- زاد إيران - المحرر
- 7 Views
نشرت وكالة أنباء “خبر أونلاين” يوم الثلاثاء 17 يونيو/حزيران 2025، حوارا مع الدكتور داود آقائي، أستاذ القانون الدولي، سلّط الضوء على الأبعاد القانونية والسياسية للهجوم الإسرائيلي الأخير على الأراضي الإيرانية، معتبرا أن هذا السلوك ليس طارئا بل امتداد لنهج عدواني ممنهج منذ تأسيس الاحتلال الإسرائيلي، وفي ما يلي نص الحوار:
ما هو التوصيف والوضع القانوني لسلوكيات إسرائيل في السنوات الأخيرة، وضمن ذلك الاغتيالات والهجوم على الأراضي الإيرانية خلال الأيام الماضية؟
إذا نظرنا إلى ماهية الاحتلال الإسرائيلي، يتضح أن طبيعة وبنية هذا الكيان تقوم على الحرب والعنف والإرهاب، هذه الخصائص كانت موجودة منذ بداية تكوينه، حتى قبل عام 1948 حين جرى التمهيد لتأسيس هذا الكيان، واستمرت بعد تأسيسه أيضا.
فمنذ البداية، كان هدف قادة ومسؤولي هذا الكيان هو تصفية الأعداء والمنافسين وكل من وقف في طريقهم.
بعد احتلال فلسطين، أنشأت إسرائيل جماعات إرهابية متعددة، ومنذ ذلك الحين واصلت هذا النهج في الأراضي المحتلة بل وفي دول الجوار أيضا، وفيما يخص إيران، فقد شهدنا خلال السنوات الأخيرة اغتيال علماء نوويين، ومحاولات لاغتيال مسؤولين كبار، وحتى تنفيذ عمليات عسكرية مباشرة.
هذه الأعمال هي جزء من السياسة العامة للاحتلال الإسرائيلي، سياسة تقوم على تصفية الشخصيات المؤثرة وكل من يمكن أن يشكل تهديدا لوجود هذا الكيان.
نقطة مهمة أخرى هي أن إسرائيل تعمل في المنطقة كأداة بيد القوى الغربية، بداية كانت بريطانيا، ثم الاتحاد السوفيتي، واليوم الولايات المتحدة هي الداعم الرئيسي لهذا الكيان، ولهذا السبب، لا تشعر إسرائيل بالقلق من الإدانات الدولية؛ لأن أمريكا وحلفاءها مثل بريطانيا وفرنسا يقومون باستخدام الفيتو ضد أي قرار يصدر ضد تل أبيب.
وبالتالي، فإن الطبيعة العنيفة للاحتلال الإسرائيلي من جهة، والدعم الغربي غير المشروط له من جهة أخرى، وفّرتا بيئة مفتوحة تماما أمام تصرفاته.
واليوم نشهد أن العديد من المسؤولين الأمريكيين (سواء في الكونغرس أو خارجه) يدعمون الأعمال العدوانية والإرهابية لإسرائيل، حتى على الأراضي الإيرانية، ومن الطبيعي أنه في ظل هذه الظروف، يواصل هذا الكيان مساره بجرأة أكبر، ويزيل العقبات من أمامه.

ما هي التبعات القانونية للهجوم الأخير لإسرائيل على إيران، والاغتيالات التي نفذها هذا الكيان سابقا داخل الأراضي الإيرانية، من منظور القانون الدولي؟
الهجوم الأخير الذي شنه الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي الإيرانية، والاغتيالات التي نفذها هذا الكيان في وقت سابق داخل إيران، تترتب عليه تبعات مهمة من منظور القانون الدولي، فالاغتيال، بغضّ النظر عن شكله ودوافعه، يُدان كجريمة دولية وفقا للقانون الدولي.
ويُعد الاغتيال من الجرائم الجنائية الدولية، وبسبب آثاره وتبعاته الخطيرة على الأمن والسلام العالمي، فهو من بين الجرائم التي يواجهها المجتمع الدولي بموقف حازم وواسع.
كل عمل إرهابي يُعرّض حياة الناس وممتلكاتهم للخطر، سواء ارتكبته الدول أو الجماعات أو حتى الأفراد، يُعد غير قانوني ومرفوض، وفي هذا السياق، اعترف المجتمع الدولي بمبادئ تُمكّن أي دولة من محاكمة ومعاقبة الأفراد الذين يشاركون في أعمال إرهابية، إذا ما تمكّنت من القبض عليهم، وذلك بغضّ النظر عن جنسية المرتكب، أو مكان ارتكاب الجريمة، أو مدى تأثيرها على تلك الدولة.
وقد تم التعرف على هذا المبدأ كعامل رادع جاد ضد الأعمال الإرهابية، ويؤكد أن الإرهاب، بأي شكل كان وفي أي مكان في العالم، يخضع للملاحقة والإدانة.
الاحتلال الإسرائيلي، لم يرتكب هذه الأفعال الإرهابية لأول مرة، بل نفذ مرارا عمليات إرهابية داخل إيران؛ من ضمنها اغتيال علماء نوويين إيرانيين خلال السنوات الماضية.
وهذه الأفعال ليست محصورة بإيران فقط، بل إن الكيان الإسرائيلي قد نفذ أعمالا إرهابية بشكل متواصل في غزة، والأراضي الفلسطينية المحتلة، ولبنان، وسوريا، ومناطق أخرى، للأسف، هذه الأفعال تنبع من الطبيعة الاستعلائية والعنيفة لهذا الكيان، الذي يلجأ إلى أدوات الإرهاب لتصفية العقبات والشخصيات المؤثرة.
وعلى هذا الأساس، فإن إسرائيل، من خلال ارتكابها لهذه الأفعال، تُعد دولة مرتكبة لجرائم دولية، ويجب أن تُلاحَق بصفتها دولة منتهكة للقانون الدولي.
كيف يمكن للحكومة الإيرانية متابعة هذا الموضوع؟
في مواجهة مثل هذه الأعمال، لا تقتصر إمكانية المتابعة على الحكومة الإيرانية فحسب، بل إن المجتمع الدولي بأسره، في حال توافرت الإرادة السياسية، يمكنه متابعة القضية، للأسف، فإن ضعف الإرادة السياسية على المستوى العالمي، قد أتاح للاحتلال الإسرائيلي، الاستمرار في ممارساته غير القانونية والإرهابية بجرأة أكبر.
وبحسب مبادئ القانون الدولي، فإن الاغتيال يُعد جريمة دولية، ويمكن ملاحقة مرتكبيها في أي مكان من العالم، وتخضع هذه الجرائم لاختصاص عالمي (Universal Jurisdiction)، ما يعني أن بوسع أي دولة أن تتخذ إجراءات قانونية ضد مرتكبي مثل هذه الجرائم.
إضافة إلى ذلك، فإن المحكمة الجنائية الدولية (ICC) تتمتع بصلاحية النظر في جرائم من قبيل جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، والإبادة الجماعية، وأعمال العدوان على السلم.
وبناء عليه، فإن استمرار الأعمال الإجرامية التي يرتكبهاالاحتلال الإسرائيلي يمكن أن يندرج ضمن نطاق صلاحيات هذه المحكمة، وتجدر الإشارة إلى أن بعض كبار المسؤولين في إسرائيل، من ضمنهم بنيامين نتنياهو، سبق أن تعرّضوا للملاحقة من قبل هيئات دولية بسبب ارتكابهم مثل هذه الجرائم.

