- زاد إيران - المحرر
- 6 Views
نشرت وكالة أنباء “خبر أونلاين” الإيرانية المحافظة المحسوبة على مكتب علي لاريجاني، الإثنين 23 يونيو/حزيران 2025، حوارا مع صادق زيبا كلام، المحلل في الشؤون السياسية، حول التصعيد العسكري الأخير بين إيران وإسرائيل، وتداعياته على المجتمع الإيراني، والتلاحم الوطني، وأداء إيران في مواجهة الهجمات الإسرائيلية، فضلا عن رؤيته لمواقف المعارضة في الخارج.
وفي ما يلي نص الحوار:
هل تشكّل هذا التلاحم الوطني خلال الحرب بين إيران وإسرائيل؟ وإلى أي مدى حصل؟ وهل كان بالحجم المتوقع؟
لا أعلم على وجه الدقة مدى وجود التلاحم أو الوحدة أو التضامن، فلم يظهر شيء واضح يمكنني القول إنه يُجسِّد هذا التلاحم. لكن ما يمكنني قوله بثقة أكبر هو أن التصوّر الذي كانت تحمله المعارضة في الخارج، مثل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ورضا بهلوي نجل الشاه محمد رضا بهلوي، والأمريكيين، لم يتحقّق.

وكانوا يتوقعون أنه في حال اندلاع الحرب والمواجهات، سينزل الناس إلى الشوارع، ويعلنون الإضرابات، ويطلقون التظاهرات، وأن النظام سيسقط. لكن هذا الأمر لم يحدث على الإطلاق. فالإيرانيون، رغم ما يحملونه من انتقادات أو استياء تجاه النظام، لم يُبدوا أي استعداد للوقوف إلى جانب العدو أو التماهي مع مواقفه في لحظة تعرّض إيران لهجوم من قِبل إسرائيل.
وسعت قناة إيران إنترناشونال بكل طاقتها لخلق انطباع بوجود احتجاجات داخلية، فزعمت حصول هتافات مناهضة للنظام في بعض مناطق طهران، أو وقوع أحداث في رشت وغيرها. غير أن الواقع، كما يدركه حتى مطلقو تلك المزاعم، مختلف تماما—فهم يعلمون جيدا حجم المبالغة التي يروّجون لها. ولم تخطر ببال أحد حتى فكرة النزول إلى الشارع للاحتجاج ضد النظام في مثل هذا التوقيت. تلك هي الحقيقة الأولى.
والنقطة الثانية هي أن النظام، في المقابل، لم تكن لديه أي توقعات أو مطالب من الناس، بل اكتفى بقول حافظوا على هدوئكم. ومن أراد مغادرة طهران، لم يكن هناك ما يمنعه؛ ومن لم يُرِد، لم يُجبر. بشكل عام، كان الناس أحرارا في أن يغادروا طهران أو المدن الكبرى أو أن يبقوا فيها.
ففي اليومين الأولين، سادت حالة من الارتباك، فازدحمت المخابز بشكل كبير وامتدت طوابير البنزين لمسافات طويلة. لكن تدريجيا أدرك الناس أنه لا داعي لهذا القدر من القلق؛ فلا حاجة لشراء كميات كبيرة من الخبز، أو ملء خزانات السيارات بالكامل، أو تخزين البنزين في المنازل، أو تكديس المواد الغذائية. فهذه السلوكيات لم تحدث، وذلك نتيجة وعي الناس وإدراكهم أن الوضع لا يستدعي مثل هذه الإجراءات في الوقت الراهن.
وبرأيي، أهم ما يمكن قوله مع بداية الأسبوع الثاني من الحرب هو أن التصوّر الذي كانت تحمله المعارضة في الخارج—من أنصار الملكية، رضا بهلوي، ونتنياهو، وقناة إيران إنترناشونال، وخبراؤهم ومحللوهم—بشأن السقوط الوشيك للنظام الإيراني، كان خاطئا تماما. فلم تُسجَّل أي علامة على انهيار النظام؛ بل على العكس، فقد أظهر النظام صلابة وتماسكا وانسجاما أكبر مما كانوا يتوقعون.
.
