- محمد علي
- 35 Views
يشهد ملف الحجاب في إيران منذ سنوات، توترات متصاعدة، تتراوح بين الجدل القانوني والنقاشات الاجتماعية المحتدمة. ومع كل مرحلة جديدة من محاولات فرضه أو التصدي له، تتجدد الأسئلة حول حدود القانون، ودور الدولة، ومدى تقبّل المجتمع لهذه السياسات. وبين مؤيدين يرونه رمزا للهوية، ومعارضين يعتبرونه أداة للضغط، يبقى الحجاب في قلب النقاش الإيراني العام.
وفي هذا السياق، أثارت حملة الرسائل النصية التي تُرسل إلى المواطنين لتحذيرهم من مخالفة قانون الحجاب جدلا واسعا، وسط اتهامات للسلطات بتجاوز الإطار القانوني. وبينما تنفي الحكومة علمها بهذه الرسائل، تكشف التحقيقات أن هيئة الأمر بالمعروف تقف خلفها، ما فجّر موجة من الانتقادات حول شرعية هذه الممارسات وانعكاساتها على ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة.
أصل الحكاية
بدأت القضية عندما بدأ المواطنون يتلقون رسائل نصية تحذرهم من مخالفة قانون الحجاب في الأماكن العامة. هذه الرسائل تتضمن عادة تحذيرات للمواطنين، سواء المشاة أو سائقي السيارات، بضرورة ارتداء الحجاب وفقا لما تقتضيه القوانين الإيرانية.

هذا وقد بدأ إرسال هذه الرسائل أولا في مدينة أصفهان، ثم توسع لاحقا ليشمل طهران وشيراز ورشت. وقد تصاعدت ردود الفعل تجاه هذه الرسائل، إلى الحد الذي دفع حشمت الله فلاحت بيشه، الرئيس السابق للجنة الأمن القومي في البرلمان، أن يكتب على حسابه على منصة إكس، الخميس 1 مايو/أيار 2025، بهذا الشأن قائلا: “إن إرسال الرسائل بشأن الحجاب لا يستند إلى أي أساس قانوني، إلا إذا كان جزءا من سياسة القائمين على الوضع الراهن للتهرب من المسؤولية بشأن فاجعة ميناء الشهيد رجائي وإهدار الفرص في السياسة الخارجية”.

جدير بالذكر، أنه خلال الساعات الأولى من تلك الظاهرة، صرحت إدارة العلاقات العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي الجهة الأقرب لإرسال تلك الرسائل، عند سؤالها حول ما إذا كانت الهيئة مسؤولة عن ذلك أم لا، قائلة: “دعونا نعلن عن موقفنا بهذا الشأن قريبا، فنحن حاليا ممنوعون من الإدلاء بأي تصريح”، كما رفضوا أيضا الإفصاح عما إذا كانت الهيئة تمتلك حق الوصول إلى أرقام هواتف المواطنين”.

من وراء تلك الرسائل؟
وبهذا الشأن، فقد صرحت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية، فاطمة مهاجراني، خلال لقاء صحفي، الأربعاء 30 أبريل/نيسان 2025، بأن الحكومة لا علم لها بتلك الرسائل، حيث قالت: “لا علم لديّ بالجهة المرسلة لتلك الرسائل وسنتابع الموضوع بالتأكيد”، مما أثار جدلا أكبر حول الأمر.

وفي سياق متصل، علق سيد مهدي طباطبائي، مساعد مكتب الاتصال والإعلام في رئاسة الجمهورية الإيرانية، على الموضوع عبر منصة إكس في اليوم نفسه، حيث كتب: “تجربة الحكم في إيران أثبتت أن استخدام أسلوب القسر في المجال الثقافي والاجتماعي يؤدي إلى نتائج عكسية، وفي مجال التربية والتعليم، لم تكن الإجراءات الشرطية والقضائية مجدية، ولن تكون. تحميل الحكومة والرئيس مسؤولية تكرار تجارب فاشلة هو تصرف غير صحيح وغير أخلاقي. لا تكرروا الخطأ”.

وبعد فترة من التكهنات، كشفت التقارير الصحفية أن الجهة المسؤولة عن إرسال هذه الرسائل هي بالفعل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” في محافظة طهران، وهو هذا الجهاز الحكومي، الذي يشرف على تطبيق القوانين المتعلقة بالسلوك الاجتماعي والديني، تبنى هذه الحملة بهدف الحد مما يعتبره مخالفات تتعلق بالحجاب في الأماكن العامة.

