- شروق حسن
- 28 Views
تناولت صحيفة “فرهيختكان” الإيرانية، السبت 3 مايو/أيار 2025، في تقرير تحليلي تفصيلي، سياسات الولايات المتحدة الأمريكية تجاه إيران، مؤكدة أن التغييرات في الأشخاص والمناصب داخل الإدارة الأمريكية، مثل إقالة مستشار الأمن القومي “والتز” وتعيين “روبيو” بدلا منه، لا تعني بالضرورة تغيّرا في النهج الأمريكي ذاته.
أمريكا واحدة سواء مع «والتز» أو من دونه
كتبت الصحيفة الإيرانية أنه في مساء الخميس، أعلنت بعض الوسائل الإعلامية الغربية أن الجولة الرابعة من المفاوضات بين إيران وأمريكا، التي كان من المقرر عقدها في روما، قد تأجّلت.

وبعد هذه الأخبار، كتب بدر البوسعيدي، وزير الخارجية العُماني الذي يُعدّ مضيفا للمفاوضات، في تغريدة له: «لقد أرجأنا الجلسة المؤقتة بين إيران وأمريكا، التي كان من المقرر عقدها يوم السبت 3 مايو/أيار، إلى وقت آخر لأسباب لوجستية”.
وتابعت الصحيفة بالقولِ إن هذا الخبر تزامن مع تنحية «والتز»، مستشار الأمن القومي الأمريكي، عن منصب بسبب فضيحة «سيغنال غيت»، واستبداله بـ«روبيو»، أثار الشكوك بأن سبب تأجيل المفاوضات يعود في الأساس إلى التغييرات السياسية داخل أمريكا.
ورغم أن التغييرات في تركيبة الحكومة الأمريكية المتناقضة تُعدّ مؤشرا على عدم الاستقرار، فإن محاولة البعض في الداخل الإيراني اعتبار إقالة «والتز» من منصبه كمستشار للأمن القومي، بمثابة إشارة إيجابية من جانب أمريكا، هو أمر خاطئ؛ أولا، لأن «روبيو»، وزير الخارجية الأمريكي، الذي هو الآخر يحمل مواقف متشددة تجاه البرنامج النووي الإيراني، قد شغل منصب والتز مع احتفاظه بمنصبه في الخارجية.
وثانيا، لأن التهديدات لا تزال مستمرة بالتزامن مع المفاوضات، وقد فرضت أمريكا جولتي عقوبات منذ بدء المحادثات مع إيران. أما «ترامب»، الذي سبق أن وقّع مذكرة مناهضة لإيران، فقد صرّح مجددا بأنه يسعى إلى تصفير مبيعات النفط الإيراني من خلال تعيين «روبيو» مستشارا للأمن القومي.
حيث أظهر ترامب أن إيران تواجه أمريكا موحّدة، تلك التي انتهجت، منذ بدء المفاوضات، مسارا بدأ بإشارات إيجابية وضوء أخضر لإيران، ووصل الآن إلى نقطة تعمل فيها أمريكا على رفع سقف مطالبها تدريجيا، وتوجيه مسار التفاوض في اتجاه يؤدي فعليا إلى استسلام إيران، وهو ما يتعارض تماما مع الرسائل الأولى التي بعثت بها أمريكا إلى طهران.
وفي بضع خطوات، يوجهون ” الامريكيون” ، المفاوضات في اتجاه يعتبر عمليا نقطة استسلام إيران، ويتعارض تماما مع اتجاه المراسلات الأميركية الأولية مع طهران، وهذه الخطوات هي:
الخطوة الأولى: الدخول في المفاوضات بوجه منفتح
تابعت الصحيفة أنه في بداية المفاوضات مع إيران، حاول دونالد ترامب من خلال كتابة رسالة أن يُظهر وجها منفتحا ومرنا، من أجل جذب كل من المسؤولين الإيرانيين والرأي العام إلى طاولة المفاوضات. سيد عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، صرّح في برنامج رأس السنة على التلفزيون الرسمي قائلا: «الرسالة تحمل طابعا تهديديا أكثر، لكنها تدّعي أيضا وجود فرص سننظر إلى جانبي التهديد والفرصة معا». وكما نوقش سابقا في الأوساط الإعلامية حول رسالة ترامب، فإنّه في هذه الرسالة طرح فقط قضية الملف النووي.
ويبدو أن هذا النهج قد صُمّم لتقليل الحساسية داخل إيران، لكن التهديدات السابقة لترامب كانت لا تزال تتكرر ضمن نص الرسالة، هذا المزيج من التهديد والعرض كان جزءا من استراتيجية أمريكا لجذب انتباه إيران إلى المفاوضات.
