مسقط على خط النار.. جولة تفاوضية جديدة بين واشنطن وطهران وسط دعم روسي صيني

في خضم مشهد ربما اعتاده الشرق الأوسط منذ عقود، تعود المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران إلى الانعقاد، مفاوضات هي أكبر من أي الملفات المطروحة فيها، وما يحدث داخل غرفها المغلقة ليس بالكثير مقارنة بما يحدث خارجها، ففي ظل تصعيد إسرائيلي للمواجهة ضد إيران واليمن، يريد ترامب أن يغلق الصفقة مع إيران وديا، الأمر الذي يزعج تل أبيب، وفي ظل توترات بين واشنطن والأخيرة، تحظى طهران بدعم كبير من الصين وروسيا، مما يقوي موقفها في المفاوضات.

حيث تستضيف العاصمة العمانية مسقط، انعقاد دور المفاوضات غير المباشرة الثالث بين إيران والولايات المتحدة غدا الأحد 11 مايو/أيار 2025، ذلك حسبما صرح وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، خلال لقاء صحفي، الخميس 8 مايو/أيار، حيث قال: “إن توقيت ومكان المفاوضات يحددهما البلد المضيف، والذي سيكون عمان، سألنا أصدقاؤنا العمانيون عن يوم الأحد وأعلنا رأينا بالموافقة. ومن الواضح أنهم تحدثوا مع الطرف الآخر، وحتى الآن تم الاتفاق على أن المفاوضات ستُعقد يوم الأحد”.

من جهة أخرى، أفادت صحيفة أكسيوس الأمريكية، نقلا عن مصدر مطلع، بأن ستيف ويتيكوف، الممثل الخاص لرئيس الولايات المتحدة في شؤون الشرق الأوسط، سيسافر يوم الأحد إلى مسقط لحضور جولة المفاوضات، التي سمتها بالمزيج بين المفاوضات المباشرة وغير المباشرة.

الجولة الرابعة.. نحو إطار اتفاق أم تعثر جديد؟

في الوقت نفسه، كان ويتيكوف قد أكد في مقابلة مع موقع بريتبارت الأمريكي، الجمعة 9 مايو/أيار 2025، أن الحل الأمثل للنزاع مع إيران يكمن في الحوار، مشيرا إلى أن إقناع طهران بالتخلي عن برنامجها النووي هو الطريق لضمان عدم امتلاكها السلاح النووي، وأضاف أن هذا هو الحل الأكثر استدامة، معربا عن أمله في أن يكون ما تريده إيران، لأن البديل سيكون ضارا بها.

وفي حديثه عن المفاوضات، شدد ويتكوف على ضرورة تفكيك منشآت تخصيب اليورانيوم الإيرانية، مؤكدا أنه لا يمكن لطهران امتلاك أجهزة طرد مركزي أو مواصلة تخصيب اليورانيوم، وأوضح أن إيران يجب أن تتحول إلى برنامج نووي سلمي، مع الإشارة إلى ضرورة إغلاق منشآت نطنز وفردو وأصفهان.

كما اعتبر أن إيران أصبحت أكثر هشاشة من ذي قبل، وأن أمامها خيارا واحدا يتمثل في قبول الشروط الأمريكية لتخليها عن برنامجها النووي العسكري، مؤكدا أن الولايات المتحدة لن تقبل باتفاق ضعيف مع إيران، وستنسحب إذا لم يكن الاتفاق المقترح قويا.

وأشار إلى أن إيران لا تحتاج إلى القدرة على تخصيب اليورانيوم لتنفيذ برنامج نووي سلمي، مضيفا أن المفاوضات مع إيران ستستمر فقط إذا كانت مثمرة. وأكد أن الولايات المتحدة ستضغط لاحقا على إيران لوقف تمويل وتسليح جماعات مثل حماس وحزب الله والحوثيين، وأن المفاوضات الحالية تركز على الملف النووي فقط.

جدير بالذكر أن الجولة الثالثة من المفاوضات قد عقدت في العاصمة الإيطالية روما، حيث شهدت نقلة نحو مناقشة القضايا الفنية والمتخصصة بين الطرفين، ومن المتوقع أن تشهد الجولة الرابعة من هذه المفاوضات عرض نتائج المشاورات الفنية على طاولة الحوار، وفي حال تحقق تقدم، قد يتم التوصل إلى إطار عام لاتفاق محتمل.

