- زاد إيران - المحرر
- 38 Views
ترجمة: دنيا ياسر نور الدين
أجرت وكالة أنباء “خبر أونلاين” الإيرانية، المحافظة، يوم الخميس 27 مارس/آذار 2025، حوارا مع ناصر هاديان، أستاذ العلاقات الدولية حول مستقبل المفاوضات مع الولايات المتحدة والقضايا الإقليمية المُلحة.
وفي ما يلي نص الحوار:
كيف أثرت سياسات دونالد ترامب على العالم منذ توليه الرئاسة؟
شهد العالم منذ تولي دونالد ترامب منصبه تغيرات ملحوظة في السياسة الدولية، حيث طغت سلوكياته غير التقليدية على المشهد العالمي. يتميز النظام الدولي الحالي بسيطرة القوى العظمى، حيث توجد أربع قوى رئيسية: الولايات المتحدة، والصين، وروسيا، وأوروبا.
إلا أن أمريكا تبقى القوة العالمية الوحيدة بفضل انتشار قواعدها العسكرية وأساطيلها البحرية في مختلف أنحاء العالم. لا يمكن لأي دولةٍ اتخاذ قرارات استراتيجية دون أخذ الموقف الأمريكي بعين الاعتبار، بينما تتراجع القوى الأوروبية والروسية، في حين تشهد الصين صعودا مستمرا.
ومع ذلك، لا تزال الصين غير قادرة على تحدي أمريكا عسكريا أو اقتصاديا أو ثقافيا على المستوى الدولي، إذ تظل الأفكار الغربية هي الأكثر تأثيرا في العالم، فيما تحتفظ الولايات المتحدة بحصة 26% من الاقتصاد العالمي مقارنة بـد15-16% فقط للصين.
كيف أثرت سياسات ترامب على دور أوروبا وروسيا؟
شهدت أوروبا تراجعا كبيرا في أهميتها الاستراتيجية، حيث لم تعد قراراتها مؤثرة في السياسة الدولية كما في السابق.
فعلى سبيل المثال، عندما انسحب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني، أعربت الدول الأوروبية عن معارضتها، لكنها اضطرت عمليا إلى الانصياع للقرار الأمريكي.
الأمر ذاته ينطبق على الأزمة الأوكرانية، حيث لا يمكن لدول أوروبا أو حتى روسيا اتخاذ خطوات حاسمة دون الرجوع إلى الولايات المتحدة.
هل يمكن اعتبار دونالد ترامب “رجل الصفقات”؟
يوصف دونالد ترامب غالبا بأنه “رجل الصفقات”، لكن الأهم هو تأثير شخصيته النرجسية على سياساته.
عكس الرؤساء السابقين، الذين لم يكن من الضروري تحليل نفسياتهم الفردية بهذا العمق، فإن ترامب يتسم بسلوك غير متوقع، مما يجعل التعامل معه صعبا حتى بالنسبة لحلفائه.
كيف تطورت سيطرة ترامب على حكومته مقارنة بفترته الأولى؟
في ولايته الأولى، كان هناك مستشارون ومسؤولون رفيعو المستوى قادرون على كبح جماحه، مثل الجنرال مارك ميلي الذي رفض تنفيذ بعض أوامره العسكرية ضد إيران.
كما أن وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي في تلك الفترة لعبوا دورا في ضبط قراراته. لكن في حكومته الحالية، أحاط ترامب نفسه بمجموعة من الموالين الذين لا يعارضون قراراته، ما زاد من نفوذه وجعله أكثر ثقة بنفسه.
هذا التغيير في التوازن داخل إدارته جعله أكثر تحررا في اتخاذ قرارات قد تكون لها تداعيات خطيرة على النظام العالمي.

لماذا يهتم ترامب بإقامة علاقة مع بوتين؟
رغم أن روسيا تعتبر إحدى القوى الكبرى التي تعاني من التراجع، فإن اهتمام ترامب بتطوير علاقته مع بوتين يعود إلى أكثر من مجرد إعجاب شخصي. فالولايات المتحدة ترى في الصين التهديد الرئيسي، وتسعى منذ عهد جورج بوش الابن إلى احتوائها.
ومع تراجع روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، لم تعد موسكو تمثل تهديدا اقتصاديا أو تكنولوجيا مقارنة ببكين. لذلك، من المنطقي أن تميل واشنطن إلى استراتيجية تهدف إلى منع تحالف روسي-صيني قد يزيد من قوة بكين.
هل العلاقة بين ترامب وبوتين شخصية؟
هناك بلا شك، بعد شخصي في العلاقة، حيث يعرف ترامب بإعجابه بالقيادات القوية والمثيرة للجدل مثل بوتين. لكن في الوقت نفسه، تتجاوز العلاقة الأبعاد الشخصية إلى حسابات استراتيجية أوسع.
فترامب يعتقد أن إقامة علاقة مستقرة مع روسيا يمكن أن تخفف من حدة التوترات وتمنع موسكو من الانجراف إلى تحالف استراتيجي مع الصين، وهو ما قد يضعف موقف الولايات المتحدة عالميا.
ما مدى تأثير النفوذ الروسي على استخدام إيران كورقة ضغط في العلاقات مع الولايات المتحدة؟
هناك مخاوف مستمرة من أن تصبح إيران أداة تستخدمها روسيا في علاقاتها مع الولايات المتحدة، لكن في المشهد الحالي، لا يبدو هذا السيناريو مقلقا بدرجة كبيرة.
على الرغم من الشكوك الداخلية في إيران حول مدى إمكانية الثقة بالأطراف الدولية، فإن العلاقات بين الدول تستند إلى المصالح، وليس الثقة.
ومن هذا المنطلق، فإن مصلحة روسيا والصين لا تكمن في أن تتحرك إيران باتجاه الغرب، كما أنه ليس من مصلحتهما أن تضعف إيران.
كيف يمكن لإيران التفاعل مع إدارة ترامب؟
إيران بحاجة إلى نهج استراتيجي أكثر مرونة في التعامل مع إدارة ترامب. ربما يكون الحل الأمثل هو إيجاد وسيلة تواصل مباشر مع ترامب نفسه، بعيدا عن وزارة الخارجية الأمريكية، التي تعرف بمواقفها المتشددة تجاه طهران.
وجود قناة اتصال مباشرة يمكن أن يتيح فرصة أفضل للتفاوض، بدلا من ترك الأمر بالكامل لجهات تكن عداء تاريخيا لإيران.
هل يمكن لإيران التفاوض مباشرة مع ترامب دون وسطاء؟
التفاوض المباشر مع ترامب هو المسار الأكثر فعالية، حيث إن الاعتماد على وسطاء قد يكون خطأ استراتيجيا. في العلاقات الدولية، الوساطة قد تفقد المفاوضات زخمها وتبطئ عملية صنع القرار.
التفاوض المباشر يمكن الطرفين من فهم مصالح بعضهما البعض بشكل أكثر وضوحا.
ورغم أن كثيرا من المفاوضات قد لا تؤدي إلى اتفاق، فإن ذلك لا يعني تجنبها تماما، بل العكس، يجب خوضها لمحاولة تحقيق أكبر قدر من المصالح.
ما هو الإطار الأنسب للمفاوضات مع الولايات المتحدة؟
المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة يجب أن تكون شاملة، حيث تطرح كل القضايا على الطاولة، وليس فقط الملف النووي. حتى الآن، تبنت واشنطن استراتيجية “الاحتواء مع المشاركة الانتقائية”، بينما كانت سياسة طهران “مكافحة الاحتواء مع المشاركة الانتقائية”.
