خبراء سياسيون يقيّمون مفاوضات إيران والولايات المتحدة: تحديات كبيرة ومطالب متباينة

أجرت صحيفة “اعتماد” الإيرانية، السبت 26 أبريل/نيسان 2025، حوارا مع عبد الرضا فرجي راد، أستاذ الجغرافيا السياسية، ومرتضى مكي، الخبير في الشؤون الأوروبية، ناقشت فيه تقييم السيناريوهات المحتملة للجولة الثالثة من المشاورات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة في مسقط، تزامنا مع اجتماع الفنيين الأمريكيين المثير للجدل.

ذكرت الصحيفة أنه في مسقط، السبت 26 أبريل/نيسان 2025، استضافت العاصمة العمانية مجددا وفدي الولايات المتحدة وإيران في الجولة الثالثة من المفاوضات غير المباشرة بين البلدين، وهذه الجولة عقدت في ظل ظروف تركزت فيها أعمال اللجان الفنية على الدخول في تفاصيل الملف النووي والقضايا الفنية المتعلقة به، بعدما كان من المقرر سابقا أن تُعقد جلسة فنية للخبراء يوم الأربعاء 23 أبريل/نيسان 2025.

وأوضحت المصادر الرسمية الإيرانية أنّ الملف النووي ومسألة رفع العقوبات لا يزالان في صلب محادثات طهران وواشنطن، وتزامنا مع ذلك، تداولت وسائل إعلام غربية عدة تكهنات بشأن المطالب المحتملة لإيران، أبرزها القبول بنسبة تخصيب قدرها 3.67% ونقل المخزون الزائد من اليورانيوم إلى دولة ثالثة، غير أن هذه الادعاءات لم تؤكدها أي جهة رسمية سواء من طهران أو واشنطن.

وأضافت أنه في السياق ذاته، تجري الجولة الثالثة من المفاوضات في وقت وصلت فيه التحركات الدبلوماسية الإيرانية والأمريكية إلى مستوى غير مسبوق، فعباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، الذي كان قد زار موسكو قبل الجولة الثانية من المحادثات، توجه هذه المرة إلى بكين قبيل انطلاق الجولة الثالثة.

وأشارت إلى أنه من جهة أخرى، عقد ممثلو إيران وروسيا والصين لقاء مع رافائيل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، من دون مشاركة ممثلي الدول الأوروبية.

وبينت أنه في موازاة هذه التحركات، سعت بعض الوسائل الإعلامية الغربية إلى تضخيم أجواء المفاوضات عبر نشر مزاعم مختلفة، فقد نقل موقع “أكسيوس” الإخباري الأمريكي عن مصادر مطلعة مزاعم بأن المفاوض الإيراني عراقجي عرض على ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مقترح اتفاق مؤقت.

وتابعت أنه رد بأنّه لا يرغب حاليا في مناقشة اتفاق مؤقت، بل يسعى إلى إبرام اتفاق شامل خلال المهلة المحددة بستين يوما، وبحسب مزاعم “أكسيوس”، شدد عراقجي على أنّ طبيعة أي اتفاق نووي محتمل ستكون معقدة وتتطلب تفاصيل فنية دقيقة، ما يجعل التوصل إلى اتفاق خلال ستين يوما مهمة صعبة للغاية.

وأوضحت أنه مع ذلك، أصدرت البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة بيانا نفت فيه هذه الادعاءات بشكل قاطع، ووصفت التقرير بأنه “غير صحيح وغير دقيق”، فيما امتنعت وزارة الخارجية الأمريكية عن التعليق.

نص الحوار:

عبد الرضا فرجي راد:

ما الادعاءات المتعلقة بنسبة تخصيب اليورانيوم التي تطالب بها إيران في ملفها النووي؟

أوضح أستاذ الجغرافيا السياسية عبد الرضا فرجي راد، أنّ كل طرف من أطراف التفاوض يسعى إلى طرح أقصى مطالبه والوصول إلى أفضل نتيجة ممكنة، وإيران تُجري حاليا التخصيب بثلاث مستويات: 3.67%، و20%، و60%، ومستوى التخصيب بنسبة 60% الذي أصبح محورا للجدل مؤخرا، يُعدّ من وجهة نظر بعض الأطراف الغربية نقطة حرجة ومقلقة، إذ تُطرح مزاعم بأنه يقرّب إيران من امتلاك القدرة على إنتاج سلاح نووي.

