- دنيا ياسر
- 33 Views
أجرت صحيفة “جام جم” الإيرانية الأصولية، الجمعة 23 مايو/أيار 2025، حوارا مع الدكتور علي باقري، نائب وزير الخارجية للشؤون السياسية وأمين المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية، حول رؤية حكومة حسن روحاني للسياسة الخارجية ومفاوضاتها غير المباشرة مع الولايات المتحدة، إضافة إلى أبرز ملامح الإدارة لدى الرئيس الراحل، خاصة في ما يتعلق بالسياسة الخارجية.
وتطرقت الصحيفة في الحوار إلى المسار الدبلوماسي للراحل حسين أميرعبداللهيان، وعلاقاته الواسعة مع شخصيات محور المقاومة، والدور الذي لعبته هذه العلاقات في تشكيل رؤيته السياسية

وفي ما يلي النص الكامل للحوار:
في ظل تزامن هذه الأيام مع ذكرى حادث تحطيم طائرة الرئيس الإيراني، ما أبرز ملامح السياسة الخارجية في حكومة رئيسي من وجهة نظركم؟
في هذا الصدد، لا بد من التأكيد على نقطتين مهمتين. أولاً، أن السياسة الخارجية كانت مسألة جادة ومطروحة على رأس أولويات الحكومة وشخص الرئيس. ويمكن ملاحظة هذا الأمر والاستناد إليه في مجالات ومظاهر مختلفة. فقد كان آية الله رئيسي يؤمن كثيرًا بدبلوماسية القمة، وكان يتابعها بجدية. اتصالاته الهاتفية مع رؤساء الدول والمسؤولين في البلدان المختلفة، واستجابته لطلبات المكالمات الهاتفية، وزياراته واستضافته للضيوف خلال فترة رئاسته، جميعها تدل على اهتمام حكومة آية الله رئيسي بمجال السياسة الخارجية واستغلاله لتعزيز مصالح البلاد وتحقيق أهدافها العليا.
وهذا جانب من المسألة؛ من جهة أخرى، لم تكن حكومة رئيسي تعتمد كليًا على السياسة الخارجية. بمعنى أن برامج الحكومة وجهود مسؤوليها لم تكن مشروطة بنجاح الخطوات على الساحة الدولية. بعبارة أخرى، حتى في حال تعثرت العلاقات الخارجية لسببٍ ما، فإن مسؤوليات الجهات المعنية لم تكن تتعطل.
ما المكاسب التي جنتها إيران من خلال اتباع حكومة رئيسي لهذين النهجين في السياسة الخارجية، أي: الاستفادة القصوى من الإمكانات، وعدم تعليق الخطط الوطنية على نتائج السياسة الخارجية؟
نظرًا لأن الأطراف الخارجية كانت تعلم أن برامج الحكومة الإيرانية لا تعتمد على إرادتهم أو قراراتهم، فقد أبدوا تعاونًا أكبر، مما ساعد على تسهيل مسار التفاعل معهم. وبالتالي، حتى في حال عدم تحقق هذا التعاون، لم تكن أنشطة البلاد تتوقف، بل كانت تُستخدم إمكانات أخرى سواء في المجال الدولي أو في الموارد البديلة.
من المهم الإشارة إلى أن السياسة الخارجية تتكون من ثلاثة مستويات:
مستوى السياسة الخارجية: يُحدَّد في أعلى مستويات النظام عبر قائد الثورة الإسلامية أو من خلال المجلس الأعلى للأمن القومي، وتتولى وزارة الخارجية تنفيذ هذه السياسات.
مستوى العلاقات الخارجية: يتمثل في تنظيم العلاقات مع الجهات الأجنبية كالدول، الكتل الإقليمية، المعاهدات والمنظمات الدولية، والجهات غير الحكومية. وهنا يجب أن تمتلك الخارجية خططًا واضحة لكل من هذه العناصر.
مستوى الدبلوماسية: هو الفن والأساليب التي تستخدمها وزارة الخارجية بشكل عام، والدبلوماسيون بشكل خاص، لإدارة العلاقات الخارجية وتحقيق أهداف السياسة الخارجية.
وبرأيي، وزارة الخارجية خلال فترة إدارة أميرعبداللهيان، أدّت مهامها بشكل جيد في هذه المستويات الثلاثة، وكانت مدركة لمسؤولياتها وحققت إنجازات ملموسة.
بما أن خاصية التعدد الكبير للجيران تعتبر ميزة لبعض الدول، ما أهمية هذا العامل لإيران وكيف تعاملت معه حكومة رئيسي؟
بلادنا تُعد من أكثر دول العالم امتلاكًا لجيران، حيث تحيط بها 15 دولة، وهذا يخلق إمكانيات متنوعة للغاية، كما يفرض عليها مسؤوليات جسيمة. ولذلك تُعتبر السياسة الخارجية المرتكزة على الجوار أولوية رئيسية للدولة.
