تحليل تأثير تصريحات سابقة لبوش على تصعيد التوترات بين طهران وواشنطن 

ترجمة: يسرا شمندي 

نشرت صحيفة هم ميهن الإصلاحية تقريرا، في 9 مايو/أيار 2025، أشارت فيه إلى عدم وضوح صحة الشائعات التي أوردتها وكالة أسوشيتيد برس يوم 8 مايو/أيار 2025 بشأن الزيارة المرتقبة لدونالد ترامب للمنطقة. وأكَّد التقرير أنه حتى لحظة نشر المقال، لم يتم تأكيد أو نفي الخبر بشكل رسمي أو ضمني من قبل ترامب أو متحدثي البيت الأبيض. 

وأضافت الصحيفة أن الأخبار المنقولة عن المبعوث الخاص لترامب في الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، والتغريدة المنسوبة إلى ابن ترامب كانت مزيفة، وحتى ترامب نفسه لم يقدم ردا واضحا على هذا الخبر الليلة الماضية وترك الموضوع معلقا.

وتابعت مؤكدة أنه حتى هذه اللحظة، يُعتبر الخبر غير رسمي ولكنه لم يُكذَّب، وإذا أصبح رسميا ووقع خلال زيارة ترامب، فقد يؤدي إلى انهيار انهيار الركائز التي تشكل جدار الثقة الهش والقصير بين البلدين، مما يعيد التفاعلات الجديدة بين طهران وواشنطن إلى حافة الصراع والتنازع. 

تقليص التوترات

أفادت بأن هذه الشائعة غير الرسمية، حتى وإن لم تتحقق، تظل بمثابة علامة واضحة على تحركات القوى السياسية والإعلامية المختلفة، سواء في الولايات المتحدة أو في المنطقة، التي تعارض تقليص التوترات، أو إيجاد حلول للقضايا بين إيران وأمريكا. 

وصرَّحت بأن كل طرف يسعى إلى الحفاظ على التوازن القائم في الشرق الأوسط وعلاقات الكتل الثلاث: العبرية والعربية والإيرانية مع أمريكا، بل إن بعض الأطراف قد تسعى إلى جعل الوضع أكثر تطرفا وصراعا مما هو عليه الآن، حتى وإن كان ذلك يتناقض مع مصالح وموقع إيران، وكل من هذه الكتل تضم مجموعات فرعية تحتها.

وذكرت الصحيفة على سبيل المثال، في الكتلة العبرية، يوجد معارضو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذين حالت استمرارية وتعزيز الأجواء الحربية بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، دون المنافسة الجادة بهدف تغيير رئيس الوزراء الحالي لإسرائيل، وبالرغم من جميع الانتقادات والاعتراضات الداخلية، فإن موقعه قد ثبت مقارنة بالشهور التي سبقت السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. 

وأوضحت أنه على الصعيد العربي أيضا، ورغم الفكرة الشائعة عن دول منطقة الخليج، يمكن ملاحظة ظهور مؤشرات على منافسة حقيقية للقيادة، والطموح للحصول على مكانة بارزة كأكثر الدول العربية تقدما، فالسعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر، ثلاث دول تعمل منذ سنوات على تقليل اعتمادها على الاقتصاد الأحادي القائم على الطاقة، وهي الآن تبرز في مجالات متنوعة مثل الصناعة، والبناء، والنقل، والإعلام، وحتى الرياضة والمسلسلات على أعلى المستويات العالمية.

وأشارت إلى أنه في الكتلة الإيرانية أيضا، لا تزال الانقسامات والصراعات قائمة بين المتشددين والوسطيين بشأن كيفية التعامل مع أمريكا، وهو الخلاف الذي استمر طوال الـ 45 عاما الماضية. 

وذكرت أنه مع ذلك، يبدو أنه في الوقت الحالي، قد تم تشكيل إجماع وتماسك أكبر في مجال السياسة الخارجية مقارنة بالفترات السابقة داخل الكتلة الحاكمة في إيران، حيث أظهرت القوى المختلفة والمتنافسة، وخاصة مؤسسات السلطة، (على الأقل حتى اليوم) قدرا كبيرا من التعاون والتوافق مع السياسات والقرارات العامة والاستراتيجية للدولة.

وبيّنت أنه في هذا التقسيم الثلاثي، الذي يبدو في كل مستوياته ضبابيا ومتغيرا وهشا، هناك بطبيعة الحال جماعات ضغط وتكهنات تحاول التأثير على مسار التحولات وتوجهاتها، وهو أمر يحظى باهتمام كبير. 

والجدير بالذكر أن من أبرز هذه القوى، الجماعات الداعمة لإسرائيل، التي تمتلك واحدا من أقوى جماعات الضغط منذ عقود، سواء في الكونغرس والحكومة والأحزاب، أو في مراكز الفكر وصنع القرار، أو في وسائل الإعلام الرئيسية في الولايات المتحدة.

