- دنيا ياسر
- 24 Views
تناولت صحيفة “اعتماد” الإيرانية الإصلاحية، في تقرير لها الخميس 29 مايو/أيار 2025، أحدث بيانات وزارة الصحة الإيرانية حول تراجع طلبات الأطباء والممرضين للحصول على وثيقة “حسن السير والسلوك المهني” في عام 2024، بعد سنوات من تصاعد معدلات الهجرة. كما سلط الضوء على الأسباب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي دفعت الكوادر الطبية لمغادرة إيران في عهد حكومة روحاني، رغم محاولات حكومية للحد من هذه الهجرة.
نقلت الصحيفة عن وزارة الصحة الإيرانية أوضاع هجرة الكوادر الطبية في الفترة من عام 2019 حتى نهاية عام 2024، وأن عدد الأطباء الذين تقدموا بطلب الحصول على شهادة “حسن السيرة والسلوك المهني الطبي” في عام 2024 قد انخفض بنسبة 18% مقارنة بعام 2023، وهو أكبر انخفاض في هذه الفترة الممتدة على خمس سنوات.
نمو متسارع سابق رغم توقف مؤقت في 2020
أضافت الصحيفة أنه وفقا للإحصائيات، فإن عدد الطلبات للحصول على هذه الشهادة كان في ازدياد مستمر من عام 2019 وحتى نهاية 2023، باستثناء عام 2020 الذي شهد انخفاضا بنسبة 8% بسبب جائحة كورونا وإغلاق الحدود الدولية أمام الأجانب. وقد بلغ أعلى معدل زيادة في عام 2019 بنسبة نمو 232% مقارنة بعام 2018، في حين أن عام 2021 شهد أيضا قفزة بنسبة 102% مقارنة بالعام السابق له.
تراجع حاد في 2024 بعد سنوات من الارتفاع
ذكرت الصحيفة أن عدد الأطباء المتقدمين للحصول على هذه الشهادة ارتفع بنسبة 42% في عام 2022 مقارنة بعام 2021، وارتفع بنسبة 6% أخرى في عام 2023. لكن في عام 2024، لم تشهد هذه الطلبات أي زيادة، بل انخفضت بنسبة 18%، متجاوزة حتى الانخفاض الذي حدث في عام 2020.
ذكرت الصحيفة، نقلا عن إحصائيات صادرة عن منظمة التمريض الوطنية، أن عدد الممرضين المتقدمين للحصول على شهادة “حسن السيرة والسلوك المهني التمريضي” شهد تفاوتا ملحوظا خلال عامي 2023 و2024، مع تراجع واضح في الطلبات خلال العام الأخير.
وأضافت أن الأرقام أظهرت تسجيل مئات الطلبات شهريا خلال معظم أشهر عام 2023، ما يعكس إقبالا كبيرا على الشهادة في ذلك الوقت، باستثناء شهري أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول اللذين شهدا انخفاضا ملحوظا، حيث بلغ عدد الطلبات 149 و131 على التوالي. وسُجّل أعلى عدد للطلبات في ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه، بوصوله إلى 229 طلبا.
وأردفت أن عام 2024 شكّل نقطة تحول، إذ بدأ الانخفاض في عدد الطلبات يظهر بوضوح اعتبارا من أغسطس/آب. ففي أبريل/نيسان 2024، بلغ عدد الطلبات 119، قبل أن يرتفع قليلا في مايو/أيار إلى 154، ثم يعاود الانخفاض تدريجيا ليصل في سبتمبر/أيلول إلى 88 طلبا فقط.
وتابعت أن عدد الطلبات ارتفع بشكل طفيف في أكتوبر/تشرين الأول 2024 إلى 110، لكنه لم يلبث أن تراجع مجددا في نوفمبر/تشرين الثاني إلى 90 طلبا، في حين سجّل أبريل/نيسان 2025 أدنى عدد منذ بدء التراجع، بواقع 71 طلبا فقط.
وأشارت إلى أن هذا الانخفاض المستمر يطرح تساؤلات حول الأسباب المحتملة وراء عزوف الممرضين عن التقديم، وسط دعوات لمراجعة العوامل المهنية والتنظيمية التي قد تكون ساهمت في هذا التراجع.

أسباب موجات الهجرة السابقة: الاقتصاد والسياسة
أشارت الصحيفة إلى أن رؤساء المنظمات الطبية والتمريضية، إضافة إلى شخصيات مستقلة من المجتمع الطبي، أكدوا أن الأوضاع الخاصة التي مرت بها البلاد بين 2019 و2023 كانت الدافع الرئيسي لهجرة الكوادر الصحية. فإلى جانب الدوافع الاقتصادية، كانت هناك دوافع سياسية واجتماعية واضحة.
