- شروق حسن
- 22 Views
في حوار مع صحيفة “آرمان ملّي” يوم السبت 3 مايو/أيار 2025، ناقش الدكتور مصطفى إقليما، الأخصائي في علم الاجتماع، أسباب تكرار الحوادث المؤلمة مثل انفجار “بندر عباس” في إيران، ويحلل الأبعاد الاجتماعية والسياسية لهذا الواقع.
حيث أجرت صحيفة «آرمان ملّي» حوارا مع مصطفى إقليما، الأخصائي في علم الاجتماع، للإجابة عن أسئلتها، وتحليل وتقييم أبعاد فاجعة “بندر عباس” من زوايا مختلفة.
إلى نص الحوار:
لماذا أصبحت الحوادث المؤلمة مثل ما وقع في بندر عباس أمرا معتادا في إيران، تتكرر من حين إلى آخر في أرجاء البلاد؟ وما التبعات الاجتماعية لهذه الظاهرة؟
لا شيء في أي مكان من العالم يمكن أن يُعدّ أمرا معتادا، والموت أيضا لا يُستثنى من هذه القاعدة، ولهذا، لا يمكن القول إن الموت والمآسي أصبحت أمرا طبيعيا في البلاد، وإن كانت وتيرتها قد ازدادت على مدار السنة.
ما حدث في مجتمعنا هو أن الناس كانت لديهم ولا تزال لديهم مطالب كثيرة، إلا أن أحدا لم يقدّم إجابة مناسبة لها، ومن النقاط الأخرى التي برزت بوضوح في انفجار بندر عباس، هو أن الأشخاص الأكفاء لا يشغلون المناصب التنفيذية.

قد يكون بعض المديرين مؤهلين، لكنهم لا يمتلكون المعرفة والتخصص الكافي لتولي موقع إداري، في حادثة بندر عباس، يطالب الناس بمعرفة أسباب الانفجار والعوامل التي تقف وراءه، لكن لا الحكومة ولا هيئة الإذاعة والتلفزيون قد وضّحتا بشكل شفاف وصريح للشعب ما الذي حدث، ومن هو المسؤول عن هذه الكارثة.
ما يجري في مجتمعنا اليوم هو تحوّل الناس إلى حالة من اللامبالاة تجاه القضايا، لا شك أن للمسؤولين دورا أساسيا في هذا الشأن، فبسبب غياب الإبلاغ والإفصاح الفعّال، تم تقويض كفاءة المجتمع.
وعندما تتحول اللامبالاة إلى أمر طبيعي في مجتمع ما، فإن هذا المجتمع يتوقف عن العمل، اليوم، لا يعرف المواطنون إلى من يجب أن يلجؤوا، أو أي جهة يمكن أن تعالج مشاكلهم.
هذا بحد ذاته أدى إلى حالة من اللامبالاة على مختلف المستويات داخل المجتمع، في الواقع، الشعب الإيراني قد سئم من عدم تلبية مطالبه، وهذه الحالة من السأم ستترك آثارا اجتماعية سلبية متعددة.
لماذا عجز مديرو الدولة عن الحيلولة دون وقوع حوادث مثل تلك التي وقعت في بندر عباس، أو منع تكرارها؟
أعتقد أن الحكومة ليست عاجزة عن البحث الجذري وفهم مثل هذه الحوادث، بل إنها لا تريد أن تصارح الشعب بأسبابها، اليوم، تُرسل رسائل نصية لبعض النساء بسبب خلع الحجاب.
هذه الحادثة تُظهر بوضوح أنه إذا أراد المسؤولون التحقيق في مسألة ما، فهم يمتلكون الإمكانات والقدرات اللازمة لذلك، هناك نقطة أخرى أيضا، وهي أن الحكومة ليست الجهة الوحيدة التي تتخذ القرار في البلاد، بل توجد قوى أخرى كذلك.
وفي بعض الحالات، لا تستطيع الحكومة حتى فرض إرادتها أمام هذه القوى أو اتخاذ القرار.
ربما تم إبلاغ رئيس الجمهورية بأسباب انفجار بندر عباس في الساعات الأولى من وقوعه، وكان على علم بالأمر، ومع ذلك، وبسبب أن بعض الجهات تصف هذه الأسباب بأنها سياسية أو أمنية، لا يتم الإفصاح عنها.
نحن نعيش في بلد يعتقد فيه كل شخص أنه يمتلك السلطة، ويُجيز لنفسه اتخاذ قرارات في مختلف القضايا.
ما الفرق بين إدارة الأزمات في إيران والدول المتقدمة؟ ولماذا تواجه إدارة الأزمات في إيران تحديات خطيرة؟
الواقع أن إيران بلد من العالم الثالث، ولم تتمكن خلال العقود الأخيرة من اتخاذ خطوات مهمة في اتجاه التنمية والتقدم.