في ضوء إشارتكم إلى دعم الولايات المتحدة والغرب لإسرائيل، هل سيتم النظر في خروقات هذا الكيان للقانون الدولي؟
نظرا إلى الدعم الواسع الذي يتلقاه الكيان الإسرائيلي من قِبل القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا، لا يمكن توقّع أن تمارس هذه الدول ضغوطا جدّية على الاحتلال الإسرائيلي بسبب ارتكابه أعمالا إرهابية وانتهاكه للقانون الدولي.
إن الواقع السائد في النظام الدولي، المتأثر بالمصالح السياسية والاقتصادية، جعل من التعامل مع جرائم إسرائيل مشوبا بازدواجية المعايير.
وعليه، فعلى الرغم من أن متابعة هذه الأفعال من الناحية القانونية أمر ممكن، إلا أن الواقعية تقتضي أخذ العقبات السياسية القائمة على المستوى الدولي بعين الاعتبار عند تقييم إمكانية تحقيق ذلك.
هذا الهجوم نُفّذ قبيل الجولة السادسة من المفاوضات بين إيران وأمريكا، برأيكم، ما تأثير هذا الهجوم على مسار المفاوضات؟
في الوقت الراهن، ليس من الواضح أصلا ما إذا كانت الجولة السادسة من المفاوضات ستُعقد أم لا، بل إن بعض الآراء ترى أن مبدأ وجود هذه المفاوضات بات محلّ تشكيك.
الهدف الرئيسي من هذه المفاوضات كان التوصّل إلى اتفاق سلمي بشأن البرنامج النووي الإيراني، ورفع العقوبات، وتقليص الضغوط الدولية، لكن الآن، مع اندلاع الحرب بذريعة البرنامج النووي وصدور قرار ضد إيران، يبدو أن جوهر المفاوضات قد تعرّض لضرر بالغ؛ ما لم تمارس الولايات المتحدة ضغوطا جدية وفعليّة على إسرائيل.
بطبيعة الحال، يجب الالتفات إلى احتمال وجود نوع من تقسيم الأدوار بين الولايات المتحدة وإسرائيل، فمن المستبعد أن تكون إسرائيل قد أقدمت على هذا الهجوم من دون تنسيق وموافقة ضمنية من الجانب الأمريكي.
أما تأثير هذا الهجوم على المفاوضات، فذلك يتوقف على موقف إيران: هل لا تزال ترى الحل الدبلوماسي سبيلا لحل الخلافات أم لا؟ من المؤكد أنه في حال انعقاد المفاوضات، فإن هذا الهجوم سيُلقي بظلاله عليها.

مع الأخذ في الاعتبار أن بعض المراقبين كانوا يعتقدون أن إسرائيل ستشنّ هجومها العسكري بعد الجولة السادسة من المفاوضات، ما معنى تنفيذ هذا الهجوم قبل أوانه؟
نعم، كان بعض المحللين يعتقدون أن إسرائيل ستنتظر انتهاء المفاوضات، ثم في حال فشلها، ستُقدم على شنّ هجوم عسكري، لكن القرار الأخير الصادر عن مجلس المحافظين، والذي صوّتت لصالحه 19 دولة، منح إسرائيل جرأة إضافية.
من جهة أخرى، كانت المعلومات التي حصلت عليها وزارة الاستخبارات في إيران كفيلة بكشف كثير من العلاقات السرّية لإسرائيل مع دول أخرى، فضلا عن مواقعها النووية.
ولذلك، يبدو أن إسرائيل قررت الاستباق لمنع تسريب هذه المعلومات، وبادرت بالهجوم قبل الموعد المتوقع، لكن هذا الهجوم الإسرائيلي لن يمرّ بلا تبعات، ومن المؤكد أن إيران ستردّ عليه.
والآن بعد أن كانت إسرائيل هي البادئة بالعدوان، فإن المجتمع الدولي على دراية بهذه الحقيقة، ويمكن لهذا الظرف أن يشكّل فرصة مناسبة لإيران للردّ بشكل مدروس وعقلاني.