إيران تخسر أيقونتها العلمية أكبر اعتماد.. “أبو البرنامج النووي” 

كتب: ربيع السعدني 

توفي أكبر اعتماد، العالم النووي الإيراني البارز، الجمعة 11 أبريل/نيسان 2025، رائد الطاقة الذرية في طهران الذي يُلقب بـ”أبو البرنامج النووي”، عن عمر ناهز 95 عاما، نظرا إلى دوره الريادي في تأسيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية (AEOI) ووضع الأسس الأولية للبرنامج النووي السلمي في البلاد. 

النشأة والتعليم

وُلد أكبر اعتماد في مدينة همدان الإيرانية، وأظهر اهتماما مبكرا بالعلوم والتكنولوجيا، في منتصف الخمسينات، انتقل إلى سويسرا للدراسة في جامعة لوزان، حيث تخصص في الهندسة الكهربائية وأظهر تفوقا أكاديميا ملحوظا بعد حصوله على الدبلوم، أكمل دراسته العليا ليحصل على ماجستير ودكتوراه في فيزياء المفاعلات، مما أهله للعمل في مجالات متقدمة تتعلق بالتكنولوجيا النووية، وبفضل خبرته تمت استشارته من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

العمل في سويسرا

بعد تخرجه عام 1963، عمل اعتماد لمدة عام ونصف مهندس أبحاث في شركة Brown-Boveri السويسرية، كما شغل منصب رئيس مجموعة الحماية النووية في المعهد الفيدرالي السويسري لأبحاث المفاعلات لمدة خمس سنوات ونصف، مما ساهم في تطوير خبرته في التكنولوجيا النووية.

عاد إلى إيران في عام 1965 وتم تعيينه من قبل صفي أصفيا، رئيس منظمة التخطيط والميزانية آنذاك، مستشارا فنيا لمشروع أبحاث المفاعل النووي، وبعد عام واحد أسس مكتب الطاقة الذرية التابع لمنظمة التخطيط والميزانية وعُيّن لإدارته، وبقي في هذا المنصب حتى عام 1967.

وفي عام 1968 تم تعيينه أول رئيس لمعهد البحوث والتخطيط العلمي والتربوي، وهو المعادل الإيراني للمركز الوطني للبحوث العلمية (CNRS) في فرنسا. وفي عام 1974 تولى رئاسة منظمة الطاقة الذرية الإيرانية وأسس هذه المنظمة. 

شغل أكبر اعتماد منصب رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بين عامي 1974 و 1979.

العودة لإيران

عاد اعتماد إلى إيران خلال فترة النظام البهلوي، مستفيدا من دعم الشاه محمد رضا بهلوي لتطوير القدرات العلمية والنووية في البلاد، بعد أن سمع عن رغبة الشاه في تطوير مفاعل أبحاث بجامعة طهران، الذي كانت الولايات المتحدة قد قدمته عام 1953 ضمن برنامج “الذرة من أجل السلام” الذي أطلقه الرئيس الأمريكي الأسبق دوايت أيزنهاور.

مؤسس الطاقة الذرية 

في 7 يوليو/تموز 1974، أُسست منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بقيادة أكبر اعتماد كأول رئيس لها، تولى مهمة بناء البنية التحتية للمنظمة، ووضع خططا طموحة لتطوير التكنولوجيا النووية، بما في ذلك إنتاج الكهرباء من محطات نووية وإنشاء مصانع لتحلية المياه المالحة، هدفه الرئيسي كان إنتاج 20.000 ميغاواط من الكهرباء عبر محطات نووية بحلول نهاية القرن العشرين.

خلال فترة رئاسته للطاقة الذرية الإيرانية (1974-1978)، عمل على تعزيز التعاون الدولي، خاصة مع الولايات المتحدة ودول أوروبية، للحصول على الدعم الفني والتكنولوجي، كما أشرف على تطوير مرافق نووية في طهران وأماكن أخرى في إيران.

المهمة الأصعب

إضافة إلى إنشاء منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، تم افتتاح محطة بوشهر للطاقة النووية، وهي أول محطة للطاقة النووية، وذكر أكبر اعتماد في مذكراته، أن مسؤوليته الأصعب كانت توفير الوقود لمحطات الطاقة النووية، بعد أزمة النفط في أوائل سبعينيات القرن العشرين، سارعت العديد من الدول الصناعية إلى استخدام الطاقة النووية. 