إنّ اعتقاد بعض أطراف المعارضة في الخارج بأنّ الهجوم الإسرائيلي على إيران سيؤدي سريعا إلى خروج الناس إلى الشوارع أو إلى انهيار النظام من تلقاء نفسه، لم يتحقق هو الآخر. فلقد أدرك الأمريكيون، والإسرائيليون، ورضا بهلوي، والمعارضة عموما، أنّ النظام الإسلامي في إيران—شاءوا أم أبوا، أحبّوا ذلك أم لا—أقوى عسكريا مما كانوا يتصورون، وأنّ صموده في مواجهة الهجمات الإسرائيلية كان لافتا.
وبالمجمل، لم يكن تصوّرهم الأول — اندلاع انتفاضة شعبية — صحيحا، ولا حتى تصوّرهم الثاني — حدوث انهيار سريع للنظام — قد تحقق على أرض الواقع. فهذه أمور يمكن الجزم بها حتى هذه المرحلة.
هل ترون أن الحرب الدائرة هي ضد النظام السياسي فقط وليست ضد إيران كوطن، كما يذهب بعض المحللين الذين يميزون بين الجمهورية الإسلامية وإيران؟
حتى الآن، لم تصل هذه الحرب إلى عمق يجعل الإيرانيين يتساءلون: ماذا علينا أن نفعل؟ هل ينبغي أن نحمل السلاح وندافع عن النظام أم لا؟ كما أن النظام لم يطلب شيئا من الشعب حتى الآن؛ ولم يَدْعُ الناس للتطوّع، أو التوجّه إلى الجبهة، أو المشاركة في القتال.
لذا، فإن الحديث عن التمييز بين حرب ضد الجمهورية الإسلامية أو حرب ضد إيران ككل، لم يتبلور حتى هذه اللحظة بحيث يمكن القول إن هذه الحرب موجّهة ضد النظام أو ضد الوطن؛ لم يحدث شيء من هذا القبيل.
صحيحٌ أن بعض أطراف المعارضة، إلى جانب قناة إيران إنترناشونال، حاولوا جاهدين أن لا تَمنح هذه الحرب طابعا وطنيا أو قوميا أو إيرانيا. وسعوا لتصوير الأمر على النحو التالي أيها الناس، لا تنضموا، لا تدعموا هذا النظام، لا تساندوا هذه الحرب؛ هذه معركة بين النظام وإسرائيل، لا علاقة لكم بها، وهي ليست حربا بين الإيرانيين والأجانب. وقد بذلت المعارضة جهدا كبيرا لترسيخ هذا الانطباع، لكن برأيي، فشلت فشلا تاما في ذلك.
هل ترون أن هذه الحرب أوجدت ظرفا يمكن أن يُسهم في ترميم الشرخ التاريخي بين المجتمع والنظام السياسي في إيران؟ وهل هناك إمكانية لترميمه في المستقبل؟
لا؛ لا يزال الشرخ قائما في مكانه. والانتقادات، والاعتراضات، والاستياء من النظام ما زالت قائمة، وكذلك أوجه القصور. كما أن المطالب المدنية لشريحة كبيرة من الشعب الإيراني لا تزال مطروحة ابتداءا من المطالبة بانتخابات حرة، إلى الإفراج عن السجناء السياسيين، وحرية الصحافة.
فلا تزال هذه المطالب موجودة، وتُعَد من مطالب الشعب. كما أن مسألة ضرورة خضوع الحكومة للمساءلة بشأن سياساتها وقراراتها لا تزال قائمة، وكذلك النقاش حول كون البرلمان لا يُمثّل فعليا مجلسا وطنيا وشعبيا. ولا يمكن تجاهل هذه الأمور، أو الادعاء بأنه، لمجرد أن إسرائيل هاجمت إيران، ينبغي أن نُسقط كل هذه المطالب من الحساب.
إن الانتقادات التي أوجّهها اليوم إلى النظام في إيران لم تختلف عمّا كنت أعبّر عنه في أواخر شهر مايو/أيار 2025، فما زالت هي ذاتها. غير أن الترحيب بالهجوم، والاعتقاد بأن أمر النظام قد انتهى، برأيي ليس سوى وهم وتفاؤل ساذج من قِبل المعارضة في الخارج.