المطلوب الآن هو “مكافحة التثبيط مع المشاركة الشاملة”. وهذا يعني أن جميع الملفات، بما فيها النووي، والقضايا الإقليمية، وبرنامج الصواريخ، يجب أن تكون ضمن إطار المفاوضات.
كيف يمكن التعامل مع الملف النووي في المفاوضات؟
الاتفاق النووي يمكن أن يكون أساسا جيدا للتفاوض، لكن مع تعديلات تتماشى مع التطورات الراهنة. القضايا الأخرى مثل برنامج الصواريخ يجب أن تطرح في سياق التوازن العسكري الإقليمي، بحيث لا يتم المساس بتوازن القوى بين الدول المختلفة في المنطقة.
أما القضايا الإقليمية، فهناك ضرورة لمقاربة أكثر شمولية تأخذ في الاعتبار التحديات الأمنية والمصالح المشتركة.
ما القضايا التي تشغل الولايات المتحدة حاليا في الشرق الأوسط؟
في الوقت الحالي، الاهتمام الأمريكي لا يتركز على سوريا أو لبنان أو فلسطين، وإنما على اليمن.
واشنطن ترى أن نفوذها الإقليمي تراجع، وتدرك أن حل الأزمة اليمنية يتطلب تفاهمات إيرانية-سعودية، وهو أمر يمكن أن يكون جزءا من أي مفاوضات مستقبلية.
بالنسبة لسوريا، فإن السياسة الأنسب هي “الصبر الاستراتيجي”، إذ إن هناك العديد من الفاعلين الإقليميين والدوليين المنخرطين في الساحة السورية، ولا يمكن التسرع في اتخاذ مواقف قبل اتضاح الصورة.
ما أهمية العراق بالنسبة لإيران؟
العراق يشكل أهمية استراتيجية لإيران أكثر من أي دولة أخرى في المنطقة. استقرار العراق وأمنه يمثلان أولوية قصوى، لأن أي اضطراب أمني فيه قد يؤثر مباشرة على إيران.
لذلك، من الضروري ضمان وجود حكومة عراقية ليست معادية لطهران، وإن أمكن، أن تكون حكومة صديقة. وهذا أحد الملفات التي يمكن التفاوض بشأنها مع الولايات المتحدة.
ما هي المطالب الإيرانية الأساسية في أي مفاوضات مع أمريكا؟
إلى جانب رفع العقوبات، الذي يعد مطلبا رئيسيا، هناك ضرورة لأن تشمل المفاوضات قضايا اقتصادية مثل الاستثمار في إيران، والتجارة الحرة، ونقل التكنولوجيا.
كذلك، يجب أن يكون هناك مطلب واضح يتعلق بانسحاب القوات العسكرية الأميركية من المنطقة بطريقة منظمة وتدريجية، وفق جدول زمني يتم التفاوض عليه.
كيف يمكن ضمان نجاح المفاوضات؟
المفاوضات يجب أن تكون مبنية على مطالب محددة وقابلة للتنفيذ، وليس على عبارات عامة مثل “الاحترام المتبادل”، إذ إن مثل هذه المطالب لا تؤخذ على محمل الجد في العلاقات الدولية.
القوة التفاوضية الحقيقية تكمن في طرح قضايا ملموسة، مثل وضع جدول زمني للانسحاب الأميركي من الخليج، وإعادة تنظيم حركة السفن العسكرية، بما يضمن استقرار المنطقة وفق رؤية متفق عليها.
إذن، أنت ترى أن التفاوض يجب أن يتم؟
بالضبط. لا يمكنني القول إن المفاوضات ستنجح بالتأكيد، لكنني أؤمن بأن التفاوض نفسه يمثل قوة. الدبلوماسية ليست ضعفا، بل هي إحدى أدوات القوة، مثل السلاح تماما.
من الخطأ اعتبار التفاوض إذلالا، بل هو وسيلة لحماية المصالح الوطنية وإدارة الأزمات. حتى لو كان احتمال النجاح 5% فقط، فهذا سبب كاف للمضي قدما.
هناك من يقارن وضع إيران بأوكرانيا، هل ترى أن هذه المقارنة صحيحة؟
لا، الوضعان مختلفان تماما. أوكرانيا في حالة حرب وجودية وتعتمد على الدعم الغربي، بينما إيران لا تزال تمتلك قدرات ردع استراتيجية تجعلها في موقع تفاوضي أقوى.
إيران قادرة على التأثير في الحسابات الاستراتيجية للولايات المتحدة، وهذا ما يدركه صناع القرار الأمريكيون.
هل تعتبر إسرائيل نقطة محورية في معادلة المنطقة؟
نعم، إسرائيل عنصر حساس للغاية في التوازن الإقليمي. في الماضي، كان هناك اعتقاد بأن دعم الحقوق الفلسطينية يعني بالضرورة تدمير إسرائيل، لكن هذا كان تصورا خاطئا.
دعم القضية الفلسطينية يمكن أن يكون فعالا بطرق مختلفة، وليس فقط من خلال المواجهة المباشرة.
المقاومة عنصر ثابت في أي صراع ضد الاحتلال، لكن هناك فرق بين المقاومة كحركة سياسية وأمنية وبين استراتيجية المواجهة الشاملة.
هناك رأي في إيران يرى أن السياسة الحالية أفقدت البلاد دورها في الأزمة الفلسطينية ؟
هذا تقييم يحتاج إلى نظرة أشمل. هناك من يعتقد أنه كان يمكننا التعامل مع الأوضاع بطريقة مختلفة، خاصة فيما يتعلق بعلاقاتنا مع حلفائنا الإقليميين.
البعض يراجع سياسات الماضي ويقول إنه كان يجب أن نكون أكثر حذرا في الاعتماد على بعض الشركاء أو تقليل الوجود العسكري في مناطق معينة. لكن في النهاية، القضية ليست في الأخطاء الصغيرة، بل في التوجه الاستراتيجي العام.
هناك نقاش مستمر حول العلاقة مع الولايات المتحدة، فبينما يرى البعض ضرورة إنهاء التوتر، يرى آخرون أن المواجهة هي الخيار الوحيد. أين تقف في هذا الجدل؟
أنا لا أرى طريقا آخر غير المفاوضات. يمكننا البقاء على قيد الحياة بدون حل شامل مع أمريكا، لكن لا يمكننا تحقيق التنمية الحقيقية بدون ذلك. المشكلة ليست فقط في السياسة، بل في الاقتصاد والتكنولوجيا والاستثمارات.
هناك من يرى أن سياسة “السيطرة على التوتر” لم تحقق النتائج المرجوة، فما رأيك؟
نعم، وأرى أن الحل الوحيد هو المفاوضات السياسية. لا يمكن تحقيق التطور دون معالجة القضايا الكبرى، وهذا يشمل العلاقة مع الولايات المتحدة.
صحيح أن هناك تعقيدات وصراعات داخلية حول هذا الموضوع، لكن في النهاية، إذا تم التوصل إلى توافق بين صناع القرار الأساسيين، يمكن تنفيذ هذا المسار.
الاتفاق النووي السابق كان دليلا على ذلك، حيث تم اتخاذ القرار رغم المعارضة الداخلية.
الجدل الداخلي حول التفاوض مع الولايات المتحدة لا يبدو أنه سينتهي قريبا. كيف يمكن إقناع المعارضين بجدوى التفاوض؟
ليس من الضروري أن يوافق الجميع. إذا تم تحقيق إجماع بين مراكز القوى الرئيسية، فسيتم تنفيذ القرار، كما حدث مع الاتفاق النووي. في النهاية، السياسة ليست مجرد نقاشات نظرية، بل قرارات عملية تحتاج إلى توافق على مستوى القيادة.