وأوضحت الصحيفة أن الدول العربية تمكنت من جذب استثمارات الشركات الأمريكية والأوروبية الكبرى والتنسيق النسبي مع السياسات النفطية الأمريكية (التي تحظى بجاذبية كبيرة بالنسبة للجمهوريين وخاصة ترامب)، بالإضافة إلى التعاون العسكري وشراء الأسلحة، من تشكيل لوبيات وقوى مؤثرة في مختلف أقسام النظام الأمريكي لصنع واتخاذ القرارات من أجل تحقيق أهدافها ومصالحها.

وواصلت موضحة أن إيران لم تكتفِ بتشكيل لوبيات مؤثرة داخل الولايات المتحدة، بل قامت أيضا بإقصاء عدد محدود من أساتذة الجامعات، والسياسيين، والنشطاء، والدبلوماسيين المؤثرين والقديرين تحت مسميات مثل مزدوجي الجنسية أو غير الموالين أو المتسللين.

لوبي صغير

أضافت أنه حتى القوى التي حاولت تشكيل لوبي صغير في اتجاه تقليل التوتر بين البلدين، تم تحويلها إلى قوى غير فعالة ومنفعلة من خلال النظرة الأمنية المتشددة والتهميش السياسي والإعلامي. وبالتالي، أصبح الفضاء المعارض، مثلما هو الحال بالنسبة للسلطة، تحت هيمنة الأطياف الراديكالية والمتطرفة والمطالِبة.

وتفيد بأنه في ظل الأجواء الحالية، كلما ظهرت محاولات جدية لتخفيف التوترات بين إيران وأمريكا، تزداد احتمالية حدوث أزمات من قبل المعارضين في الكتل الثلاث الإيرانية، والعربية، والعبرية، أو التأثير على القرارات الأمريكية. 

وصرَّحت بأن الخبر الذي نشرته وكالة أسوشيتيد برس جاء في وقت يشهد تقدما في المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، بينما تقوم إيران والسعودية بإجراء اتصالات على أعلى المستويات. وإذا تم تنفيذ هذه التحركات، سيكون ذلك نصرا للمعارضين للمفاوضات وللدول الساعية لتصعيد الصراع والانقسامات بين الكتل الإيرانية والعربية وتعزيز التقارب العربي مع الكتلة العبرية.

وأضافت أنه يجب عدم تجاهل المنافسات الداخلية بين قطر، وخاصة الإمارات، مع السعودية؛ وهو تنافس يقوم على تحويل قضية المياه الإقليمية بين إيران والعرب إلى مسألة هوية وسمعة، مما يجعل طريق تخفيف التوترات بين طهران والرياض أكثر وعورة. 

وفي هذا السياق، يمكن اعتبار هذه القوى المختلفة التي تعارض التخفيف من التوترات نموذجًا لما ذكره الرئيس الأمريكي الأسبق بوش الابن بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 حول “محور الشر”، مع التحذير من تأثير نفوذ هذه القوى على المسار الذي اتبعه ترامب في ولايته الثانية.

وتابعت أن نشر مثل هذا الخبر في الأيام التي تشير فيها التقارير والتحليلات الإعلامية إلى وجود انقسام بين ترامب ونتنياهو بشأن السياسة الأمريكية تجاه إيران وحتى اليمن، حيث يتم ربط إقالة مستشار الأمن القومي لترامب مايكل والتز، بتوافقه مع نتنياهو، يصبح أكثر إثارة للتفكير ويعزز احتمال وجود عواقب قد تضر برئيس الولايات المتحدة أثناء سفره إلى الشرق الأوسط.

وأكَّدت الصحيفة أنه ليس من المستبعد حدوث مثل هذا الاتفاق، فقد تم الإشارة إلى عبارة “محور الشر”، وهي عبارة تم استخدامها من قبل بوش الابن بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، وفي وقت كان هناك نوع من التعاطف ودرجة من التعاون الاستراتيجي بين إيران وأمريكا ضد طالبان، لكن هذه العبارة قلبت كل شيء وجعلت القوى الداعمة للإصلاح والتخفيف من التوترات في إيران تبتعد إلى الهامش. 

تخفيف التوترات

صرَّحت بأنه لفهم دور ونفوذ لوبيات المعارضين في تخفيف التوترات خلال اللحظات الحاسمة بين إيران وأمريكا، من المفيد الرجوع إلى مذكرات وزير الخارجية البريطاني آنذاك جاك سترو، ومراجعة روايته لتلك الأيام.

وأشارت إلى أنه في الأسابيع التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، تلقت واشنطن تقارير تحذّر من محاولات جديدة لهجمات بأسلحة بيولوجية أو نووية. ووفقا لما ذكرته مستشارة الأمن القومي آنذاك، كوندوليزا رايس، فإن الرئيس بوش استخدم خطابه السنوي عام 2002 لتوجيه رسالة واضحة بأن الولايات المتحدة قادرة على الدفاع عن نفسها ولن تتردد في اتخاذ ما يلزم لضمان أمنها.

ولهذا السبب، وفي هذا السياق، استخدم واحدة من أكثر العبارات إثارة للجدل والمبالغة في فترته الرئاسية. ففي البداية، ذكر كوريا الشمالية، وإيران، والعراق، وشرح كيف يمكن لهذه البلدان الوصول إلى أسلحة الدمار الشامل، ثم قال إن هذه الدول وحلفاءها الإرهابيين هم محور الشر.

