أستاذ الحوزة الإيراني محسن غرويّان: بزشكيان فتح باب التفاوض مع أمريكا بعقلانية ووطنية

Ad 4nxe3uycj ubqhnngqhnlgygmz f96ryfe8omaez2bmdqz3g3kanmdfcazntkxgdtul2rwf dofa7c5d 3qra5jvxirvixjyjfnbfu8as1bb7jz7uqaolayygt012ypm4tc4bdnfg0wkey2umaiimm6dssyu0au zpfq

في حوار لصحيفة آرمان ملي الإيرانية، السبت 17 مايو/أيار 2025، يقدّم محسن غرويّان، أستاذ الحوزة والجامعة، رؤية تحليلية معمقة حول تحوّل موقف النظام الإيراني تجاه التفاوض مع الولايات المتحدة، والدور المحوري الذي لعبه الرئيس مسعود بزشكيان في كسر الجمود الدبلوماسي.


إلى نص الحوار:

لماذا قوبل اقتراح رئيس الجمهورية التفاوض مع أمريكا بالرفض في البداية، ثم صدر لاحقا أمر بالموافقة على التفاوض؟

عالم السياسة هو عالم التحوّلات، واتخاذ القرار في هذا المجال دائما ما يكون تابعا للظروف والمتغيرات الدولية، وفي هذا السياق، يجب على المسؤولين الإيرانيين أن يبدوا ردود فعل عقلانية ومبنية على المصالح الوطنية.

 التفاوض، من حيث الأساس، أمر ضروري لا يمكن إنكاره، ولا سيما في الفترات التي تواجه فيها البلاد مشاكل اقتصادية وضغوطا خارجية.

 أعلنت حكومة بزشكيان منذ البداية عن نهجها القائم على التفاعل مع العالم، وشخص رئيس الجمهورية أكد مرارا بعد توليه المنصب أن المشاكل في مجال العلاقات الدولية يجب أن تُحل، باستثناء بعض الحالات الخاصة مثل الكيان الصهيوني. 

لذلك، لا يمكن إنكار دور حكومة بزشكيان في فتح مسار التفاوض مع أمريكا، وربما قلّ من يمكنه القول إنه قد باشر وسعى لحلّ هذه المسألة الجذرية على هذا المستوى من البنية السياسية للنظام كما فعل بزشكيان.

يعتقد البعض أن التفاوض مع حكومة تفرض في الوقت ذاته عقوبات جديدة على إيران يُعدّ مؤشرا على الضعف أو التناقض في سياستنا الخارجية. ما رأيكم؟

الأمر ليس كذلك. يجب أن نأخذ بعين الاعتبار: ما هو البديل عن التفاوض؟ هل هو المواجهة، فرض مزيد من العقوبات، أو حتى الحرب؟ أي خيار غير التفاوض لن يكون حلا سلميا. 

عندما يُفتح باب الحوار، لا يعود هناك محل للتفريق بين التفاوض المباشر أو غير المباشر، الجوهر هو أن القضايا يجب أن تُحلّ، حتى وإن اقتضى الأمر لقاء مباشرا بين رؤساء الجمهورية، فلا ينبغي التردد في ذلك؛ القضية الأساسية هي الحفاظ على المصلحة الوطنية.

بالطبع، في أي تفاوض، تكمن الحنكة في أن نقدم تنازلات أقل ونكسب أكثر؛ لا أن نقبل جميع مطالب الطرف المقابل، ولا أن نتوقع أن يلبّي الطرف الآخر كل مطالبنا. مثل هذا الأمر ليس تفاوضا، بل استسلام أو فرض أحادي.

 التفاوض الحقيقي هو عملية الوصول إلى تفاهم يحقق مبدأ الربح للطرفين وهنا تبرز أهمية العقلانية السياسية؛ فلا ينبغي لأي طرف أن يُظهر تعنتا غير منطقي، تماما كما لا يجب أن يرضخ لمطالب مفرطة.

يخشى البعض أنه في حال نجاح هذه المفاوضات، قد يلقى بزشكيان نفس مصير حسن روحاني، ويتم إقصاؤه من قبل التيارات المتشددة. هل هذه المخاوف واقعية؟

كان بزشكيان منذ البداية واعيا بأنه اختار طريقا شاقا، وقد دخل الساحة من أجل معالجة التحديات التي تواجه البلاد، لقد كان يعلم أنه سيواجه مقاومة وتكاليف، لكنه خطا في مسار يصبّ في مصلحة الشعب الإيراني.

