- دنيا ياسر
- 9 Views
تناولت صحيفة “إيران” الإيرانية الرسمية، في تقرير لها، الجمعة 25 أبريل/نيسان 2025، تحليلا معمقا لمسار المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، مشيرة إلى مؤشرات جدية نحو اتفاق نووي جديد أكثر استقرارا. كما سلط الضوء على دور موسكو المتنامي كوسيط محتمل، وتناقش تعقيدات الضمانات المطلوبة لضمان التزام الأطراف.
مسار التفاوض
قالت صحيفة “بوليتيكو” في تقرير تحليلي لها، إن مسار المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة بات يشير أكثر من أي وقت مضى إلى احتمال التوصل إلى اتفاق نووي جديد، مشيرة إلى أن الحماسة الواضحة من جانب واشنطن لإحياء التفاهم مع طهران قد رفعت من احتمالات النجاح، رغم أن هذا النجاح قد يُفضي إلى اتفاق مشابه لذلك الذي تم التوصل إليه عام 2015، الاتفاق الذي انسحب منه دونالد ترامب لاحقا.
وأشارت إلى أن ترامب، مؤلف كتاب “فن الصفقة”، لم يُسجِّل حتى الآن سجلا ناجحا في التوصل إلى صفقات كبيرة، حيث باءت جهوده لإنهاء الحرب في أوكرانيا بالفشل نتيجة رفض موسكو، كما أن مبادراته لوقف القتال بين إسرائيل وحماس لم تلقَ أي استجابة، فضلا عن استمرار الحرب التجارية مع الصين التي كان هو من بدأها.
وتابعت أنه رغم ذلك، فإن الملف الإيراني يُظهر مؤشرات على أن الوضع قد يكون مختلفا هذه المرة، إذ أجرى المفاوضون الإيرانيون والأمريكيون محادثات الأسبوع الماضي في مسقط، وسيتكرر اللقاء في نهاية هذا الأسبوع في روما، ما يعكس وجود مساع جادة من الطرفين لإنهاء النزاع النووي. ولفتت الصحيفة إلى أن ترامب، الذي انسحب من الاتفاق النووي في ولايته الأولى، يجد نفسه الآن في موقف قد يمكّنه من التوصل إلى اتفاق أكثر استقرارا.
وأكدت أن السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه الآن هو ما الهدف من هذا الاتفاق، وما هو الثمن؟ فمنذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018، سارعت إيران إلى تسريع برنامجها لتخصيب اليورانيوم، وهو ما أثار شكوكا متزايدة حول اقترابها من تطوير سلاح نووي.
حل فوري
أشارت الصحيفة إلى أن الحاجة لحلّ فوري أصبحت مُلحة، خاصة في ظل القلق الدولي من تطورات الأنشطة النووية الإيرانية، حيث زادت إيران من قدرتها على التخصيب بشكل كبير باستخدام أجهزة طرد مركزي متطورة، ونجحت منذ عام 2021 في إنتاج يورانيوم عالي التخصيب، مع امتلاكها حاليا قرابة 275 كغ من اليورانيوم المخصب بنسبة تصل إلى 60%.
وأضافت أنه داخل الإدارة الأمريكية الحالية، برئاسة ترامب، هناك انقسام واضح في المواقف بشأن كيفية التعامل مع إيران. فهناك جناح يقوده وزير الخارجية ماركو روبيو ومستشار الأمن القومي مايك والتز يرى أن الدبلوماسية لا طائل منها، ويشدد على عدم إمكانية الوثوق بطهران. في المقابل، يتزعم نائب الرئيس فانس جناحا آخر يتبنى نهجا أكثر انفتاحا ويؤمن بأهمية الاستمرار في المسار التفاوضي، محذرا من العواقب الخطيرة لفشل هذا المسار.
وتابعت أن ترامب، وعلى الرغم من وجود أصوات متشددة من حوله، قد أبدى في الآونة الأخيرة مؤشرات على استعداده لحل الأزمة عبر الحوار، حيث أوفد مبعوثه الخاص للسلام، ستيف وِيتكوف، لقيادة المفاوضات، بل أجرى اتصالات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بهدف استخدام نفوذ موسكو لدفع طهران نحو القبول باتفاق.
