- شروق حسن
- 94 Views
في ضوء استئناف المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، سلط موقع «خبر أونلاين» الإيراني المعتدل، في تقرير له يوم الأحد 25مايو/أيار 2025، الضوء على الصمت اللافت الذي يلتزمه كل من محمود أحمدي نجاد وسعيد جليلي.
إذ ذكر الموقع أن أحمدي نجاد وجليلي يتبنيان استراتيجية الصمت والهجوم بدل الدفاع عن الأداء. فبعد انطلاق المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، تبنّى محمود أحمدي نجاد وسعيد جليلي، وهما شخصيتان كانتا تمضيان معا سياسة خارجية متوترة، استراتيجية الصمت والهجوم بدلا من الدفاع عن الأداء.
وتابع أن أحمدي نجاد، الذي كان في زمن رئاسته للحكومتين التاسعة والعاشرة مثيرا للضجيج والجدل، فضّل الآن التزام الصمت؛ وهو أمر لا يليق به أبدا، أما جليلي، فهو إما صامت، وإما يعبّر أحيانا عن انتقادات.
صمت أحمدي نجاد ثقيل
وأضاف أن محمود أحمدي نجاد، الرئيس الأسبق لإيران، دخل في فترة من الصمت بعد انتهاء ولايته الرئاسية، لكنه لم يكن على وفاق مع هذا الصمت، فعاد تدريجيا إلى طبيعته السابقة.
وذكر أن أحمدي نجاد قرر إلى درجة أنه يجرب حظه مرة أخرى في الانتخابات الرئاسية. وقد سجّل ترشحه لانتخابات عام 2017، في حين كان المرشد قد منعه بشكل صريح من على المنبر من الترشح.وتابع أن مجلس صيانة الدستور، رغم تمرّد أحمدي نجاد هذا، أقفل ملف الانتخابات دون حضوره. ومع أن ذلك أدى إلى انسداد مساره السياسي، إلا أنه كان يواصل طريقه السابق في الإعلام وفي مجالسه الخاصة.
وأضاف أن أحمدي نجاد، في الآونة الأخيرة، ومع استئناف المفاوضات بين إيران وأمريكا، فضّل التزام الصمت. مع ذلك، لا يزال البعض يعتبرونه المسؤول والمسبب للوضع الراهن في البلاد، ويعتقدون أن المسار الذي فتحه لا يزال يلقي بظلاله على اقتصاد وسياسة البلاد.

العقوبات أوراق بالية
كتب الموقع الإيراني أنه في عهد رئاسة أحمدي نجاد للحكومتين التاسعة والعاشرة، شهدت السياسة الخارجية لإيران، التي كانت تركز سابقا على خفض التوتر، تحولات جذرية. فقد قاد رئيس الحكومة بنفسه السياسة الخارجية للبلاد نحو التصعيد، من خلال مواقف مثيرة للجدل معادية للغرب، مثل إنكار “الهولوكوست” واعتبار العقوبات “أوراقا بالية”.
وتابع أن هذه التصريحات، رغم أنها كانت تُعدّ بالنسبة له ولمؤيديه نوعا من الاستعراض في وجه التهديدات، فإنها كانت في الواقع تعكس عقلية يعتبر فيها أعلى مسؤول تنفيذي في البلاد أن السياسة مجرد أوراق بالية. وبهذه العقلية، صدر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، خلال حكومتيه، ستة قرارات ضد إيران. وقد فرض كل من هذه العقوبات ضغوطا شديدة على الاقتصاد الإيراني في مجالات التجارة، والمصارف، والنفط. ومن جهة أخرى، جاء القرار 1929 الذي وضع إيران تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وكان من الممكن أن يعرّض البلاد لخطر هجوم عسكري.
ظل أحمدي نجاد حتى سعيد جليلي
وتابع الموقع بالقول: كان سعيد جليلي، بالتزامن مع رئاسة أحمدي نجاد، مسؤولا عن الملف النووي الإيراني منذ عام 2007 وحتى 2013. وفي عام 2013، دخل جليلي ساحة التنافس الانتخابي طامحا إلى الرئاسة.
