- زاد إيران - المحرر
- 50 Views
أجرى الحوار: إيناس أنور
أكد الدكتور أحمد العناني، الباحث في الشؤون الإيرانية وشؤون الشرق الأوسط، أن إيران ستشهد تقلبات متعددة بالمنطقة خلال الفترة القادمة، مدعياً أن الشعب غير منشغل بالانتخابات سواء الرئاسية أو التشريعية، لأنه يعلم أن ما يريده المرشد الأعلى سيكون، لذلك جاءت المشاركات السياسية في الانتخابات السابقة ضعيفة.
“زاد إيران” التقى الدكتور أحمد العناني الخبير بالشؤون الإيرانية، ليفتح لنا جميع الملفات التي سوف تشهدها الجمهورية الإيرانية خلال الفترة المقبلة، وإلى أين وصلت التحقيقات بشأن مقتل الرئيس إبراهيم رئيسي، وما أهم الملفات السياسية والاقتصادية التي تسعى إليها إيران بعد اختيار رئيسها الجديد، فإلى نص الحوار:
– كيف ترى المشهد السياسي الحالي داخل إيران؟
في البداية لا بد أن نتحدث عن المشهد السياسي الإيراني والدولة العميقة الممثلة في شخص المرشد، والحرس الثوري، والمتحكمين في البرلمان ومجلس صيانة الدستور وغيره من المؤسسات التي تحكم العملية الانتخابية والتوجيه بشكل عام، ومن وجهة نظري الشعب الإيراني أصبح لا يأبه تماماً بالانتخابات سواء الرئاسية أو التشريعية، لأنه يعلم أن ما يريده المرشد الأعلى سيكون، لذلك جاءت المشاركات السياسية في الانتخابات السابقة ضعيفة، وإن كانت تختلف هذه المرحلة بوجود عدد من الإصلاحيين والمحافظين في الانتخابات.
– هل يحسم المحافظون المنافسة على الانتخابات؟
أعتقد أن هناك أسماء مقربة من المرشد ستحظى بأهلية مجلس صيانة الدستور حتى من الإصلاحيين، ولكن الأسماء الأقوى التي تنال ثقة المرشد حتى الآن، هي: باقر قليباف رئيس مجلس الشورى، ومحمد مخبر الرئيس الحالي المؤقت. وأيضاً الأعلى حظاً- من وجهة نظري- هو سعيد جليلي، كبير مفاوضي الاتفاق النووي وممثل المرشد بمجلس الأمن القومي.
– هل يمتلك الإصلاحيون أي أوراق للمنافسة في الانتخابات؟
لا أعتقد أن الإصلاحيين قادرون على أن يمثلوا نسخة ثانية مع حسن روحاني الرئيس السابق، لأنَّ توجه الدولة الإيرانية ومؤسساتها العميقة وضمنها الحوزات الدينية والحرس الثوري الإيراني والمرشد الأعلى، هو أن يكون ممثلها من المعسكر المحافظ، لأسباب عديدة، أهمها أن المنطقة تحتاج إلى إبراهيم رئيسي آخر لديه علاقات وطيدة مع محور الممانعة والمقاومة، وأيضاً توجه عدائي ضد إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية.
– وماذا عن التوجه السياسي الداخلي في الوضع الراهن؟
التوجه السياسي الآن، لا يريد فرداً من أفراد المعسكر الإصلاحي المنفتح على الإتفاق النووي الإيراني، ويرضخ للجانب الأمريكي، فكل هذه حسابات لدى المؤسسات الحاكمة وضمنها المرشد الأعلى علي خامنئي، ومن ثم أعتقد أنه لن يأتي أحد من المعسكر الإصلاحي، بخلاف أن المحافظين بشكل عام لا يستطيعون تقديم أنفسهم للمرشد الأعلى بصورة أفضل، على غرار أنهم سيجعلون من إيران دولة قوية في الإقليم.
– كيف يؤثر الملف الاقتصادي على نسب التصويت.. ومن هو المسؤول عنه؟
من وجهة نظري، سيزيد المحافظون داخل إيران الوضع تعقيداً في الملف الاقتصادي، لأن نقيضهم من المعسكر الإصلاحي كان يرى أن الانفتاح على الغرب في الاتفاق النووي ما هو إلا تقديم تنازلات، من خلال تقزيم دور إيران في المنطقة وتراجع موقفها السياسي، مقابل إنعاش الخزائن الاقتصادية من جني ثمار توطيد العلاقات الأمريكية الإيرانية.
– وهل لدى الإصلاحيين رؤية اقتصادية واضحة؟
في اعتقادي الشخصي، الإصلاحيون لديهم رؤية استراتيجية لدعم الهيكل الاقتصادي الداخلي من خلال تحجيم الدور الإيراني بالمنطقة في سبيل ارتفاع معدلات النمو، وإبرام اتفاقيات جديدة مع الغرب بالملف النووي على غرار إرضاء الولايات المتحدة الأمريكية، ورفع العقوبات عن إيران، إضافة إلى جني ثمار من تصدير النفط، الذي حرمت منه الجمهورية الإيرانية خلال الفترات الماضية.
وهذا ما يتنافر مع توجه التيار المحافظ، الذي يرى أنه لا بد من وجود مفاوضات، لكن بشروط تتناسب مع الدولة الإيرانية، أولها استمرار إيران في عمليات تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، ودعم محور الممانعة والمقاومة، والتوغل في إرباك المشهد الإقليمي، فالمحافظون يشعرون تماماً بأن قوة القاعدة العسكرية تأتي من قوة دعم المقاومة الممثلة في أذرع إيران بالمنطقة، إذن هذا الموقف سوف تترتب عليه نتائج عكسية في الملف الاقتصادي، ومن ثم أعتقد أن الإصلاحيين سيكونون أكثر نجاحاً في الملف الاقتصادي.
– كيف يتم تداول ملف الاتفاق النووي على طاولة الانتخابات الرئاسية؟
بالنسبة للاتفاق النووي، تختلف السياسات عند كلا التيارين: التيار المحافظ والتيار المعتدل، فهناك سياسة ينتهجها المحافظون تختلف تماماً عن سياسة التيار الإصلاحي، فكما ذكرنا، الإصلاحيون يرون أن الانفتاح على الجانب الأمريكي وتوقيع اتفاق نووي يعدان بمثابة حماية أولاً للجانب الإيراني تجني الحكومة منه مكاسب اقتصادية مستقبلاً، ويترتب عليه انفتاح الجمهورية الإيرانية على المجتمع الغربي.
– وماذا عن الجانب الآخر؟
أما على الصعيد الآخر، فتيار المحافظين يرى أنه رغم وجود مفاوضات مشتركة بين إيران وأوروبا، فإنها يجب أن تكون بشروط إيرانية محددة لحماية الأمن القومي الإيراني، حيث إن الجانب الأمريكي يرغب في تقليم أظافر القوة الإيرانية ويستهدف إنهاكها، وهذا ما يرغب فيه التيار المحافظ، وهو أن يحقق شروطه وأهواءه الداخلية، من خلال تنفيذ ورضوخ الجانب الأمريكي لأهم الشروط التي تسعى إليها الحكومة الإيرانية وهو استمرار عملية تخصيب اليورانيوم عند نسبة 60%، أما عن باقي الشروط فمن الممكن أن يتم التفاوض عليها بما يتناسب مع أفكار وتوجهات السياسات المختلفة.
– وماذا عن الملفات الخارجية، ما الملفات المستهدفة أمام الرئيس الجديد؟
أرى أن الملفات الخارجية تظل أيضاً محل اختلاف أمام التوجهين، فالتيار المحافظ ما زال يرى أنَّ دعم الجماعات المسلحة في المنطقة، من أسباب قوة نفوذ إيران ، وهو ما يثير غضب التيار الإصلاحي، حيث يرى أنه لا بد من تحجيم دور المقاومة، أو بمعني أدق، لا يريد أن يثير غضب الولايات المتحدة.
– كيف سيواجه الرئيس الفائز العقوبات الأوروبية والأمريكية؟
بالتأكيد، المفاوضات هي الحل الأمثل بالنسبة للتيار المحافظ، فهم يرون أن الاتفاق على العقوبات هو السبيل الوحيد لمواجهة الأزمات الاقتصادية، حيث يظل تحريك عقوبات النفط يحتل المركز الأول علي طاولة حل الأزمات؛ لكونه أهم مصدر للدخل الإيراني.
وبالرجوع إلى الخلف، فلن ننسى أن فرض العقوبات على إيران من قِبل الجانب الأمريكي بسبب تهريبها النفط لعدة دول، والذي أسفر عنه تقليص حجم تصديرها خاصة للصين، التي تعد أكبر مستورد للنفط الإيراني بما يقرب من 700 مليون برميل يومياً، لذلك فكلا التيارين مشترك في طرح المفاوضات للالتفاف على العقوبات بجميع القطاعات وأهمها ملف النفط بالتأكيد، وهذا ما تعمل عليه إيران في الاتفاقات الأخيرة، فكما نعلم أنه قد تم إبرام اتفاق في فترة تولي الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي بمبادرة قطرية، والإفراج عما يقرب من 5 مليارات دولار مجمدة من بنوك كوريا الجنوبية.
– ما خطورة الملفات الخارجية على الرئيس الفائز.. سواء العلاقات مع السعودية أو مصر؟
بالنسبة لملف السياسية الخارجية، أرى أن أي مرشح محافظ سيأتي سوف يعمل على الانفتاح على الجانب السعودي أو الإماراتي أولاً، أيضاً يوجد العديد من المفاوضات التي وضعها المحافظون بقيادة الرئيس إبراهيم رئيسي، وهذه الملفات من المؤكد أنها ستستمر.
وكما نعلم، أبرز تصريحات المرشد الأعلى التي جاءت لتحمل جملة “لا تغيير في سياسة إيران الخارجية”، وسواء إن كان الفائز من التيار المحافظ أو الإصلاحي فتستمر إيران في دعم المليشيات بالمنطقة.
ومن ناحية أخرى، فإنه سوف تجري مباحثات استكشافية مصرية إيرانية لتطبيع العلاقات وتوطيدها مرة أخرى، فإيران رأت في مصر دولة قوية بمنطقة الشرق الأوسط، ولا بد من عودة العلاقات بين الحكومة الإيرانية والدول التي كانت بها قطيعة، ومصر تلعب دوراً مهماً في هذا الملف. إذن، الانفتاح على المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات والبحرين يعد أحد الملفات المهمة في السياسة الخارجية بالنسبة للإصلاحيين أو المحافظين.
– وماذا عن الملف اليمني، كيف يسهم الرئيس القادم في حله؟
الملف اليمني ملف معقد ومتشابك، وسيصعب الخطوات على الرئيس الفائز، فالحوثيون يسيطرون بنسبة كبيرة على العاصمة صنعاء، وهم أصحاب القرار سواء إن كان قراراً سياسياً أو عسكرياً، ومن ثم أعتقد أن هذا الملف ستُبقيه إيران في حوزة الجانب الحوثي، ولن تعمل على حلحلة الأزمة اليمنية بأي شكل من الأشكال.
وهذا ما يخالف الجانب الآخر، حيث ترغب دول الخليج- متمثلة في المملكة العربية السعودية والإمارات وغيرهما- في استقرار الأراضي اليمنية ووضع حل سياسي واضح برفض التوجه الحكومي للجانب الحوثي، وهو ما لا يرضي أهواء الجانب الإيراني الذي ينتظر من الحوثيين التمسك بأوراقهم والسيطرة على العاصمة صنعاء والاستيلاء على مقاليد الحكم حتى وإن كان بطريقة غير شرعية، حيث يمثل الجانب الحوثي دعماً كبيراً وإسناداً للجانب الإيراني.
وهذا ما رأيناه في الحرب الأخيرة بقطاع غزة، وكيف كانت تتباهى إيران بأذرعها وميليشياتها الحوثية بتهديد مجرى الملاحة البحري في البحر الأحمر.
– حدثنا عن ملف التحقيقات في وفاة الرئيس السابق، إلى أين وصلت؟
حتى الآن، الحكومة الإيرانية ما زالت تتجنب الإفصاح عن هذا الأمر، وإيران تعلم تماماً مَن ارتكب هذا الحادث ومن المسؤول عنه، وتعلم أيضاً ما إذا كان الجانب الإسرائيلي هو المتسبب الرئيسي في الحادث أم لا، لكنها كما ذكرنا، لا تريد الإفصاح عن الحقيقة؛ حتى لا تثير البلبلة في الشارع الإيراني، خاصةً أنها تنتظر إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة.
– وماذا عن مستقبل إيران والعلاقات مع الصين وروسيا بعد فوز الرئيس؟
أعتقد أن مستقبل العلاقات مع الصين وروسيا ملف استراتيجي متكامل، ومن وجهة نظري فإن دولتي الصين وروسيا هما شريان الحياة الاقتصادي والسياسي للجمهورية الإيرانية، لأنه كما نعلم، يوجد توجه بالدعم المستمر من الجانبين الصيني والروسي بمجلس الأمن في استخدام حق الفيتو لصالح الملف الإيراني، وبالتأكيد هناك تحالف استراتيجي يجمع الصين وروسيا وحتى كوريا الشمالية في ما يخص العلاقات الإيرانية الصينية والروسية.
إذن، فالعلاقات الإيرانية مع الصين وروسيا علاقات استراتيجية تعتمد على تعزيز العلاقات لتحقيق الأهداف السياسية والعسكرية، وكما شاهدنا سبل الدعم على مختلف الأصعدة بجميع الملفات، حتى في ملف التسليح والتسلح الذي رأينا فيه دعماً من الجانب الإيراني بتسليح روسيا بطائرات مسيرة، أيضاً استيراد بعض أو قطع صواريخ كاملة من الصين رغم فرض العقوبات الأمريكية، وهو ما ساعد إيران في إطلاق الضربة الأخيرة على الجانب الإسرائيلي، رداً على قصف القنصلية الإيرانية في سوريا.
– هل تتوقع عودة العلاقات الإيرانية مع دول الخليج مع تولي الرئيس الجديد؟
أعتقد أن المنظور لرؤية علاقات إيران بدول الخليج اختلف تماماً، فالمؤسسات العميقة داخل إيران- متمثلة في المرشد الأعلى- كانت ترى أن هناك عداءً واضحاً من دول الخليج، ولكن هي الآن ترى أن التطبيع مع الخليج أفضل بكثير مما سبق.
وترى المؤسسات الإيرانية أنَّ كسب التوجه الخليجي ناحيتها أفضل من قطع أمريكا الصلة بينها وبين دول الخليج؛ خوفاً من وجود اصطفاف أمريكي خليجي ضد إيران، ومن وجهة نظري لعبت إيران لعبة المقاربات السياسية نتيجة وجودها وسط أهم الدول العربية، فهي تتقارب مع البحرين والإمارات ومصر والمملكة العربية السعودية، إذن هي تريد في واقع الأمر توطيد العلاقات مع الخليج حتى تقطع أهداف المخطط الأمريكي ضد تضارب مصالحها.
– وماذا عن موقف إيران من “طوفان الأقصي” ودعمها للمقاومة الفلسطينية؟
أرى أن إيران تأخذ من فلسطين عنواناً عريضاً لتنفيذ أجندتها في المنطقة، وقد دعمت القضية الفلسطينية وتدعم الفصائل معنوياً وعسكرياً ولكن بما يخدم مصالحها.