كشفت صحيفة “همشهري” الإيرانية، في تقرير موسّع لها يوم الأحد 8 يونيو/حزيران 2025، عن أبعاد عملية استخباراتية وُصفت بأنها من “أكبر الضربات الأمنية” التي تعرّض لها الاحتلال الإسرائيلي خلال العقود الماضية، ووفقا لما نقلته الصحيفة عن مصادر مطلعة، فقد تمكّنت إيران من تنفيذ عملية سرّية أسفرت عن نقل كميات ضخمة من الوثائق شديدة الحساسية من داخل الأراضي المحتلة إلى موقع آمن في إيران.
وذكرت الصحيفة أنه في الأسابيع الأخيرة، كان خبر اعتقال شابين يبلغان من العمر 24 عاما، يُدعيان “روي مزراحي” و”ألموغ أتياس”، في الأراضي المحتلة، بتهمة التجسس لصالح أجهزة الاستخبارات الإيرانية، قد حظي بتغطية إعلامية واسعة، فيما أشارت بعض التكهنات إلى ارتباط هذه القضية بالضربة الأمنية الكبرى التي وجّهتها إيران إلى هذا الكيان.
وتابعت بالقول إن شبكة الميادين اللبنانية الإخبارية، وفي تقرير لها نقلا عن “مصادر مطلعة”، أكدت أن هذه العملية قد اكتملت منذ فترة، إلا أن حجم الوثائق الكبير وضرورة نقل الحمولة بأكملها إلى إيران بشكل آمن، جعلا من الضروري إبقاء هذا الأمر طيّ الكتمان حتى الآن، غير أن ما يُقال حاليا هو أن كامل هذه الحمولة الضخمة من الوثائق قد وصلت إلى الموقع الآمن المطلوب؛ وهي حمولة بحجم يستلزم وقتا طويلا لمجرد قراءتها وفحص الصور والمقاطع المصاحبة لها.
وفي ظل هذه المعطيات، يُقال إن “كمية” و”نوعية” الوثائق تدلّان على توجيه ضربة كبيرة إلى بنية إسرائيل الأمنية – الاستخباراتية؛ ضربةٌ تحظى، في ظل استمرار التهديدات المعادية لإيران من محور تل أبيب – واشنطن، بأهمية استراتيجية خاصة ضد طهران.
ويأتي كل ذلك في وقت أصبحت فيه زيادة اختراق إيران للاختصاصات والبُنى المختلفة لإسرائيل، خلال السنة أو السنتين الأخيرتين، من أهم الهواجس الأمنية لهذا الكيان.
وأضافت أن التحقيقات تشير إلى أنه خلال عام 2024، تم فتح نحو 20 ملف تجسس مرتبط بإيران في الأراضي المحتلة، كما صدرت 30 لائحة اتهام.
وتابعت بالقول إن وكالة الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) أعلنت أن حالات التجسس في هذا الكيان قد شهدت خلال عام 2024 زيادة بنسبة تقارب 400 بالمئة مقارنة بالعام السابق.
وأضافت الصحيفة أنها تناولت في حوار مع محمود عباس زاده مشكيني، عضو لجنة الأمن القومي في البرلمان الحادي عشر، وفرشيد باقريان، المحلل في الشؤون الاستراتيجية، وحسن هاني زاده، الخبير في قضايا غرب آسيا، مختلف أبعاد هذا الموضوع.
الجلسة الاستخباراتية الأخيرة
في ضوء ذلك قال عباس زاده إنه خلافا لما يتصوره البعض ممن قد يعتقدون أن ركن القوة في المجال الصلب يكمن في القوات المسلحة، فإن الحقيقة هي أن المؤسسة الأمنية – الاستخباراتية لا تقل شأنا، وجزء من قدرة الردع لدى أي دولة هو قدرتها الأمنية.
في العالم، هناك عدة دول قامت تقليديا بعمل خاص على تجهيز مؤسساتها الأمنية، منها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي. آي. إيه) التي تحظى بميزانية ضخمة.
ومن بينها أيضا الموساد، وجهاز الاستخبارات البريطاني (إم. آي. 6) وغيرهم، وكل هؤلاء لديهم خصم مشترك اسمه جهاز الاستخبارات – الأمن الإيراني.
هذا الجهاز الإيراني، على الرغم من ميزانيته الأقل مقارنة بهم، فإنه برز بقوة خلال السنوات الأخيرة، وحقق إنجازات هامة، ومن اللافت أن اسم جهاز الأمن الإيراني يُطرح اليوم عالميا إلى جانب الأجهزة الأمنية الكبرى في العالم.
وتابع أن من النقاط الأخرى الجديرة بالاهتمام، تحطيم صورة الجهاز الأمني لإسرائيل باعتباره لا يُقهر؛ فقد استثمروا في هذا المجال لعقود.
أما اليوم، فقد تكسّرت تلك الأسطورة المصطنعة، واليوم، أصبح انعدام الإحساس بالأمن أحد التحديات القائمة في الأراضي المحتلة.
في وقت سابق، كانت إيران قد حطمت أيضا الهيبة المصطنعة لـ”القبة الحديدية”، كما أن إيران هي الدولة الأولى التي استهدفت بالصواريخ قلب المصالح الأمريكية في المنطقة، لقد أثبتت إيران أن زمن “اضرب واهرب” قد انتهى.
واليوم، حتى هيبة الموساد قد تحطّمت على يد جنود ايران المجهولين، معلوماتنا عن الصهاينة تفوق تصوراتهم بكثير؛ وفي مجالات متعددة: أمنية، وعسكرية، وسياسية، ودولية، وغيرها، وهم قلقون من تسرب معلوماتهم السرية، يجب أن ننتظر كشفا كبيرا من المعلومات التي تم الحصول عليها، كي يتضح ما الذي كانوا يخططون له حتى للأوروبيين وللمنطقة، ثمة قصص كثيرة مثيرة قادمة في هذا المجال.
وثائق شديدة الأهمية
وفي هذا الصدد قال هاني زاده إن هذا الموضوع يمثل اختراقا غير مسبوق ومثيرا للدهشة من قِبل إيران لأخطر جهاز أمني في العالم، وهو أمر لم يسبق له مثيل في تاريخ إسرائيل.
وتابع أنه قد نُقلت في هذه العملية، إلى إيران وثائق شديدة الأهمية ومصيرية، هذا الحدث يدلّ على الإشراف الأمني – الاستخباراتي الإيراني على جهاز الموساد؛ ذلك الجهاز الذي يُعدّ أقدم مؤسسة أمنية في المنطقة، ويقيم تبادلات استخباراتية واسعة مع الأجهزة الأمنية في مختلف أنحاء العالم.
ومن جهة أخرى، وبالنظر إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يُعدّ كيانا مغلقا، فإن نقل هذا الكم من المعلومات يدلّ على نصر استخباراتي كبير، لقد ورد ذكر جميع منشآت الكيان النووية في هذه الوثائق، وبإمكان إيران أن توجّه ضربات قاسية إلى هذه المنشآت، يجب تقديم الشكر لأجهزة الاستخبارات والأمن الإيرانية على هذا الاختراق المعقد، هذا الحدث أظهر هشاشة الكيان.

