية السياسية الحقيقية في دول الخليج العربي. ومن يصنفون على أنهم معارضون للحكام لا يمكن اعتبارهم دعاة ديمقراطية أو حرية حقيقية، بل هم غالبا خصوم داخلية يسعون للسيطرة في صراعات قبلية أو عائلية. 

على سبيل المثال، يُعتبر آل بن لادن من المعارضين لعائلة آل سعود ويسعون للانفراد بالسلطة، وكان أسامة بن لادن، مؤسس القاعدة، أحد أفراد هذه العائلة. لذا، لا يمكن بأي حال من الأحوال ربط الحركات أو الأفكار المعارضة في هذه الدول بالمفهوم الحديث للديمقراطية والحرية كما نفهمها اليوم.

في هذا الصدد، لديهم في سجلهم قضية اغتيال الصحفي الناقد جمال خاشقجي.

صحيح، وأود أن أقول إن واحدة من أكبر الأزمات والبقع السوداء التي ستظل عالقة في سجل آل سعود هي اغتيال خاشقجي، حيث استطاع ولي عهد المملكة العربية السعودية محمد بن سلمان بحنكته أن يتجاوز هذه الأزمة، رغم أن العديد من دول المنطقة والدول الغربية اعترضت وانتقدت ذلك بشدة. ومع ذلك، تمكن بن سلمان من تجاوز الأزمة بهدوء، لكن السعودية لن تستطيع أبدا أن تقدم تبريرا مقبولا لهذا الاغتيال.

بشكل عام، تمكنت العائلات الحاكمة المختلفة من خلال سياسات تطويرية، وخدمة شعوبها، ووضع ضوابط لمنع سوء استغلال الثروات في مسار التنمية، مع الأخذ في الاعتبار البنية السكانية، من تحقيق رضا عام ملحوظ.

وتجدر الإشارة إلى أن الديمقراطية تتجلى على أساس مبدأين رئيسيين: رضا المواطنين، ومسؤولية الحكام أمام المجتمع، وتتجلى الديمقراطية عمليا عندما يشعر الأغلبية بالرضا ويتحمل الحكام مسؤولياتهم تجاه المجتمع. ومن المهم أن نفهم أن الديمقراطية لا تُبنى فقط على الانتخابات والدعاية الانتخابية؛ فالانتخابات أداة يمكن أن يكون لها تأثير كبير إذا استخدمت بشكل صحيح.

برغم غياب الديمقراطية في دول الخليج العربي الجنوبي، هناك مستويات مرتفعة من الرفاهية، ويتحمل المسؤولون مسؤولياتهم تجاه المواطنين. ومع ذلك، عند التدقيق في أداء أي حكومة، تظهر تحديات، ولا يختلف حكام هذه الدول عن غيرهم في ذلك.

ومع ذلك، من العدل الاعتراف بأنهم حققوا نجاحا بالاستفادة من عوائد النفط الكبيرة، إلى جانب تنفيذ سياسات حكومية ساهمت في تقليل اعتماد اقتصادهم على هذه العوائد.