وكان الرأي العام آنذاك يعتبر جليلي المحرك الرئيسي لأحمدي نجاد في السياسة الخارجية خلال الحكومتين التاسعة والعاشرة، ويرى فيه شريكا لرئيس الحكومة آنذاك في خفض عائدات البلاد، وارتفاع التضخم، وتراجع قيمة العملة الوطنية.
وذكر أن جليلي، رغم ذلك، كان يبدو مختلفا عن أحمدي نجاد من بعض النواحي. ففي حين أن أحمدي نجاد كان قد قبل إلى حد ما، في أواخر ولايته، بتأثير العقوبات على الاقتصاد الإيراني، كان جليلي يتعامل مع المفاوضات النووية بصلابة أكبر، وكانت نظرته إلى واقع السياسة العالمية أقل مرونة بالمقارنة معه.
وقد بلغ الأمر حدّا دفع بعلي أكبر ولايتي، الذي شغل منصب وزير الخارجية لسنوات طويلة، إلى القول ساخرا من جليلي في أحد المناظرات الانتخابية: “طاولة المفاوضات ليست فصلا في الفلسفة”.وأشار إلى أن أوجه الشبه بين جليلي وأحمدي نجاد، بعد دخول جليلي إلى سباق الانتخابات، دفعت بعض الناخبين إلى منحه في أول مشاركة انتخابية له عام 2013 نحو 4 ملايين صوت فقط.
وبعد سنوات من تهميشه من قبل الحكومات، حصل جليلي في الجولة الثانية من انتخابات 2024 على 13.5 مليون صوت، إلا أن البعض يعتقد أن قاعدته الانتخابية الحقيقية لا تتجاوز 4 ملايين صوت، ويرجحون أنه لو ترشح مجددا، فلن يحصل على 13 مليونا؛ لأن قسما من الأصوات السابقة لم يكن مرتبطا بقاعدته الاجتماعية المستقلة.
وأضاف أن رؤية سعيد جليلي خلال هذه السنوات لم تكن خافية على أحد، لكن رواية مصطفى بورمحمدي في إحدى المناظرات الانتخابية كشفت أن جليلي عارض ملفات مثل FATF من منطلقات سياسية أكثر منها مبدئية. فقد قال مصطفى بورمحمدي، وزير الداخلية الإيراني الأسبق، إنه عام 2016 (خلال الولاية الأولى لحسن روحاني) ذهب إلى لقاء جليلي في اجتماع لمجلس الأمن القومي الأعلى، برفقة علي طيب نيا، وزير الاقتصاد الإيراني الأسبق، لكن جليلي قال له: “إذا كنت أنت المسؤول فنحن نقبل، أما هؤلاء فلا نقبل بهم!”
ثمّة فروق بين جليلي وأحمدي نجاد
فثمة اعتقاد لدى البعض بأن ثمة فرقا بين جليلي وأحمدي نجاد، إذ أن نظرة أحمدي نجاد في أواخر ولايته كانت أقرب إلى الواقع. على سبيل المثال، قال عباس أميري فر، الناشط السياسي من التيار الأصولي، لـ«خبر أونلاين»: «أحمدي نجاد هو من عيّن جليلي أمينا للمجلس الأعلى للأمن القومي، لكنه أراد أن يعزله، إلا أنه لم تكن لديه القدرة على ذلك، لأنه كان في العامين الأخيرين من ولايته، ولم يكن قادرا على فرض إرادته، وإلا لعزله».
وأضاف أن إبراهيم متقي، رئيس كلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة طهران، قال في جزء من ندوة تحليلية حول مفاوضات إيران وأمريكا نظمتها «خبر أونلاين»: «في وقت من الأوقات، تجاوز أحمدي نجاد السيد جليلي، الذي كان حينها أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، فقد أُجريت مفاوضات مسقط من جانب إيران بواسطة الدبلوماسي الإيراني علي أصغر خاجي، ومن الجانب الأمريكي بواسطة ويليام بيرنز، مدير وكالة المخابرات المركزية سابقا، ورافقه وندي شيرمان، نائبة وزير خارجية الولايات المتحدة سابقا».