في ذلك الوقت، لم يكن إنتاج اليورانيوم كافيا فحسب، بل كانت قدرة مصانع تخصيب اليورانيوم محدودة أيضا، ولم تكن سوى الولايات المتحدة، وإلى حد ما الاتحاد السوفييتي، تبيع خدمات تخصيب اليورانيوم منذ بداية البرنامج النووي الإيراني، أصبحت مسألة توفير خدمات التخصيب مشكلة كبرى.

بعد الثورة 

مع انتصار الثورة عام 1979، وسقوط النظام البهلوي توقف البرنامج النووي مؤقتا، وغادر العديد من الخبراء النوويين البلاد كما توقف بالكامل كل التعاون النووي بين إيران والولايات المتحدة، حيث اعتُبرت بعض مشاريع الشاه غير مجدية.

وفي مقابلة إيرانية له عام 2013 أعلن اعتماد الذي غادر وطنه في السنوات التي أعقبت الثورة عن الأجواء السياسية والاجتماعية السائدة في البلاد، أن “انشغال الناس بقضايا مثل الذهب والعملات والدولارات يشير إلى أن الناس لا يعتبرون أنفسهم مهمين في مصير البلاد ولم يتم التعامل معهم بشكل جيد من قبل الحكومة”.

ولذلك غادر اعتماد إيران واستقر في باريس، حيث عمل مستشارا في مجال الطاقة النووية، ولم يعد إلى إيران بعد الثورة، لكنه استمر في الدفاع عن الطبيعة السلمية للبرنامج النووي الإيراني في مقابلات نادرة مع وسائل إعلام غربية في شهر مارس/آذار 2013.

أنشطة لاحقة

في عام 2009، كان اعتماد الرئيس المشارك لمنظمة “إيرانيون من أجل السلام”، وهي مبادرة تهدف إلى تعزيز الحوار والسلام، وواصل التعبير عن رؤيته بأن البرنامج النووي الإيراني كان مدعوما في البداية من الولايات المتحدة، لكنه أكد أن إيران طورت قدراتها النووية بشكل مستقل في ما بعد.

يُعتبر اعتماد المهندس الرئيس للبرنامج النووي الإيراني في مراحله الأولى، ركز على بناء بنية تحتية علمية وتقنية تدعم الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، مثل إنتاج الكهرباء وتطبيقات صناعية وزراعية.

خلال فترة رئاسته لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية، أقام علاقات وثيقة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) ودول غربية، مما ساعد في نقل التكنولوجيا والخبرات إلى إيران.

الرؤية طويلة الأمد

خطط اعتماد لجعل إيران قوة نووية رائدة في المنطقة، مع التركيز على الاكتفاء الذاتي في إنتاج المواد النووية وتطوير الكوادر العلمية، ورغم توقف عمله بعد الثورة، فإن الأسس التي وضعها ساهمت في استئناف البرنامج النووي لاحقًا تحت قيادات جديدة.

حق طهران في “النووي”

وفي مقابلاته، اعتبر اعتماد دائما أن الطاقة النووية ضرورية وأساسية بالنسبة لإيران، وأن الحصول على هذه الطاقة هو حق لإيران، وأكد على عدم ثقته بنوايا القوى الغربية والوكالة الدولية للطاقة الذرية. وعلى مدى السنوات الماضية، وفي مقابلات مع وسائل الإعلام الإيرانية والأجنبية، دعم مرارا مواقف إيران الأساسية بشأن الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، ودعا الغرب إلى التعامل مع هذه القضية بشكل مبدئي وصحيح.

لم يذهب لأمريكا

خلال مقابلة له مع وكالة أنباء الطلبة الإيرانية “إيسنا” في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2013، يقول أكبر اعتماد، أول مدير نووي إيراني، إنه لم يذهب إلى الولايات المتحدة بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001؛ لأنه لم يرغب في أن يتم استجوابه أو أخذ بصماته.

ويعتقد أنه قبل أن تطلب مجموعة 5+1 أي شيء من إيران في المفاوضات النووية، “يتعين على البرلمان أن يحدد أسلوب ومستوى التخصيب في إطار القانون”، وأكد الرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية أيضا أنه على الرغم من تعاون إيران مع الوكالة، “فإذا لم تتوقف مجموعة 5+1 عن تقويض حقوق إيران بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي، فلن يكون هناك مبرر لاستمرار وجودها في الوكالة”.

موقفه من الثورة

غادر اعتماد إيران بعد الثورة، مما جعل البعض ينظر إليه كشخصية مرتبطة بنظام الشاه ومع ذلك، دافع عن البرنامج النووي كمشروع وطني وليس سياسيا، مؤكدا أن هدفه كان تنمية إيران علميًا.

