الخلافات الأمريكية الإسرائيلية.. من ضغط اللوبي إلى تباينات فريق ترامب تجاه إيران

ترجمة: يسرا شمندي 

نشرت صحيفة فرهيختكان الأصولية تقريرا، بتاريخ 7 مايو/أيار 2025، أفادت فيه بأنه لا يمكن تحليل الروابط بين الولايات المتحدة وإسرائيل دون فهم عميق لبنية السياسة الداخلية الأمريكية ودور الحزبين الرئيسيين فيها. 

وقالت الصحيفة إن أمريكا أظهرت خلال السنوات الأخيرة وجهين مختلفين: من جهة، أمريكا بقيادة الديمقراطيين التي تسعى، من خلال الاعتماد على المؤسسات والاتفاقيات الدولية، إلى احتواء الأزمات؛ ومن جهة أخرى، أمريكا الجمهوريين– أو بشكل أدق، أمريكا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب– التي تتجاهل التقاليد المؤسسية وتعتمد بشكل مباشر على القرارات الشخصية في سبيل تحقيق أهداف فردية وأيديولوجية.

وأضافت أن إسرائيل تلعب دورا حاسما، وهو دور يعود جزء كبير منه إلى قوة اللوبي المؤثر “أيباك” في واشنطن، ورغم العلاقات العميقة التي تجمع إسرائيل بالولايات المتحدة، غالبا ما يُشار إلى البلدين كشريكين استراتيجيين لا تنقطع صلتهما.

وتابعت الصحيفة أن إسرائيل خلافا لما يُروَّج أحيانا في وسائل الإعلام أو في التصريحات الرسمية، ليست الولاية الحادية والخمسين للولايات المتحدة، فهي دولة ذات مصالح مستقلة، وأولويات أمنية خاصة، وأحيانا استراتيجيات لا تتطابق بالضرورة مع رؤى واشنطن، وعلى الرغم من أن مواقف الطرفين قد تبدو منسجمة في كثير من الأحيان، فإن الأزمات الحساسة تكشف عن وجود خلافات جوهرية بينهما.

وأكدت أن مثالاً واضحاً على هذا التباين برز عقب عملية «الوعد الصادق 2»، حيث نُشرت في أكتوبر/تشرين الأول 2024، وثائق سرية من وزارة الدفاع الأمريكية كشفت عن استعدادات إسرائيلية لشن هجوم محتمل على إيران. 

وأوضحت أن هذه الوثائق التي أعدّتها وكالة الاستخبارات الجيوفضائية الوطنية (NGA) ووكالة الأمن القومي (NSA)، تضمنت صورا لأقمار صناعية، ومسارات طيران الطائرات المسيرة، وتحركات أسلحة متطورة، وتدريبات سلاح الجو الإسرائيلي في يومي 15 و16 أكتوبر/تشرين الأول 2024. 

وذكرت أن بعض المحللين يُرجّح أن هذا التسريب كان متعمدا، وقد أظهرت هذه الوثائق بالغة السرية أن القادة العسكريين الأمريكيين سعوا بوضوح لتجنب الانخراط في حرب مباشرة مع إيران، ويؤكد هذا الواقع أن الولايات المتحدة، رغم دعمها السياسي والأمني لإسرائيل، تحرص في الوقت ذاته على تفادي الانجرار إلى حرب شاملة قد تُهدد مصالحها الاستراتيجية في المنطقة.

“الوعد الصادق 2” والمعلومات المصنفة سرّية

وقالت الصحيفة إن هذه الخلافات ظهرت بشكل مختلف خلال فترة رئاسة دونالد ترامب. فعلى الرغم من أن ترامب نال شعبية واسعة بين المسؤولين الإسرائيليين بسبب انسحابه من الاتفاق النووي، واتباعه سياسة “الضغط الأقصى” ضد إيران، واغتياله قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني، فإن أداءه في ولايته الثانية (المقصود هنا فترة ما بعد الانتخابات وليس ولاية رسمية ثانية) فاجأ الجميع. 

وقد تجلّت هذه السياسة بوضوح في سلوك ترامب المهين تجاه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو داخل البيت الأبيض، حين صدمه من غير تمهيد وأمام الصحفيين بالإعلان عن دخول الولايات المتحدة في حوار مباشر مع إيران. 

وأضافت الصحيفة بالقول إن هذه الخطوة لم تُحرج نتنياهو فحسب- لأنه كان يدرك أن ترامب يختلف عن الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، ويخشى رد فعله في حال معارضة قراراته علنا- بل حملت أيضا رسالة واضحة وهي أن: ترامب يتخذ قرارات استراتيجية ومؤثرة في السياسة الخارجية الأمريكية انطلاقا من تصوراته الشخصية، متجاوزا المؤسسات الرسمية المعنية باتخاذ القرار.

