إيران والتمويل الأجنبي.. ما الحل لتحقيق النمو الاقتصادي؟

ترجمة: علي زين العابدين برهام

مع انضمام إيران إلى مؤسسات اقتصادية دولية مثل مجموعة بريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون، يثار التساؤل حول مدى كفاية هذا الانضمام وحده لتأمين التمويل الأجنبي لإيران.

 في الوقت نفسه، لا تزال قضايا مثل هيمنة الدولار، وتأثير FATF على المعاملات المالية، ودور السياسات المالية والنقدية للحكومة والبنك المركزي في الحفاظ على قيمة العملة الوطنية، محل نقاش بين الخبراء الاقتصاديين.

نشرت وكالة أنباء “مهر” الأربعاء 26 مارس/آذار 2025، تقريرا ذكرت فيه تصريحات محمد رضا أكبري جور، خبير الاقتصاد الدولي، التي سلط فيها الضوء على مختلف أبعاد هذه القضايا والتحديات التي تعيق تأمين التمويل الدولي لإيران.

الانضمام إلى بريكس لا يضمن تأمين التمويل 

أكد محمد رضا أكبري جور، خبير الاقتصاد الدولي، أن عضوية إيران في منظمات اقتصادية دولية مثل بريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون لا تكفي وحدها لضمان تأمين التمويل الأجنبي، مشيرا إلى وجود عقبات كبيرة تحول دون الاستفادة الكاملة من إمكانيات هذه المنظمات.

وأوضح، مستشهدا بالتجارب التاريخية، أن مؤتمر بريتون وودز عام 1945، الذي عُقد بعد الحرب العالمية الثانية بهدف إعادة بناء النظام المالي الدولي، شهد تقديم مقترحات متعددة. 

وأضاف أنه من بين هذه المقترحات، طرح الاقتصادي البريطاني جون مينارد كينز نموذجا لنظام مالي عادل ومستدام، إلا أن الولايات المتحدة فرضت رؤيتها الخاصة، حيث جعلت الدولار أساسا للاحتياطيات العالمية، وتعهدت بتحويل هذه الاحتياطيات إلى ذهب عند الطلب. لكن في سبعينيات القرن العشرين، ألغت واشنطن هذا الالتزام، مما أحدث تغييرًا جذريا في النظام المالي العالمي.

وأضاف أكبري جور أن الاقتصاديين الأمريكيين آنذاك كانوا يخططون لمئة عام مقبلة، بينما كان دعمهم الظاهري لاقتصاد أوروبا مجرد غطاء لمصالحهم الاستراتيجية. 

وأشار إلى أن السياسة الأمريكية الحالية لا تزال تسير على النهج نفسه، حيث تحاول بعض الدول الحد من هيمنة الدولار باستخدام العملات المحلية في المبادلات التجارية، لكن تحقيق ذلك يظل صعبا، خاصة أن 90% من إجمالي الدولارات المتداولة في العالم توجد خارج الولايات المتحدة، مما يجعل التخلص من هيمنة الدولار يتطلب توافقًا دوليًا واسعا لم يتحقق بعد.

ولفت إلى أنه حتى الاتحاد الأوروبي، رغم قوته الاقتصادية الظاهرة، لم يتمكن من الدفاع عن أوكرانيا دون الاعتماد الكامل على الدعم الأمريكي، ما يعكس استمرار السيطرة الأمريكية على النظام المالي العالمي.

وأشار إلى أن الولايات المتحدة تلعب دورا رئيسيا في عرقلة أي تغيير في النظام الاقتصادي العالمي، موضحا أن رغم قدرة منظمات مثل بريكس ومنظمة شنغهاي على تعزيز الاستقلال الاقتصادي للدول الأعضاء، فإن واشنطن تلجأ إلى ضغوط سياسية واقتصادية متعددة لمنع حدوث ذلك.

  FATF.. وصول إلى الموارد المالية أم أداة لمراقبة المعلومات؟

أكد أكبري جور أن تأثير FATF على تأمين التمويل لا يقتصر على تسهيل المعاملات المالية، بل يرتبط أساسا بالتحكم في تدفق المعلومات المالية على المستوى الدولي.

 وأوضح أن هذا الكيان، رغم رفعه شعارات مثل مكافحة غسيل الأموال، فإن هدفه الحقيقي يتمثل في مراقبة البيانات المالية العالمية. واعتبر أن مسألة مكافحة غسيل الأموال ليست سوى مبرر ظاهري، في حين أن الهدف الأساسي هو بناء قاعدة بيانات شاملة عن التحويلات المالية للدول.

وأضاف أكبري جور أن إحدى الغايات الرئيسة لجمع المعلومات المالية عبر FATF هي تعزيز هيمنة الدولار على النظام المالي العالمي. وأشار إلى أنه رغم تمركز الأمانة العامة للمنظمة في باريس، فإن البيانات التي تجمعها تُستخدم مباشرة لصالح النظام المالي الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، مما يسهم في استمرار سيطرتها على الاقتصاد العالمي.

وأوضح، فيما يتعلق بالنقاش الدائر حول الانضمام إلى FATF، أن التحذيرات المتعلقة بالعقوبات والعوائق المالية والتجارية تُستخدم كأداة للضغط على الدول لإجبارها على تمرير بياناتها المالية عبر هذه المنظومة، مما يمنح القوى المهيمنة قدرة أكبر على مراقبة الأنشطة الاقتصادية العالمية والتحكم بها. لذا، يرى أن وجهتي النظر داخل إيران حول الانضمام أو رفضه تمتلكان مبررات منطقية، كل من زاويته الخاصة.

وأشار إلى أن الانضمام إلى FATF قد يسهم في تسهيل المعاملات المالية الدولية، لكنه في الوقت نفسه يشكل أداة رقابية يمكن استخدامها كوسيلة ضغط سياسي واقتصادي عند الضرورة. ومع ذلك، أكد أن القبول العالمي الواسع بهذه المنظومة يجعل من الصعب تجنبها، ما يستدعي التعاطي معها بحذر، مع اتخاذ تدابير وقائية لحماية المصالح الوطنية.

دور الدولة في تنظيم الاقتصاد

أكد أكبري جور، في حديثه عن دور الدولة في النظام الاقتصادي،  أن الحكومة تشكل أحد الأركان الأساسية للاقتصاد وتمتلك أدوات متعددة للتأثير على السوق. وأوضح أن النماذج الاقتصادية تعتمد على ثلاثة عناصر رئيسة: الإنفاق الحكومي، واستهلاك الأفراد، وصافي الصادرات (الميزان التجاري)، حيث تلعب الحكومة دورا محوريا في ضبط الاقتصاد عبر هذه العوامل.

وأشار إلى أن السياسات المالية للحكومة يمكن أن تكون إما توسعية أو انكماشية، وفقا للظروف الاقتصادية. ففي فترات الركود، يمكن للحكومة زيادة الإنفاق العام والاستثمار في المشاريع الإنشائية لتعزيز الطلب وتحفيز عجلة الإنتاج. أما في أوقات التضخم، فيمكنها تقليص النفقات واتباع سياسات انكماشية لكبح ارتفاع الأسعار.

وأوضح أن الميزانية الحكومية، إلى جانب أدوات مثل سوق المال، سوق رأس المال، والاستثمار الأجنبي، تشكل مصادر التمويل الرئيسة، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت تراجعا كبيرا في حصة الإنفاق على المشاريع الإنمائية ضمن الموازنة العامة. وأكد أن هذا التراجع يجعل من الصعب الاعتماد على التمويل الحكومي كمصدر رئيسي لتحفيز الاقتصاد، خاصة في ظل العجز المالي الحالي.

وشدد، رغم هذه التحديات، على أن الحكومة تظل لاعبا رئيسيا في الاقتصاد، حيث يمكنها التأثير من خلال السياسات المالية، لا سيما التحكم في مستوى إنفاقها العام.

وذكر، على سبيل المثال، في ظل ركود اقتصادي، تواجه قطاعات مثل الأثاث، والإلكترونيات، ومواد البناء انخفاضا في الطلب، ما يؤدي إلى تراجع الإنتاج والمبيعات. في هذه الحالة، يمكن للحكومة تنفيذ مشاريع إنشائية كبرى لتحفيز الطلب في هذه القطاعات، مما يساعد على تشغيل المصانع وتحريك عجلة الإنتاج.

ويتم تمويل هذه المشاريع عادة عبر الإيرادات الضريبية أو حتى الاقتراض من البنك المركزي، وهو ما يدخل في إطار السياسات المالية التوسعية، التي تهدف إلى زيادة الإنفاق الحكومي لتعزيز النشاط الاقتصادي. وعلى النقيض من ذلك، في حالة التضخم، تعتمد الحكومة سياسات مالية انكماشية، تقوم على تقليص الإنفاق الحكومي وتقليل المعروض النقدي، للحد من الضغوط التضخمية.

وأكد أن اختيار السياسة المالية المناسبة يعتمد على الوضع الاقتصادي العام، إذ تحتاج الحكومات إلى تحقيق توازن بين تحفيز النمو وكبح التضخم، بما يضمن استقرار الاقتصاد وتحقيق التنمية المستدامة.

دور البنك المركزي

أوضح أكبري جور الفرق بين السياسات المالية والسياسات النقدية، مشيرا إلى أن البنك المركزي، بخلاف الحكومة، يتمتع باستقلالية في مهامه، حيث يعتمد على أدوات مثل سعر الفائدة وإدارة السيولة لتنفيذ سياساته النقدية. 

وأكد أن استقلال البنك المركزي عن الحكومة أمر حيوي لضمان تطبيق السياسات النقدية في التوقيت المناسب وبأقصى درجات الفعالية، مما يسهم في الحفاظ على قيمة العملة الوطنية وكبح التضخم.

وفي ختام حديثه، استشهد بتصريحات عبد الناصر همتي، وزير الاقتصاد السابق، خلال جلسة استجوابه في البرلمان، حيث أوضح همتي للنواب أن مسؤولية استقرار الأسعار، وضمن ذلك سعر الصرف، لا تقع على عاتق وزير الاقتصاد، بل هي من اختصاص البنك المركزي.

وأشار إلى أن ضحك بعض النواب على هذه التصريحات كشف عن سوء فهم واضح للفارق بين السياسات المالية التي تتولاها الحكومة والسياسات النقدية التي يديرها البنك المركزي. واعتبر أن هذا القصور في الإدراك قد يؤدي إلى اتخاذ قرارات اقتصادية غير مدروسة تُضر بالاقتصاد الوطني.