وفي ما يخص تفاصيل تلك الجولة، فقد أفادت تقارير إخبارية بأنها لن تشهد مشاركة الفرق الفنية بخصوص تفاصيل البرنامج النووس الإيراني، كما تطرقت بعض التحليلات إلى توسيع نطاق المفاوضات لتشمل ملفات غير نووية، كالقضايا الإقليمية وبرنامج إيران الصاروخي.

وفي الشأن نفسه، فقد أكد مجيد تخت روانجي، عضو الفريق المفاوض ونائب وزير الخارجية الإيراني، في تقرير قدّمه إلى لجنة الأمن القومي في البرلمان، أن مسألتي التخصيب الصفري والبرنامج الصاروخي لم تُطرحا في المفاوضات، حيث ذكر أن “التخصيب الصفري، والقدرات الدفاعية، والنفوذ الإقليمي خطوط حمراء بالنسبة لنا، ولم نناقشها إطلاقا، وتركيزنا منصبّ فقط على الملف النووي. وإذا حاول أي طرف فرض شيء علينا، فلن نقبل، وسنواصل التفاوض وفق مبادئنا وتوجيهاتنا الوطنية”.

خلاف أمريكي إسرائيلي

تأتي تلك الجولة من المفاوضات في ظل وجود اختلاف حاد في وجهات النظر بين الإدارة الأمريكية وإسرائيل بشأن عدد من القضايا الدولية، لاسيما فيما يتعلق بملفات غزة وإيران واليمن، ففيما يتعلق بغزة، تؤكد تقارير متعددة أن إدارة ترامب تتطلع إلى التوصل إلى تسوية مع حماس، وهو أمر يرفضه نتنياهو بشكل قاطع، حيث يرى أن أي اتفاق مع الحركة يشكل تهديدا مباشرا لأمن إسرائيل. هذا التباين يظهر بوضوح في الضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة على إسرائيل للتوصل إلى اتفاق مع حماس قبل زيارة ترامب المرتقبة للمنطقة.

أما في ملف إيران، فقد أظهرت التصريحات الأخيرة التباين الواضح بين موقف ترامب الذي يركز على الحل الدبلوماسي، ويعزز إمكانية التوصل إلى اتفاق مع إيران، ونتنياهو الذي يصر على ضرورة تدمير البنية التحتية النووية الإيرانية، هذا الاختلاف في المواقف قد يؤثر على مسار المفاوضات بين أمريكا وإيران، حيث تتصادم الأولويات الأمريكية في الحفاظ على استقرار المنطقة مع المواقف الإسرائيلية التي تسعى إلى تشديد الضغوط على طهران.

وفي ملف اليمن، فقد صرح مايك هاكبي، السفير الأمريكي في تل أبيب، بأن الولايات المتحدة غير ملزمة بإعلام تل أبيب بدخولها اتفاق مع اليمن، وأن هذا الأمر خاص بالإدارة الأمريكية وحدها، ورغم نفيه المتكرر وجود خلاف أمريكي إسرائيلي، فإن التقرير تفيد بأن تل أبيب تشعر بأنها بمفردها في مواجهة الحوثيين.

دعم روسي صيني لإيران

في أعقاب لقاء استمر لسبع ساعات جمع بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الصيني شي جين بينغ الخميس 8 مايو/أيار 2025، على هامش الاحتفال بعيد النصر الروسي، أكد الجانبان في بيان مشترك، عزمهما على لعب دور نشط في حل القضية النووية الإيرانية، مشددتين على أهمية السبل السلمية والدبلوماسية في معالجة هذا الملف، حيث أكد الجانبان ضرورة احترام معاهدة حظر الانتشار النووي NPT، وضمان الاستخدام السلمي للطاقة النووية من قبل إيران.

ويرى مراقبون أن هذا الاصطفاف الثلاثي بين طهران وموسكو وبكين ليس وليد اللحظة، بل يأتي في سياق توترات أوسع بين هذه القوى والغرب، لا سيما بعد الحرب في أوكرانيا وتصاعد المواجهة بين الصين والولايات المتحدة في بحر الصين الجنوبي.

.

وعليه، فإن الدعم الروسي الصيني لإيران لا ينفصل عن صراع النفوذ العالمي، بل يمثل ترجمة عملية لرغبة البلدين في تقويض الهيمنة الأمريكية على النظام الدولي، الأمر الذي سيفيد إيران كثيرا كورقة ضغط في مفاوضاتها.