عاش في باريس لأكثر من 50 عاما بعد مغادرته إيران، وكان يتحدث بطلاقة بالفارسية والفرنسية والإنجليزية، مما ساعده في التواصل مع المجتمع الدولي.

مؤلفات عن أكبر اعتماد 

تناول كتاب “على حافة الأحداث” سيرة الدكتور اعتماد، مؤسس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، ويحللها، وفي العام 2019 صدر عنه أيضا كتاب آخر بعنوان: “إيران والذرة: التاريخ الشفوي وحياة وأعمال أكبر اعتماد”.

ويحتوي على مذكرات أبو التكنولوجيا النووية الإيرانية، ورؤوس موضوعات مثل “حالة التعليم في الجامعات الأوروبية”؛ “أنشطة البحث الثقة في أوروبا”؛ “إطلاق مفاعل الأبحاث في المركز الذري بجامعة طهران”؛ “اللقاء مع الشاه وتأسيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية”.

وثائقي عن “محطم الذرة”

وفي يونيو/حزيران 2015 بث التلفزيون الإيراني فيلما وثائقيا، بعنوان “أنا أكبر اعتماد، محطم الذرة”، من إنتاج وإخراج أحمد رضا كنجائي وسيد وحيد حسيني، يتناول قصة حياة “أبو العلوم النووية الإيرانية”، أكبر اعتماد الذي ولد في همدان وهو مؤسس جامعة بو علي سينا ​​ومنظمة الطاقة الذرية الإيرانية. 

هذا الفيلم الوثائقي عبارة عن ثلاثة أجزاء مختلفة؛ يخصص قسما لحياة اعتماد العائلية ومرافقته في عودته إلى مسقط رأسه همدان وجولته في هذه المدينة الجميلة والتاريخية، ويتناول الجزء الثاني حياته العلمية، ويتناول الجزء الثالث آراءه حول البرنامج النووي الإيراني، مع الإشارة إلى المقابلات والمحادثات التي أجراها داخل البلاد وخارجها قبل الثورة وبعدها.

وعن كواليس الفيلم، قال مخرج الفيلم الوثائقي، أحمد رضا كنجائي: “عندما علمنا بوجود الدكتور اعتماد في إيران، قررنا إنتاج فيلم، وقد لقي اقتراحنا ترحيبا حارا وقبولا من قبله”. 

وأضاف: “هذا الأستاذ يعيش في فرنسا منذ خمسين عاما، وقد استغللنا وجوده في إيران لإنجاز هذا الفيلم الوثائقي (أنا أكبر، سأحطم الذرة)، إحدى الجمل البارزة للدكتور اعتماد، وفي الحقيقة رده على أحد المسؤولين الإيرانيين عن شؤون الطلاب خلال أيام دراسته في فرنسا”.

مقابلات لا ينساها

ومن بين اللقاءات الرسمية التي أجراها أكبر اعتماد مع المسؤولين في البلاد، كان اجتماعه مع علي أكبر صالحي، رئيس منظمة الطاقة الذرية آنذاك، في عام 2008.

وفي هذا اللقاء أشاد صالحي بالجهود الكبيرة التي بذلها الرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية قبل الثورة، ودعمه المعنوي للطاقة الذرية والأنشطة السلمية الإيرانية في السنوات التي أعقبت الثورة، وقدم درعا تقديرية للدكتور اعتماد بهذه المناسبة.

وفاة “أبو العلوم النووية”

توفي أكبر اعتماد في 11 أبريل/نيسان 2025 في باريس عن عمر 95 عاما. 

وأعرب عدد من المسؤولين والقادة الإيرانيين عن خالص تعازيهم في رحيل العالم النووي الكبير، أبو الصناعة النووية في طهران، وفي مقدمتهم وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، والرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي صالحي، عن تعازيه في وفاة مؤسس منظمة الطاقة الذرية أكبر اعتماد، في رسالة تعزية على الخسارة الكبيرة في صاحب كل هذا الإرث الثمين.

الإرث الكبير

يُعتبر أكبر اعتماد رمزا للطموح العلمي الإيراني في مجال الطاقة النووية على الرغم من التحديات السياسية والدولية التي واجهت البرنامج النووي الإيراني، فإن دوره في تأسيس منظمة الطاقة الذرية ووضع رؤية طويلة الأمد جعله شخصية محورية في تاريخ إيران الحديث وإسهاماته مهدت الطريق لتطور البرنامج النووي الإيراني، الذي أصبح لاحقا موضوع نقاش دولي واسع.

كلمات مفتاحية: