ارتفاع معدل انتحار الشباب في غرب إيران تحت وطأة الفقر والإهمال

كتبت: شروق السيد

في قلب الغرب الإيراني، حيث يُملي الفقر وحرمان الموارد ملامح الحياة اليومية، ترتفع أصوات ألم وصراخ من خلف ستار من الصمت، تُعبّر  عن مأساتين متداخلتين: واحدة تتعلق بشباب يختارون الانتحار كملاذ أخير، وأخرى تتعلق بالإهمال المستمر الذي يعاني منه هؤلاء الشباب والمجتمعات التي يعيشون فيها، تُسلط هذه المقالة الضوء على معاناة الشباب في هذه المنطقة المحرومة، موضحةً كيف أن نقص الموارد الأساسية مثل الإنترنت والتعليم والفرص الاقتصادية قد دفع بهم إلى حافة الهاوية، حيث يتحول الألم إلى خيارات مأساوية.

تناول موقع “ديده بان” الإيراني 9 سبتمبر/أيلول 2024، في تقرير له، هذه القضية من خلال حواره مع إحدى مواطني غرب إيران:

هنا، حتى الطفل ذو الـ9 سنوات ينتحر!

في حوار “ديده بان” الإيراني مع إحدى مواطني غرب إيران، تقول: “أرجوكم أوصِلوا صوتنا إلى شعب إيران، لا أحد من المسؤولين يفعل شيئاً لنا، منذ فترة شيوع فيرس كورونا ونحن بلا إنترنت، وكثير من الأطفال تركوا الدراسة، وكثيراً ما سمعنا عن مراهقين انتحروا باستخدام أقراص الغلة، أليس لهؤلاء المراهقين آباء وأمهات؟ ألا يملكون أحلاماً؟ لماذا يفكر من تتراوح أعمارهم بين 17 و20 عاماً التفكير في الانتحار؟ لماذا لا يسمع أحدٌ صوتنا؟”.

قد تابع حتى وزير الاتصالات مشكلة الإنترنت في الأجزاء الغربية من إيران: “لكن لا أحد يهتم، صحيحٌ أننا نعيش في القرى، ولكن قريتنا قدمت 8 محامين يعملون في طهران، وكذلك ممثلين وآلاف الأشخاص الناجحين، مثل الشعراء، رؤساء البنوك، وموظفي المنظمات، في ذلك الوقت، لم يكن الإنترنت ضرورياً، وكان والدونا يطالبوننا بالدراسة، لكن في عصر الاتصالات هذا، يُحرم شبابنا من إجراء بحث صغير من أجل دراستهم، ونتيجة لهذا الحرمان، نرى هذه الصور”.

الانتحار الخفي لفتاة

قبل عامين، كانت نازان تود شراء معطف، مجرد معطف واحد؛ حتى لا تشعر بالخجل والإحراج عندما تقف بين أقرانها، لكن الفقر أمسك بيدها وقادها إلى المصير المأساوي، حيث تناولت أقراص الغلة. والد نازان، الذي كان معلماً، أخذ ابنته وهي شبه حية إلى طهران على أمل إنقاذها، لكن الموت لم يترك نازان، عندما فقد الأطباء الأمل في شفائها، وافق والدها، بدموع وقلب مكسور، على التبرع بأعضائها، وظل موت نازان مخفياً، كما كان صوت فقرها الذي لم يصل إلى أحد.

انتحر حرقاً أمام أعين والده

في قرية سراب‌ باغ، وقع سعيد في الحب وأخبر والده بذلك، لكن والده قال له جملة واحدة: “لن أسمح بذلك، حتى لو نبت العشب على قبري، لن أسمح لك بالزواج بهذه الفتاة”. أخذ دراجة والده وصعد إلى أحد التلال المحيطة بالقرية، اتصل بوالده وقال: “هل تراني؟ إذا لم تسمح لي بالزواج بهذه الفتاة، فسأحرق نفسي”. ردَّ والده قائلاً: “إن لم تفعل ذلك، فأنت جبان، عليك فعلها،” لم يكن الأب يعتقد للحظةٍ أن ابنه سينتحر بالفعل، لكن سعيد أشعل الولاعة وأضرم النار في نفسه أمام أعين والده، ركض الأب بسرعة الرياح محاولاً الوصول إلى ابنه، لكنَّ الأوان كان قد فات، قبل أن يتمكن من احتضان ابنه، كان سعيد قد فارق الحياة، لتكون كلماته الأخيرة: “سعيد وأمثاله ضحايا التعصب القبلي والعشائري، وسيظلون كذلك”.

الانتحار باستخدام 4 حبات من أقراص الغلة

يقول عقيل في منشوره: “احتفظت بهذه الحبات الأربع لفترة من الزمن، مرات عديدة أردت تناولها، لكني أمسكت يدي وقلت: لا”.