وأضافت الصحيفة أن النهج الرئيسي من هذه الخطوة، كان خلق مناخ يدفع إيران إلى الجلوس على طاولة التفاوض، مع تقليل التوترات الظاهرية في الوقت ذاته.
ومع ذلك، فإن النبرة المزدوجة للرسالة كانت تعكس تعقيد نوايا أمريكا؛ فمن جهة، كانت تُظهر رغبة في الحوار، ومن جهة أخرى، كانت تُبقي على الضغط من خلال تكرار التهديدات.
وتابعت أن هذا النهج كان في الحقيقة محاولة لخلق شرخ بين المسؤولين والشعب، وجذب جزء من المجتمع نحو مفاوضات أقرب إلى الاستسلام. مفاوضات يُمكن وصفها على نحو أدق بأنها «خضوع وتنفيذ لمصالح أمريكا».
الخطوة الثانية: فصل إيران عن حلفائها.
تابعت الصحيفة أن الخطوة الثانية سعت أمريكا من خلال دخولها في المفاوضات مع إيران، إلى فصل إيران عن حلفائها الإقليميين والدوليين، لا سيما القوى الشرقية، عبر خلق أمل بإمكانية التوصّل إلى اتفاق محتمل.
قبل بدء المفاوضات، كانت إيران قد انتهجت مسارا بديلا، وركّزت على التعاون مع دول المنطقة، ومنظمة شنغهاي للتعاون، ومجموعة بريكس، بهدف تقليل تأثير العقوبات الأمريكية.
لم تكتفِ إيران بنشاطها ضمن هذه المنظمات، بل كانت تتابع وتؤكد أفكارا مثل إنشاء عملة بديلة للدولار ضمن إطار مجموعة بريكس. هذه التحركات تعكس عزم إيران على تقليص تبعيتها للنظام المالي الخاضع لهيمنة أمريكا، وتعزيز علاقاتها مع الشرق.
من خلال قبوله بالتفاوض المباشر مع إيران، سعى دونالد ترامب إلى إضعاف هذا المسار البديل. لقد حاول، عبر خلق تصور بإمكانية التوصّل إلى اتفاق، التقليل من جدّية إيران في متابعة التعاون الإقليمي والدولي.
الخطوة الثالثة: تهديد وفرض عقوبات على الدول الأخرى لتقليل تعاونها مع إيران
أردفت الصحيفة، أنه في الخطوة الثالثة من الاستراتيجية الأمريكية، سعى دونالد ترامب من خلال تصعيد التهديدات وفرض العقوبات على الدول التي تتعاون مع إيران، إلى قطع العلاقات الاقتصادية والسياسية لإيران مع حلفائها.
هذا النهج، الذي استمر حتى بعد بدء المفاوضات مع إيران، يُظهر التناقض في سياسة أمريكا تجاه طهران: فمن جهة، تفاوض لجذب إيران إلى طاولة الحوار، ومن جهة أخرى، زيادة الضغط على حلفاء إيران بهدف إضعاف موقعها الإقليمي والدولي.
وكان ترامب قد أعلن في وقت سابق، في مذكرة تنفيذية، أن هدفه هو تصفير صادرات النفط الإيرانية، وقد تمّت متابعة هذه السياسة بصرامة حتى بعد بدء المحادثات، في إشارة إلى عزمه على إضعاف الاقتصاد الإيراني وتقييد الموارد المالية لطهران.
وذكرت أن مراسم اليوم الوطني للصلاة في البيت الأبيض، صرّح ترامب، بشكل واضح: «لقد فرضتُ الليلة الماضية عقوبات على إيران”.
كما قال ترامب كذلك، إن أيّ جهة تشتري النفط من إيران لن يُسمح لها بالتجارة مع أمريكا». ثم كتب لاحقا على منصة “تروث سوشيال”: «يجب وقف جميع مشتريات النفط أو المنتجات البتروكيميائية من إيران فورا! أيّ دولة أو جهة تشتري النفط أو المنتجات البتروكيميائية من إيران، ستخضع فورا للعقوبات الثانوية الأمريكية».
وتابعت أنه وإلى جانب ذلك، كانت دول مجموعة بريكس بصدد دراسة إنشاء عملة بديلة للدولار، وهو ما لاقى دعما من إيران. وفي رد فعله، هدّد ترامب بأنه إذا تمّ استبعاد الدولار من التعاملات، فسيُفرض على دول بريكس رسوم جمركية بنسبة 100%.
