- يسرا شمندي
- 29 Views
نشر موقع أرمان نيوز، بتاريخ 4 مايو/أيار 2025، تقريرا صرَّح فيه بأن المحادثات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، والتي جرت ثلاث جولات منها خلال الشهر الماضي في مسقط وروما، بين وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، ووزير خارجية سلطنة عمان بدر البوسعيدي، وممثل الولايات المتحدة ستيف ويتكوف، تُعد من أبرز القضايا التي تهم الرأي العام حاليا.
بعبارة أخرى، لا تكاد تجد قضية في أي مجال لا ترتبط بشكل ما بملف المفاوضات أو لا تتأثر بها، خصوصا في المجالات الاقتصادية وأسعار الصرف والذهب والعملات، التي تتأثر مباشرة بمسار المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة.
ورغم هذا الواقع، ورغم إدراك الجميع اليوم أهمية هذه المفاوضات وما يمكن أن تحققه من انتعاش وحيوية للاقتصاد في حال رفع العقوبات، فإن المجتمع لا يزال منقسما في الرأي، ويمكن تصنيف الآراء في هذا الشأن إلى ثلاث فئات رئيسية:
الفئة الأولى – وهي تمثل نسبة كبيرة من المجتمع – تؤيد المفاوضات، وتعتبرها وسيلة عقلانية وإيجابية لإزالة العقوبات وتحسين أوضاع البلاد، ويعتقد أصحاب هذا الرأي أن مثل هذه الخطوة كان يجب اتخاذها منذ وقت طويل للخروج من المأزق الحالي، ولذلك فإنهم يرون أن هذه الفرصة يجب ألا تُهدر، وأن تُدار المفاوضات بأسرع ما يمكن وعلى أساس المصالح الوطنية للوصول إلى اتفاق يعود بالنفع على البلاد.
الفئة الثانية – وهي أقلية – تعارض المفاوضات، هؤلاء الذين عارضوا منذ عقود أي تفاوض مع الغرب، تسببوا في إضاعة العديد من الفرص أمام البلاد للتنمية والتقدم، ويُعرف هذا التيار عادةً بـ”تجّار العقوبات”، إذ إنهم لا يرون في العقوبات سببا للفوضى أو الأزمات، بل يعتبرونها فرصة، وهم يرون في هذه الظروف القاسية فرصة لتحقيق مصالحهم، حتى وإن أدى ذلك إلى وقوع المجتمع في أزمات اقتصادية خانقة.

إنهم متشددون لم يراعوا يوما المصلحة الوطنية في حساباتهم، بل تحركهم فقط أهدافهم وأجنداتهم الخاصة، وحتى الآن، بينما يقر الجميع بضرورة التفاوض والتوصل إلى اتفاق، يواصلون المعارضة والتشويش على الحكومة وفريق التفاوض.
الفئة الثالثة هي التيار الوسطي، الأقرب إلى الفئة الأولى، والذي يؤيد التفاوض ولكن ضمن إطار السياسات العامة، فإن هؤلاء لا يرفضون أصل المفاوضات، بل يحددون موقفهم بحسب الظروف والمعطيات في كل مرحلة.
ومع ذلك، تبقى الحقيقة أن المفاوضات في حد ذاتها أمر صائب، ولا يعارضها أحد سوى قلة قليلة، لكن ما يجعل هذه المفاوضات محكومة بضوابط هو ضرورة الالتزام بثلاثية العزة والحكمة والمصلحة في إدارتها.
موقف الحكومة
لقد أكّدت إيران دائما، عبر مختلف المراحل، ضرورة إجراء المفاوضات ضمن إطار محدد، سواء في عهد الإصلاحيين ومفاوضات سعدآباد، أو خلال حكومة “التدبير والأمل” ومفاوضات فيينا ولوزان، أو اليوم في حكومة الوفاق الوطني ومفاوضات مسقط.
فقد كانت طريقة تعامل إيران مع الأطراف الغربية دائما بنّاءة، وإن ظهرت في بعض المراحل عراقيل أو وصلت الأمور إلى طريق مسدود، فإن السبب كان يعود إلى الأطراف الغربية التي كانت، بعبارة أخرى، تتنصّل من التزاماتها. أما الطرف الإيراني، فكان دائما ملتزما بالحوار والتفاوض.