وواصلت رايس في مذكراتها القول إنها كانت قد فوجئت هي وبوش بمدى اهتمام وسائل الإعلام العالمية بهذه العبارة “محور الشر”. كما قالت، إن هذه العبارة كانت قد كُتبت في النص أثناء تحضير خطاب بوش بواسطة كاتب سريع، دون أن تكون هناك أي توكيد أو علامات خاصة عليها. وبعد ذلك، عندما شاهدها مسؤولو المكتب والبنتاغون، لم يعلق أحد على ذلك. 

وأفادت بأن وصول عبارة “محور الشر” إلى خطاب بوش، تظل واحدة من الألغاز والقصص التي بقيت غير مكشوفة. لكن في الواقع، لم تكن تلك اللغز غريباً، ومن السهل تتبع أصلها.

وأضافت أنه في عام 2015، أجريت محادثة مع أحد كتبة الخطابات السريعة في البيت الأبيض يدعى ديفيد فرام (التي تم بثها أيضًا على راديو BBC)، وسألته عن القصة، فقال إنه عندما كتب هذا النص، كان يتوقع أن يتم إدخال بعض التعديلات عليه، ولكن النص لم يتم إرجاعه كما كان يحدث عادة.

وأوضحت أن رايس وبوش لم يكونا وحدهما من فوجئ من التضخيم الذي رافق تلك العبارة المكوّنة من كلمتين؛ فقد انفجر خطاب بوش كالقنبلة في طهران، وبين المحافظين الجدد تنفّس البعض الصعداء وخرجوا من صمتهم لمهاجمة المؤيدين للتواصل مع أمريكا، كما وصل صدى هذا الحدث إلى أوساط المثقفين والكتّاب في إيران.

وأفادت بأن الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، تكبد هو وحلفاؤه السياسيون ضربة قوية من هذا الحدث، حيث إنهم في قضية أفغانستان، خاطروا وقاموا بتعاون جزئي مع أمريكا، وهو الأمر الذي لم يكن خفيا، وكان سبب غضب المحافظين داخل إيران. لكن الإصلاحيين لم يتراجعوا بسهولة، بل في الجهة الأخرى وقع 127 نائبا على بيان أعلنوا فيه أن أي توتر داخلي في تلك الأيام سيكون بمثابة إلقاء الماء في طاحونة أعداء البلاد وسيُسعد الأمريكيين.

خطاب بوش

سلطت الصحيفة الضوء على أن المتشددين الإيرانيين استفادوا من خطاب بوش، مما أدى إلى تحول في الخطاب السياسي داخل إيران، حيث أصبح المعتدلون من المحافظين متشددين أيضا. وفي ظل التهديد العسكري الأمريكي، أصبح أي حديث عن الحوار مع أمريكا مستحيلا. وكان خاتمي قد منح فرصة لأمريكا لتصحيح سلوكها تجاه إيران، لكنهم أضاعوا هذه الفرصة.

وأخبرت بأنه في عام 2001، فاز خاتمي بفترة رئاسية ثانية، محققا نجاحا ملحوظا بحصوله على 80٪ من الأصوات، ورغم أن نسبة المشاركة كانت أقل من عام 1997، إلا أنها بقيت مرتفعة بنسبة 68٪، وهي نسبة تفوق بكثير العديد من الانتخابات العامة في بريطانيا. 

ونوّهت إلى أنه لو تمكن خاتمي من إخراج إيران من مأزقها، وتحقيق مصالحة مع العالم، وإعادة العلاقات مع الولايات المتحدة، لكان الشعب الإيراني قد جنى ثمار هذه المصالحة، ولما شهدت السياسة الإيرانية صعود الرئيس الإيراني الأسبق أحمدي نجاد.

وذكرت الصحيفة أن كثيرين يعتقدون أن بداية تراجع الإصلاحيين في إيران كانت بعد الخطاب الذي ألقاه بوش في 29 يناير/كانون الثاني 2002، لكن الدبلوماسيين البريطانيين المتواجدين في إيران لديهم وجهة نظر مختلفة، ويقول أحد الدبلوماسيين المخضرمين الذين كانوا في طهران في ذلك الوقت إنه بعد فترة من ذلك الخطاب، بدأ خاتمي يفقد الأمل.

وفي الختام أفادت الصحيفة بأن المتطرفين والمحافظين الإيرانيين كانوا قد رسخوا مواقعهم، وكانوا ينتظرون فرصة أو خطأ آخر من خاتمي. وكانوا يعرفون بالطبع أنه في انتخابات 2005 لن يكون له دور، ويذكر كثيرون أن خطاب بوش كان بمثابة تأكيد آخر على الأفكار القديمة لدى الشعب الإيراني وتشكيل الصور النمطية الفكرية القديمة نفسها، وهو ما جعل أي محاولة لإقامة علاقات مع العالم الخارجي أكثر صعوبة.