شرب بزشكيان، في هذا المسار، كأس السم من أجل حماية المصالح الوطنية، وتجنّب الحرب، ومواجهة العقوبات، أبدى استعداده للتضحية.

 يجب تقدير هذه النظرة الإيثارية والمسؤولة، إذا ما جرى التضحية في هذا الطريق وتم إنقاذ البلاد من الأزمة، فذلك يُعدّ خدمة عظيمة للشعب، وللنظام، ولمستقبل إيران.

البصيرة وحب الوطن يجب أن يتجاوزا الحسابات السياسية والحزبية، على بزشكيان أن يواصل هذا المسار بقوة، وأن يفي بوعوده لحل القضايا الدولية التي أدت إلى نشوء نظام العقوبات ضد إيران، وإلا فإن الشعب سيصاب بخيبة أمل، وتضعف آماله في تحسين أوضاع البلاد.

هل سيقبل المتشددون بهذا المسار؟ أم أنهم سيُعيقونه كما فعلوا في عهد روحاني؟

المتشددون لم يتغيروا. نظرتهم إلى قضايا البلاد لا تزال كما كانت: نظرة قائمة على المواجهة ورفض العقلانية التفاعلية. هذه الرؤية تنبع من نوع من الجاهلية السياسية التي لطالما شكلت عائقا أمام التنمية والتفاعل. 

هؤلاء الأفراد لا يدركون ظروف البلاد، ولا يريدون أن يفهموا أن أي بلد في العالم اليوم لم يحقق التقدم من خلال العزلة. 

اليوم، الدول العربية في المنطقة تعقد صفقات بمليارات الدولارات مع الولايات المتحدة؛ هم يستغلّون الفرص المتاحة، وإذا تأخرت إيران في هذا المسار، فسوف تتخلّف عن الركب، وهذا التخلّف لن يكون اقتصاديا فقط، بل سيؤدي أيضا إلى إضعاف الموقع السياسي لإيران في المنطقة والعالم.

ينبغي أن ننظر إلى وضع بلادنا الراهن؛ فالدول الإقليمية التي كانت في الماضي متأخرة عنا، أصبحت اليوم تمتلك رؤى مختلفة، وهي في طريقها إلى التقدّم والتنمية. 

لذلك، يجب على إيران أيضا أن تسعى لإزالة معوّقات التنمية، وأبرزها العقوبات، كي نتمكن من الدخول في مسار التنمية الحقيقي، لا يمكن الاستمرار في تعليق اقتصاد البلاد أكثر من ذلك، بينما العقوبات تواصل تأثيرها المتزايد على الاقتصاد ومعيشة الناس.

 لا بد من وقف هذا المسار الاستنزافي عمليا، واستغلال الفرصة الحالية لرفع العقوبات، حتى يعود قطار التنمية إلى مساره الصحيح، ويُعوّض التخلّف الحاصل خلال السنوات الماضية، والذي كانت العقوبات أحد أبرز أسبابه.

ما الرسالة وراء اقتراح أمريكا الاستثمار المشترك في إيران، وهل يمكن أن يكون ذلك دافعا إلى محادثات مستقبلية؟

زيارة ترامب للسعودية، والإمارات وقطر تحمل رسالة واضحة: أمريكا تسعى إلى تعزيز علاقاتها الاقتصادية والسياسية في المنطقة. 

وقد أشار خلال هذه الزيارات، إلى رغبته في التوصل إلى اتفاق مع إيران، رغم أنه في الوقت ذاته أدلى بادعاءات غير صحيحة ضد إيران، هذه التصرفات تشير إلى تغيّرات في نهج الولايات المتحدة تجاه إيران.

بإمكان إيران، من خلال اقتراحات مثل الاستثمار المشترك في قطاع الطاقة، أن تعزز موقعها الاقتصادي الإقليمي. يجب اغتنام الفرص التجارية، لإظهار نتائج ملموسة للمفاوضات أمام الشعب. الناس يتساءلون: لماذا لا نتفاوض مع أمريكا؟ لماذا لا يتحسّن وضعنا الاقتصادي؟ إذا قدّمت أمريكا عرضا للتفاوض، ينبغي الترحيب به، لا من خلال التراخي أو الشعارات، بل بمنطق وبرنامج وقوة تفاوضية.