وتابعت أن عام 2019، الذي شهد احتجاجات شعبية بسبب رفع أسعار الوقود، وإسقاط الطائرة الأوكرانية فوق طهران ومصرع 176 مدنيا، شكّل نقطة تحول دفعت العديد من الأطباء إلى اتخاذ قرار الهجرة. كما أن ارتفاع سعر صرف الدولار في العام نفسه ساهم في زيادة الضغط، رغم أن التضخم لم يكن بالحجم الذي يدفع الكوادر الطبية للهجرة، لكن الاستياء من سياسات الحكومة كان دافعا أساسيا.
عام الانتخابات وزيادة الشكوك
أضافت الصحيفة أن عام 2021، وهو عام الانتخابات، جدد الآمال في تحسن الأوضاع، لكن مع تصاعد التوقعات حول وصول حكومة محافظة إلى السلطة، بدأ بعض الأطباء يشعرون بعدم وضوح المستقبل. وقد تأكدت هذه المخاوف بعد وفاة الفتاة الكردية الإيرانية مهسا أميني في سبتمبر 2022، مما تسبب في احتجاجات واسعة، شارك فيها أطباء أمام مقر نقابتهم في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2022، ما دفع عددا منهم إلى اتخاذ قرار نهائي بالهجرة، حتى وإن كان ذلك يعني العمل في مراكز أقل مما كانوا عليه في إيران.
قرارات حكومية زادت من رغبة الهجرة
قالت الصحيفة إنه من بين الأسباب الجوهرية التي دفعت الكوادر الطبية للهجرة خلال عامي 2022 و2023، كانت الزيادة غير المدروسة في أعداد الطلبة المقبولين بكليات الطب، والتي تمت بدعم من وزير الصحة في حكومة رئيسي، دون توفير أي بنية تحتية لاستيعاب هذا العدد الكبير. كما أن سياسة “التصفية” التي مارستها الحكومة في الجامعات، من خلال إقصاء الأساتذة المستقلين والمعترضين، واستبدالهم بأشخاص تابعين لأحزاب سياسية، لعبت دورا أساسيا في تعزيز قرار الهجرة.
وأردفت أن هذه السياسات بدأت في كليات الطب وطب الأسنان، وسرعان ما امتدت إلى بقية أقسام الدراسات العليا، حيث تم إنهاء خدمات أو تقاعد أساتذة لم يبلغوا سن التقاعد، فقط بسبب تعاطفهم مع الاحتجاجات أو مخالفتهم لخط الحكومة.
عوائق حكومية أمام الهجرة لم تثنِ الأطباء
أوضحت الصحيفة أن وزارة الصحة في حكومة رئيسي، التي لاحظت تزايد الطلبات على الهجرة منذ أوائل عام 2022، قامت بمضاعفة رسوم فكّ حجز الشهادات الطبية، مما شكل عائقا أمام المهاجرين، لكن هذا العائق لم يكن كافيا للحد من الظاهرة، بدليل أن عدد الطلبات استمر في الارتفاع مقارنة بعام 2021.
واقع مختلف للممرضين واحتجاجاتهم
ذكرت الصحيفة أن وضع الممرضين كان مختلفا بعض الشيء، فقد علقوا آمالا على وعود حكومة رئيسي منذ منتصف عام 2021، لكنهم فوجئوا بتنفيذ جزئي لقانون تسعير خدمات التمريض، وتخلّف الحكومة عن تسديد مستحقاتهم، ما دفعهم إلى الاعتصام والتظاهر بشكل غير مسبوق في تاريخ التمريض الإيراني، حتى في أول شهرين من عام 2024.
وتابعت أن رد فعل الحكومة على هذه الاحتجاجات لم يكن عبر التفاوض أو الإصلاح، بل لجأت إلى إصدار عقوبات تأديبية وفصل وتوبيخ الممرضين المحتجين، وهو ما زاد من رغبة كثير من الممرضين في الهجرة، خاصة أن الشهادة المذكورة لا تُمنح إلا للممرضين العاملين فعليا في المجال.
وأشارت إلى أن خسارة الكوادر الصحية بسبب الاستياء الاقتصادي والسياسي والاجتماعي شكّلت أخطر ضربة تعرض لها النظام الصحي في إيران بين عامي 2019 و2023، وبلغت ذروتها في عامي 2022 و2023، حينما اختارت الحكومة طريق القمع بدل الإصلاح.