عاصفة من الانتقادات
وفي ضوء استمرار الجدل حول إرسال الرسائل النصية المتعلقة بالحجاب في إيران، فقد أعرب عدد من الناشطين السياسيين والمفكرين عن مخاوفهم من هذه الممارسات التي يعتقدون أنها تؤثر سلبا على النظام الإداري والقانوني في البلاد، كان من بينهم إسماعيل جرامي مقدم، الناشط السياسي الإصلاحي، الذي انتقد إرسال هذه الرسائل من قبل هيئة الأمر بالمعروف، واعتبرها انتهاكا واضحا للقانون.

وقد ذكر في تصريحاته الذي ألقاها في 2 مايو/أيار 2025، أن هذه الهيئة تعمل خارج الإطار القانوني المقرر، مما يعرض النظام الاجتماعي للخطر، مضيفا أنه في وقت تحتاج فيه البلاد إلى استقرار، يجب أن تعمل جميع المؤسسات تحت إشراف المجلس الأعلى للأمن القومي، وأي تصرفات خارج هذا الإطار قد تُفقد الحكومة ثقة الشعب بها.
ومن جانبه، شدد محسن برهاني، أستاذ القانون في جامعة طهران، على أن هذه التصرفات تخالف المادة 598 من قانون العقوبات، مطالبا بضرورة اتخاذ إجراءات قانونية ضد المتسببين في هذه الممارسات، مؤكدا ضرورة أن تكون جميع الأجهزة الحكومية تحت إشراف المجلس الأعلى للأمن القومي، معتبرا أن أي تجاوز لهذه السلطة يعد خرقا للقانون ويستوجب المحاسبة.

وفي إطار آخر، وصف بهرام بارسائي، الناشط السياسي الإصلاحي والنائب السابق في البرلمان الإيراني، الوضع الحالي بأنه يعكس ضعفا في السلطة التنفيذية. وأشار إلى أن هذه التصرفات لا تعكس فحسب انتهاكا للقانون، بل تعكس أيضا سوء فهم للقيم القانونية. وحذر من أن هذه الإجراءات تؤدي إلى زيادة استياء الشعب، موضحا أن الناس لا يرحبون بهذه الرسائل، خاصة عندما تصل إلى أولياء أمور الأفراد.

أما عباس عبدي، الناشط الإصلاحي، فقد تناول المسألة من زاوية أخرى، حيث أشار إلى أن الحكومة لا تملك حتى الآن نهجا موحدا بشأن تطبيق الحجاب، مما يعكس حالة من الارتباك داخل الإدارة الإيرانية، وقال إن انعدام وجود خطوط حمراء واضحة في الحكومة يؤدي إلى تفاقم الأزمات الاجتماعية. كما أكد على ضرورة أن تستمد هذه الخطوط من إرادة الشعب، مشيرا إلى أن مقاومة التحولات الطبيعية للمجتمع لا تؤدي إلا إلى الهزيمة.

كما اعتبر عبدي أن الدفاع عن الخطوط الحمراء القائمة قد يؤدي إلى مزيد من الانقسامات والتوترات بين الحكومة والمجتمع، كما رأى أن الحجاب لم يعد يمثل قضية صمّاء، بل يجب أن يتم التعامل معها وفقا لتغيرات القيم الاجتماعية. وأوضح أن العديد من القيم التي كانت تعتبر محورية في الماضي قد تغيرت مع مرور الوقت، وأن التعامل مع هذه التحولات يجب أن يكون مرنا بما يتناسب مع إرادة الشعب.
محامية إيرانية: لا سند قانونيا لإرسال رسائل الحجاب وتحذيرات النيابة تتجاوز النصوص
من الناحية القانونية، أوضحت المحامية برتو برهان بور أن بعض النيابات العامة تلجأ إلى تفسيرات موسعة للنص القانوني، وتدرج عدم ارتداء الحجاب ضمن فقرات أخرى مثل المادتين 639 و640، باستخدام عناوين عامة كخدش الحياء العام أو الترويج للفحشاء، ما يفتح الباب أمام توجيه اتهامات أشد تصل إلى السجن أو الجلد.

لكنها أكدت كذلك، أن المبادئ الأساسية في القانون الجنائي، مثل قاعدة التفسير الضيق للنصوص وتفسيرها لصالح المتهم، تُلزم التعامل مع حالات عدم ارتداء الحجاب ضمن الإطار المحدود للبند التفسيري، الذي ينص فقط على الغرامة المالية.
وأضافت برهان بور أن القانون لا يجيز بأي حال، إرسال رسائل تحذيرية للمواطنين كوسيلة للترهيب، مشددة على أن استدعاء أي متهم يجب أن يتم وفقا للقنوات القانونية الرسمية.