لكن الليلة هي الليلة الأخيرة، منذ سنوات جئت إلى ورامين وكافحت، لكنني لم أستطع شراء سيارة برايد، أليس هذا مضحكاً؟ سيارة برايد التي هي تابوت الموت لا أستطيع حتى شراؤها، لا أستطيع الزواج؛ لأنه في هذه الظروف الاقتصادية لن تقبل أي امرأة بي، في آبدانان، لم يكن هناك مصنع  يمكنني أن أجد فيها عملاً، في آبدانان، إما أن تمتلك أرضاً زراعية أو تكون ثرياً بما يكفي لتفتح متجرك الخاص”.

مصارع ينتحر بسلاحه

هذا العام احتضن الموت رامتين نظر زاده، الشاب المصارع الذي كان يمتلك عدة ميداليات، قُتل عم رامتين في شجار، ووالده أطلق النار على عدة أشخاص في هذا النزاع القبلي، وعلى الرغم من أن أحداً لم يُقتل مباشرةً من قبل والد رامتين، فإن هذا الحادث أجبر عائلته على الهجرة إلى ورامين.

هناك، تابع هذا الشاب شغفه – المصارعة، كانت لوالديه أحلام كبيرة له، فقد أرادا رؤيته على منصات التتويج، ولكن عانقه التراب بدلاً من ذلك، في أثناء خدمته العسكرية، دخل رامتين في شجار مع قائده، وكانت نهاية غضبه أن أطلق النار على نفسه وانتحر، يروي أحد الناشطين الاجتماعيين قصة حياة رامتين القصيرة ويقول: “هل كان عدم التقدير والاحترام سبب هذا الانتحار والقتل؟ لا أعلم، ولكن ما رأيناه يختلف كثيراً عن النص الذي تكتبه، ولا يمكن لأحد أن يفهم هذا”.

أكثر من 4000 حالة انتحار سنوياً

كتب العميد سعيد منتظر المهدي، نائب رئيس الشؤون الثقافية والاجتماعية والمتحدث باسم قوات الشرطة، في مذكرة بمناسبة اليوم العالمي للوقاية من الانتحار: “نتيجة هذا الفعل المدمر في بلدنا هو وفاة أكثر من 4000 شخص سنوياً، وأضرار جسيمة 10 إلى 20 ضعف هذا العدد، الآثار السلبية لمثل هذه الوفيات والإصابات لا تقتصر فقط على الضحايا وأسرهم، بل تؤثر أيضاً على المجتمع بأسره، عندما ينتشر خبر وفاة شخص بسبب الانتحار، يشعر عدد كبير من المواطنين بالحزن، ويغرق كثير منهم في حزن عميق إزاء هذه الوفاة المأساوية”.

أسباب الانتحار في المجتمع الإيراني:

وأوضح عالم الاجتماع أردشير غراوند، خلال حديثه مع مراسل “دیده‌ بان إیران”: “في إيران معظم حالات الانتحار ترتبط بشكل كبير بالاكتئاب، يحدث هذا النوع من الانتحار عندما يفقد الإنسان كل ارتباطاته بالعالم، والتي من أهم جذورها الظروف التي تحكم البيئة التي يعيش فيها الإنسان”.

الشعور بالعجز تجاه تغيير الظروف هو بوابة الدخول إلى الاكتئاب

في تحليله لتأثير المشكلات الاقتصادية على خلق شعور اليأس لدى أفراد المجتمع تجاه حياتهم، أوضح “غراوند” أن الأفراد الذين يصابون باليأس نتيجة تفاقم الظروف الاقتصادية والاجتماعية يشعرون بالعجز في البداية، إن الشعور بالعجز عن تغيير الظروف وفقدان الأمل في المستقبل هو بوابة الدخول إلى الاكتئاب، والعديد من الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب على المدى الطويل يلجأون أولاً إلى الأدوية النفسية ثم إلى المخدرات، لهذا السبب، ومع الزيادة الكبيرة في مبيعات الأدوية النفسية في مجتمعنا، نرى أيضاً ارتفاعاً في عدد المدمنين.

حل مشكلة البطالة بالمناطق المحرومة له تأثير كبير في خفض معدلات الانتحار

وأشار “غراوند” إلى أنه في ظل الظروف الراهنة للمجتمع الإيراني، يجب على الحكومة الإيرانية أن تحدد بوضوحٍ ما تريد أن تختاره وما تريد أن تضحي به، حيث قال: “يجب على الحكومة أن تحدد بوضوحٍ ما إذا كان مصير الشعب الإيراني يهمها أم لا، إذا كان الشعب الإيراني يهم الحكومة، فلا سبيل سوى عودة الحكومة بالكامل لدعم الأسر الإيرانية والتخلي عن جميع النزاعات، المبررة وغير المبررة، مع الدول الأخرى؛ لأن إصلاح النظام الاجتماعي وتحقيق الحيوية الاجتماعية لا يمكن تحقيقهما إلا من خلال دعم وتقوية الأسر الإيرانية.