هذه التهديدات تبرز سعي أمريكا للحفاظ على هيمنتها المالية ومنع تشكّل تحالفات اقتصادية مستقلة عن الغرب، إذ من شأن هذه التحالفات أن تُضعف تأثير العقوبات الأحادية، ومنها تلك المفروضة على إيران.
من خلال هذه الإجراءات، تحاول أمريكا إيصال رسالة إلى حلفاء إيران، مفادها أن مواصلة التعاون مع طهران ستكون له تكلفة باهظة. وتُعدّ هذه الخطوة، إلى جانب المفاوضات، جزءا من استراتيجية أمريكية معقدة تهدف إلى تقييد خيارات إيران وإضعاف شبكة تعاونها الدولي.
الخطوة الرابعة: خلق غموض حول البرنامج النووي الإيراني عبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية
أردفت الصحيفة، أنه في الخطوة الرابعة، تعمل أمريكا من خلال الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتصريحات مديرها العام رافائيل غروسي، على خلق حالة من الغموض بشأن البرنامج النووي الإيراني بهدف زيادة الضغط على طهران في المفاوضات.
وأضافت الصحيفة أن غروسي قد شكّك في سلمية البرنامج النووي الإيراني من خلال ادعاءات مثل أن لدى إيران ما يكفي من اليورانيوم المخصب لصنع «ست إلى سبع قنابل نووية».
الخطوة الخامسة: تغيير نمط المفاوضات
أضافت الصحيفة أنه في الخطوة الخامسة، عمدت الولايات المتحدة إلى تغيير نمط المفاوضات، فلم تكتفِ بفرض شروط أكثر تشددا في القضايا النووية، بل بدأت تدريجيا في توسيع مطالبها لتشمل قضايا غير نووية وإقليمية.
في البداية، كان دونالد ترامب وستيف ويتكوف، كبير المفاوضين الأمريكيين، يؤكدان أن المباحثات تقتصر على المسائل النووية فقط. وقد ألمح ويتكوف حتى إلى الاعتراف بحق إيران في التخصيب حتى نسبة 3.6%، حيث قال في مقابلة بعد الجولة الأولى من المفاوضات: «لا حاجة لإيران لتخصيب يتجاوز 3.6%». وهي عبارة فُسرت على أنها إقرار ضمني بحق إيران في التخصيب وفقا للاتفاق النووي.
وتابعت بالقول إنه سرعان ما حرّف مارك روبیو، وزير الخارجية الأمريكي، هذا الموقف قائلا إن مقصود ويتكوف كان أن على إيران أن تستورد المواد المخصبة بنسبة 3.6%، وليس أن تقوم بإنتاجها بنفسها.
هذا التحوّل يُعدّ دلالة على تصعيد المطالب الأمريكية المتعلقة بالملف النووي. وفي الوقت نفسه، بدأ المسؤولون الأمريكيون في طرح مطالب إقليمية؛ إذ اتّهم بيت هيغست، وزير الدفاع الأمريكي، عبر منصة “إكس”، إيران بدعم الحوثيين، مهددا طهران بالقول: «ستدفعون ثمن هذا الدعم في الوقت والمكان الذي نختاره». وقد أعاد ويتكوف نشر هذا التصريح، في دلالة على انسجام المواقف داخل الإدارة الأمريكية.
كما أعاد هيغست نشر تصريح سابق لترامب، يحمّل إيران مسؤولية تحركات الحوثيين. هذه التصريحات وسّعت إطار المفاوضات على الأقل على المستوى الإعلامي، من ملف نووي بحت إلى قضايا إقليمية، ما يدل على أن الولايات المتحدة تسعى لفرض مطالب أشمل.
اوضحت الصحيفة أنه من حق إيران أن تشكّ في نوايا أمريكا. واختتمت الصحيفة تقريرها بالقول إن جميع هذه الوقائع تُبيّن أنه لا ينبغي الانخداع بالأخبار المتعلقة بتغييرات في هيئة الحكم الأمريكية أو الوقوع في فخ الفهم المزدوج لإدارة الدولة في أمريكا، وصولا إلى ترسيخ فكرة أننا نواجه “أمريكتين”، إحداهما “جيدة” يمكن التفاوض معها.
وقالت الصحيفة إن هذا هو الخطأ الذي ارتُكب سابقا عبر تقسيم أمريكا إلى ديمقراطيين وجمهوريين، والتمسك بأوهام إمكانية التفاوض مع الديمقراطيين، ولا ينبغي اليوم تكرار هذا الخطأ مع إدارة ترامب، من خلال خلق ثنائية بين “فريق ترامب” و”فريق غير ترامب”.