“الأسئلة والشروط المتعلقة بالاتفاق الأمني بين تركيا والعراق”.. قراءة في التفاصيل والمستقبل

كتبت – آية زهران

على الرغم من أن الاتفاق الأمني بين بغداد وأنقرة يسهل التعاون الاقتصادي والسياسي، فإن وجود القوات التركية في شمال العراق يبقى تحديًا حقيقيًا في العلاقات الثنائية، مما يجعل الرؤية المستقبلية لتنفيذ الاتفاقات مبهمة”، وذلك وفق ما قال موقع “الوقت” التركي للتحليل السياسي يوم الأربعاء 21 أغسطس/آب 2024.

في الوقت الذي كانت فيه تركيا في العقد الماضي جزءًا من الأزمات في العراق وسوريا، اتبعت في الوقت الحالي سياسة التعامل مع الجيران.

اتفاق تركي عراقي

في هذا السياق، وبعد سنوات من الخلافات الحدودية بسبب وجود الجيش التركي في شمال العراق، أخيرًا توصلت تركيا والعراق الأسبوع الماضي إلى اتفاق أمني لحل النزاعات ومنع التوترات المستمرة.

تم توقيع هذا الاتفاق التاريخي خلال زيارة وزير الخارجية العراقي إلى أنقرة، حيث أعلن “هاكان فيدان” وزير الخارجية التركي يوم الخميس عن التوصل إلى اتفاق بشأن التعاون الأمني والعسكري ومكافحة الإرهاب بين البلدين، وأكد قائلاً: “من خلال المراكز المشتركة للتنسيق والتدريب التي تم التخطيط لها في إطار هذا الاتفاق، نعتقد أننا يمكن أن نصل بتعاوننا إلى مستوى أعلى.

كما أضاف مصدر دبلوماسي تركي في حديثه لوسائل الإعلام أن الاتفاق يؤكد على إنشاء مركز مشترك للتنسيق الأمني في بغداد، بالإضافة إلى مركز تدريبي وتعاون مشترك في بعشيقة، في محافظة نينوى.

وبدوره قال فؤاد حسين، وزير خارجية العراق، إن الاتفاق الذي تم يوم الخميس يُعد غير مسبوق في تاريخ علاقات البلدين، وعرض جزءًا عن هذا الاتفاق قائلاً: “وفقًا لمسودة الاتفاق، سيتم نقل مسؤولية قاعدة ‘بعشيقة’ إلى القوات المسلحة العراقية وتحويلها إلى مركز تدريبي، وقررت العراق وضع حزب العمال الكردستاني (PKK) في قائمة الأحزاب المحظورة.”

ومما يجدر بالذكر أن مسودة هذا الاتفاق الأمني تم الانتهاء منها الأسبوع الماضي، في الوقت الذي كان فيه أمر التعاون الأمني والسعي لتوقيع اتفاق شامل حول أهم القضايا الأمنية بين البلدين من الأمور الرئيسية في المفاوضات بين قادة تركيا والعراق خلال زيارة رجب طيب أردوغان إلى بغداد قبل ثلاثة أشهر.

لقد اخترق الجيش التركي لسنوات وحدة الأراضي العراقية بحجة التصدي لعناصر حزب العمال الكردستاني. وقد أدانت بغداد كثيرًا الهجمات الجوية (الصاروخية- الطائرة المسيرة) التركية في شمال العراق وسعت إلى رفع دعوى قانونية ضد أنقرة في المحافل الدولية.

في الأشهر الأخيرة، ومع بدء المفاوضات العلنية والسرية بين البلدين، أبدى المسؤولون العراقيون، مثل “عبد اللطيف رشيد” رئيس الجمهورية، أملهم في إمكانية التوصل إلى اتفاق من خلال المفاوضات الدبلوماسية.

لماذا ذهبت تركيا للاتفاق؟

إن موافقة تركيا على هذا الاتفاق الأمني بعد عقد من الهجمات من الحين للآخر على الأراضي العراقية يمكن مراجعتها من زوايا كثيرة، مما يشير إلى أن قادة أنقرة قد قاموا بتقييم جميع القضايا وتوصلوا إلى أن التعاون مع العراق في الوقت الحالي سيكون أكثر نفعًا لهم. 