كيف تُقيّم أداء القوات المسلحة، والحرس الثوري، وسائر المؤسسات العسكرية؟
ما يمكنني قوله إجمالا هو أنني لا أرحّب أبدا بسقوط ضحايا من المدنيين، لا في إيران ولا في أي مكان آخر من العالم. لكن في الوقت نفسه، أعتقد أن القدرات العسكرية الإيرانية قد فاجأت الإسرائيليين والأمريكيين إلى حدّ كبير؛ إذ ظهر أن إيران أقوى عسكريا بكثير مما كان يُتوقّع.
وأظنّ أن القوة العسكرية لإيران تجاوزت بكثير ما كان الأمريكيون والإسرائيليون يتصورونه. وصحيح أننا تلقّينا ضربات عسكرية كبيرة خلال الأسبوع الماضي، لكن برأيي، القدرات العسكرية التي أظهرتها إيران أدهشت الطرفين.
لقد كانوا يتوقّعون أنه بعد بضعة أيام سترفع إيران الراية البيضاء وتعلن استسلامها، لكن ما حدث هو العكس تماما؛ فإيران لم تستسلم، بل أثبتت أنها تمتلك قدرة عسكرية كامنة لا يُستهان بها، وأنها ليست من النوع الذي يرفع الراية البيضاء ويتراجع بسهولة.
هل تعتقدون أن الحديث عن احتمال دخول الولايات المتحدة الحرب يعود إلى عدم استسلام إيران؟
بالضبط. انظر، لو كانت إيران قد استسلمت، أو لو كانت قد بدأت بالتوسل والاستعطاف، لما كان هناك أي داع لتدخل الأمريكيين. كما ذكرتُ سابقا، فالقدرات العسكرية لإيران تبيّنت أنها أكبر بكثير مما كان الأمريكيون والإسرائيليون يتوقعونه. ففي البداية، لم يكن الأمريكيون يرغبون في الدخول في الحرب، لأنهم كانوا يظنون أن الإسرائيليين سيحسمون الأمر وحدهم.
ولكن مع مرور الوقت، باتت إيران تُظهر أنها ليست ذلك النظام الضعيف الذي يهتز أمام أول هبّة ريح. وتبيّن لهم أن الإسرائيليين، بمفردهم، غير قادرين على تحقيق نصر عسكري.
كيف ترون مستقبل التصعيد بعد دخول الولايات المتحدة واستهدافها للمنشآت النووية الإيرانية؟
أعتقد أن حربا مباشرة بين إيران والولايات المتحدة لن تندلع. ما حدث هو أن الولايات المتحدة شنّت هجمات على بعض منشآتنا، وحجم الأضرار الناتجة عن هذه الهجمات لا يزال غير واضح. لكنني لا أزال أرى أن ردّ إيران سيكون مدروسا، ولن يكون من النوع الذي يُوسّع دائرة المواجهة بين البلدين.
فمثل هذا التصعيد قد يُلحِق أضرارا جسيمة بإيران. وبرأيي، فإن المسؤولين في إيران يُدركون هذه المسألة جيدا، وسيتعاملون مع الهجوم على المنشآت النووية بطريقة محسوبة، لا تُفضي إلى اندلاع حرب شاملة أو مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة.
في رأيكم، ما المدى الزمني المحتمل لاستمرار هذه الحرب؟ وكيف تتوقّعون أن تنتهي، أو ما نتائجها المتوقعة؟
أعتقد أن إيران لا تُصرّ على استمرار الحرب، لكنها في الوقت نفسه لا تُبدي استعدادا للاستسلام. فهي لا تريد أن تقول نفّذوا ما شئتم، لكنها أيضا لا تسعى أو تُصرّ على القول بأن الحرب يجب أن تستمر.
إن صمود إيران حتى هذه المرحلة جاء على خلاف توقّعات وتقديرات الإسرائيليين والأمريكيين. لكن هذا لا يعني أن إيران ترغب في استمرار الحرب، على الإطلاق، فهي لا تريد للحرب أن تطول، لأن البُنى التحتية في إيران تتعرض لأضرار جسيمة. ومع ذلك، ينبغي ألا ننسى أن الإسرائيليين أيضا يدفعون ثمنا باهظا لاستمرار الحرب، سواء من الناحية المالية أو النفسية، كما أن الرأي العام داخل إسرائيل بدأ شيئا فشيئا يُعارض استمرارها.