وأشار إلى أن «هذه القضايا كانت يمكن أن تثير تحديات داخلية أيضا، لكن إرادة أحمدي نجاد استطاعت بأي حال من الأحوال أن تؤدي إلى أداء دور بنّاء، وقد حصل على الإذن بذلك مسبقا من المرشد. ومنذ أبريل/نيسان 2013، أكد المرشد في خطاب بمدينة مشهد أن الدبلوماسية، في نظر إيران، مسألة بنيوية».
وتابع أن انفصال طريق أحمدي نجاد عن سعيد جليلي لا يعني أن رئاسة الجمهورية مكان مناسب لتعلّم السياسة الخارجية، بل إن كليهما يجب أن يتحمّل المسؤولية عن دوره في إيصال البلاد إلى وضعها الحالي. ومع ذلك، فإن أحدهما قد لجأ إلى الصمت التام، فيما الآخر، الذي يظهر من حين إلى آخر، يلتزم الصمت تجاه سجله السابق، ويفضل التقدّم إلى الأمام عبر نهج نقدي تجاه السياسة الخارجية لحكومات معارِضة.
وذكر أن هذا الصمت لا ينسجم مع شخصيتيهما، ولا يبدو أنه قادر على استعادة موقعهما السياسي في نظر الرأي العام.فأحمدي نجاد، الذي اشتهر على مدى ثماني سنوات من رئاسته بتصريحات صاخبة وجدل دائم، لا يمكنه بسهولة أن يصوّر نفسه كشخص هادئ وخالٍ من الضجيج. وسجل حكومته، الذي يعتبره الكثيرون خاليا من إنجازات تُذكر، لا يسمح له بأن يتوارى عن الجدل أو يدّعي أنه لم يكن بحاجة إلى الحاشية والضوضاء، أو أن يمحو ماضيه من ذاكرة الرأي العام.

صمت لا يمحو الماضي
وأوضح أن أحمدي نجاد لا يمكنه أن يتوقع أن تُنسى ضوضاء عهده وإنجازاته الضئيلة تحت ظلال النسيان، فالوضع الحالي يختلف جذريا عن الماضي، حين كانت المعلومات تُنشر غالبا عبر وسائل إعلام محدودة مثل التلفزيون أو الصحف الرسمية، فالرأي العام اليوم لا يمر مرور الكرام على الماضي السياسي لشخصيات مثله.
جليلي والملف النووي
وبيّن أن جليلي لا يستطيع التهرب من المسؤولية عن سجله في المفاوضات النووية، والتي يعتبرها كثيرون غير فعالة أو حتى مدمرة. فسنوات من الامتناع عن التفاوض أو المفاوضات الضعيفة، ورفض الانفتاح الدولي الذي ارتبط بقوت ملايين الناس، لا يمكن أن تكون مبررا لابتعاده عن المساءلة العامة. وأشار إلى أنه في قضية تجميد عقد كرسنت، طالب بيجن نامدار زنجنه، وزير النفط السابق، مرارا بمناظرة مع جليلي حول هذا الملف، لكن جليلي رفض بحجة ضيق الوقت.
وذكر أن صمت أحمدي نجاد وجليلي في الوقت الراهن لا يلقى أي جاذبية لدى الرأي العام، ولا يمكن أن يؤدي إلى ترميم صورتيهما السياسيتين. وأوضح أنه في الوقت الذي كان ينبغي فيه على الاثنين التزام الصمت مراعاة للمصلحة الوطنية، ظهرا بمواقف مثيرة للجدل أو غير بنّاءة.
أما اليوم، فإن صمتهما أو اتخاذ مواقف معارضة تجاه المفاوضات الجارية، لا يلقى قبولا شعبيا، بل يزيد من مطالبات الجمهور بمحاسبتهما على مسؤوليتهما السابقة. وأكد أن “المجتمع في يومنا هذا ليس فقط مطالِبا، بل يُشبه الدائن الذي ينتظر استحقاق المحاسبة من رجالات الدولة، وهذه التوقعات باتت أكثر وضوحا تجاه شخصيات مثل أحمدي نجاد وجليلي”.