وتابع أن تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% و3.67% ما زالا مطروحين كذلك، ورغم احتمال تمسّك الجانب الأمريكي بموقفه التقليدي الرافض لأي نسبة تخصيب، فإنّ من غير المرجّح أن تقبل طهران بالتفاوض على وقف كامل لبرنامج التخصيب، لا سيما في ظل ما يبدو من قبول أمريكي ضمني بعدم اعتماد التخصيب الصفري كأساس للتفاوض، وهو ما يدل عليه استمرار المحادثات نفسها.

وأوضح أن المحور المحتمل للنقاش سيدور حول نسبة تتراوح بين 3.67 و20%، وهو ما يفسّر الحاجة إلى إدخال خبراء فنيين في سير المفاوضات، لأن هذه النسب تتضمن أبعادا تقنية معقدة، وهذه المسائل ستكون حتما على طاولة النقاش بين المفاوضين المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف ووزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي.

وأكّد أنه لا يمكن الجزم الآن بنسبة التخصيب التي ستُعتمد في الاتفاق النهائي، لأنّ كل طرف يعرض أقصى مطالبه، ومن خلال التفاوض يمكن تحديد مدى استعداد كل طرف لتقديم تنازلات.

ما مصير مخزون إيران من اليورانيوم في حال التوصّل إلى اتفاق؟

 بيّن فرجي راد أنّ أحد المحاور الرئيسة للخلاف في المفاوضات النووية الجارية يتمثل في مسألة الاحتفاظ بـ270 كيلوغراما من اليورانيوم داخل الأراضي الإيرانية، وطهران تصرّ على بقاء هذا المخزون في الداخل تحت إشراف تام من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، من أجل تبديد المخاوف المتعلقة بالاستخدام السلمي للمادة.

وتابع: غير أنّ الغرب، وتحديدا الولايات المتحدة والدول الأوروبية، يواصلون التأكيد على ضرورة إخراج المواد النووية الحساسة مثل “الكعكة الصفراء” من إيران، ويفضّلون كما في اتفاق «الاتفاق النووي» السابق أن يتم نقلها إلى روسيا.

وأضاف أن هذه النقطة تحوّلت إلى محلّ خلاف جدّي يتطلّب المزيد من المشاورات السياسية والفنية لحلّه، مما قد يُطيل أمد المفاوضات خاصة في ظل ضيق الوقت المتاح للتوصل إلى اتفاق.

 واعتبر أنه في حال تمسّكت إيران بموقفها القاضي بالإبقاء على الـ270 كيلوغراما من اليورانيوم على أراضيها، فسيكون على الطرف الآخر تقديم تنازلات ملموسة تجعل طهران قابلة بالمرونة، وإذا كان الاقتراح الغربي يقوم على نقل اليورانيوم إلى روسيا، فلا بدّ من منح امتيازات واضحة لطهران كي تقبل بهذا الخيار.

وذكر أنّ المفاوضات الدبلوماسية تقوم أساسا على مبدأ تبادل التنازلات، ولا يمكن حل قضايا معقّدة كالتخصيب، وإدارة الكعكة الصفراء، ومصير المخزونات النووية في جلسة واحدة، وهذه التحديات تجعل استمرار المفاوضات أمرا لا مفرّ منه، وأتوقع أن تمتد المحادثات لشهرين إضافيين على الأقل.

كما أفاد بأنّ طهران أعلنت منذ اللقاءات الأولى للمفاوضات غير المباشرة بأنها لا تعتزم التوجّه نحو انتاج سلاح نووي، لكنها في المقابل تنتظر من الولايات المتحدة رفع العقوبات الأولية والثانوية بالكامل، وأن يتم ذلك عبر مسار قانوني و بمصادقة من الكونغرس.

وأضاف أنه من وجهة النظر الإيرانية، فإن تصويت الكونغرس رسميا على إلغاء هذه العقوبات يشكّل خطوة بالغة الأهمية في بناء الثقة، لأن المصادقة من جهة تشريعية تُكسب الاتفاق طابعا قانونيا وتشكّل ضمانة أقوى من الالتزامات التنفيذية التي تصدرها الحكومات فقط، وفي الوقت نفسه إلى فإنّ المصادقة في الكونغرس وحدها قد لا تكون كافية، فإلى جانب إلغاء العقوبات، ينبغي اتخاذ إجراءات سياسية مكمّلة.

وأوضح أن تشجيع الاستثمارات الأمريكية في إيران يمكن أن يُعدّ من الآليات المساعدة على تثبيت الاتفاق، إلى جانب المصادقة عليه في الكونغرس، وما ذكره كبير المفاوضين الإيرانيين عراقجي في رسالة وجّهها إلى مؤسسة كارنيغي يدخل في هذا الإطار، وتنفيذ خطوات سياسية من الطرفين مثل التعاون الاقتصادي أو إقامة شراكات استراتيجية، يمكن أن تُشكّل طبقة إضافية تضمن استمرارية الاتفاق.