يُذكر أن الحكومة العراقية قد تقدمت بشكاوى عديدة إلى الأمم المتحدة في السنوات الأخيرة بشأن الانتهاكات والاحتلال التركي لشمال العراق، وطالبت بوقف هذه الاختراقات.

كما طلبت الأمم المتحدة في تصريحات كثيرة من تركيا احترام سيادة العراق. 

بناءً على ذلك، كانت تركيا قلقة من أن كمّ الشكاوى العراقية ضد أنقرة في الأمم المتحدة يخدش مكانتها ويظهرها كدولة معتدية أمام العالم. لذلك، تسعى تركيا من خلال هذا الاتفاق الأمني إلى تجنب تقديم شكاوى جديدة من بغداد إلى الأمم المتحدة وتعزيز موقفها السياسي. 

وأظهرت تركيا في أزمة أوكرانيا وغزة  صورة السلام والتفاوض، وطلبت الوساطة بين الأطراف المتنازعة.

من العوامل الأخرى التي دفعت تركيا للتعاون مع بغداد هي مدى تأثير ردود الفعل التدريجية لمجموعات المقاومة العراقية، التي بعد سجلها الناجح في مكافحة الإرهاب وحركات الانفصال أصبحت الآن قوة متمكنة من الحفاظ على الأمن ووحدة الأراضي العراقية في المسائل الداخلية والمتعلقة بالمنطقة.

في السنوات الأخيرة، وصفت قوات الحشد الشعبي تركيا دائمًا بأنها معتدية وطالبت بخروج قواتها من الأراضي العراقية، وقامت في بعض الأحيان بهجمات صاروخية وطائرات مسيرة على بعض المواقع التركية. وقد أثبتت هذه المجموعات، التي نفذت مئات الهجمات على قواعد أمريكية في العراق وسوريا والتي نفذت هجمات أيضًا على الأراضي المحتلة خلال الأشهر العشرة الماضية منذ بداية حرب غزة، أنها تمتلك القدرة على مواجهة التحديات المكلفة والمعقدة التي تفرضها القوات التركية المعتدية على أراضي العراق.

في الواقع، كانت الهجمات المستمرة على القواعد الأمريكية أمرًا غير مسبوق بعد الحرب العالمية،  وكانت بمثابة نوع من التحذير للجار الشمالي، وكانت تُشير أن مقاومة العراق ستتعامل مع جميع المتجاوزين بنفس الأسلوب، وأنه ربما بعد الولايات المتحدة، ستكون تركيا هي التالية في مواجهة  المجموعات العراقية. لذلك، يحبذ أردوغان عدم الصدام مع مجموعات المقاومة التي غيرت معادلات المنطقة، لأنه يعلم أن الصدام مع هذه الجماعات سيضع عبئًا مكلفًا على أكتاف أنقرة.

ملحوظة أخرى هي أن تركيا تريد من خلال هذا الاتفاق الأمني أن يتحمل العراق جزءًا من برنامج مكافحة حزب العمال الكردستاني (PKK)، لكي يتحمّل هذا البلد أيضًا التهديدات الإرهابية من قبل هذه الجماعة.

كان العراق في الاتفاق الأمني مع إيران قد التزم بإبعاد الجماعات الانفصالية عن حدود إيران، وتركيا تسعى إلى الاستفادة من هذا الاتفاق للحصول على تعهدات مماثلة من بغداد. تعلم تركيا أن وجود قوات عسكرية طويلة الأمد في العراق والهجمات على مواقع الإرهابيين يتطلبان ميزانية ضخمة ولذلك تسعى من خلال هذا الاتفاق الأمني إلى تقسيم الأدوار، بحيث يشارك العراق أيضًا في هذه العمليات ضد الإرهاب.

ومع ذلك، ليس من المستبعد أن تسعى أنقرة لتحقيق هدف خفي من وراء هذا الاتفاق، وهو أنه إذا تهاون العراق في تنفيذ التزاماته، فقد تستخدم هذا كحجة لاستئناف الهجمات ضد حزب العمال الكردستاني (PKK) وتبريرها، مما يؤدي إلى صد الطريق أمام أي معارضة قانونية من بغداد.