عملية “الوعد الصادق”
وأضاف عباس زاده أنه عندما يتحدث عن الأجهزة الاستخباراتية، فإن المقصود لا يقتصر على المعلومات فقط، بل إن إدارة الاستفادة منها تمتلك أيضا أهمية استراتيجية.

فإذا لم تكن الضربة التي تلقّوها في 7 أكتوبر/تشرين الأول ضربة هائلة، فلماذا أثارت كل هذا الضجيج؟ المسألة الجوهرية هنا هي “المعركة الاستخباراتية” الدائرة.
وتابع أن تحديد موقع ايران من هذه المعركة هو مسألة استخباراتية معقدة، ولا أحد يستطيع أن يقرأ أوراقهم.
وأضاف أن الصهاينة قلقون من أن نستغل جزءا من هذه المعلومات التي حصلنا عليها، إنهم يخشون من انكشاف خططهم المتعلقة بالدول العربية، ومن جهة أخرى يخافون من أن تُفضَح أسرارهم أمام الأوروبيين أيضا.
النقطة المهمة تكمن في قدراتنا المتعددة والمتنامية في مواجهة إسرائيل والتي باتت تتجلى الآن أكثر من أي وقت مضى، وذلك في وقت يواصل فيه الأمريكيون دعمهم للصهاينة.
وتابع أنه في ظل هذا الوضع، فإن ما يهم هو أن أوراقنا في مواجهة الكيان، أقوى بكثير مما يتصورون، عليهم أن ينتظروا حتى شهر سبتمبر ليتلقّوا ضربات موجعة من إيران.
الأجهزة الأمنية
وتابع عباس زاده بالقول: “إذا وقع سلم أو حرب، فذلك سيكون في ميدان الأجهزة الأمنية، هذه القنبلة الإعلامية جاءت في وقت تُظهر فيه التقييمات أنها غير مسبوقة خلال الخمسين سنة الماضية، وبعد تحليل هذه المعلومات، سيتّضح للعالم ما هي المخططات الشريرة التي كان الصهاينة يحيكونها”.
الهزيمة الاستخباراتية
وقال هاني زاده: “في هذا الصدد حتى في الوقت الراهن، بدأت ملامح فشل تل أبيب في تغيير المعادلات الميدانية في حرب غزّة تتجلّى، فرغم كل الدعم المالي واللوجستي، لم يتمكّنوا من السيطرة على الجغرافيا الصغيرة لغزة.
كما أن الخسائر البشرية في صفوف القوات العسكرية الإسرائيلية كانت مثيرة للكثير من الجدل، ومع هذه الضربة الاستخباراتية القاسية، فقد تراكمت الكارثة فوق الكارثة بالنسبة لتل أبيب”.
الوضع في علاقات واشنطن وتل أبيب
وأضاف عباس زاده أن إدارة ترامب في البداية أوحت بأنها تسعى إلى إطلاق المرحلة الرابعة من الإمبراطورية في العالم، ولكن النقطة المهمة هي أن فكرة إنشاء الهيمنة الأمريكية الحديثة باتت الآن في طور التغيّر.

في الوضع الحالي، يعتقد كثيرون أن ترامب يسعى لإدارة السنوات الثلاث المقبلة بشكل يحفظ له ماء الوجه، وهم يعلمون أن بدء مواجهة مع إيران سيُكلّفهم كثيرا، ولن يكون بإمكانهم إدارة مثل هذا المشهد، في مثل هذه الظروف، سنشهد انتقال أزمات متعددة إلى هيكل الاحتلال الإسرائيلي.
القيام بإجراء ضد إيران
وأضاف عباس زاده أنه حتى الأمريكيون باتوا على دراية بما يخطط له تل أبيب، والانشقاقات التي ظهرت بين واشنطن والاحتلال الإسرائيلي تُظهر تصاعد القلق في أوساط صنّاع القرار في البيت الأبيض من احتمال إقدام هذا الكيان على مواجهة أحادية مع إيران، وفي مثل هذه الظروف، لا أعتقد أن الصهاينة سيتمكنون من تحمّل تكلفة أي إجراء ضد إيران.