- يسرا شمندي
- متميز
- 15 Views
ترجمة: يسرا شمندي
نشرت صحيفة “اطلاعات” تقريرا، بتاريخ 5 مايو/أيار 2025، أوضحت فيه أن نظام التقاعد في الدول المتقدمة والدول النامية قد خضع في العقود الأخيرة لإصلاحات هيكلية ومعيارية استجابة للتحديات المالية التي تواجه صناديق التقاعد. وأشارت الصحيفة إلى أنه ينبغي لإيران أيضا أن تتبع هذا النهج لمواجهة الأزمات المالية في صناديق التقاعد وتحسين نظامها.
والجدير بالذكر أن أزمات صناديق التقاعد ناتجة عن عدم التوازن بين الموارد والمصروفات، إلى جانب القوانين المفروضة والضغوط السياسية في الإدارة.
إن تخصيص أسهم الشركات الحكومية بدلا من السيولة النقدية، ودخول هذه الصناديق في مجال إدارة الشركات، يؤديان إلى مزيد من التحديات، من بينها انخفاض الكفاءة الاقتصادية والاعتماد المتزايد على الموازنة العامة، ويقترح الخبراء، إلى جانب تحليلهم للأسباب الهيكلية لهذه الأزمة، مجموعة من الحلول على مستويين عامين: مستوى السياسات العامة، ومستوى إصلاح المنظومة التشغيلية لصناديق التقاعد.
أزمة التمويل التقاعدي
أشار مركز أبحاث البرلمان، قبل مدّة وجيزة، في تقرير بعنوان «عدم استقرار صناديق التقاعد: العوامل والجذور»، إلى أن نظام التقاعد في الدول المتقدمة والنامية خضع خلال العقود الأخيرة لإصلاحات هيكلية ومعيارية، جاءت استجابة للتحديات المالية التي تواجه صناديق التقاعد على المديين القصير والطويل، وخلص التقرير إلى أن إيران أيضا ينبغي أن تتبع هذا النهج لمواجهة تلك التحديات.
ووفقا لهذا التقرير، فإن أداء صناديق التقاعد في إيران كان على نحو أدى إلى توسّع كبير في اعتمادها على موازنة الدولة، ما جعل وضعها المقلق يتحوّل إلى مصدر قلق رئيسي لصنّاع السياسات في مجال الحماية الاجتماعية.
وفي ضوء ذلك تُطرح هذه المخاوف من منظور إدارة صناديق التقاعد وقيادتها، وكذلك من منظور الإدارة الكلية للدولة التي تتحمّل مسؤولية تغطية العجز المالي لهذه الصناديق، وهي، إلى جانب تحديات مثل المياه والبيئة، تُعدّ من الأزمات الرئيسية التي تواجه البلاد.
تشير نتائج التقرير الحالي إلى أن عوامل متعدّدة أثّرت في الوضع الراهن لصناديق التقاعد؛ بدءا من التغيرات الديمغرافية وارتفاع متوسط العمر المتوقع، وصولا إلى انخفاض سن التقاعد وتوسّع الفئات المشمولة بالتقاعد المبكر، كل هذه العوامل قلّصت إلى الحد الأدنى قدرة الصناديق على دعم المتقاعدين دون اللجوء إلى موازنة الدولة.
والسؤال المطروح الآن هو: أي من هذه العوامل يسهم بشكل أكبر في عدم استقرار صناديق التأمينات، وما هو النهج الذي يطرحه الخبراء في هذا المجال لمعالجة التحديات المرتبطة بها؟
عدم استقرار صناديق التأمينات
قال الباحث في مجال التأمين والرفاه الاجتماعي مهدی إسفندیار، في تحليل موضوع عدم استقرار صناديق التأمينات: “يجب أن نأخذ في الاعتبار أن الحكومات عادة ما تقوم بتقديم توقعات بشأن مستقبل صناديق التقاعد، ويقدّم الخبراء تقارير حول هذا الموضوع، لكن النقطة المهمة هي أنه رغم جميع هذه التوقعات والتقارير، فإن وضع صندوق التأمين الاجتماعي لا يزال غير معروف ومخاطره كبيرة، ولم يتم إدراك عمق الكارثة بشكل كامل، وربما بسبب الضغوط المالية، لم نركز على هذا الموضوع بشكل كاف، لكن بالتأكيد فإن الاهتمام بوضع هذا الصندوق يعد أكثر أهمية مقارنة بالصناديق الأخرى”.