الجانب الاقتصادي

إلى جانب العوامل الأمنية والعسكرية، يشكل الجانب الاقتصادي جزءًا كبيرًا من  الاتفاق الأمني بين أنقرة وبغداد.

 لأن العديد من دول المنطقة تتنافس في السيطرة على التجارة الدولية من خلال إنشاء ممرات اقتصادية وتجارية جديدة، تسعى تركيا للعب دور مركزي لربط التجارة بين آسيا وأوروبا.

منذ عرض الرئيس الأمريكي جو بايدن مشروع “ممر دلهي-الشرق الأوسط-أوروبا” العام الماضي، عارضت تركيا هذا المشروع، وسعت إلى تنفيذ ممرات بديلة بالتعاون مع شركائها في المنطقة. ولذلك، توصلت إلى اتفاق مع العراق لإنشاء ممر طريق التنمية “ميناء الفاو-تركيا-أوروبا”.

في ظل هذه الظروف، من المتوقع أن تصل قدرة ميناء الفاو إلى ٩٠ مرسى بحلول عام ٢٠٢٥، مما سيجعل هذا الميناء يتفوق على ميناء جبل علي في دبي كأكبر ميناء للحاويات في الشرق الأوسط.

عند إتمام هذا المشروع، سيزيد حجم التبادل التجاري مع العراق بشكل كبير، مما يوفر فرصًا عديدة لتسهيل صادرات تركيا إلى جنوب وشرق آسيا.

وفقًا للتصريحات الرسمية التركية، بلغت قيمة التجارة الثنائية بين تركيا والعراق في عام 2023 حوالي 19.9 مليار دولار. لذلك، احتاجت تركيا إلى التعاون الأمني مع العراق لتحقيق الاستفادة من الممرات الاقتصادية، واضطرت إلى الموافقة عليه لأسباب تجارية. فالممرات التجارية يمكن أن تنجح فقط عندما يسود الأمن في المنطقة، وكانت الاختراقات التركية للأراضي العراقية وهجمات الحركات الانفصالية تشكل عائقًا في هذا الصدد.

لتحقيق الأهداف والنتائج المرجوة من مشروع طريق التنمية، يبدو تعزيز العلاقات الدبلوماسية مع الجيران ضروريًا، وتسعى أنقرة، بعد تطبيع العلاقات مع الخليج العربي، إلى تعزيز العلاقات مع العراق أيضًا وتحقيق خططها التجارية الطموحة.

هذه الاتفاقيات الأمنية والاقتصادية لها فوائد كثيرة للعراق أيضًا حيث يمكن لهذا البلد في المستقبل، إذا قررت أنقرة مواصلة سياساتها العدوانية، الضغط عليها بوقف الشريان الاقتصادي الحيوي لتركيا والحصول على امتيازات.

الرؤية المبهمة للاتفاق

على الرغم من أن تركيا والعراق قد أبرما اتفاقًا أمنيًا، إلا أنه بالنظر إلى التجارب السابقة، لا يزال الغموض، إلى أي مدى سيتم تنفيذ هذه الاتفاقات على أرض الواقع.

من ناحية أخرى، يبقى موقف حزب العمال الكردستاني (PKK) مهمًا في هذا السياق وكيفية رد فعله على هذا الاتفاق الأمني، وما إذا كانت بغداد ستظهر الإرادة اللازمة لمواجهة هذه العناصر الإرهابية أم لا. كل شيء يعتمد على مدى التزام بغداد وأنقرة بتنفيذ اتفاقيتهما للقضاء على التهديدات الأمنية على الحدود المشتركة.

التعاون الحقيقي بين البلدين سيأخذ شكل جديًا فقط إذا احترم كلاهما سيادة الآخر وامتنعا عن أي نوع من الاحتلال.

حاليًا، تمتلك تركيا ما يقرب من 30 قاعدة في شمال العراق، والجميع في العراق يريدون أن تُسلم تركيا إدارتها إلى الحكومة المركزية لتثبت نواياها الحسنة. ولكن إذا قررت أنقرة الاستمرار في تواجدها فستستمر التحديات مع العراقيين، مما سيؤثر سلبًا على العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين.