محسن رضائي.. أصغر قائد للحرس الثوري ورجل السياسة والاقتصاد الإيراني المطلوب من الإنتربول (بروفايل)

كتب: ربيع السعدني 

من قرية تابعة لمدينة مسجد سليمان داخل محافظة خوزستان، وُلِد محسن رضائي ميرقاد كأيقونة ورمز للثورة الإيرانية، حيث يجمع بين القوة العسكرية والرؤية السياسية والطموح الاقتصادي. 

قاد الحرس الثوري خلال الحرب العراقية-الإيرانية، ثم خطى خطواته نحو دهاليز السياسة، ليصبح أمينا عاما لمجمع تشخيص مصلحة النظام، ونائب رئيس الجمهورية للشؤون الاقتصادية في حكومة إبراهيم رئيسي، مُجسّداً بذلك مسيرة حافلة بالتأثير في صناعة تاريخ إيران الحديث، مسيرته مليئة بالمحطات الحاسمة والمواقف الجريئة التي أثرت في مسار السياسة وصنع القرار في طهران، مما جعله شخصية مثيرة للجدل ومؤثرة في آن واحد. 

من مسجد سليمان إلى قلب الثورة

وُلِد محسن رضائي في سبتمبر/ أيلول 1954 في محافظة خوزستان، جنوب غرب إيران، بعد إتمامه المرحلة الابتدائية وجزءًا من تعليمه الثانوي، قُبل في امتحان القبول في المعهد الموسيقي الصناعي التابع لشركة النفط الوطنية، وهاجر إلى الأهواز، نشأ في بيئة محافظة، مما أثر على تكوينه الفكري والسياسي.

ثم بدأ دراسته في الهندسة الميكانيكية جامعة إيران للعلوم والتكنولوجيا أو “علم وصنعت إيران” في طهران، لكنه توقف عن الدراسة بسبب نشاطه السياسي ضد نظام الشاه ثم تزوج في العام 1974 من معصومة خدنك التي عرّفه عليها إمام جامع الأحمدية الكبير في حي نارمك بطهران، ونتج عن هذا الزواج خمسة أبناء، هم أحمد، وسارة، وعلي، وزهراء، ومهدية. 

رضائي، الذي ترك دراسته الجامعية منذ عام 1974، بعد إحلال السلام، غيّر تخصصه من الهندسة الميكانيكية إلى الاقتصاد، لاحقا، أكمل تعليمه وحصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة طهران.

النضال ضد الشاه 

بدأ رضائي نشاطه السياسي والثقافي ضد نظام الشاه (محمد رضا بهلوي) خلال المرحلة الثانوية، حيث انضم إلى جماعات معارضة، وفي سن السابعة عشرة، اعتقله جهاز “السافاك” الاستخباراتي الإيراني (جهاز أمن الشاه محمد رضا بهلوي) وسُجن لمدة ستة أشهر في سجن الأهواز بسبب نشاطه المناهض للنظام الملكي، بعد إطلاق سراحه في عام 1973، واصل نضاله وشارك بنشاط في الثورة عام 1979 وكان من مؤسسي منظمة “مجاهدي الثورة الإسلامية”، التي لعبت دورا كبيرا في تعبئة الشباب ضد النظام البهلوي.

قيادة الحرس الثوري 

كان رضائي أحد أعضاء اللجنة المكونة من 12 عضوًا والتي صاغت النظام الأساسي للحرس الثوري في شتاء عام 1978، وبدعم من الخميني، أنشأ وحدة الاستخبارات والتحقيقات السياسية في الحرس الثوري في يونيو/ حزيران 1979، وفي سن السابعة والعشرين، عيّنه الخميني قائدا للحرس الثوري عام 1981، ليصبح أحد أصغر قادة هذه المؤسسة في تاريخها.

وشغل منصب قائدها حتى عام 1984، وفي عام 1989، تم تعيينه قائدًا عامًا للحرس من قبل الإمام وبقي في هذا المنصب حتى عام 1997، ومع تعيين رضائي قائدًا للحرس الثوري في السنة الثانية من الحرب، استطاعت إيران تحرير جزء كبير من الأراضي المحتلة والوصول إلى الحدود الدولية في أربع عمليات متتالية: طريق القدس، ثامن الأئمة، الفتح المبين، وبيت المقدس.

الاستقالة التي رفضها الخميني

أجبرت المشاكل التي ظهرت خلال فترة الدفاع المقدس، لأسباب مثل محدودية دعم جبهات القتال، محسن رضائي في مايو/ أيار 1987، على الاستقالة من منصب القائد العام للحرس الثوري في رسالة موجهة إلى الخميني، مشيرًا إلى أسباب مثل محدودية الإمكانيات وضعف الدعم الموجه لهم، وتوقع أن القوات الإيرانية ستتكبد خسائر فادحة دون حل هذه المشاكل.

وكتب رضائي في رسالة استقالته: على الرغم من المقاومة الشديدة للمشاكل والنواقص في ساحة المعركة، والتي كانت ناجمة بشكل رئيسي عن الأفراد والعوامل الداخلية في المجتمع ومسؤولي البلاد، فقد أُجبر على الاستقالة؛ وهي استقالة عارضها الخميني، وظل قائدًا عامًا للحرس الثوري الإيراني حتى عام 1997.

وعندما استقال رضائي من منصبه وعينه المرشد الأعلى أمينا لمجمع تشخيص مصلحة النظام، وخلال الحرب العراقية-الإيرانية (1980-1988)، قاد رضائي القوات المسلحة الإيرانية في معارك حاسمة، حيث اشتهر باندفاعه وشجاعته، ووردت مقولة شهيرة عن الخميني يطلب فيها من رضائي عدم الاندفاع كثيرا في مقدمة الجبهات حفاظا على سلامته، ثم استقال من قيادة الحرس في سبتمبر/ أيلول 1997، بعد 16 عاما من الخدمة، لينتقل إلى العمل السياسي والاقتصادي.

من الميدان إلى صنع القرار

في عام 1997، عيّنه المرشد الإيراني علي خامنئي أمينا عاما لمجمع تشخيص مصلحة النظام، وهي مؤسسة استشارية عليا تتولى تقديم المشورة للمرشد ووضع السياسات الاستراتيجية للدولة، وشغل هذا المنصب حتى عام 2021 وبدأ رضائي في الدراسات التمهيدية لإعداد وثيقة رؤية البلاد للعشرين عامًا القادمة، والمساعدة في تعديل قانون الاستثمار الأجنبي في إيران.

وخلال هذه الفترة واصل دراسته في جامعة طهران للحصول على درجة الدكتوراه في الاقتصاد، نُشرت أطروحته، التي كتبها عام 2000 في كتاب كما تولى مسؤولية إدارة لجنة الاقتصاد الكلي التابعة لمجمع تشخيص مصلحة النظام وبين عامي 2021 و2023، تولى منصب نائب رئيس الجمهورية للشؤون الاقتصادية، حيث ركز على وضع سياسات اقتصادية تهدف إلى مواجهة التحديات الاقتصادية التي تعاني منها إيران، خاصة في ظل العقوبات الدولية.

تحت سيف العقوبات 

في 10 يناير/ كانون الثاني 2019، فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) التابع لوزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على محسن رضائي و7 مسؤولين إيرانيين،  لدورهم في أنشطة مزعزعة للاستقرار بزعمهم، كما أصدر الإنتربول مذكرة توقيف بحق رضائي عام 2007 بطلب من الأرجنتين، لتورطه بزعمهم في تفجير مركز يهودي وجرائم أخرى، ولا يزال مطلوبًا حتى الآن.

5 محطات طموحه الرئاسي

1▪︎ انتخابات البرلمان 1999: ترشح رضائي عن دائرة طهران ممثلاً لجناح المحافظين (ائتلاف خط الإمام والقيادة)، المعروف بالجناح اليميني وجمعية رجال الدين المقاتلين، لكنه لم يحصل على الأصوات الكافية للفوز.

2▪︎ الانتخابات الرئاسية 2005: أعلن ترشحه للرئاسة تحت شعار “دولة المحبة”، لكنه انسحب قبل يومين من الانتخابات، معللاً ذلك برغبته في “توحيد أصوات الأمة” دون الإفصاح عن دعمه لمرشح معين.

3▪︎ الانتخابات الرئاسية 2009: تنافس مع محمود أحمدي نجاد ومير حسين موسوي ومهدي كروبي، وحصل على المرتبة الثالثة بنسبة 1.7% من الأصوات، سجل اعتراضا على نتائج الانتخابات، لكنه سحب اعتراضه لاحقا، مفضلا تجنب الصراعات السياسية.

4▪︎ الانتخابات الرئاسية 2013: ترشح كمرشح أصولي مستقل، لكنه حل في المرتبة الرابعة بحصوله على 3.88 مليون صوت، خلف حسن روحاني ومحمد باقر قاليباف وسعيد جليلي.

5▪︎ انتخابات البرلمان 2016: شارك في الانتخابات البرلمانية، لكنه لم يحقق نجاحا ملحوظا.

رؤية إيران الكبرى

في محاضرة طلابية بعنوان “السلطة العلمية واستمرار الثورة الإسلامية”، دعا رضائي إلى إعادة إحياء “إيران الكبرى” التي تمتد من شمال الخليج إلى بحر عمان، مضيفاً أن إيران بهذا الحجم ستكون قوة عالمية تتجاوز تأثير القنبلة النووية، هذا الموقف عكس طموحه التوسعي ونزعته لتعزيز مكانة إيران على الساحة الدولية.

كرجل اقتصاد، دعا رضائي إلى إصلاحات اقتصادية جذرية لمواجهة التحديات الناجمة عن العقوبات الدولية، خلال فترة عمله كنائب رئيس الجمهورية للشؤون الاقتصادية، ركز على تعزيز الاقتصاد الوطني من خلال سياسات تدعم الصناعات المحلية وتقلل الاعتماد على النفط.

كما صرح أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام خلال لقائه بالطلاب الجامعيين: “يجب أن تتمكن إيران من تحقيق تقدم كبير في السنوات القادمة، بحيث نتمكن من استيراد مليون برميل من النفط يوميا، يجب أن يصبح اقتصادنا قويًا لدرجة أننا لن نحتاج إلى بيع النفط والغاز فحسب، بل سنستهلك جميع الموارد بأنفسنا ولن نحتاج إلى استيراد النفط والغاز، لأنه إذا تضاعف الإنتاج الوطني، فسنحتاج إلى المزيد من الطاقة”.

واتسم موقف رضائي في الانتخابات بالمرونة، حيث انسحب من سباق انتخابات 2005 الرئاسي، لتوحيد الصف المحافظ، لكنه سرعان ما اعترض على نتائج انتخابات 2009 الرئاسية وخرج على شاشة التلفزيون، ليصف مجددًا “تصويت الشعب” بأنه “شرف له”، وصرح لاحقًا في مقابلة: “برأيي، إذا أدت هذه الأحداث التي أعقبت الانتخابات (في إشارة إلى ادعاءات التزوير، حيث أعلنت وزارة الداخلية أن عدد أصوات محسن رضائي بلغ 678,240 صوتًا، بينما صرّح رضائي بأن 900 ألف شخص أكدوا تصويتهم له عبر أرقام هوياتهم الوطنية) إلى إصلاح جذري في الانتخابات الإيرانية، مطالبا بمراجعة ملف الانتخابات في إيران بشكل جذري.

واقترح رضائي أن يتم تشكيل لجنة وطنية للانتخابات بشكل مستقل، بحيث لا يمكن لأي من السلطات الثلاث ممارسة أي تأثير عليها، ويمكن أن تكون اللجنة الوطنية للانتخابات تحت إشراف مشترك من السلطات الثلاث.

على الرغم من ترشحه كمستقل في بعض الانتخابات، إلا أن رضائي ظل داعما قويا للتيار المحافظ، مؤكدا على أهمية الوحدة الوطنية والحفاظ على مبادئ الثورة الإسلامية.

الإسهامات الفكرية

ألف رضائي عدة كتب، من أبرزها:

▪︎  ملاحظات مسافر 2004

▪︎ أريد أن أموت مثل السحابة 2010

▪︎ في أعقاب الشمس: الحركة الثقافية

▪︎ نظرية القيمة والسعر

▪︎ المواجهة الثالثة والعالم الاقتصادي

▪︎ الفيدرالية الاقتصادية

▪︎ “إيران المستقبلية في أفق الرؤية”، والتي تناول فيه رؤيته لمستقبل إيران سياسيا واقتصاديا.

وساهم محسن رضائي بشكل كبير في وضع استراتيجيات اقتصادية عليا من خلال دوره في مجمع تشخيص مصلحة النظام، حيث قدم مقترحات لتحسين الأداء الاقتصادي في ظل التحديات الداخلية والخارجية، قائلا: “إذا انطلق اقتصادنا وإنتاجنا الوطني، فلن يكون هناك إيراني يقل دخل الفرد فيه عن 50 ألف دولار، كل شيء جاهز لهذه القفزة وهذا التحول”.

ماذا قالوا عنه؟

يصف غلام علي رشيد عبقرية محسن رضائي الحربية والإدارية، مشيرًا إلى سرعة فهمه، نفاذ بصيرته، وتفوقه الواضح على القادة الآخرين. 

يتميز رضائي بالصبر، الحكمة، الذكاء، والفهم الاستراتيجي والتكتيكي العميق، مع قدرة استثنائية على قيادة الحرس الثوري الإيراني وإدارة الأزمات وتعبئة القوات، يُعد أسلوبه نموذجًا دفاعيًا ومدرسةً للقادة المستقبليين، حيث ينبغي الاقتداء به في العمليات الحربية.في مقدمة كتاب “الحرب كما رواها القائد”، يروي رشيد عن اجتماع لعملية طريق القدس، حيث تفوق رضائي في النقاش بعقلانية ومنطق عسكري، مما جعل الشهيد حسن باقري يؤكد قيادته الاستثنائية. 

كما دوّن باقري عام 1966 تنبؤات رضائي بالعقوبات الاقتصادية الأمريكية على إيران، مشيرًا إلى أن أمريكا لن تنجح في حربها ضد إيران، لكنها ستفرض حصارًا اقتصاديًا وتستخدم العرب ضد إيران بدلاً من إسرائيل.