وخلص إلى القول إنه حتى لو تم التصديق على الاتفاق رسميا في الكونغرس، فإنّ ذلك لا يمنع احتمال تراجع حكومات أمريكية لاحقة عنه، لكن المزج بين الضمانات القانونية والخطوات السياسية قد يوفّر الأرضية اللازمة لبناء الثقة المتبادلة ويمنع العودة إلى دوامة التوترات السابقة.

مرتضى مكي

رأى مرتضى مكي، الخبير في الشؤون الأوروبية، في تقييمه لنتائج جولتين من المشاورات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة بشأن الملف النووي، أنّ انعقاد الجولة الثالثة من هذه المشاورات في مسقط، إلى جانب القرار المشترك بين طهران وواشنطن بتشكيل لجنة من الخبراء الفنيين، يُعد مؤشرا واضحا على تجاوز الطرفين للمواضيع العامة والدخول في التفاصيل الفنية والسياسية الدقيقة.

 واعتبر أن هذا القرار نقطة تحول في المسار الدبلوماسي الأخير من شأنها أن تعزز الآمال بتحقيق تقدم في المفاوضات، وتعمق التفاصيل في مسار المشاورات، من شأنه أن يزيد من تعقيد وصعوبة المحادثات، موضحًا أنّ قضايا مثل مستوى تخصيب اليورانيوم ومصير المخزونات الحالية، تمثل أبرز التحديات بين إيران والدول الغربية.

 وأشار إلى أنّ هناك وجهات نظر متباينة حاليا بشأن كيفية إدارة اليورانيوم المخصب، إذ تقترح بعض الأطراف الإبقاء عليه داخل إيران تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فيما تصر أطراف أخرى على نقله إلى خارج البلاد مقابل حصول طهران على الكيك الأصفر.

وتابع أنّ قضية المعرفة النووية تندرج كذلك ضمن الخطوط الحمراء للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وإيران، بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وسعت برنامجها النووي بسرعة، وكان من أبرز إنجازاتها حينها الاعتماد الواسع على أجهزة الطرد المركزي المتطورة من طراز IR-6، التي تتمتع بقدرة تخصيب أعلى بكثير من الأجيال السابقة.

ولفت إلى أن طهران دأبت على التأكيد أن المعرفة النووية تُعدّ من الأصول الوطنية التي يجب الحفاظ عليها، ويتمثل القلق الأساسي لدى الغرب، ولا سيما الولايات المتحدة، في ما يعرف بـ”مدة الاختراق النووي”؛ أي الفترة الزمنية التي تحتاجها إيران للانتقال من لحظة اتخاذ القرار إلى إنتاج سلاح نووي.

وذكر أنه بعد رفع نسبة التخصيب إلى 60%، وهي خطوة اتخذتها طهران عقب انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي، أشار بعض الأوساط الأميركية المتأثرة بضغوط اللوبيات الإسرائيلية إلى أنّ إيران باتت على مشارف بلوغ هذه القدرة.

وأوضح أنّ بعض الادعاءات المتداولة تفيد بإمكانية قبول إيران خفض مستوى التخصيب إلى 3.67%، إلا أنّ مسائل مثل مستقبل المواقع الحساسة كـ”نطنز”، و”فوردو”، و”أصفهان”، بالإضافة إلى مصير أجهزة الطرد المركزي من الجيل الجديد، والقدرات الفنية للعلماء النوويين الإيرانيين، لا تزال تشكل نقاط خلاف قائمة.

وفي ما يتعلق بالادعاءات المتداولة عن حصول طهران على ضمانات من واشنطن، أكد مكي نّ أحد التحديات الجوهرية الأخرى في هذه المشاورات يتعلق بكيفية رفع العقوبات والتزامات الولايات المتحدة مقابل خطوات إيران، حيث إن طهران تبدو متمسكة باستراتيجية “الخطوة مقابل الخطوة”، أي إنّها تتوقع، مقابل كل خطوة نووية تقدم عليها، أن يرد الطرف الأمريكي بخطوة موازية تتمثل في رفع بعض العقوبات.

وأضاف أنّ هذا الأمر يكتنفه الكثير من التحديات نظرا لتعقيد البنية القانونية في الولايات المتحدة، والدور الذي يلعبه الكونغرس في المصادقة على رفع العقوبات أو تعليقها.

وختم مكي تصريحه، بتأكيد أنّ اجتماعات الجولة الثالثة، خصوصا جلسات اللجنة الفنية ولقاءات ويتكوف مع عباس عراقجي، من شأنها أن تسهم، إلى حد ما، في توضيح مسار المفاوضات في المستقبل.