الفارق الجوهري بين إيران والدول المتقدمة هو أن في إيران توجد الكثير من القوانين، لكن لا أحد يلتزم بها. في المقابل، في الدول المتقدمة، يلتزم المسؤولون بالقوانين القائمة، في تلك الدول، إذا ارتكب أحدهم مخالفة، لا يُحاسب وحده فقط، بل يُسأل المدير الأعلى منه أيضا، لكننا شهدنا في إيران أن بعض المخالفات تمرّ دون أي رد فعل، وفي بعض الحالات، الحساسية تجاه الموضوع أدت فقط إلى تغيير موقع المسؤول.
نقطة أخرى أن إدارة البلاد عالقة في دائرة ضيقة من المسؤولين، وكل منهم ينتقل من منصب إلى آخر بعد فترة من الزمن.
في الواقع، ما حدث في المجتمع الإيراني هو أن البلاد أصبحت أسيرة دورة مغلقة من الإدارة، أما في الدول المتقدمة، فإن كفاءة المدير محدودة بزمن، وبعد انتهائه لا يُعاد استخدامه.
وما يحدث في مجتمعنا هو أنه إذا انتُقد مسؤول ما، يبدأ بالتنصل ويلجأ إلى القول إن النظام والإسلام يتعرضان للتشكيك، في حين أن المشكلة في أدائه، وليس لها علاقة بالنظام أو بالإسلام، لكنه يحاول من خلال هذا الأسلوب البقاء في موقعه الإداري لأطول فترة ممكنة.
ما الذي ينبغي فعله لتجنّب تكرار مثل هذه الحوادث التي تجرح مشاعر المجتمع؟
حتى الآن، كل رئيس جمهورية تولّى المنصب، كان في بدايته يبوح بجميع مشكلات البلاد.، ومع ذلك، فإنه بعد فترة لا يقوم بأي خطوة، لا يحل المشكلات، بل يُضيف إليها مشكلات جديدة.
الناس انتخبوا رئيس الجمهورية من أجل أن يحل المشاكل، لا من أجل أن يشرحها، وإذا ما تولّى رئيس جمهورية المنصب، لكنه يدرك، لأي سبب كان، أنه لا يستطيع تنفيذ وعوده، أو يكتشف بعد فترة أنه غير قادر على ذلك، فعليه أن يتنحّى.
من الناحية القانونية، رئيس الجمهورية هو صاحب الصلاحية العليا في البلاد، ولا يحق للقوى الفرعية أن تتخذ قرارات بدلا من الحكومة. ومع ذلك، فإن القوى الفرعية في بلدنا تتخذ قرارات في مختلف المجالات، المشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية تراكمت خلال العقود الماضية، ولهذا فإن حلها ليس أمرا يتم خلال يوم أو أسبوع أو شهر.
من ناحية أخرى، لا توجد إرادة حقيقية لحلّ جذري لتلك المشاكل، وكل من يتبوأ منصبا، يسعى فقط خلف مصالحه الشخصية. المسؤولون الذين شغلوا مناصب في المجتمع حتى الآن لم يضيفوا شيئا إلى المجتمع، ومشكلاتنا هي نتيجة للسياسات الخاطئة التي تم اتباعها في مختلف المجالات خلال الأعوام الأربعين الماضية.
إذا بدأت الحكومة، اعتبارا من اليوم، بكبح جماح التضخم، وامتنعت عن رفع أسعار السلع التي لا ضرورة لرفعها، كي لا يزداد التضخم ويثقل كاهل المواطنين، يمكن حينها أن نأمل بمستقبل أفضل، لكن الواقع أن الحكومة لم تتبنَّ هذا التوجه في جدول أعمالها.
صبر الناس له حدود، ورغم أن شعبنا شعب نبيل، إلا أنه في حال عدم حلّ المشكلات، فإن الأوضاع الاجتماعية في المستقبل ستكون أكثر تعقيدا مما هي عليه اليوم.
الشعب يفهم ظروف البلاد، والوضع ليس كما يظن بعض المسؤولين بأن ما يفعلونه يمرّ دون أن يلاحظه أحد، لقد صبر الناس حتى الآن، لكن لهذا الصبر حدّ وزمن. ولهذا، وقبل أن يفوت الأوان، يجب على حكومة بزشکیان وباقي متخذي القرار أن يجدوا حلا لمشكلات الناس، وإلا فإن الأوضاع الاجتماعية والسياسية ستكون في المستقبل أكثر تعقيدا بكثير مما هي عليه الآن.