واعتبرت الصحيفة أن هذه السياسة بدأت تؤتي ثمارها، إذ أسفرت عن أول محادثة مباشرة بين إيران والولايات المتحدة منذ عقد، وهو ما يُعد إنجازا ملموسا يُظهر رغبة متبادلة في التفاهم.
وأوضحت أن الانتقادات التي وُجهت للاتفاق النووي السابق في واشنطن لا تزال حاضرة، خاصة ما يتعلق بمحدودية مدة الاتفاق، والسماح لإيران بمواصلة بعض الأنشطة النووية، إضافة إلى تجاهل البرنامج الصاروخي الإيراني ونفوذ طهران الإقليمي. إلا أن الاستعداد الإيراني الحالي للتفاوض حول المسائل النووية يأتي في ظل التزام واضح بالخطوط الحمراء الوطنية، وأبرزها رفض أي مطالب بإلغاء البرنامج النووي أو التخلي عن القدرات الصاروخية الباليستية.
وفي سياق متصل، قالت صحيفة “الغارديان” البريطانية إن موسكو قد تتحول إلى لاعب أساسي في المفاوضات غير المباشرة بين طهران وواشنطن، مشيرة إلى أن التقدم الحاصل في محادثات روما يعزز هذه الفرضية.
وذكرت الصحيفة أن روسيا قد تُكلَّف بدور محوري، سواء كمقصد محتمل لتخزين اليورانيوم الإيراني المخصب، أو كجهة تحكيم محايدة في حال حدوث خروقات محتملة للاتفاق المستقبلي.
وشددت “الغارديان” على أن ويتكوف، مبعوث ترامب الخاص، يقود جهودا مكثفة لإنهاء المفاوضات خلال 60 يوما، وسط وجود محورين أساسيين لا تزال حولهما خلافات جوهرية: أولهما يتعلق بمصير مخزونات اليورانيوم الإيراني، وثانيهما بالحصول على ضمانات صلبة من الغرب، تضمن رفع العقوبات بشكل دائم في حال التزام إيران بالاتفاق، وضمان عدم تضرر طهران مجددًا إذا انسحبت واشنطن من الاتفاق في المستقبل.
وأشارت الصحيفة إلى أن إيران ترغب في الاحتفاظ بمخزونها النووي داخل البلاد، وتعتقد أنها حصلت على تطمينات غير رسمية تشير إلى أن واشنطن لا تسعى لتدمير برنامجها بالكامل. لكن تصريحات سابقة لويتكوف على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي فسرت في طهران على أنها تتضمن نية عدائية، أثارت مخاوف هناك، ما دفعه خلال مفاوضات روما إلى التوضيح بأن تلك التصريحات كانت موجهة للجمهور الأمريكي في سياق سياسي داخلي.
وأضافت أن من وجهة نظر إيران، فإن الضمان الحقيقي الوحيد يتمثل في توقيع اتفاقية رسمية يصادق عليها الكونغرس الأمريكي، وهو ما يبدو صعبا بسبب النفوذ الواسع للتيارات الموالية لإسرائيل داخله. وبدلا من ذلك، يجري تداول خيار آخر، يتمثل في التزام أمريكي بدفع تعويضات لإيران في حال الانسحاب مجددا، وهي فكرة طُرحت سابقا بشكل “غرامات مالية”، لكنها لا تزال تفتقر إلى آلية تنفيذية واضحة.

وتابعت: “أما البديل الثالث قيد البحث، فهو منح روسيا صلاحية إعادة مخزونات اليورانيوم لإيران في حال انسحبت واشنطن، كإجراء يردع العقوبات الأحادية”.
وقامت الصحيفة بالإشارة إلى أن هذا السيناريو لا يمنح موسكو دورا محوريا في مستقبل العلاقات بين طهران وواشنطن فحسب، بل قد يؤدي أيضا إلى تقليص دور الأطراف الأوروبية مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، التي كانت أطرافا ضامنة في اتفاق 2015. كما أن إيران والولايات المتحدة لا تُبدِيان اهتماما بإعادة إشراك الأمم المتحدة في هيكل الرقابة المستقبلية.
واختتمت الصحيفة تقريرها، بنقل تصريح عن مصدر مقرب من المفاوضات قال فيه: “بغض النظر عن الموقف من إيران، إلا أن سلوكها يعكس منطقا في التعامل، وهذا ما يزيد فرص التوصل إلى اتفاق”.