وبحسب ما ذكره إسفندیار، على مرّ السنين الماضية، تم ارتكاب خطأ استراتيجي في صناديق التقاعد، والذي نمت آثاره تدريجيا، ويتعلق هذا الخطأ بتراجع الحوكمة المؤسسية في هذه الصناديق، حتى أصبح الآن أن المستفيدين والأعضاء الرئيسيين في الصناديق عمليا لا يلعبون أي دور في إدارتها، وأصبحت هذه الصناديق بمثابة ساحة خلفية للسياسيين.
ويؤكد إسفنديار أنه على الرغم من أن صناديق التأمين ليست حكومية، فإنه يمكن ويجب الاستثمار فيها وشراء الأسهم من خلالها، ومع ذلك، للأسف، قام المسؤولون الحكوميون بسلب هذه الإمكانية وأخذوا تدريجيا السيطرة على هذه المنظمة المستقلة.
واستنادا لما ذكره إسفندیار، فأحد الحلول لتحسين هذا الوضع هي أن لا تتدخل الحكومة في الآلية التنفيذية للصناديق، بل تقتصر على مراقبتها فقط، فعندما تخرج الحكومة من إدارة الصناديق، سيكون بالإمكان توفير الاستقلال لها.
خطر انهيار صناديق التقاعد
يؤكد إسفنديار أن المدير التنفيذي ووزير التعاون والعمل والرفاه الاجتماعي الجديدين يشعران بالقلق حيال وضع صناديق التقاعد، ومع ذلك، فإن الهيئات الرئيسية في الحكومة والبرلمان لم تشعر بعد بالخطر الحقيقي لانهيار هذه الصناديق بالشكل المطلوب.
أفاد قائلا: “عادة في بلادنا يكون الأمر على هذا النحو، حيث يتم تغيير المديرين مع تغيير الحكومة، ولكن المشاكل تبقى كما هي دون تغيير، ولحل المشاكل الحالية، يجب إعادة النظر في هذه الطريقة.
الموضوع الآخر هو أنه للأسف، لا يزال البعض يعتقد أن مؤسسة التأمين الاجتماعي هي مؤسسة غنية، ومن هذا المنطلق يقدمون اقتراحات غير فعّالة، على سبيل المثال، في الحكومة السابقة كان هناك قرار بنقل فريق كرة القدم (برسبوليس) إلى مؤسسة التأمين الاجتماعي التي هي نفسها مليئة بالتحديات.
ومن الواضح أن هذا القرار يُظهر عدم الفهم الصحيح للوضع الحرج الموجود في المؤسسة، ويثبت أننا لا نفكر بعد في الحلول العملية، وعلى الرغم من أن قضايا صناديق التأمين تُطرح أحيانا من قبل الخبراء كأزمة كبيرة، إلا أنه في الواقع لا يتم النظر إليها بجدية”.
وأضاف: “مؤسسة التأمين الاجتماعي حاليا تعمل مع 14 مليون مؤمّن عليها، وقد أنفقت مبالغ كبيرة العام الماضي لدفع رواتب المتقاعدين والمستفيدين، وتجدر الإشارة إلى أن هذه المبالغ ستزداد هذا العام وفي السنوات القادمة، في حين أن صندوق التقاعد الحكومي يعاني من عجز في دفع رواتب المتقاعدين منذ سنوات، وقد باع كل ما كان في متناوله.
وإذا استمر الوضع الحالي، فإن دفع الرواتب بواسطة صندوق التقاعد سيتجه نحو وضع كارثي، وإذا استمرّت الحكومة والبرلمان في نفس النهج، فإنهما سيواجهان بلا شك، تحديات كبيرة.
يجب أن نأخذ في الاعتبار أن العديد من العمال يتحملون ديونا كبيرة للاستفادة من حقوق التأمين والعلاج، بينما للأسف، قامت الحكومة أيضا بإلغاء الإعانات المتعلقة بالقطاع الصحي، كما تقوم مؤسسة التأمين الاجتماعي ببناء المستشفيات، ولكن الحكومة تتقاعس عن توفير الأطباء، وهذه القضايا ستزيد من تفاقم المشاكل”.
“ماذا يجب أن نفعل؟”
أوضح إسفنديار في رده على سؤال حول ما يجب فعله لحل الأزمة،: “يمكن أن يتم دراسة هذا الموضوع على مستويين. المستوى الأول هو النظرة العامة لحوكمة الدولة والسياسات العامة.
وفي هذا السياق، يجب إيلاء اهتمام خاص لعوامل مثل الكفاءة، ونظام الرقابة والتقييم، وفصل السياسة عن الإدارة، وتعارض المصالح، وتدريب القوى العاملة. وطالما بقينا بعيدين عن هذه المفاهيم، فإن تنفيذ أي برنامج في أي مجال لن يكون مجديا. فلماذا يُقدِم البرلمان الأوروبي على تشكيل لجان لمعالجة تعارض المصالح، ويمنع توظيف الأشخاص ذوي الوظائف المزدوجة في المؤسسات التأمينية؟ لأن سنّ مثل هذه القوانين من شأنه أن يعزز الشفافية ويمنع الانحرافات، وينبغي لنا أن نستلهم من هذه النماذج ونتّبع مثل هذه السياسات.
الموضوع الآخر يتعلق بتدريب القوى العاملة؛ إذ تسببت الجامعات، للأسف، في السنوات الأخيرة، في تراجع ملحوظ نتيجة تخصيصها حصصا غير منطقية لقبول الطلاب، وطالما أن هذه الجامعات لا تتجه نحو التعليم المهاري ولا ترفد سوق العمل بقوى عاملة كفؤة، فإن المشكلات ستبقى قائمة، كما أن اعتماد تقييم الأساتذة الجامعيين على عدد المقالات المنشورة بدلا من معيار القدرة على حل التحديات يشكل عائقا حقيقيا أمام التقدم.
وطبقا لما يراه، فإن المستوى الثاني هو النظام البيئي للصناديق الذي ساهم في تأجيج هذه الأزمة.
قال إسفنديار: “إذا نُقل هذا النموذج من إدارة الصناديق إلى أي مكان في العالم، فسيكون مصيره الفشل عاجلا أم آجلا، لأن التزامات هذه الصناديق تفوق عائداتها وأرباحها، كما تُشرّع قوانين للتقاعد المبكر تُلزَم مؤسسة التأمين الاجتماعي بتنفيذها، رغم أن هذه القوانين تتجاوز قدرتها المالية، وفي نهاية المطاف، ينبغي أن يكون المتقاعدون والمستفيدون من التأمين هم أصحاب القرار، لا الحكومة”.
إسفنديار يعتقد أن نوع الرقابة على صناديق التقاعد بحاجة إلى إعادة نظر وإصلاح أيضا.
وفي الختام أكد قائلا: “عادة ما يتم فحص المستندات المالية والإدارية، لكن هذا النهج لا يحقق النتائج المرجوة، فيجب أن تركز الرقابة على الأداءات، ويجب تحليل مسألة مقدار الميزانية المتوافرة الآن مقارنة بما كانت عليه في السابق، كما يجب فحص ما إذا كانت الجماعات ذات المصالح قد اخترقت المؤسسة أم لا، هذا النوع من الرقابة هو الذي يزيد من الشفافية والكفاءة وسيكون فعالا”.