والأمر المؤكد هو أن إيران تقبل بالحوار والمفاوضات في ظروف متكافئة، ولا ترضخ للضغوط، لأن التفاوض الذي يسوده الإكراه والإملاء لم يعد تفاوضا فعليا.
وعليه، فإن وفد التفاوض في حكومة الرئيس الإيراني مسعود پزشکیان، برئاسة وزير الخارجية عباس عراقجي، تحرّك على هذا الأساس، وقد أُنجزت حتى الآن ثلاث جولات من المفاوضات كانت بنّاءة ومثمرة، ويبقى أن نرى إلى أي مدى ستكون الجولات القادمة مفيدة وبنّاءة، وما الذي ستُثمر عنه في النهاية لصالح إيران
الإيرانيون؛ مثقفون ومتحضرون
أفاد مستشار قائد الثورة في ما يتعلق بالمفاوضات قائلا: “مسألة التفاوض أو عدم التفاوض لا تتمتع بجوهر حسن أو حب ذاتي، وفي بعض الأحيان، تعتقد أن البلد يمكن أن يحقق مصالحه من خلال التفاوض، وبالتالي يتم التفاوض.
ولكن عندما لا تتحقق المصالح، لا يكون هناك مبرر للتفاوض، إذ إن التفاوض أداة وليس هدفًا في حد ذاته. فمثلا، إذا أردنا إنقاذ القضية النووية من وضعها الحالي، واعتقدتم أن التفاوض سيكون مفيدا، فإن هذا هو تفكير النخبة في المجتمع، وبالتالي يُجرى التفاوض، أما إذا لم يُعتقد أنه مفيد، فلن يتم التفاوض، فالزمن والظروف هما العاملان الحاسمان”.
وأشار مستشار المرشد الأعلى علي لاريجاني قائلا: “لماذا واجهنا تحديات في القضية النووية؟ الحقيقة أن جوهرها ليس قانونيا، فلو كانت كذلك، لأبدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية رأيها، إذا، ليست المسألة قانونية، بل سياسية في جوهرها، ولماذا حدث هذا؟ لأن عالم اليوم تسوده الغطرسة، وتُمارس فيه الضغوط”.
تقول إيران إنها بحاجة إلى المعرفة النووية، وقد قبلت إطار معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وهي ملتزمة بإرشادات الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ومع ذلك، تُمارس عليها الضغوط. أما كيفية التعامل مع هذه الضغوط، فهو موضوع آخر.
وأضاف لاريجاني قائلا: “قد تقولون إنهم في هذه المرحلة قدموا رسالة تفيد برغبتهم في حل القضية النووية عبر التفاوض؛ إذا ينبغي اختبار ما إذا كان هذا التفاوض سيؤدي إلى نتائج أم لا. وقد تقولون أيضا إننا لا نتفاوض، فالقضية النووية ليست استثناء، بل شأنها شأن سائر القضايا، فالعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران لا تقتصر على المجال النووي، بل تمتد لتشمل مجالات متعددة”.
وتابع قائلا: “إيران تمتلك تاريخا حضاريا عريقا، ولذلك فهي ليست كغيرها من الدول التي تفتقر إلى الجذور، إن الشعب الإيراني مثقف ومتحضر، ولا يقبل بالخضوع للضغوط، فمثل هذا الأمر غير قابل للتحمل بالنسبة لهم، ومع ذلك، يحاول البعض مخاطبة إيران وكأنها دولة بلا هوية أو مكانة، وهذا غير ممكن. وقد تُفضي المفاوضات الجارية إلى نتيجة، وربما لا، فذلك مرهون بمدى العدالة في هذه المفاوضات، وبمقدار العقلانية في إدارة الوضع العالمي”.
وشدد لاريجاني قائلا: “اليوم، تُسنّ العديد من القوانين والأنظمة في العالم، ويُروَّج لها على أنها تهدف إلى تنظيم النظام الدولي، لكنها في الواقع تُستخدم كأدوات لفرض القوة، ويبدو أن الولايات المتحدة ترى أن الوقت قد حان لإبراز قوتها، وإذا كانوا يتعاملون معنا بهذه الطريقة، فكيف يتعاملون مع الصين؟ وماذا فعلت لهم الصين أصلا؟”.