وأفادت الصحيفة بأن تقرير صحيفة نيويورك تايمز بقلم رونين بيرغمان وزملائه، يُظهر أن نتنياهو، خلال زيارته واشنطن، حاول إقناع ترامب بالموافقة على خطة لشن هجوم واسع على المنشآت النووية الإيرانية، إلا أن ترامب فاجأ الجميع، وأعلن أمام وسائل الإعلام عن بدء مفاوضات مباشرة مع إيران. 

وبيَّنت أنه على الرغم من سياسة “الضغط الأقصى”، لم يكن لدى ترامب رغبة في الانخراط في حرب مباشرة مع إيران، بل فضّل اختبار المسار الدبلوماسي أولا. إن هذا التباين في الأولويات أكّد مجددا أن دعم الولايات المتحدة لإسرائيل، وإن كان قويا، فإنه يظل مرهونا بالمصالح الاستراتيجية لواشنطن. 

وفي الحقيقة، إن شعار ترامب، الذي ساعده على كسب تأييد شريحة واسعة من الناخبين الأمريكيين، كان إنهاء “الحروب التي لا تنتهي”، وتوجيه نفقات الحروب نحو الداخل الأمريكي، نظرا إلى أن كثيرا من مؤيدي ترامب، ذوي الميول القومية، لا يؤمنون بضرورة التدخل في دول أخرى لحماية أمن إسرائيل.

وذكرت الصحيفة أن هذه الوقائع تشير إلى أنه على الرغم من متانة وتعقيد العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة، فإن القرارات في المرحلة الراهنة تُتخذ وفقا لإرادة دونالد ترامب ودائرة مستشاريه، ويستمر الدعم الأمريكي لإسرائيل ما دام لا يُبعد واشنطن عن أهدافها الرئيسية، وعلى رأسها احتواء الصين وروسيا، ومن أجل تحقيق هذا الهدف، يرى ترامب أن عليه أن يُنهي ملف إيران النووي بسرعة، لا أن يخوض حربا شاملة ضدها.

الدولة العميقة، ويتكوف، والتز وآخرون

نوهت الصحيفة أن أي تصعيد عسكري شامل تجاه إيران يتطلب قراءة استراتيجية أوسع تراعي موازين القوى الدولية، وهو ما يبدو أن ترامب رغم مظهره الراديكالي، قد فهمه جيدا، ومع ذلك، يجب ملاحظة أن الدائرة المحيطة بترامب ليست موحدة في موقفها تجاه إيران.

وأكدت الصحيفة ذلك بقولها إن بعض المقربين منه مثل وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغست ومستشار الأمن القومي لترامب مايكل والتز يؤيدون اتخاذ إجراءات عسكرية ضد إيران، في حين أن شخصيات مثل نائب رئيس الولايات المتحدة جي دي فانس ومديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية تولسي غابارد قد أكدت مرارا ضرورة أن تركز الولايات المتحدة أولا على مصالحها الوطنية.

وأفادت الصحيفة بأنه وفقا لتقرير واشنطن بوست، فإن إقالة مايكل والتز، كانت نتيجة لزيادة استيائه من النهج العدواني الذي اتبعه ترامب تجاه إيران وتنسيقه الوثيق مع إسرائيل، وهو ما يتعارض مع تصور ترامب القائم على إعطاء الأفضلية للحلول الدبلوماسية، وقد ساعد تسريب محادثة حساسة عبر تطبيق “سيغنال” في تقويض موقع والتز بشكل أكبر. 

وقالت الصحيفة إنه من خلال تعيين عضو مجلس الشيوخ الأمريكي عن ولاية فلوريدا ماركو روبيو كبديل مؤقت لوالتز، فلقد قام ترامب عمليا بإضعاف مكانة المجلس الأمني الوطني التقليدية، وهذه التغييرات تشكل جزءا من الاتجاه المتزايد لترامب في استبدال الشخصيات التقليدية بأشخاص مخلصين لسياسة “أمريكا أولا”، وهو التغيير الذي جعل السياسة الخارجية للولايات المتحدة أكثر شخصية وتركيزا على تطلعات ترامب.

وذكرت الصحيفة أن تغريدة نجل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جونيور، التي أشارت ضمنيا إلى أن المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، يتعرض لضغوط شديدة من “الدولة العميقة”، ويعد ذلك دليلا آخر على هذا التباين الداخلي في فريق ترامب. 

وتساءلت الصحيفة في ختام تقريرها،  أيّ من الأجنحة المحيطة بترامب سيتحكم في النهاية؟ هل ستكون الغلبة لمؤيدي التعامل الذكي والتركيز على احتواء الصين، أم لأولئك الذين يدعمون سيناريو التصعيد مع النظام الإقليمي الحالي في الشرق الأوسط؟ الإجابة عن هذا السؤال ستحدد ليس فقط مستقبل سياسة أمريكا تجاه إيران، ولكن أيضا ستؤثر على المعادلات الأمنية في الشرق الأوسط لسنوات قادمة.