حين نتأمل في دول الجوار كتركيا أو العراق، نلاحظ خصوصيات داخلية ووطنية متميزة لكل منها. فالعراق، مثلاً، عانى لسنوات من الإرهاب، وأفغانستان كذلك لها سمات فريدة. ولكلٍ منها شروطه التي تفرض أنماطًا مغايرة في التعامل.
أهمية تطبيق سياسة الجوار تتجلى في أن دولاً كانت على خلاف مع إيران قبل تولي رئيسي الحكم، كسرت الجمود وعادت العلاقات إلى طبيعتها، كتركمانستان وطاجيكستان (الأخيرة ليست جارة مباشرة، لكنها ضمن الجوار الثقافي والحضاري لإيران).
فلم يمضِ وقت طويل على تولي الرئيس مهامه حتى تلقى دعوة لحضور قمة منظمة شنغهاي في دوشنبه، والتقَ بالرئيس الطاجيكي، مما فتح فصلًا جديدًا في العلاقات بين البلدين، وتبعتها لقاءات مع مسؤولين من تركمانستان أيضًا.
ما نتائج تعزيز الثقة السياسية المتبادلة وتقوية الروابط والتعاون الاقتصادي مع الجيران خلال حكومة رئيسي؟
هذا التوجه أدى إلى نمو ملحوظ في حجم التبادل الاقتصادي مع عدد من جيران إيران، كدول الخليج (عمان مثلا)، والدول الشرقية كپاکستان، وغيرها كالعراق.
فقد ساهم تطوير العلاقات الاقتصادية إلى جانب ترسيخ الثقة السياسية في تهيئة أجواء ملائمة للاستقرار والسلام والأمن الجماعي في المنطقة.
إن تعزيز الثقة المتبادلة وترسيخ التعاون الاقتصادي يوفران قاعدة راسخة للأمن الذاتي الذي طالما سعت إليه الجمهورية الإسلامية، وهو من المبادئ التي أكد عليها قائد الثورة، بأن أمن المنطقة يجب أن يتحقق بأيدي دول المنطقة.
هذا المفهوم قد يستغرق وقتًا لتحقيقه، لكنه بدأ يجد أرضية صلبة خلال حكومة رئيسي.
إلى أي مدى أثرت سياسة الجوار في حكومة رئيسي على قبول دول المنطقة بفكرة التفاوض غير المباشر بين إيران والولايات المتحدة؟
أثمرت علاقات إيران مع جيرانها في عهد رئيسي عن مرحلة جديدة؛ حيث لم تسمح سياسة الجوار بترك فجوات في العلاقات يمكن أن تستغلها القوى المعادية للتسلل أو لإحداث قطيعة بين إيران وجيرانها.
رغم محاولات الأعداء المتكررة لخلق الشقاق، إلا أن هذه المحاولات لم تنجح، وباتت العلاقات الإقليمية تسير نحو مزيد من التفاهم.
والترحيب الإقليمي بدور إيران دليل على نجاح سياسة الجوار؛ فبعض الدول الإقليمية لديها علاقات مع قوى من خارج المنطقة تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة، مما قد يتعارض مع المصالح الجماعية.
لكن سياسة إيران القائمة على ترسيخ علاقات الجوار أقنعت الدول بضرورة النظر مجددًا في نمط العلاقات الإقليمية، والتأكيد على أن توطيد هذه العلاقات هو السبيل لضمان المصالح الوطنية.
في عام 2022، تم طرح موضوع إعادة العلاقات مع السعودية، وهي دولة مهمة في الضفة الجنوبية من الخليج الفارسي، وقد شهدت العلاقات معها صعودًا وهبوطًا على مدار عقود.
لكن توصل الجانبين إلى ضرورة فتح صفحة جديدة من العلاقات تم خلال فترة حكومة آية الله رئيسي، رغم أن مفاوضات متعددة جرت في عهد الحكومة السابقة في عمان وبغداد.
والجدير بالذكر أن سياسة الجوار في حكومة رئيسي كانت مؤثرة لدرجة أن دولة مثل البحرين، ورغم أن العلاقات السياسية معها لم تُستأنف رسميًا بعد، أرسلت وزير خارجيتها إلى إيران ثلاث مرات خلال شهرين فقط في صيف العام الماضي، للمشاركة في مراسم تشييع رئيسي، والمشاركة في مراسم تنصيب الرئيس الجديد، وفي اجتماع وزراء خارجية حوار آسيا. وهذا يعكس إدراك الطرف البحريني لوجود بيئة ملائمة لتفعيل علاقات جديدة مع إيران.
والركيزة الأساسية في سياسة الجوار كانت بناء وتعزيز الثقة السياسية المتبادلة، وقد بدأت هذه الثقة تتجلى منذ اللحظات الأولى من تنصيب رئيسي، ثم تلتها ركيزة ثانية وهي تعزيز الروابط والتعاون الاقتصادي مع الجيران.