- دنيا ياسر
- 59 Views
أجرت وكالة أنباء “خبر أونلاين” الإيرانية المحافظة المحسوبة على مكتب علي لاريجاني، الأحد 1 يونيو/حزيران 2055، حوارا مع حميد جيت جيان، وزير الطاقة الإيراني الأسبق، حول جذور أزمة الكهرباء في إيران، والأبعاد الاقتصادية للأزمة، ودور السياسات الحكومية في تفاقمها.
ذكرت الوكالة أن حميد جيت جيان شغل منصب نائب وزير الطاقة خلال الحكومة التاسعة برئاسة محمود أحمدي نجاد، ثم تولى لاحقا منصب وزير الطاقة في حكومة روحاني. ويرى جيت جيان أن السبب الأساسي لاختلال التوازن في البلاد يعود إلى اقتصاديات قطاع الكهرباء، وهو ما أدى إلى تعقيد الأوضاع بشكل كبير في هذا القطاع.
وفي ما يلي نص الحوار:
ما أسباب وصول قطاع الكهرباء في إيران إلى هذه الحالة، خاصة أنكم شغلتم منصب وزير الطاقة؟
قبل الخوض في هذا الموضوع، لا بد من توضيح أمر: صناعة الكهرباء في بلدنا صناعة مشرفة وناجحة جدا. لا ينبغي للظروف الحالية أن تُلقي بظلالها على كل الإنجازات في هذا المجال. حتى أواخر الثمانينيات، إذا أردنا بناء محطة توليد كهرباء في البلاد، كان علينا استيراد الاستشاري والمقاول والمعدات من الخارج. حتى في شبكات النقل، سواء الكابلات أو المحطات أو لوحات التحكم أو مراكز التحكم أو الأسلاك أو الأبراج، كنا نستوردها. أقصى ما كنا نصنعه في مجال الكهرباء حتى أوائل التسعينيات كان محولات الـ 20 كيلوفولت وأعمدة الإنارة والكابلات والعدادات وما شابه.
ومنذ التسعينيات، بدأت حركة في صناعة الكهرباء الإيرانية أثمرت نتائج كبيرة. خلال عقد أو عقدين، وصلنا إلى مستوى مكننا من بناء محطات توليد متطورة، بل والبدء في تصنيع محطات الجهد الكهربائي العالي. لم نعد بحاجة إلى استيراد استشاريين أو مقاولين. تطور الأمر حتى أصبحنا قادرين على تنفيذ هذه الأنشطة خارج البلاد أيضا، أي تصدير الخدمات الفنية والهندسية وتصدير المعدات. التوربينات الغازية لمحطات التوليد من أكثر المعدات تعقيدا وتطورا في صناعة الكهرباء.
قبل إيران، لم يكن سوى خمس دول في العالم قادرة على تصنيع هذه التوربينات: الولايات المتحدة، ألمانيا، إيطاليا، فرنسا، واليابان. وكنا نحن الدولة السادسة في هذه الصناعة. الصين، روسيا، الهند، وكوريا الجنوبية التي تعمل الآن في هذه الصناعة، حصلت على هذه القدرة بعد إيران. هذا يدل على أن إيران كانت ولديها قدرات عالية جدا.
إن نظرنا بإنصاف، فلا يمكن لأي صناعة مماثلة في مجال الطاقة، مثل صناعة النفط والغاز، أن تضاهي صناعة الكهرباء في توطين التكنولوجيا. اليوم ونحن نتحدث عن اختلال توازن الكهرباء، يجب أن أقول إن إيران تحتل المرتبة الثانية عشرة عالميا في إنتاج الطاقة الكهربائية. تنتج إيران كهرباء أكثر من كل من بريطانيا وإسبانيا وإيطاليا وتركيا وأستراليا. من الناحية الفنية والتكنولوجية، تحظى إيران بمكانة مرموقة في صناعة الكهرباء وحققت نجاحات كبيرة.

ما الأسباب التي أوصلتنا إلى هذه المرحلة الحرجة اليوم؟
الأسباب التي أوصلتنا لهذه الأزمة في قطاع الكهرباء تعود أساسا إلى سياسة تسعير غير واقعية منذ الثورة، حيث سُلبت صلاحية تحديد أسعار الكهرباء من وزارة الطاقة وانتقلت لجهات متعددة، ما أدى إلى دعم مبالغ فيه عبر أسعار منخفضة لا تغطي التكلفة الحقيقية للإنتاج والنقل والتوزيع.
في الماضي، ساعدت عوائد النفط المرتفعة على تمويل بناء البنية التحتية دون أن تظهر آثار الدعم، لكن مع انخفاض الإيرادات النفطية وتزايد الاستهلاك بنسبة 5% سنويا، تراكمت الديون على قطاع الكهرباء إلى مستويات ضخمة، ولم تعد الوزارة قادرة على دفع مستحقات المحطات، ما أدى إلى تدهور المنشآت ونقص في الإنتاج مقابل الطلب المتزايد، حتى وصل العجز عام 2024 إلى 17 ألف ميجاوات.
الخلاصة أن الأزمة اقتصادية بامتياز، ناجمة عن استمرار دعم أسعار الكهرباء بشكل غير مستدام، وليس عجزا فنيا، رغم توفر الإمكانيات التقنية اللازمة لتوليد الكهرباء.
هل توافقون تحديدا على رفع سعر الكهرباء في الظروف الحالية؟
لا حاجة لأن يبدأ إصلاح سعر الكهرباء من المستهلكين الأفراد والمنازل. في رأيي، يجب أن يبدأ هذا العمل من المؤسسات والصناعات الكبيرة مثل الحديد والصلب والنحاس والألومنيوم والبتروكيماويات والإسمنت وما شابه. يجب أن يحصلوا على كهربائهم من بورصة الطاقة. عندما تنشأ هذه السوق للعرض والطلب على الكهرباء ويتم الشراء من خلالها، يمكن تدريجيا توسيع نطاق هذا السوق. عندها ستندمج المجمعات التجارية والصناعات الأخرى في هذا السوق، ويمكن للحكومة حينها أن تقتصر السوق المدعومة على الاستهلاك المنزلي والوحدات الصغيرة للأعمال والصناعات الصغيرة، مما يمهد الطريق تدريجيا لإصلاح هذه الأسعار. افترض أن أحدا في هذه القطاعات يستهلك كهرباء فوق المتوسط. من الممكن فرض سعر أعلى للاستهلاك فوق السقف، ومن خلال تعريف تعرفة متدرجة يمكن جعل الدعم منطقيا.
لذا يجب تنفيذ هذا البرنامج على المدى المتوسط والطويل. لماذا أقول إننا يجب أن نبدأ بالصناعات الكبيرة؟ لأن هذه الصناعات عادة ما تصدر جزءا من منتجاتها، والجزء الذي تبيعه محليا يُسعَّر بناء على الأسعار العالمية. في بعض الحالات، حتى أن بعض منتجات البتروكيماويات والحديد أغلى محليا من الأسواق العالمية، لذا لا يوجد مبرر لمنحها دعما ودعمها بأسعار الطاقة.

هذه القضية قد تتحول إلى موضوع للمناورات السياسية بين التيارات السياسية، كما حدث في الماضي.
من أي منظور؟
على سبيل المثال، “قانون تجميد الأسعار” الذي صدق عليه في البرلمان السابع (2004-2008)، كان في الواقع قانونا سياسيا. استخدمه تيار بهدف كسب أصوات الناخبين، وأعلن أن زيادة أسعار الخدمات الحكومية بما فيها الكهرباء محظورة. حتى إن هذا التصويت أوقف الإجراء المعتاد لزيادة حاملات الطاقة (مثل الكهرباء) بنحو 10%.
صحيح. بالتأكيد هذا التصويت حطم ظهر قطاع الكهرباء.
هل تعتقد أن هذا الإجراء كان سياسيا بحتا؟
بالتأكيد كانت هناك أهداف سياسية وراء اتخاذ هذا القرار. أتذكر أن رئيس البرلمان آنذاك قال: “أهدينا الشعب عيدية!” لكنهم غفلوا عن أن تجميد الأسعار سيسبب مشاكل مستقبلية.
لكن اعتبارنا أن كل أسباب اتخاذ القرارات بشأن الكهرباء سياسية ليس دقيقا جدا. القضية ليست مجرد تنافس بين تيارات اليمين واليسار والإصلاح، بل هي أوسع من ذلك. على سبيل المثال، قبل أن أتولى مسؤولية وزارة الطاقة، علمت أن منظمة التخطيط (سازمان برنامه) – استنادا بشكل خاطئ إلى قانون “استهداف الدعم” – كانت تحول جزءا من إيرادات وزارة الطاقة لدفع الدعم النقدي.
في حكومة أحمدي نجاد؟
نعم. قبل أن تتولي حكومة حسن روحاني مهامها، قلت لهم: استمرار هذا الوضع مقلق جدا جدا. أعلنت أنه في هذه الحالة، ستُستخدم الموارد التي يجب أن تنفقها وزارة الطاقة على تطوير قدرات إنتاج الكهرباء، لدفع الدعم النقدي للناس. وافق الرئيس المنتخب في الحكومة الحادية عشرة على وقف هذا المسار. لكن القيود التي واجهتها منظمة التخطيط في دفع رواتب الموظفين ودعم الناس جعلت أسهل حل هو أخذ الموارد المالية لصناعة الكهرباء. هنا لم يكن الأمر صراعا بين جناحين.
لم يكن السبب التنافس لكسب الأصوات. مسؤولو منظمة التخطيط قرروا ذلك – وكان قرارهم خاطئا. يمكنني الحكم بشكل عام أنه في السنوات التي تلت الحرب (مع العراق)، كان دعم الدعم عبر سعر الكهرباء خطأ فادح
هل يمكن اعتبار سلب صلاحية تحديد سعر الكهرباء من وزارة الطاقة نقطة انطلاق الخطأ في سياسة دعم الطاقة المستمرة؟
نعم، هذا الخطأ تراكم عبر عدة حكومات وبرلمانات منذ الثورة، حيث شهدت فترات مثل حكومة هاشمي رفسنجاني ومحاولة رفع الأسعار تدريجيا، لكن توقف تطبيق هذا النهج، خصوصا بعد تجميد الأسعار، أدى لاستمرار المشكلة.
تم تجربة الدعم المباشر عبر قانون استهداف الدعم في عهد أحمدي نجاد، ونجح في تقليل الاستهلاك، لكنه لم يستمر بشكل كامل.
بالتالي، الوضع الحالي نتاج سياسة متراكمة طويلة الأمد، ولا يمكن إصلاحها بين ليلة وضحاها، بل تحتاج خطوات تدريجية لتعديل المسار دون إحداث فوضى.

هل كانت دوافع سياسية وراء توقف حكومة روحاني عن استمرار تطبيق قانون استهداف الدعم رغم الدعاية الكبيرة له؟
نعم، القرار كان شعبيا لكسب التأييد على حساب مصلحة البلد، كما أن الحكومة لم تنفذ بنود القانون كاملة، حيث صرفت الإيرادات فقط كدعم نقدي مباشر.
دفع الدعم عبر تخفيض أسعار الطاقة سبب مشاكل عدة، منها زيادة الاستهلاك بسبب إدراك خاطئ، وعدم عدالة توزيع الدعم لصالح الأكثر استهلاكا.
الحل الأمثل هو منح الدعم بشكل مباشر لكل فرد ليختار كيفية استخدامه، مما يضمن عدالة وترشيد أفضل.
ما تقوله هو أيضا مشروع جديد سُمِع من آخرين، مثل جليلي. هناك قلق من أن منح دعم طاقة محدد للناس قد لا يحل الأزمة، خاصة أنه مع التنفيذ الناقص لقانون استهداف الدعم، نواجه الآن دعما نقديا ودعما عينيا معا.
أنا شخصيا لست ضد دفع الدعم. دفع الدعم شائع في العالم. مثلا في الولايات المتحدة وأغنى دول العالم، نرى رؤساء وحكومات تدفع دعما لأسباب محددة مثل تشجيع الإنجاب أو تحسين وضع المدارس… إذن الدعم موجود حتى في الدول الرأسمالية.
أكرر مجددا: الخطأ الكبير هو دفع الدعم عبر خفض أسعار الطاقة. في الواقع، في الظروف الاقتصادية الحالية للبلد، من الضروري دفع الدعم للناس. لكن كلامي هو أن هذا الدعم لا يجب أن يكون في شكل خصم في الأسعار. أرى أن كون الدعم لجميع الاستهلاكات ولكل القطاعات وكل شرائح المستهلكين في وقت واحد هو منهج خاطئ. أعتقد أنه يجب التمييز في هذه الحالات للتحرك نحو عقلنة استهلاك الطاقة.
في القانون المُصدَّق لتنفيذ سياسات المادة 44 (الدستور)، أوجب المشرع ألا تتدخل الحكومة في تسعير السلع والخدمات. وحينما تقرر السلطة بيع سلعة مدعومة للناس، تلتزم الحكومة والبرلمان في الميزانية بتخصيص مبلغ لدفع الفارق بين السعر المُحدد والسعر الحقيقي. هذا أيضا لم يُنفَّذ. لو تم هذا العمل، لاستطاعت صناعة الكهرباء بتحصيل الفارق أن تنقذ البلد من انقطاع التيار، ولما وقعنا في هذا الوضع.
كيف ترى مشروع تخصيص دعم الطاقة لكل فرد، ومن يجب أن يتحمل مسؤولية دفع الدعم؟
مشروع تخصيص دعم الطاقة قد يخلق أزمات جديدة، لذلك أؤكد أن السلع والخدمات يجب أن تُقدم بأسعارها الحقيقية، وأن الدعم يُمنح للمستحقين فقط وبالطريقة المناسبة.
مؤسسات الطاقة مسؤولة عن الجانب الفني فقط، أما توزيع الدعم فيجب أن تتولى جهات الرفاه الاجتماعي هذا الدور، حيث تحدد مقدار الدعم وطريقة صرفه وفقا للاحتياجات الاجتماعية.