في الحقيقة، يجب أن يكون جذب الاستثمار الأجنبي أحد الأهداف الرئيسية للمفاوضات، فالاقتصاد الإيراني بحاجة ماسّة إلى الاستثمار الأجنبي، خصوصا في مجالات النفط، والغاز، والتكنولوجيا، والبنى التحتية. 

وإذا اتجه المناخ نحو خفض التوتر، فإن حتى الإيرانيين المقيمين في الخارج سيتحمّسون لنقل رؤوس أموالهم إلى داخل البلاد.

أنا أعتقد أن التفاوض الصحيح، المدعوم بإجماع وطني، يمكنه أن يفتح “قفلا اقتصاديا كبيرا”. أن تستثمر أمريكا في إيران ليس أمرا غريبا على الإطلاق؛ إذا رأت أن مصالحها تقتضي ذلك، فإنها بالتأكيد ستفعل.

يرى بعضهم أن التيار الأصولي لن يسمح بأن تصب نتائج التفاوض في مصلحة الحكومة الحالية، هل هذا السيناريو وارد؟

في السياسة الإيرانية، لطالما وُجدت تعارضات وصراعات فئوية، لكن إن كان الأصوليون حقا يضعون مصلحة النظام والشعب في مقدمة أولوياتهم، فعليهم أن يدعموا النتائج الإيجابية للتفاوض، بغض النظر عمّن يكون في منصب رئيس الجمهورية.

 الشعب الإيراني بات مُنهكا من العقوبات، والضغوط الاقتصادية، والعزلة الدولية، كل خطوة تُتخذ في سبيل تخفيف هذه الضغوط يجب أن تحظى بالدعم.

لا معنى لمعارضة التفاوض إلا إذا قُدِّم بديل مناسب، وإلا فإن المعارضة بحد ذاتها لا تعدو كونها عنادا سياسيا، اليوم، تحكم العقلانية السياسية بأن نضع الخلافات الفئوية جانبا، ونسعى للخروج من الأزمة وتعزيز موقع إيران على الساحة العالمية، ومن يعرقل هذا الطريق، يتحمّل أيضا مسؤولية تبعاته.

نصيحتي لصنّاع القرار أن يستبدلوا الشعارات بالواقعية، العالم يتغير، ويجب علينا أن نواكب التحولات الجديدة، التفاوض مع أمريكا، إذا تمّ بدقة وتدبير وتخطيط، قد يشكّل فرصة تاريخية، ويجب ألا ندع هذه الفرصة تفلت منّا، كما تفلت السحب الربيعية.

ونحن اليوم، لدينا فرصة لاستخدام الحوار كوسيلة لحل مشكلات البلاد، ليس المقصود التفريط بكل شيء على طاولة المفاوضات، ولكن جوهر التفاوض، ونفس الحوار، إنما هو علامة على نضج سياسي لشعبٍ بأكمله.

علينا أن نتذكر أن الدور الذي لعبه مسعود بزشکیان في فتح باب الحوار مع أمريكا هو دور تاريخي لا يمكن إنكاره، لقد دخل طريقا إن تحقق فيه النجاح، قد يشكل نقطة تحوّل في تاريخ إيران، لكن هذا الطريق يتطلب تضافرا في الجهود وعقلانية جماعية.

وما يهم الآن، هو استثمار الفرصة الدبلوماسية لإنهاء المآزق الاقتصادية والسياسية والدولية. يجب أن نترك للحوار مجاله كي يسير في مساره؛ دون تشويه، دون عرقلة، وبهدف تحقيق المصلحة الوطنية.

يعتقد البعض أنه حتى لو تم التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة، فبسبب غياب أي ضمان قانوني، سيتم انتهاكه مجددا. ما هو ردّكم؟

 انظروا، نعم، لا يوجد أي اتفاق في عالم السياسة يملك ضمانا بنسبة مئة بالمئة، حتى قرارات مجلس الأمن قد يتمّ انتهاكها أحيانا.

 لكن لا ينبغي لنا أن نتخلى عن مبدأ الاتفاق خوفا من الانتهاك، تماما كما نُبرم العقود في حياتنا اليومية، رغم احتمال عدم التزام الطرف الآخر.

 أن نقول لا نتفاوض لأن من المحتمل أن نُفرض علينا العقوبات مرة أخرى، يشبه القول بعدم الذهاب إلى المدرسة لأن شهادتنا قد لا تنفع لاحقا! أنا أقول إنه يجب أن نتفاوض، لأنه في هذا المسار بالتحديد يمكننا أن نحشد دعم العالم ونُرغم الطرف المقابل على تحمّل المسؤولية.