الأنيميشن وسينما الأطفال في إيران: إقبال داخلي واسع وحضور في الأسواق العالمية

كتبت :سارا حسنى زاده

ترجمة: دنيا ياسر نور الدين 

شهدت سينما الأطفال والناشئة في إيران خلال السنوات الأخيرة نموا ملحوظا؛ حيث لم تقتصر نجاحاتها على شباك التذاكر فحسب، بل تحولت إلى أداة مهمة لتمثيل الثقافة والقيم والأحلام الإيرانية. وعلى الرغم من التحديات الجادة التي واجهت السينما الإيرانية في الأعوام الأخيرة، فإن مؤشرات التقدم في الجوانب التقنية، والتسويق، وحتى التدويل، قد بعثت على قدر كبير من التفاؤل تجاه هذا المجال.

وبحسب التقارير الرسمية، فقد حققت ثلاثة أفلام موجهة للأطفال واليافعين أُنتجت هذا العام، وهي “ابن الدولفين 2″، و”مدينة الأحلام”، و”بامبولك”، مجتمعة أكثر من 600 ألف دولار  تقريبا من الإيرادات، وجذبت ما يزيد عن 600 ألف مشاهد إلى دور السينما؛ وهي أرقام تجعل هذا النوع في المرتبة الثالثة من حيث المبيعات بعد الأفلام الدينية والتاريخية. أما من حيث الإنتاج، فتنتج إيران سنويا ما بين 5 إلى 7 أفلام طويلة للأطفال واليافعين، إلى جانب نحو 10 إلى 15 مشروع أنيميشن قصير وطويل، يشارك بعضها في مهرجانات دولية.

بدأت سينما الأطفال في إيران في السبعينيات (1970م) مع أفلام مثل “الرحلة السحرية” و”مدينة الفئران”، التي وجدت طريقها إلى قلوب العائلات تدريجيا. وبعد الثورة، لعبت مؤسسات مثل “مركز تنمية فكر الأطفال واليافعين” دورا رئيسيا في استمرار هذا النوع. وقد نالت أفلام مثل “مدرسة الفئران”، و”الجرّة”، و”أين بيت الصديق؟” في عقدي الثمانينات والتسعينات اهتماما واسعا، ليس فقط داخل إيران بل في المهرجانات العالمية أيضا. ويستمر هذا الإرث اليوم بأساليب أكثر حداثة من خلال استخدام تقنيات الأنيميشن الثلاثي الأبعاد.

وقد أثبتت أفلام مثل “مدينة الأحلام” و”ابن الدولفين 2″ أن إيران ليست بعيدة تقنيا عن المعايير العالمية. يقول رضا خيراندیش، مخرج فيلم “ابن الدولفين”، في تصريحات إعلامية: “هدفنا كان دائما تجاوز حدود إيران؛ وندرك تماما أن التقنية وحدها لا تفتح الطريق إلى السوق العالمي، لكنها الخطوة الأولى نحو ذلك.”

شارك “ابن الدولفين” في عدة مهرجانات دولية، منها “زغرب” و”أنسي”، وفاز بجوائز مثل دبلوم الشرف لأفضل فيلم أنيميشن عائلي. وقد حقق الجزء الثاني من الفيلم مبيعات داخلية بلغت 350 ألف دولار تقريبا، وإيرادات دولية بلغت نحو 2 مليون دولار، ليُعد بذلك من أنجح المشاريع الثقافية الإيرانية المصدّرة.

من ناحية أخرى، حاول استوديو “آينده ‌نگار” (مستشرفو المستقبل) من خلال فيلم “مدينة الأحلام” البناء على تجربته السابقة في فيلم “بنيامين” عام 2019. وقد أظهر هذا الفيلم إمكاناته من خلال تحقيقه 58.3 ألف دولار تقريبا خلال الأحد عشر يوما الأولى من عرضه، ما يدل على أن السوق المحلي متعطّش لإنتاجات محلية جذابة. ويقول محمد همداني، منتج “بنيامين”: “بدأنا من مشروع عائلي بسيط، واليوم بتنا نفكر في الأسواق الإقليمية بل والعالمية.”

ورغم هذه النجاحات، لا يغفل النقاد التحديات القائمة. فبحسب ناهيد طباطبائي، الباحثة في مجال الطفولة واليافعين، فإن “حبكة القصص” تمثل التحدي الأكبر في هذا المجال؛ فرغم التقدّم التقني، لا تزال القصص التي يمكنها جذب الأطفال عالميا قليلة.

كما تُعدّ الإعلانات من نقاط الضعف الأخرى في سينما الأطفال الإيرانية؛ فخلافا للشركات العالمية الكبرى التي تعتمد على استراتيجيات تسويق متنوعة، لا تزال العديد من الأفلام الإيرانية تكتفي بالإعلانات التلفزيونية وعدد محدود من المقاطع الترويجية على مواقع التواصل.

كذلك، يبرز نقص الاستثمار الخاص والاعتماد المفرط على الدعم الحكومي كعقبة رئيسية. إذ تواجه العديد من الاستوديوهات صعوبات كبيرة في تمويل مشاريعها، وهو ما يقلل من مستوى المجازفة والابتكار.

وتؤدي هذه الأفلام دورا لا يُستهان به في ترسيخ الهوية الوطنية والاجتماعية لدى الأطفال. إلى جانب ذلك، فإنها تساهم في تعليم قيم مثل الصداقة، والتضامن، وحل المشكلات، ضمن إطار ترفيهي. ويعتقد بعض علماء النفس أن مشاهدة الأطفال لقصص محلية يمكن أن تعزز ثقتهم بثقافتهم وهويتهم.

وبالإضافة إلى “ابن الدولفين” و”مدينة الأحلام”، فقد سجلت أفلام أخرى مثل “فيلشاه” عام 2017، و”بنيامين” عام 2019، نجاحات مماثلة. وقد تجاوزت مبيعات “فيلشاه” 133.3 ألف دولار تقريبا، وشارك في مهرجانات دولية مثل “كان” و”أنسي”، ويُعد من أولى المحاولات الناجحة في تصدير الإنتاجات الثقافية الإيرانية. وكان لاستخدام فرق شابة، والتعاون مع مستشارين دوليين، دور مهم في هذا النجاح.

وعند المقارنة بدول المنطقة، تحتل إيران مرتبة متقدمة من حيث حجم إنتاج أفلام الأنيميشن وسينما الأطفال. وبحسب الخبراء، فإن تركيا ومصر فقط تُعتبران منافسين جديين لإيران في هذا المجال. غير أن إيران لا تزال متأخرة عن تركيا في التوزيع الدولي والتسويق؛ إذ نجحت تركيا في تصدير أعمالها إلى الشرق الأوسط وأوروبا وأمريكا اللاتينية من خلال القنوات الفضائية والمنصات الرقمية.

وقد تضاعف عدد أفلام الأنيميشن المُنتجة في إيران خلال العقد الأخير، وتسعى استوديوهات مثل “آينده ‌نگار” و”پرواز” إلى عقد شراكات استثمارية مع شركات أجنبية. كما أن انفتاح إيران على أسواق إقليمية كتركيا وروسيا وبعض الدول العربية، قد فتح آفاقا جديدة في هذا المجال.

ويعتقد الخبراء أن وجود شريحة سكانية شابة في إيران والمنطقة، إلى جانب الاعتماد على قصص محلية ذات جودة فنية عالية، يمكن أن يجعل من سينما الأطفال الإيرانية لاعبًا جديا في السوق العالمية. يقول رضا خيراندیش: “إذا أردنا أن يصل صوت أطفال إيران إلى العالم، فعلينا أن نكون أكثر جرأة؛ سواء في السرد القصصي أو في استراتيجيات التسويق.”

وقد سعت الحكومة الإيرانية في السنوات الأخيرة إلى دعم إنتاج الأنيميشن، غير أن المختصين يرون أن تحقيق نقلة نوعية حقيقية يتطلب دورًا أكبر للقطاع الخاص. يقول عليرضا رضايي، مدير أحد استوديوهات الأنيميشن: “طالما بقينا نعتمد فقط على الدعم الحكومي، فلن نتمكن من دخول السوق العالمية بجدية. على القطاع الخاص أن يتدخل ويخوض مغامرة استثمارية حقيقية.”

ومن التحديات الأخرى البارزة، النقص في الكوادر البشرية المؤهلة. يقول علي جعفري، أستاذ في جامعة الفنون: “كثير من الشباب الموهوبين يضطرون إلى التعلم الذاتي، لأن التعليم الأكاديمي لدينا متأخر. نحن بحاجة إلى الاستثمار في تدريب أنيماتورين محترفين.”

وفي استطلاع للرأي أُجري بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 إلى 12 عاما بعد مشاهدتهم فيلم “مدينة الأحلام”، أبدى معظمهم إعجابهم بالشخصيات المحلية مثل “آرش” و”نرگس”، واعتبر البعض أن تصميم هذه الشخصيات يفوق في جودته بعض أفلام الأنيميشن الأجنبية المماثلة.

إن سينما الأطفال في إيران تشهد حالة من النمو؛ والنجاحات التقنية والإيرادات تشير إلى الإمكانيات الكبيرة التي يتمتع بها هذا القطاع. لكن من أجل أن تتحول إلى لاعب فاعل على الساحة العالمية، لا بد من إيلاء اهتمام أكبر بالسرد القصصي، والتسويق، والاستثمار الخاص، وتدريب الكوادر البشرية. وإذا ما تم اتباع هذا الطريق بالشكل الصحيح، فقد يأتي يوم يكبر فيه أطفال العالم على شخصيات مثل “آرش” و”نركس”.